تتصاعد المخاوف من اندلاع حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، وسط تحركات عسكرية وانتشار للقوات، مما دفع بعض الأطراف إلى إطلاق دعوات على المنصات الدولية لوقف الحرب قبل أن تبدأ.
وتشهد العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا حالة من التوتر المكتوم، على الرغم من اتفاق السلام الموقع بين البلدين في عام 2018. ويرجع هذا التوتر إلى عاملين أساسيين، وفقًا لما أوضحه عطية عيسوي، خبير الشؤون الأفريقية بجريدة الأهرام.
أوضح عيسوي، في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن إريتريا تخشى احتمال تدخل عسكري إثيوبي للاستيلاء على ميناء بحري على سواحلها، لتعويض فقدان إثيوبيا للموانئ بعد استقلال إريتريا عام 1993، حيث أصبحت إثيوبيا منذ ذلك الحين دولة حبيسة لا تملك منفذًا بحريًا، مما يدفعها إلى البحث عن ميناء تجاري وقاعدة عسكرية، سواء في إريتريا أو في جمهورية أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991.
وأشار عيسوي إلى أن الاتفاق الذي أبرمته إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال قد لا يُنفذ دون موافقة الحكومة الصومالية، التي اعترضت عليه بالفعل، وهو ما يزيد من قلق إريتريا من أن تلجأ إثيوبيا إلى خيار التدخل العسكري لانتزاع ميناء إريتري، مما يؤدي إلى تصاعد التوتر بين البلدين.
العامل الثاني في تصاعد الأزمة، وفقًا لعيسوي، يتمثل في اتفاق السلام الموقع في جنوب أفريقيا بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تجراي، حيث ترى إريتريا أن هذا الاتفاق لم يراعِ مطالبها الأمنية، خصوصًا فيما يتعلق بالحدود المشتركة مع إقليم تجراي.
وأشار إلى أن هناك مدينة إريترية كانت موضع نزاع بين إثيوبيا وإريتريا، وحسمها التحكيم الدولي لصالح إريتريا عام 2000، بعد حرب دامية بين البلدين (1998-2000). ومع ذلك، لا يزال أبناء تجراي يطالبون بهذه المدينة، مما يثير مخاوف إريتريا من احتمالية اندلاع صراع جديد بينهم وبين الجبهة الشعبية لتحرير تجراي، وهو ما قد ينعكس على علاقتها بالحكومة الإثيوبية.
فيما يتعلق بدور مصر، استبعد عيسوي أي تدخل مصري لحل الأزمة بين البلدين، موضحًا أن الوساطة تتطلب علاقات جيدة مع الطرفين، وفي حين أن مصر تتمتع بعلاقات قوية مع إريتريا، فإن علاقتها بإثيوبيا متوترة بسبب الخلافات حول سد النهضة.
وأكد أن إثيوبيا لن تقبل بأي وساطة مصرية، حتى لو رغبت مصر في ذلك، حيث ستعتبرها منحازة لصالح إريتريا وضدها. وعلى هذا الأساس، لا يوجد أي تدخل مصري لحل الأزمة بين البلدين.
من جانبها، أكدت الدكتورة نجلاء مرعي، أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الأفريقية، أن هذه المواجهة المحتملة قد تشعل منطقة البحر الأحمر بأكملها، خاصة في ظل الاضطرابات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وأوضحت مرعي، في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن منطقة القرن الأفريقي تشهد حالة من التنافس بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تلعب دول الخليج دورًا مهمًا في محاولة فرض نفوذها على البحر الأحمر، مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، قد لا ترحب بوجود عسكري إثيوبي على سواحله، نظرًا لعلاقات إثيوبيا الوثيقة بالولايات المتحدة.
وأضافت أن عدم الثقة بين أسمرة وأديس أبابا أدى إلى اتهامات متبادلة بتقويض اتفاقية بريتوريا، التي تم توقيعها في جنوب أفريقيا أواخر عام 2022 بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تجراي لإنهاء الحرب في الإقليم وإنشاء إدارة مؤقتة هناك.
كما أكدت الخبيرة أن إثيوبيا، كونها دولة غير ساحلية، تسعى إلى تأمين منفذ بحري، وهو ما يثير مخاوف إريتريا التي ترى في هذا التحرك محاولة لإعادة فرض السيطرة الإثيوبية على موانئها الاستراتيجية، مثل عصب ومصوع. وأشارت إلى أن إثيوبيا كانت تعتمد على هذه الموانئ قبل أن تتجه مؤخرًا إلى البحث عن بدائل في جمهورية أرض الصومال، وهو ما يهدد المصالح الاقتصادية لإريتريا.
وكشفت مرعي أن نائب رئيس الإدارة المؤقتة في تجراي أصدر مؤخرًا تحذيرًا عامًا بشأن التعبئة العسكرية، حيث تتسارع استعدادات الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وقوات الدفاع الإريترية، وقوات دفاع تجراي. وحذرت من أن هذه المواجهة لن تبقى محصورة داخل الإقليم، بل سيكون لها تداعيات إقليمية خطيرة، خاصة على السودان، الذي يواجه حاليًا واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
وأوضحت الخبيرة أن اندلاع حرب جديدة في تجراي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، وزيادة انتشار الجماعات المسلحة، وتزايد تهريب الأسلحة، مما يعمّق حالة الفوضى الأمنية. كما حذرت من أن هذا الصراع قد يجذب قوى كبرى لها مصالح في البحر الأحمر، مما يوسع نطاق المواجهة.
ولفتت إلى أن الصراعات الدائرة في الصومال واليمن، خاصة مع استمرار الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، تجعل الوضع أكثر تعقيدًا، حيث تتآكل سيادة الدول في القرن الأفريقي بسبب التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.
وفيما يتعلق بموقف مصر، أكدت مرعي أن القاهرة تربطها علاقات قوية بإريتريا، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الإريتري قام بزيارة إلى مصر مؤخرًا للمرة الثانية هذا العام. وأضافت أن هناك احتمالًا لوجود مشاورات بين الجانبين لمناقشة التطورات الإقليمية، خاصة في ظل تصاعد الأزمة بين إثيوبيا وإريتريا.
في ظل هذه التوترات، يبقى الوضع في القرن الأفريقي مفتوحًا على جميع الاحتمالات، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية في منطقة استراتيجية وحيوية مثل البحر الأحمر، وقد تحمل الأيام القادمة المزيد من التصعيد أو ربما تحركات دبلوماسية لاحتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى حرب مفتوحة تهدد أمن واستقرار شمال شرق أفريقيا بالكامل.
اقرأ أيضًا:
لسد الطريق على إثيوبيا.. السيسي يستقبل رئيس الصومال للمرة الرابعة
هل تتأثر مصر “بالتقارب” الإثيوبي الصومالي؟
ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟
مصر والصومال.. إعادة ترتيب المشهد الإفريقي بعد سنوات من الجمود واستفحال الخطر الإثيوبي