يظل ملف سد النهضة الإثيوبي من أكثر القضايا الساخنة على الساحة المصرية والأفريقية. منذ 15 عامًا، تسعى القاهرة للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم حول المبادئ التوجيهية لملء وتشغيل السد، بموجب “إعلان المبادئ” الموقع في مارس 2015. ورغم المحاولات المصرية الحثيثة للتفاوض السلمي بما يضمن الأمن والسلم الدوليين، من منظمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا إلى الشكاوى المقدمة لمجلس الأمن، فإن المماطلة الإثيوبية أفشلت هذه الجهود، وفق تصريحات رسمية صادرة عن وزارتي الخارجية والري المصرية.
في ديسمبر 2023، أعلنت مصر انتهاء المفاوضات، بعد عقد من المحادثات غير المثمرة، بسبب الإصرار الإثيوبي على اتخاذ قرارات أحادية الجانب ورفض أي حلول فنية أو قانونية تضمن مصالح الدول الثلاث.
السفيرة منى عمر أكدت ضرورة تثبيت المطالب المصرية قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، مشيرة إلى أن ولاية ترامب الثانية قد تشهد ضغوطًا اقتصادية على إثيوبيا بسبب سجلها في انتهاك حقوق الإنسان والسيادة، مع رفض داخلي ودولي لسياسات رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد.
من جانبه، يرى ضياء الدين القوصي، الخبير المائي، أن “ترامب قد يسعى للثأر من التعنت الإثيوبي الذي أفسد مفاوضات واشنطن في ولايته الأولى”، مؤكدًا أن التصرفات الأحادية الإثيوبية تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، أن السد لم يكتمل بعد بنسبة 100%، كما أن توربيناته لا تزال غير جاهزة للعمل بكامل طاقتها. وأشار إلى أن الحكومة الإثيوبية تستخدم السد كذريعة للتغطية على إخفاقات أبي أحمد في مجالات الصحة والتعليم وتدهور الخدمات، فضلًا عن ارتفاع معدلات الفقر.
يرى السفير حسين هريدي أنه لا يمكن التعويل بشكل كامل على الدور الأمريكي، مشددًا على أن المفاوضات الثلاثية تظل الخيار الأفضل.
وفي سياق متصل، أكد نصر علام، وزير الموارد المائية الأسبق، أن السدود تمثل جزءًا من مخطط أمريكي للتأثير على القرار المصري، مشيرًا إلى أن العالم لا يحترم سوى موازين القوة.
ويشدد خبراء على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لإدارة سد النهضة، ليكون قاعدة لأي مشروعات مائية مستقبلية. وأكدوا أن عدم وجود اتفاقيات ملزمة يسمح لإثيوبيا بالمضي قدمًا في بناء سدود أخرى بالطريقة ذاتها.
وأوضح الخبراء أن إدارة السد تتطلب شراكة دولية ثلاثية عاجلة لتنظيم قواعد تشغيله، خاصة في ظل عملية الملء والتفريغ المتكرر التي قد تصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا.
أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، في تصريحات لمنصة “MENA“، أن ادعاء رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، بأن السد انتهى بنسبة 100% زيف وادعاءات سياسية يسوقها لشعبه. وأضاف أن هذه الادعاءات ليست إلا إرثًا من رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي، الذي كان يسعى لتحقيق مجد شخصي عبر سد النهضة، رغم عدم فائدته الاقتصادية بالحجم المروج له.
وأوضح شراقي أن السد يندرج ضمن ادعاءات الحكومة الإثيوبية التي تحاول جمع الشعب ضد التهديدات الخارجية، في وقت لا تزال فيه تواصل التعنت والمراوغة للهرب من الفشل الخارجي.
ناقشت منصة “MENA” خبراء السياسة والري، الذين ذكروا أن قدوم ترامب قد يسهم في عودة قواعد اللعبة للمفاوض المصري، خاصة بعد تهرب إثيوبيا من مفاوضات واشنطن، التي كانت بوساطة مؤسسات دولية مثل البنك الدولي والخزانة الأمريكية.
وتوقع الخبراء فرض عقوبات جديدة على إثيوبيا، التي تواجه رفضًا داخليًا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم أمهرة، ورفضًا دوليًا لانتهاك سيادة الدول المجاورة. وطالب الخبراء بتحرك مصري عاجل قبل نهاية ولاية بايدن، مشددين على أهمية شراكة دولية لإدارة السد لمنع إثيوبيا من إقامة سدود جديدة مستقبلاً.
على الجانب الآخر، يرى فريق من الخبراء أنه لا يمكن التعويل كثيرًا على الدور الأمريكي بسبب تقلب ترامب وسعيه لتحقيق مصالح بلاده فقط. وأكدوا أن سد النهضة يأتي ضمن سلسلة سدود دعمتها الولايات المتحدة لإثيوبيا منذ الستينيات للتصدي للمد الناصري، مشيرين إلى أن العالم لا يحترم قواعد القانون الدولي دائمًا، وأن الحقوق لا تُنتزع إلا بالإرادة الوطنية والقوة، مستشهدين بتجربة غزة.
وعقد وزيرا خارجية مصر والسودان اجتماعًا في القاهرة عقب ساعات من إعلان فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية. وأكدت الخارجية المصرية أن الاجتماع شهد تطابقًا كاملاً في المواقف بشأن قضية الأمن المائي، مشددين على أن تحقيق الأمن المائي يمثل “مسألة وجودية” لا يمكن التهاون فيها.
أكدت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية سابقًا، في تصريحات لمنصة “MENA“، أن التنسيق بين وزراء خارجية مصر والسودان يجري بشكل دائم ومستمر، مشيرة إلى أن الزيارة الأخيرة التي جرت على هامش قمة الرياض، وشهدت لقاءً بين الوزير المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوداني علي يوسف أحمد الشريف، أكدت تطبيق المواقف المصرية-السودانية الموحدة بشأن ملف سد النهضة.
وأضافت السفيرة أن فترة رئاسة ترامب السابقة (2016-2020) تختلف بشكل جذري عن الفترة الحالية، في ظل تغييرات دولية وإقليمية، تشمل الصراعات في الصومال، النزاعات بين إثيوبيا وإريتريا، ووجود الحوثيين، فضلاً عن الأزمات الداخلية المشتعلة في السودان.
وتابعت السفيرة: “الإخلال الإثيوبي بمواقفهم خلال المفاوضات، التي جرت بوساطة دولية ورعاية أمريكية، كان وفقًا للمعلومات المسربة نتيجة ضغوط من روسيا والصين، ما أضر بمصداقية الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب. ومع ذلك، إذا استمرت مصر في الإصرار على موقفها وتكثيف جهودها في هذا الملف، فقد تضغط الإدارة الأمريكية على إثيوبيا لإيجاد حلول، ولكن لا يمكننا التعويل بشكل كبير عليهم، خاصة بعد التخاذل الدولي تجاه العدوان على أشقائنا في غزة”.
وأوضحت السفيرة أن علاقة ترامب الطيبة بالرئيس عبد الفتاح السيسي خلال ولايته الأولى لا تضمن دعمًا تلقائيًا، لكون ترامب شخصية تسعى لتحقيق مصالح محددة، ومنها إنهاء النزاعات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشكل يخدم المصالح الأمريكية.
وأشارت إلى أن الوقت الحالي هو الأنسب للضغط المصري في ظل نتائج قمة الرياض، حيث يمكن إضافة طلب التحركات في ملف سد النهضة كجزء من الجهود الدبلوماسية الدولية، بالتزامن مع الدعوات إلى تجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة والاعتراف بدولة فلسطين. واعتبرت أن هذه الخطوة قد تحفز إدارة ترامب القادمة على التفاعل مع القضية، كنوع من التنافس مع إدارة بايدن.
وأضافت السفيرة: “علينا الاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية على إثيوبيا، خاصة مع تفاقم الأزمات الداخلية هناك. فقد بلغ الغضب الشعبي ذروته، حيث ترفض كافة القوميات الإثيوبية سياسات أبي أحمد. كما يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي إدانات دولية بسبب انتهاكاته لسيادة الصومال وعداءاته مع الدول المجاورة، وهو ما يمثل أوراق ضغط قوية يمكن استغلالها لدفع إثيوبيا لتعديل مواقفها التي تنتهك القوانين الدولية، وتركيزها على إصلاح أوضاعها الداخلية”.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تدخلت بفاعلية لأول مرة في أزمة سد النهضة في نوفمبر 2019، حين دعت الأطراف الثلاثة (مصر، السودان، وإثيوبيا) إلى اجتماع في واشنطن بحضور وزير الخزانة الأمريكي ورئيس البنك الدولي. وأُصدر بيان مشترك في ختام الاجتماع، أكد الاتفاق على عقد أربعة اجتماعات عاجلة لوزراء المياه في الدول الثلاث بمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة والبنك الدولي، على أن تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله بحلول منتصف يناير 2020.
عُقدت الاجتماعات الأربعة بين الدول الثلاث (مصر، السودان، وإثيوبيا) بين نوفمبر 2019 ويناير 2020، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة. تدخلت واشنطن مجددًا في يناير 2020، باستضافة وفود الأطراف لتقييم نتائج الاجتماعات. وأسفرت المناقشات عن توافق مبدئي على إعداد خريطة طريق تتضمن ستة بنود رئيسية. كان أهمها بالنسبة إلى مصر تنظيم ملء سد النهضة خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد. وفي نهاية الشهر ذاته، تم الاتفاق على توقيع تفاهم نهائي خلال 30 يومًا.
صرح الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الموارد المائية والري، لمنصة “MENA“: “تجربة ترامب في عام 2020 كشفت عن اهتمام كبير بإدارة ملف سد النهضة، إذ شهدت تلك الفترة محادثات مكثفة بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة، بمشاركة البيت الأبيض، وزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الدولي. وتم إعداد مسودة نهائية للاتفاقية، وقّعت عليها مصر، بينما رفض السودان، وامتنعت إثيوبيا عن الحضور، وهو ما اعتُبر موقفًا مسيئًا للإدارة الأمريكية”.
وأضاف القوصي أن تصريحات ترامب العلنية كانت لافتة، حيث تساءل عن “صمت المصريين” وحرض علنًا على “ضرب السد”، مما أظهر اهتمامه بالقضية. ومع ذلك، أشار القوصي إلى أن شخصية ترامب متقلبة، فقد أعلن أيضًا سعيه لإنهاء الصراعات التي تفاقمت خلال إدارة بايدن.
أوضح القوصي أن التطورات الحالية قد تدفع ترامب، إذا عاد إلى الرئاسة، للثأر من إثيوبيا بسبب موقفها المتنصل من المفاوضات، الذي مثّل إهانة للبيت الأبيض. وأكد أن المفاوض المصري استفاد من سنوات الفيضانات الغزيرة التي قللت من أضرار ملء السد على دول المصب، ولكن المشكلة تكمن في التصرفات الأحادية لإثيوبيا، التي تتعارض مع القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة المنظمة للأنهار الدولية مثل النيل الأزرق.
وأشار إلى ضرورة فرض عقوبات دولية على إثيوبيا، مع تشكيل إدارة مشتركة لتشغيل السد عبر لجنة ثلاثية تضم مصر، السودان، وإثيوبيا، توقع التزامات واضحة أمام العالم.
في فبراير 2020، أعلنت إثيوبيا انسحابها من الاجتماعات المقررة لتوقيع الاتفاق النهائي في واشنطن، ما دفع مصر إلى توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى منفردة. وفي سبتمبر من العام ذاته، فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على إثيوبيا لتعنتها في ملف سد النهضة، عبر تعليق مساعدات بقيمة 272 مليون دولار كانت مخصصة لأديس أبابا.
في أكتوبر 2020، أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تصريحًا أثار جدلاً واسعًا حول أزمة سد النهضة، إذ قال خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السوداني آنذاك، عبدالله حمدوك: “إن الوضع خطير للغاية، لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة. وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد. قد قلتها وأقولها مجددًا بصوت عالٍ وواضح: سيفجرون ذلك السد. عليهم أن يفعلوا شيئًا ما.”
يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، لمنصة “MENA“: “رغم رعاية واشنطن لمفاوضات سد النهضة في أثناء ولاية ترامب، إلا أن الإدارة الأميركية لم تكن لديها نية حقيقية لحل الأزمة بشكل فعلي، حيث اقتصرت كل اهتمامات مبعوثها في القرن الأفريقي على قضايا أخرى وليست سد النهضة. وأعتقد أن تجديد الدور الأميركي مرتبط بالإدارة المصرية.”
ويُضيف شراقي: “الدليل على ذلك هو تغير الموقف الأميركي بعد شهر واحد فقط من رحيل ترامب عن البيت الأبيض، حيث ألغت إدارة الرئيس جو بايدن في فبراير 2021 ربط المساعدات الأميركية لإثيوبيا بموقفها من السد. ومنذ ذلك الحين وحتى نهاية ولاية بايدن، اكتفت الولايات المتحدة بالدعوة إلى حل تفاوضي دون اتخاذ خطوات جدية للضغط على إثيوبيا.”
يرى الدكتور شراقي أن ملف سد النهضة يمثل في الأساس قضية سياسية للحكومة الإثيوبية، التي تستخدمه كستار لإخفاء الفشل في كافة القضايا مثل الصحة والتعليم. وأوضح: “إثيوبيا دولة فقيرة تعاني من سوء الخدمات، وتروج حكومتها أن السد قضية قومية تهدف إلى تلاحم الشعب ضد الأطراف الخارجية. وهذا دفع الشعب الإثيوبي لانتظار هذا المشروع الذي، في تصورهم، سينقلهم إلى مستويات اقتصادية أخرى.”
وأضاف شراقي: “عند انتهاء سد النهضة، سينتقل الشعب الإثيوبي لمحاسبة حكومته عن وعود التحسن الاقتصادي والرخاء المزعوم. وسيكون التساؤل عن الكهرباء ومياه الشرب والاستثمار الزراعي، حيث تسرع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بإعلانه عن انتهاء السد بنسبة 100% بعد الملء الخامس والأخير في 5 سبتمبر الماضي، حيث قاموا بتخزين من 60 إلى 64 مليار متر مكعب فقط، وهي أقصى سعة وليس 74 مليار متر مكعب كما يروجون.”
أوضح الدكتور شراقي: “إثيوبيا تعرضت لمخاطر فنية تهدد بانهيار السد، علاوة على تركيب 4 توربينات فقط من أصل 13 توربيناً حتى الآن. وهذا يعني أنهم غير قادرين على توليد 5,250 ميجاوات كما يزعمون، وما يتم إنتاجه الآن أقل بكثير من الوعود التي أطلقتها الحكومة الإثيوبية.”
بادر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتهنئة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على تغلبه على منافسته كامالا هاريس. ومع ظهور النتائج الأولية للانتخابات، كتب السيسي عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك” مهنئًا ترمب، ومعربًا عن تطلعه لتعزيز السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. وبعد ذلك بساعات، أجرى السيسي اتصالاً هاتفيًا مع الرئيس الأميركي المنتخب، أكد خلاله التطلع لاستمرار التعاون والعمل معه خلال ولايته الجديدة.
على الجانب الإثيوبي، اكتفى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتهنئة ترمب عبر تدوينة على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، مشيرًا إلى تطلعه لتعزيز علاقات البلدين. وجاءت هذه التهنئة بنبرة تختلف عن تلك التي عبّر عنها أحمد قبل أربع سنوات حين خسر ترمب أمام جو بايدن، حيث وصف حينها فوز بايدن بـ”التاريخي”.
تعليقات الإثيوبيين على تدوينة آبي أحمد تضمنت تذكيره بتصريحات ترمب السابقة حول احتمال تفجير مصر للسد، مشيرين إلى أن الرئيس الأميركي المنتخب كان “صديقًا” للقاهرة خلال ولايته الأولى.
يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: “من المبكر التعويل على الموقف الأميركي فيما يتعلق بملف سد النهضة، رغم إطلاق ترمب مفاوضات في ولايته الأولى. لكن لا يمكننا الاعتماد على أميركا كداعم أو مساند، خصوصًا أن تصريحات ترمب السابقة جاءت بناءً على ظروف ومعطيات محددة اختلفت الآن، بينما الثابت الوحيد هو التعنت الإثيوبي في مسألة ملء السد.”
وأضاف فهمي لمنصة “MENA“: “أعتقد أن هذا الملف سيكون ضمن مجموعة ملفات هامة ستعمل الإدارة الأميركية الجديدة على معالجتها في القرن الأفريقي. لكن يجب التعامل بحذر مع الولايات المتحدة التي تتبنى سياسة الصفقات، القائمة على حسابات المكسب والخسارة. وبالتالي، لا يمكن التعويل على مواقف ترمب خلال ولايته الأولى في معالجة الملف خلال ولايته الجديدة.”
وأشار إلى أن امتناع السودان عن التوقيع على إعلان واشنطن أضعف الموقف المصري، في ظل تغيرات ومراوغات إثيوبية يصعب البناء عليها في أي مفاوضات قادمة.
وجهت مصر خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي في الأول من سبتمبر الماضي، بعد إتمام الملء الخامس لبحيرة السد الإثيوبي. وأكد وزير الخارجية المصري في الخطاب رفض السياسات الأحادية الإثيوبية، مشيرًا إلى أن القاهرة مستعدة “لاتخاذ كل التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه”.
وتحرص مصر على أن يكون ملف الأمن المائي حاضرًا في أي تواصل مع الإدارة الأميركية، إذ أكد وزير الخارجية المصري خلال اتصال مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن الشهر الماضي، الموقف المصري الداعي إلى التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا لتشغيل السد الإثيوبي. وشدد على أن الأمن المائي المصري “مسألة وجودية لن تتهاون مصر فيها”. من جهته، جدد وزير الخارجية الأميركي التزام الولايات المتحدة بدعم الأمن المائي المصري، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية.
من جانبه، يقول السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق: “أستبعد أن يكون لإدارة ترامب الثانية دور ملموس في محاولات للتغلب على الخلاف المصري الإثيوبي حول سد النهضة، وخاصة أن جهود الوساطة الأميركية خلال ولايته الأولى لم تنجح. وأشك في أنه سيحاول مرة أخرى.”
وأضاف هريدي لمنصة “MENA“: “في تقديري، أن أفضل السبل لحل الخلاف المذكور هو من خلال الاتصالات الثنائية. لقد جرّبنا كل الخيارات، وكلها لم تنجح في إيجاد حل مرضٍ للطرفين. وسيقول البعض إن المفاوضات المباشرة السابقة لم تؤدِ إلى شيء، لكن بالرغم من ذلك ينبغي أن نعمل على التواصل مع الحكومة الإثيوبية، وأن نبتعد عن أي إجراء أو أي تحرك يستثير إثيوبيا.”
منذ إعلان إثيوبيا عزمها تشييد سد النهضة عام 2010، نشب خلاف بين أديس أبابا والقاهرة، التي ترى في الكم الكبير من المياه في خزان السد، البالغ 74 مليار متر مكعب وفق المخطط، مهدداً لأمنها المائي. إذ يعاني مصر من محدودية الموارد المائية في ظل اعتمادها على نهر النيل كمصدر وحيد للمياه، وثبات حصتها من النهر منذ عام 1959، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنويًا.
كما حل الدكتور بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ضيفًا في لقاء مفتوح حول نتائج الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط، ضمن مشروع “حلول للسياسات البديلة”، وذكر أنه “لا يمكن التعويل كثيرًا على ملف سد النهضة والأزمة المصرية الإثيوبية، خاصة أن الولايات المتحدة لا تلعب دورًا فاعلًا. ومن المتوقع أن تركز إدارة دونالد ترامب فقط على المصالح الأمريكية وفق رؤيتها.”
وأضاف بول: “نحن في العالم العربي ننظر إلى أمريكا بنظرة إمبريالية وكأنها هي التي تقدم الحلول، وهذا مغاير تمامًا للحقيقة. علينا أن نبحث عن حلول نابعة من داخل المنطقة العربية ونعتمد على أنفسنا، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الدولية المحيطة.”
من جهة أخرى، يرى الدكتور محمد نصر علام، وزير الري الأسبق، أنه “لا يمكن التعويل على الإدارة الأمريكية، صاحبة فكرة السدود الإثيوبية التي يعتبر سد النهضة واحدًا منها. فقد قدمتها لهم نكاية في المد الناصري في الستينيات. ورغم اختلاف الظروف الدولية نتيجة الفترة الزمنية المختلفة، يظل أنه مخطط أمريكي غربي لاحتواء مصر.”
ويضيف علام لمنصة “MENA“: “ليس من الحكمة أن ننتظر أن الحلول ستأتي من أمريكا أو حتى فكرة التلويح بضرب السد. لن يصلح الأمر إلا من خلال قوة الدولة المصرية وقدرتها على الدفاع عن مصالحها. ولكن للأسف، منطقة الشرق الأوسط تموج بصراعات المصالح والانقسامات، وأزمات السودان وليبيا، والأساطيل في البحر المتوسط والأحمر. وهنا يكون سد النهضة أحد أوراق الضغط على الموقف المصري حيال القضايا الدولية. فما الذي يجبر إثيوبيا على التفاوض مع مصر؟ هو إيجاد مصالح مشتركة بين الأطراف الدولية، خاصة أن القضية ليست قانونية بقدر ما هي لعبة استراتيجية. خير دليل على ذلك القضية الفلسطينية التي تملك كافة القوانين وقرارات مجلس الأمن، ويتم تصفيتها لأن العالم لا يحترم القوانين، بل يحترم القوة. لكن الظروف الدولية ليست في صالح مصر ولا العالم العربي، إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية.”