تحليلات

البحر الأحمر في مرمى نيران الحوثي.. خسارة مصرية دون حرب

على مدار عقود، شكّلت قناة السويس أهمية كبيرة لمصر، حيث تُعدّ أحد مصادر العملة “الدولارية” الصعبة. ولكن مع ظهور الحوثيين في اليمن وتوجيه أسلحتهم نحو البحر الأحمر، مستهدفين السفن الأمريكية والإسرائيلية، تأثرت حرية حركة الملاحة في قناة السويس، ما اضطر العديد من دول العالم إلى اتخاذ طرق أكثر أمانًا بديلة عن قناة السويس. وقد أثر ذلك بشكل سلبي على مصر التي تعتمد بشكل رئيسي على إيرادات القناة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها، وحاجتها الماسة إلى زيادة الدخل من العملة الصعبة. فكيف أثرت هجمات الحوثيين على الاقتصاد المصري؟

 

جرس إنذار أطلقه وزير الخارجية المصري، حيث قال إن تداعيات هجمات الحوثيين على السفن التجارية المارة عبر باب المندب وجنوب البحر الأحمر أصبحت فادحة، وأثرت بشكل سلبي على المصالح المصرية، مكبدة الاقتصاد المصري خسائر بالغة في عوائد قناة السويس تُقدّر بأكثر من 7 مليارات دولار أمريكي.

 

 

انخفاض إيرادات قناة السويس

 

حول التضرر المصري من هجمات الحوثيين، قال الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، إن قناة السويس تُعدّ أهم ممر ملاحي صناعي في العالم، وهي ليست مضيقًا طبيعيًا، إذ تأتي في المرتبة الثانية بعد قناة بنما. حيث يمر عبرها 12% من حجم التجارة العالمية، وبشكل أساسي التجارة القادمة من جنوب شرق آسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

 

وأضاف “أنيس” في تصريحاته لمنصة “MENA”، أن هناك أربعة عوامل اجتمعت في عامي 2024 و2025 أدت إلى انخفاض تاريخي في عائدات قناة السويس. السبب الأول هو هجمات الحوثيين على الممر الملاحي الدولي في بحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، والسبب الثاني هو انخفاض أسعار النفط العالمية، مما جعل من السهل على الخطوط الملاحية الدولية اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس.

 

وأشار “أنيس” إلى أن السبب الثالث يتعلق بالحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة على عدة دول في العالم، سواء حلفاء أو منافسين، مما أدى إلى انكماش حركة التجارة القادمة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا. أما السبب الرابع فيتمثل في حالة الاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث هناك توقعات بانخفاض النمو ليصبح أقل من معدلات عامي 2022 و2023، مما يترتب عليه انخفاض نسبة التجارة البينية بين الدول، وبالتالي انكماش حركة المرور في قناة السويس.

 

وأكد “أنيس” أن الخروج من هذه الأزمة يتوقف على عاملين: الأول هو مدى قدرة البحرية الأمريكية على تجريد الحوثيين من الأسلحة التي يستخدمونها لمهاجمة السفن التجارية، والثاني هو الضمانات الأمنية التي ستقدمها البحرية الأمريكية لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب.

 

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الانعكاسات المباشرة لهجمات الحوثيين على الاقتصاد المصري تتمثل في فقدان إيرادات قناة السويس في عامي 2024 و2025 بمبلغ يصل إلى 15 مليار دولار، وهو رقم كبير جدًا. متوقعًا عدم تحسن الوضع في البحر الأحمر خلال عام 2025، ولكن ما يخفف من وطأة خسائر قناة السويس هو تحقيق مصادر أخرى للعملة الصعبة مثل تحويلات المصريين في الخارج وإيرادات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة قممًا تاريخية يمكن أن تعوض جزءًا من نزيف الخسائر.

 

 

الحوثي يعرقل الاقتصاد المصري

 

من جانبه، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن تأثير هجمات الحوثيين على قناة السويس والاقتصاد المصري يتمثل بشكل رئيسي في تراجع حركة الملاحة والإيرادات، حيث أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى انخفاض كبير في حركة السفن عبر قناة السويس خلال الفترة من 1 إلى 11 يناير 2024، حيث تراجع عدد السفن العابرة بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. فعبرت 544 سفينة فقط مقابل 777 سفينة في العام السابق.

 

وأضاف “الإدريسي” لمنصة “MENA”، أن هذا الانخفاض أسفر عن تراجع عائدات القناة بالدولار بنسبة 40% خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى تأثيرات اقتصادية أوسع بسبب كون قناة السويس تعتبر مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية لمصر، حيث حققت إيرادات بلغت 9.4 مليارات دولار في العام المالي 2022-2023. لذا فإن تراجع الإيرادات بسبب تحويل مسارات السفن يؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على دخل القناة، وقد وصل هذا الدخل إلى أقل من 5 مليارات دولار في العام المالي 2023-2024. ونتيجة للتهديدات الأمنية، قامت العديد من شركات الشحن بتحويل مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من مدة الرحلة وتكاليف الشحن، ما أدى إلى انخفاض عدد السفن والحمولات المارة عبر القناة من 25,911 إلى 20,148 سفينة، ومن 1.5 مليار إلى 1 مليار طن.

 

 

الخروج من الأزمة

 

وأكد “الإدريسي” أنه لمواجهة هذه التحديات يجب تعزيز الأمن البحري من خلال زيادة التعاون الدولي لتأمين الممرات البحرية وضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر. كما ينبغي تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على إيرادات القناة من خلال تطوير قطاعات اقتصادية أخرى، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية عبر تحديث وتطوير مرافق القناة لجذب المزيد من السفن وتعزيز التنافسية.

 

 

من جانبه، قال الدكتور سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إنه منذ نوفمبر 2023 نفذ الحوثيون أكثر من 174 هجومًا على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما تسبب في اضطراب كبير في حركة التجارة العالمية. وقد أجبرت العديد من شركات الشحن على تغيير مساراتها بعيدًا عن قناة السويس، ما نتج عنه تكاليف نقل أكبر ومخاطر تأمين عالية على السفن التجارية. وأكد الزغبي انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة 23.4%، من 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023 إلى 7.2 مليار دولار في 2023-2024.

 

وأضاف “الزغبي”، في حديثه لمنصة “MENA”، أن الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر تمثل عاملًا بالغ الخطورة بالنسبة لدول العالم كافة، لكن مصر تتضرر بشكل خاص من هذه الأحداث نظرًا لاعتمادها على قناة السويس كمصدر رئيسي للعملة الصعبة.

 

سيناريوهات إنهاء الأزمة

 

كشف “الزغبي” عن عدد من السيناريوهات المحتملة لإنهاء الأزمة. السيناريو الأول يتمثل في التصعيد العسكري الموسع. ورغم تكثيف الولايات المتحدة لعملياتها العسكرية ضد الحوثيين، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى حل دائم أو إلى تعقيد أكبر للصراع، مما قد ينتج عنه مزيد من العدوان الحوثي على البحر الأحمر والسفن التجارية، وبالتالي تتضرر مصر بشكل أكبر. السيناريو الثاني يتمثل في المفاوضات الدبلوماسية، حيث يمكن للأطراف المعنية السعي للدخول في مفاوضات تهدف إلى التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تشمل وقف الهجمات على الملاحة وضمان أمن الممرات البحرية. ولكن لا يمكن الجزم بأن الولايات المتحدة ستلجأ لهذا النهج لإنهاء الصراع، خاصة بعد العمليات العسكرية الأخيرة التي زادت من تعقيد الوضع. أما السيناريو الأخير فيتمثل في تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، حيث يمكن تشكيل تحالفات بحرية دولية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، ما يتطلب تنسيقًا عاليًا بين الدول المعنية، وبالتالي تكلفة كبيرة قد لا تتمكن دول عديدة من تحملها بسبب ظروفها الاقتصادية.

 

اقرأ أيضًا:

 

سعي مصري خليجي.. ما جاذبية الاستثمارات في البحر الأحمر؟

 

تراجع إيرادات قناة السويس.. تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر وخيارات مصر للتعامل معها

 

العالم العربي وإدارة ترامب له في ولايته الثانية

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية