– غياب موقف موحّد من المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة
ـ أبو عيطة: غلق المجال العام وهشاشة التحالفات وتناقض مواقفها أضعفت المعارضة
حامد جبر: قانون التظاهر يمنع ممارسة الحق الدستوري ويُسهم في عزلها داخل مقارها بعيدًا عن الجماهير خلافًا لإفساح المجال أمام أحزاب الموالاة
عبد المنعم إمام: انحيازات السلطة للأحزاب الموالية وغياب هوامش الحرية والاستقطاب السياسي أفرز تيارين فقط.. وغاب التيار المتوازن
مدحت الزاهد: الاعتماد على “الترخيص” بدلًا من “الإخطار” أفقد المعارضة جماهيرها.. ويجب ابتكار أدوات جديدة ورفع هوامش الحرية لمواجهة أزمات البلاد
تواجه الحركة المدنية في مصر تحديات متزايدة تمثل ضغوطًا مباشرة على مستقبل الأحزاب المعارضة، وعلى قدرتها في الوصول إلى القواعد الشعبية والجماهير.
ناقشت منصة “MENA” هذه التحديات مع سياسيين وبرلمانيين ورؤساء أحزاب، الذين أرجعوا أسباب هشاشة المعارضة إلى ضعف هوامش الحريات، والضغوط الأمنية، وانحياز الدولة لأحزاب بعينها، بالإضافة إلى الخلافات الداخلية داخل الجبهة الواحدة، حتى بلغ الأمر غياب موقف موحّد تجاه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فضلًا عن إشكاليات تتعلق بالتمويل والاحتفاء الإعلامي بالأحزاب الموالية للسلطة، ما دفع بعض القوى المعارضة إلى التلويح مرارًا بتجميد نشاطها الحزبي.
تضم الحركة المدنية 12 حزبًا سياسيًا معارضًا، من بينها عشرة أحزاب نشطة هي: الدستور، التحالف الشعبي الاشتراكي، العيش والحرية، الكرامة، الشيوعي المصري، المحافظين، الحزب العربي الديمقراطي الناصري، حزب الوفاق القومي، الحزب الاشتراكي المصري، وحزب الإصلاح والتنمية. ويشارك في التحالف أيضًا عدد من الشخصيات العامة، بينما لا يزال حزب العدل والحزب المصري الديمقراطي يجمّدان نشاطهما في الحركة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية.
يقول كمال أبو عيطة، القيادي بحزب الكرامة والتيار الناصري، إن أزمة المعارضة في مصر ترجع إلى عدة أسباب، أبرزها غلق المجال العام، ووجود سجناء رأي، إلى جانب هشاشة بعض التحالفات السياسية التي تضم أطرافًا متناقضة، ما يؤدي إلى نشوء خلافات داخلية.
ويضيف أبو عيطة لـ”منصة MENA“: “من المفترض أن تبدأ التحالفات من الأقرب فالأقرب، لكن ما يحدث هو ضم أطراف بعيدة على حساب الأطراف الأقرب، وهو ما يضر بالتحالفات ويقوّض المصلحة العامة.”
وتابع: “اللجوء إلى تحالفات واسعة دون قواعد مشتركة ومتشابهة لن يؤدي إلى نتائج، فهذه التحالفات لا تقوى إلا إذا دعمتها تيارات قوية ومنظمة. لكن انشغال كل طرف بترتيب صفوفه الداخلية، دون رؤية جماعية واضحة، أدى إلى ضعف الأداء ووقوع أزمات أعاقت العمل المشترك.”
وأوضح أن هذه الأزمة تجلت بوضوح في غياب موقف موحّد حول دعم مرشح رئاسي، مضيفًا: “والسؤال الآن، هل تستطيع هذه التحالفات اتخاذ موقف واضح بشأن المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ أم أن بعض أعضائها سيرشحون أنفسهم ضمن قوائم الحكومة؟ هذا التناقض يعكس أزمة جوهرية، وأعتقد أن القوى الوطنية بدأت تكتشف هذا الخطأ وتسعى لمعالجته.”
يضيف أبو عيطة لـ”منصة MENA”: “نحن ممنوعون أساسًا من الوصول إلى الناس، ففي الحالات التي نحاول فيها ذلك، تصاب الأجهزة الأمنية بحالة من الرعب وكأننا ارتكبنا خطيئة، مع أن جوهر العمل الحزبي يقوم على التواصل مع الجماهير.”
وأشار إلى المؤتمر الأخير لحزب الكرامة حول قانون الإيجارات القديمة، قائلًا: “ما حدث يؤكد أن القوى السياسية لها جمهور، لكننا ممنوعون من التواصل معهم، والمبرر أن الشارع ملتهب، دون النظر للأسباب الحقيقية لاحتقان الشارع، وهي الإجراءات الحكومية الخاطئة.”
يشرح أبو عيطة: “هناك برنامج حكومي يُقال إنه للإصلاح الاقتصادي، لكنه يؤدي إلى سقوط فئات جديدة من الفقراء كل يوم، وهو ما يتناقض مع أسس أي برنامج إصلاحي حقيقي. وتوسّع برنامج تكافل وكرامة، بدلًا من تقليصه، دليل واضح على فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.”
ويتابع: “الشعب المصري يتمتع بقوة عمل هائلة، وهو شعب شاب يميل إلى العمل ويبتكر أنماطًا جديدة للرزق، لذلك فإن تحويله إلى متلقٍ للإعانات مرفوض. نحن بحاجة إلى برامج توظيف حقيقية، وزيادة في الإنتاج، تدرّ دخلًا حقيقيًا للدولة من ثمار العمل، لا من ريع المباني التي لا تجد سكانًا.”
تنص المادة (5) من الدستور المصري بتعديلاته في عام 2019 على أن يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على النحو المبين في الدستور.
من جانبه، يقول حامد جبر، القيادي بحزب الكرامة، لـ”منصة MENA“: إن قانون التظاهر الذي صدر في عهد رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور، ببنوده السارية حاليًا، يمثل بداية حظر لأي تجمعات أو تظاهرات، سواء في أماكن محددة أو وفقًا لكافة الشروط التي ينظمها ويتطلبها القانون، حيث لا يتم العمل بها على الإطلاق. حتى في الحالات التي يتم فيها التقدم بطلب لتنظيم مظاهرة في مكان معين، غالبًا ما يُقابل بالرفض، وهو ما يُعد أول عائق يحول دون استخدام المواطنين – وليس المعارضة فقط – لحقهم الدستوري في التظاهر، سواء داخل مصنع أو في الشارع.
ويتابع جبر: في ظل الضوابط المعمول بها عالميًا، وليس في مصر فقط، كان يجب أن يتماشى قانون التظاهر مع هذا الحق الدستوري، لا سيما وأن قانون العقوبات المصري يتناول بالفعل ما يُعد خروجًا عن المألوف في التظاهرات. أما النقطة الثانية، وهي مرتبطة بالقانون، فتكمن في وضع الأحزاب المدنية المعارضة داخل الشارع السياسي؛ فمثلًا إذا رغبت في إقامة معسكر تثقيفي للشباب المنضمين لأي حزب معارض، يتطلب الأمر الحصول على موافقات أمنية، وغالبًا ما تُرفض مثل هذه الطلبات، ما يؤدي إلى استخدام القانون كأداة لتقييد تحركات المعارضة، وإبقائها محصورة داخل مقراتها دون السماح لها بالالتحام بالجماهير بشكل فعّال.
ويضيف جبر لـ”منصة MENA”: في المقابل، تُمنح أحزاب الموالاة – التي أنشأتها السلطة – مساحة كبيرة للتحرك بحرية، سواء في تجاوز الحد الأقصى للتبرعات المنصوص عليه في قانون الأحزاب السياسية، الذي يلزم بالإفصاح عن هوية المتبرعين حال تجاوزهم مبلغ 50 أو 500 ألف جنيه، أو في إقامة فعاليات عامة دون قيود. نراهم يحتفلون في الميادين والشوارع بالمناسبات أو الأعياد أو خلال شهر رمضان، بل وحتى حين تدعو السلطة إلى مظاهرات منظمة.
أما أحزاب المعارضة، فتعاني من غياب الموارد المالية، وهي لا تطلب أموالًا بقدر ما تطالب بفرصة حقيقية للالتحام بالجماهير، الذين يمكن أن يدعموها بخدمات ومواقف دون الحاجة إلى إنفاق كبير، على عكس ما كانت تفعله جماعة الإخوان التي كنا ننتقدها سابقًا. فهذه الإجراءات تعرقل حق المواطن المصري، بما فيهم الأحزاب كشخصيات اعتبارية، في ممارسة حقوقهم الطبيعية.
ويؤكد جبر أن الحديث المستمر عن ضعف المعارضة يعود في الأساس إلى العقبات التي تفرضها قوانين صدرت في مراحل معينة من خلال مجلس نواب تراجع دوره، سواء رقابيًا أو تشريعيًا، بل وصل الأمر إلى انتقال صلاحية التشريع برمتها إلى مجلس الوزراء.
ويشير جبر إلى أن أي ائتلاف أو جبهة يجب أن تُبنى على خطوط عامة متفق عليها، إلى جانب إدراك وجود بعض النقاط الخلافية. فإذا كان هناك مرشح رئاسي مطروح، من الطبيعي أن تختلف الآراء بشأنه، وهو أمر مشروع في إطار قانون الوحدة والصراع داخل التحالف.
وتكمن الأزمة، حسب وصفه، في غياب الفهم المشترك بين أطراف التحالفات بشأن ما هي نقاط الاتفاق وما هي نقاط الخلاف، ما يؤدي إلى انهيار أي جبهة مدنية سواء في الماضي أو المستقبل. لذلك، من الضروري توسيع أفق التفكير والرؤية، والاتفاق على مواقف واضحة مع احترام الخلاف. فلا يجوز أن نكون متفقين فقط وقت الانسجام، ونتبادل الاتهامات بالخيانة وقت الخلاف. القضية الحقيقية تكمن في مدى استيعاب اللحظة التاريخية، وكيفية التعامل معها من خلال اتفاقات قصيرة أو طويلة الأجل. وفي حال تعذر الاتفاق على رؤية واضحة، فإن من الأفضل لكل طرف أن يلتزم بأفكاره ويمنح الآخرين حرية الموقف دون تخوين أو وصم.
في السياق ذاته، يرى عبد المنعم إمام، عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل، أن الأزمة الحقيقية التي تواجه أحزاب المعارضة في مصر تتمثل في عدم وقوف الدولة وأجهزتها على مسافة واحدة من جميع الأحزاب. ويوضح في حديثه لمنصة “MENA”: “كمواطن يرغب في الانضمام إلى حزب سياسي، فإنني إذا اخترت حزبًا لا يتمتع بدعم أو حظوة من قبل السلطة، سأواجه مشكلات في معاملاتي ومصالحي، حتى لو كنت مؤمنًا بمبادئ حزب معارض كحزب العدل أو غيره”.
ويضيف إمام: “تراجع هامش الحريات أصبح واضحًا، خصوصًا في ظل التوسع باتهام المواطنين بسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يؤدي إلى عقوبات بالسجن، ما يزرع الخوف في نفوس من يرغب في الانخراط السياسي، ويجعلهم يترددون في الانضمام إلى الأحزاب المعارضة”.
ويتابع: “تلك الأجواء المقيدة للحريات، بالإضافة إلى غياب المناخ الآمن للمشاركة، دفعت كثيرين للعزوف عن العمل السياسي، خصوصًا أن البعض لا يمتلك الخبرة أو النضج السياسي الكافي للتعامل مع هذا الواقع، فيلجأ إلى التطرف في المواقف، إما بالموافقة المطلقة أو الرفض القاطع، ما تسبب في غياب التيارات الوسطية التي تسعى لصياغة توازنات سياسية”.
ويشير إمام إلى أن “الاستقطاب السياسي بات عائقًا أمام أي محاولة للتوفيق أو تقديم بدائل متوازنة، حتى إن من يسعى لذلك يُتهم بمحاولة ‘مسك العصا من المنتصف’، دون الالتفات إلى مسؤولية الأطراف الأخرى في تأزيم المشهد”.
ويختم قائلًا: “الجهاز الإداري للدولة نشأ وترعرع على ثقافة الحزب الواحد أو ‘حزب الدولة’، وبالتالي فإن أي حزب آخر يسعى للتعاون أو العمل لا يُقابل بالترحيب، بل يُرفض التعامل معه إلا بإذن مباشر من القيادة، مما يجعل من هذا الجهاز عنصرًا طاردًا للممارسة السياسية، لا محفزًا لها”.
يرى مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وقيادي في الحركة المدنية، أن المعوقات التي تواجه الحياة السياسية في مصر تعود إلى طبيعة النظام السياسي القائم على الهيمنة والموالاة، وإقصاء وتهميش أحزاب المعارضة، ومنع ظهور قوى مستقلة قد تكتسب وزنًا نسبيًا. ويضيف: “ثورة 25 يناير ساهمت في تشديد موقف الأجهزة الأمنية تجاه القوى المعارضة، باعتبار أن الثورة انطلقت من المساحات الضيقة التي كان يتيحها نظام مبارك، مثل السماح ببعض الوقفات أو بحرية نسبية في العمل النقابي، حيث كان يقوم على تعددية حزبية مقيدة”.
ويتابع: “اعتبر البعض أن هذه المساحات هي ما تسبب في اندلاع الثورة، بدلًا من الاعتراف بأن الانفجار جاء نتيجة التصدعات السياسية العميقة في نظام مبارك، والتي ارتبطت بمحاولات التوريث، وانتشار الفساد، والركود السياسي، وبقاء شخصيات بعينها في مواقعها لعقود طويلة”.
ويضيف الزاهد في حديثه لمنصة “MENA“: “النظام الحالي يعيد إنتاج آليات السيطرة القديمة من خلال مبدأ الترخيص وليس الإخطار، رغم أن ثورة يناير كانت قد قطعت شوطًا في كسر هذا النمط”. ويوضح أن الدولة استعادت سيطرتها على المجال العام، بحيث لا يمكن ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي إلا بعد موافقات مسبقة ومباركة من الجهات الرسمية، وهي منهجية قديمة اعتمد عليها النظام السياسي في مراحل سابقة، تقوم على الشطب والمنع من القواعد، وحرمان الأفراد من الوصول إلى مواقع التأثير.
ويشير الزاهد إلى أن ذلك يظهر بوضوح في عدة أمثلة: “لا يمكنك إنشاء حزب إلا بالرجوع للجنة شؤون الأحزاب، ولا إصدار صحيفة إلا من خلال المجلس الأعلى للصحافة، ولا تأسيس جمعية خيرية إلا بترخيص من التضامن الاجتماعي، وبالتالي فإن الحق في التنظيم والمشاركة العامة لا يتم إلا عبر بوابة الجهاز الإداري للدولة، وهو أمر لا يتماشى مع معايير أي مجتمع ديمقراطي”.
ويؤكد الزاهد أن ثورة يناير أرست توجهًا دستوريًا جديدًا يعتمد على الإخطار لا الترخيص، سواء في إنشاء حزب أو إصدار صحيفة أو تنظيم وقفة احتجاجية. لكنه يشير إلى أن الدولة تراجعت عن هذه المبادئ، ما ضيّق فرص الوصول إلى القواعد الشعبية، وقلل مساحة التأثير الجماهيري، خصوصًا في ظل القيود المفروضة على الإعلام وحتى على النشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويشرح أن الحركة المدنية، التي تضم أطيافًا متعددة من التيارات الليبرالية والقومية واليسارية والاشتراكية، تجمعها قواسم مشتركة أبرزها الدفاع عن الحريات وفتح المجال العام. أما القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فتتباين فيها المواقف، لكن القاعدة العامة هي التوافق؛ فلا تصدر بيانات مشتركة إلا في حالة وحدة الرؤية، بينما يتم إصدار بيانات منفصلة حال وجود اختلافات، كما في قضايا مثل رفع تذاكر المترو أو قانون الإيجار القديم، حيث تكون الأولوية لحماية الحق في السكن، خصوصًا في ظل وجود مليارات مجمدة في وحدات سكنية مغلقة.
ويختتم الزاهد حديثه لـ”منصة MENA” بالقول: “أثبتت الحركة المدنية وجود قواسم مشتركة مهمة في القضايا الاجتماعية، مثل المطالبة بوحدة الموازنة العامة، ومكافحة الفساد، وضمان عدالة النظام الضريبي، وتطوير القدرات الإنتاجية للاقتصاد، خاصة في الزراعة والصناعة. وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها دون حرية الإعلام وقوة التنظيمات النقابية التي تضمن خضوع هذه السياسات للمساءلة”.
ويضيف: “على الأحزاب السياسية أن تبتكر في كيفية إيصال رسالتها إلى أصحاب المصلحة، أي الجماهير، خصوصًا أن لديها كوادر وخبرات وطنية في مجالات متعددة كالصحة والزراعة والصناعة، لكنّها تعاني من صعوبة في الوصول إلى السلطة أو إلى الناس. ولذلك، من الضروري الاجتهاد في ابتكار وسائل آمنة وفعّالة لتوصيل الصوت السياسي، بعيدًا عن المطاردة والتضييق، لأن توسيع هامش الحريات ليس فقط لصالح المعارضة، بل لصالح الوطن كله في مواجهة أزماته وتحدياته”.
اقرأ أيضًا:
إفلاس أم إعادة تدوير؟.. أسئلة حول قيادات “الحزب الجديد”
أمين مستقبل وطن بالغربية: سنطور سياساتنا.. ونستعد للرهان البرلماني
تحالف انتخابي مستقل .. ما فرص وصول الحركة المدنية للبرلمان؟