الشارع المصري

الأطباء يعانون ما بين إهمال الحكومة للمنظومة وسخط العامة

نادية شحاتة

الأطباء يعانون ما بين إهمال الحكومة للمنظومة وسخط العامة


إن حالات التعدي علي الأطباء في المستشفيات الحكومية بات أمراً طبيعياً نسمعه ونشاهده يومياً، وذلك بسبب إهمال الحكومة للمنظومة الصحية بمصر وغياب الحملات الاعلامية لتوعية المواطنين عن طبيعة عمل طبيب الاستقبال داخل المستشفيات والضغوطات التي يتعرض لها.




وفي هذا الصدد قال “خالد أمين” الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء:


أولاً إنه ينبغي الإبلاغ الفوري في أقسام الشرطة أو الجهات المعنية عن حالات التعدي على الأطباء حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية حول الواقعة، لأنه في حال حدوث ذلك سيكون هناك رادعاً قوياً، فالأطباء لديهم الحق في اتخاذ كافة الطرق بدءً من الطرق القانونية وصولاً بالإضراب عن العمل وهو حق يكفله لهم الدستور، لأننا تمكّنا من أخذ قرار من الجمعية العمومية بأن الطبيب من حقة الإضراب عن العمل عندما تكون حياته مهدده بالخطر، فعندما نجد طبيب يعمل وهناك من يهدده بسكين في ظهره٬ مثلا فمن حقه أن يضرب عن العمل، وثانيًا فالطبيب ليس المسؤول عن المنظومة الطبية كاملةً، فلا يجب محاسبة الطبيب على عدم توافر المستلزمات أو عجز الدواء أو المشكلات الإدارية أو أي شيء خارج الممارسة الطبية أي الكشف والتوصيف والتشخيص ووضع خطة العلاج، وحتى هذه المهمة من حقه عدم تنفيذها في حالات معينة، مثلاً إذا كان طبيب يعمل بقسم الطوارئ وأتته حالة ليست طارئة أو في غير تخصصه أو في حالة انشغاله مع حالات أخرى، فهل الطبيب باستطاعته الكشف على قرابة الـ 60 مريض في 3 أو 4 ساعات؟ 


بالطبع لا يستطيع ذلك، فالطبيب له مهمة معينة وما دون ذلك يحب الرجوع فيه للمسؤولين سواءً في إدارة المستشفى أو تقديم شكوي في مجلس الوزراء أو وزارة الصحة أو حتي النيابة العامة فكل جهات التقاضي مفتوحة، والشيء الهام بالنسبة لنا هو أننا نقوم بدورنا طوال الوقت ثم يأتي مسئول مثل محافظ سوهاج ويقوم بفعل يضيع كل مجهوداتك، فعندما يرى العامة أن المحافظ الذي من دوره الحفاظ على القانون يقوم بالتعدي اللفظي على طبيبة ويتدخل في الكشف الطبي “ادوله محاليل”٬ والتعدي على خصوصية المريض ثم يقوم بنشر ذلك على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، فبالتالي سيقوم الناس بنفس الفعل أو أسوء، من حقك القيام بتقديم شكوى في حالة حدوث خطأ في حقك لكن لا يحق لك التعدي اللفظي أو الجسدي على أحد لأنه لا يوجد مبرر ابداً يبرر طعن طبيب بسكين.




ونحن رأينا بعدها بأسبوع أنه بعد واقعة المحافظ تجرأ شخص على طعن الطبيب، لأن المسؤول تخلي عن دوره في دعم الطبيب والحفاظ على حقوقه، والنقابة تقوم بدورها لكن يظل دور المسؤول هو الغائب فلا يوفر الأدوات المناسبة ولا بيئة العمل الصحية وأيضاً لا يوفر التأمين بالمستشفيات، فالطبيب المطعون كان يدافع عن نفسه رغم جرحه بسبب غياب الأمن، فمسؤولية تأمين المستشفيات على عاتق من؟

ونحن لا نتحدث هنا عن السجل المدني حيث يذهب العميل لمكتب والموظف بكامل أناقته ويسعى لعمل شيء غير ضروري على عكس شخص آخر يحمل أخته أو أحد أقربائه بعد حادث سير مثلا وبحاجة لإسعاف سريع ويكون الوضع معرض للتوتر وللمناوشات والوقت عصيب.


اقرأ أيضًا:




وتابع “أمين” قائلاً: “إن اعتذار رئيس مجلس الوزراء تصرف إيجابي وفي غاية الذكاء لأن هذا الموقف كان من الممكن أن يتصاعد بشكل مخيف، لأنه لا يحق لأحد التدخل في أشياء ليست من شأنه، وكان لابد من وجود رد فعل، وتدخل رئيس الوزراء كان حكيماً لأنه طرح فكرة أن هناك مسؤولين يعلمون أن ما حدث كان خطأً وأن هذا ليس توجه الحكومة بل مجرد توجه سلبي من شخص واحد، وأيضاً تدخل وزير الصحة كان جيداً حيث تحدث مع الطبيبة واستقبلها، وكذلك قام المحافظ في النهاية بالتحدث بشكل ودود مع الطبيبة، وبصراحة نحن نرى أن هذا أقصى ما يمكن عملة لأننا قابلنا الطبيبة وأخبرناها أنه بإمكاننا اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لكن حتى هذه اللحظة نحن نرى أنه حدث تصحيح للصورة وللواقعة”.


وأنا أرى أن القانون الحالي سيحد من هذه الأزمات في حال تطبيقه، فعندما يحاسب كل شخص يعتدي على طبيب بشكل حازم فإن هذه الاعتداءات ستتوقف، لكن كلما كانت العقوبات مغلظة كلما صعب تنفيذها، فعندما تكون عقوبة الاعتداء على طبيب حبس لمدة شهر فسيتم تطبيقها، لكن عندما تكون مدة الحبس سنة فالطبع لن ينفذ ذلك، فالعقوبات بحاجة إلى النظر مرة أخرى لأن حجم العقوبات يعيق تنفيذها، ونحن نري عكس الجهات التنفيذية فهم يرونها واقعة بين طبيب ومواطن لكننا نراها واقعة بين مواطن ومواطن ونرى أن لكل منهما حقوق لكن الخطابات التي تخرج من الجهات المعنية في مثل هذه الظروف لا تعامل الطبيب كمواطن مصري وله حقوق بل كأنه شخص أجنبي من بلد آخر.




وفي السياق ذاته تقول “مني مينا” وكيلة نقابة الأطباء سابقاً: “إن حادثة الاعتداء البشعة التي وقعت على أحد أطباء الجراحة في مستشفى سوهاج التعليمي ليست الأولى وللأسف بهذا الواقع فلن تكون الأخيرة، فهذه الحادثة متكررة لأن كل الأسباب التي تؤدي لها لم تعالج فطبيعي أن تتكرر، وهذه الأسباب تضم منظومة صحية عاجزة وضعف الإمكانيات وفرض تكاليف مادية في مواضع كثيرة وعدم توفر مستلزمات وإلزام المرضى بشرائها من الخارج، وأنا لا أعلم هل توفرت هذه العوامل في حادثة المريض الذي كان بحاجة إلى خياطة وقام مرافقه بطعن الطبيب أم لا، لكن هذه الأمور أصبحت عامة٬ لأن الناس باتوا يذهبون إلى المستشفيات وهم متوقعون عدم الرضى عن الخدمة وفي حالة تحفز مسبقاً، بالإضافة إلى كوننا مجتمعات تميل للعنف والفوضى، والمريض الواحد ممكن أن يرافقه 5 أشخاص وفي حالة حدوث حادث من الممكن أن يتراوح عدد المرافقين بين 10 الي 15 شخص، ويتحول الاستقبال من مكان لفحص المرضى إلى سوق مكتظ فلا تستطيع إيجاد المريض وإيجاد الممرض والطبيب.



فالعجز في المنظومة الصحية موجود والتحريض ضد الأطباء موجود لأن شحنة عدم رضي الناس عن المنظومة الصحية لابد أن تفرغ في أحد، والأطباء هم الذين في حالة صدام مباشر مع المواطنين، فلو افترضنا جدلاً أن كل الأطباء لديهم عيب معين فمن المعروف أن ذلك عيب منظومة، وإذا هناك مشكلة تمس من 10 إلى 20 ٪ من الناس في قطاع معين فإن هذه مسؤوليتهم لكن إذا كانت المشكلة تمس أكثر من هذه النسبة فإن هذه تكون مشكلة القطاع أو عيب في المنظومة التي يسير بها القطاع وليس الأفراد، ولفترة طويلة من متابعتي لمشاكل الأطباء والصحة وجدت أنه كلما تحدث الأطباء عن حقوقهم يتم فتح ملف إهمال الأطباء أو جشع الأطباء.


ومن هذا القبيل تأتي زيارة السيد المحافظ، ورأينا حركة جديدة للمحافظين فكل محافظ يحاول إثبات أنه يتابع المشكلات ويبذل جهد لمواجهتها، وأكثر مكان يسهل إيجاد مشكلات به هو المستشفيات نظراً للعجز في الإنفاق عليها والعجز في عدد الأطباء والعجز في التمريض وعمال النظافة فطبيعي عندما يذهب أي مسؤول سيجد مستوى النظافة أقل من المطلوب والمرضى في ازدحام شديد وشكاوي كثيرة.


فنحن نذهب مبكراً لمحاولة تفادي الازدحام ومع ذلك يكون الازدحام كبيرًا وهذا كله غيض من فيض، وبعد حركة المحافظين الجديدة صدر أكثر من موقف من أكثر من محافظ يبدو فيها وكأنه يسير في هذا الاتجاه وهو البحث عن مشكلات بدعوي المتابعة والنشاط ومواجهة المشكلات.


وليست هذه المرة الأولي التي يتم فيها توبيخ أطباء أمام الكاميرات، وأنا اعتبر ذلك مجرد حركات استعراضية ليبدو أن هناك أداء عالي ومتابعة لمشاكل الناس، لكن مشاكل الناس معروفة والمطلوب هو مواجهة هذه المشاكل وليس توبيخ الأطباء خاصة أن المحافظ قام بتوبيخ الطبيبة لأنها طلبت تذكرة حتى تسمح للمريض بالدخول وبالطبع هذا التوبيخ ليس له أي معنى لأن هذه الطبية لا تملك السماح للمريض بالدخول بدون تذكرة وحتى لو شاءت ذلك فأقصي ما يمكنها فعله هو طلب تسهيل الحصول على تذكرة من أحد العاملين بالمشفى وطبعا هذا لا يتوفر دائماً، فباختصار طلب التذكرة من أهل المريض للسماح له بالدخول ليس اختياريًا لكنه إلزامياً في نظام المستشفى، فالطبع هذا الموقف كان استعراضيا وليس له معنى، وعند مراجعة كلام الطبيبة سنجد أنها لا تود الخوض في هذا الموضوع خاصة بعد اعتذار رئيس الوزراء لها واستقبالها من قبل المحافظ، وأنا احترم صاحب الموضوع ولا أود اخذ موقف على حسابه، وكيفية عدم تكرار ذلك عند حدوث تغيرات هامة في النظام الصحي تبدء بتشديد عقوبة الاعتداء على الاطباء والمستشفيات والأطقم الطبية، لأن الطبيب يجد صعوبة في إثبات حقه، وعند قيامه بتحرير محضر يقوم المعتدي بتحرير محضر إهمال أيضاً من أجل الضغط على الطبيب، وأيضاً حل أزمة المنظومة الصحية فهذه المنظومة بحاجة إلى إنفاق أكثر وتوعية العامة بحقوق الأطباء.




فالأطباء يهاجرون من مصر للخارج وبالتالي أعداد الأطباء قليلة، وتوفير المستلزمات الصحية والأدوية لأنها أحد أكثر العوامل المسببة للمشادة في المستشفيات٬ رغم أن هذه مسؤولية الدولة وليس الطبيب لكن الطبيب هو في واجهة الصراع خاصة أن الإعلام والمسؤولين يظلون يكررون أقاويل حول جشع الأطباء وإهمالهم، ومن حسن الحظ أن موقف طبيبة سوهاج قوبل برد فعل مناسب.


ونحن بحاجه إلى تعديل توجه الاعلام لينشر حقيقة الصورة بدلاً من تشويه صورة الاطباء لتفادي حدوث مثل هذه المواقف مرة أخرى.


 قال “إسماعيل يوسف” أحد المواطنين: “إن المشكلة هي قلة الأطباء في المستشفيات، فقد كنت في مستشفى المنيرة وكنت مريضاً جداً، حيث كنت بحاجة إلى جلسة أكسجين ولم أجد أحد سوي حارس الأمن، وهو من ساعدني في عمل الجلسة ولو لم يكن هناك أو لو كان معي مرافق لكانت حدثت مشكلة كبيرة بسبب عدم وجود أطباء”.


شارك المقالة

مقالات مشابهة

بعد وقف استيرادها.. متى يَهْنأُ ذوو الهمم بسياراتهم؟

بعد وقف استيرادها.. متى يَهْنأُ ذوو الهمم بسياراتهم؟

بعد وقف استيرادها.. متى يَهْنأُ ذوو الهمم بسياراتهم؟ تصاعدت أزمة سيارات ذوي الهمم بعد إعلان الحكومة وقف استيرادها، إذ ألقى هذا

محمد الإمبابي

رحلة لـ منصة

رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر

رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر كيف يصنع الدواء من ماكينات الحلوى؟ مصانع “بير السلم” تبيع الأدوية على

محمد مصطفى

رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة

رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير

رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة بعد تسارع التحركات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة وإنشاء قاعدة عسكرية وميناء

أيمن مصطفى