عينت الأمم المتحدة مؤخرًا مبعوثًا أمميًا جديدًا لشؤون المياه، لمواجهة مشكلة الندرة المائية العالمية. وقد رحبت القاهرة بهذا القرار، آمله أن يُساهم هذا الدور الجديد في دعم الموقف المصري على الساحة الدولية، خاصة مع استمرار احتدام الخلافات حول سد النهضة.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في الحفاظ على حصتها المائية، فإن التصرفات الأحادية لأثيوبيا تزيد من تعقيد الأمور، إذ بدأت أثيوبيا الملء الخامس لسد النهضة غير عابئة بمصالح مصر والسودان وأمنهما المائي، ما جعل مصر تهدد بحماية أمنها المائي بكافة الطرق القانونية منها والعسكرية.
ووصلت المفاوضات بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة في عام 2023، إلى طريق مسدود، بعد تعنت أثيوبيا ورفضها الدخول في حوار بنّاء مع مصر والسودان للوصول إلى حلول وسط بشأن تقاسم الموارد المائية.
توربينات سد النهضة لا تعمل وتعيين مبعوث غير كاف
قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن آخر المستجدات حول سد النهضة تشير إلى أنه خلال شهر سبتمبر الجاري بلغ إيراد النيل الأزرق حوالي 12 مليار متر مكعب، أي بمعدل يومي حوالي 400 مليون متر مكعب، فبعد توقف التوربينات الأربعة في الخامس من سبتمبر الجاري، مرّت هذه المياه من خلال بوابات المفيض العلوية لتوقف التوربينات، مشيرًا إلى فتح السودان عدد من بوابات السدود مثل الروصيرص ومروى وأعالي عطبرة وستيت؛ كي تمر معظم المياه، محذرًا من أن التوربينات الخاصة بسد النهضة لم تعمل حتى الآن، وفي هذا تعنت أثيوبي خطير كي تضمن عدم وصول المياه إلى مصر.
وأوضح شراقي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن استحداث منصب أممي جديد في ظل الصراع على المياه أمر مهم لكنه غير كاف، إذ انتهى التخزين الخامس والأخير في سد النهضة بحجز حوالي 19 مليار متر مكعب كانت في طريقها إلى مصر، إضافة إلى 41 مليار متر مكعب من السنوات الأربع السابقة ليصبح إجمالي التخزين 60 مليار م3 عند منسوب حوالي 538 م، وهذا هو التخزين الحقيقي الفعلي في سد النهضة.
الأزمة بين مصر وأثيوبيا بلغت ذروتها
وأكد شراقي أن الوضع الآن فيما يخص الخلافات المائية بين أثيوبيا ومصر بلغ ذروته، والتوقيت الآن مناسب لفتح المفاوضات من جديد برعاية المبعوث الأممي لندرة المياه، كي نُجنّب العالم حربًا مائية قد يكون من الصعب حلها، مشيرًا إلى ضرورة رصد مصر تضررها من أثيوبيا وتقديمه في ملف إلى المبعوث الأممي، كي يطلّع على انتهاكات أثيوبيا لحقوق مصر المائية.
وأضاف شراقي أن ملء سد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب -مصر والسودان- هو جريمة كُبرى في حق شعوب وادي النيل ويجب معاقبة أثيوبيا عليها، مؤكدًا قدرة مصر على حماية أمنها المائي الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، محذرًا المجتمع الدولي من مغبّة التغاضي عن تصرفات أثيوبيا بحق مصر والسودان، كي لا تندفع الأمور في منحى هو الأخطر من نوعه منذ بدء إنشاء سد النهضة.
الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية
تحقيق موسع.. أولى مطالب مصر من المبعوث الأممي
من جانبه، قال الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن استحداث الأمم المتحدة لمنصب “المبعوث الأممي للمياه” فرصة كُبرى لمصر، تُدعم موقفها دوليًا وتستطيع من خلالها طلب تحقيق موسع حول أضرار سد النهضة على مصر والسودان، وهو الأمر الذي يدعم موقفها دوليًا ويطرح الأزمة على الساحة الدولية في ظل تصرفات أثيوبيا الأحادية.
وأضاف مهران في حديثه لمنصة “MENA” أن الخطوة الأولى التي يجب أن تتبعها مصر تتمثل في تقديم كافة الأدلة التي تثبت تضررها إلى المبعوث الجديد، والتي ستثبت انتهاك أديس أبابا لقواعد القانون الدولي للمياه، أما المسار الثاني فيتمثل في طلب الوساطة من المبعوث الجديد لفتح المفاوضات مرة أخرى في ظل التصريحات العدائية التي يُطلقها أبي أحمد، رئيس وزراء أثيوبيا، وأن تستند المفاوضات للقانون الدولي للمياه حتى يثبت تورط أثيوبيا في إيذاء مصر عن عمد.
أثيوبيا تراقب تعيين المبعوث الأممي بحذر شديد
وأكد الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية أنه مصر يجب أن تقدم رؤية للاستخدام العادل لمياه النيل على أساس التعاون من مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، ومن ثم تخضع هذه الرؤية للنقاش الدولي، مضيفًا أنه يمكن لمصر أن تدفع أيضًا باتجاه تطوير آليات دولية أكثر فعالية لحل النزاعات المائية، مستفيدة من الخبرات العالمية التي سيجلبها المبعوث الأممي.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن أثيوبيا تتابع الأمر بحذر ومن المتوقع أن تُدوّل القضية رغم معارضتها لتدويل قضية السد سابقًا، مؤكدًا ضرورة إدراك أن هذه هي الفرصة الأخيرة أمام أثيوبيا للوصول إلى حل مُرضي لجميع الأطراف، أما في حالة تجاهل أثيوبيا لهذا الأمر فإن عزلتها ستزداد وسيضعها في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، وهو ما ينعكس إيجابًا على موقف القاهرة والخرطوم.
مصر نجحت في استحداث منصب مبعوث أممي للمياه
وقال إسلام فكري، الباحث بالمركز العربي الأفريقي، إن مصر قادت مع ألمانيا تحركات واسعة للإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه عام 2023، وبالفعل نجح التحرك المشترك في حشد دعم 151 دولة لاستحداث منصب المبعوث الأممي للمياه؛ لدعم الدول التي تواجه الندرة المائية، مؤكدًا أن مصر تسعى لمواجهة التحديات لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المعني بالمياه.
ورأى فكري في تصريح خاص لمنصة “MENA” أن خطوة استحداث مبعوث أممي لندرة المياه هي خطوة على الطريق الصحيح لحسم النزاعات حول الأنهار والبحار، فهناك تحديات مائية تواجه عدد كبير من الدول يُطلق عليها المجتمع الدولي “دول الندرة المائية”، لذا كان لابد من استحداث هذا المنصب لإدارة النزاعات المائية وإدارة المياه بشكلٍ جيد وعادل دون تعدٍ أي دولة على حق دولة أخرى ولنا في مصر وأثيوبيا مثال.
المنصب الجديد يلفت أنظار العالم للشح المائي
وأضاف فكري أن الدول التي تشترك في مياه واحدة مثل دول “حوض النيل”، سيكون هذا المنصب جيد لها، لمواجهة الشح المائي وابتكار أفكار للتعاون المشترك والمثمر بما يحقق مصلحة كافة الأطراف، لكن لابد من حسم النزاعات المختلفة بين الدول وفقًا لقواعد قانون المياه الدولي، كما أن هذا المنصب سيتيح لمصر الاستفادة منه عبر تقديم مقترحات قانونية وتفاوضية، وطلب فتح المفاوضات من جديد لكن هذه المرة وفق ضوابط مختلفة يُشرف عليها بشكل مباشر المبعوث الجديد.
وأوضح فكري أن استحداث المنصب الجديد لندرة المياه سيزيد من الوعي العالمي وجذب الانتباه الدولي إلى قضايا المياه وندرتها في عدة دول، في ظل تزايد النزاعات الإقليمية والدولية حول المياه، وفي وقتٍ تعثرت فيه المفاوضات بين مصر وأثيوبيا يمكن أن يعاد فتحها مرة أخرى.
اقرأ أيضًا:
تقارب مغربي أثيوبي يثير التساؤل في ظل تفاقم أزمة سد النهضة
هل بدأ الاستثمار الإماراتي في تعمير شبه جزيرة سيناء؟
الحرب السودانية تكبد الاقتصاد المصري خسائر بالمليارات
استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية
رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير