الشارع المصري

“البكالوريا” تربك الأسرة المصرية.. أسئلة حول النظام الجديد

أثارت الحكومة حالة من الجدل والارتباك داخل الأسرة المصرية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلانها استبدال نظام الثانوية العامة الحالي بنظام البكالوريا المصرية الجديد، المزمع تطبيقه بداية العام المقبل للطلاب المنتقلين إلى الصف الأول الثانوي.

 

مخاوف وانقسامات

 

بينما يرى البعض أن النظام الجديد يحقق التخصص، ويمنح الطلاب حرية تحديد مصيرهم واختيار كليتهم من المرحلة الثانوية، معتبرين أنه خطوة لتخفيف الضغط على الطلاب، يرى آخرون أنه سيزيد الأعباء، حيث سيمتد الضغط لعامين بدلًا من عام واحد، إلى جانب أنه لم يُدرس بشكل كافٍ ولم يناقش على نحو مستفيض.

 

 

انتقادات برلمانية للمقترح

 

في هذا السياق، تقدم الدكتور فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بداية الأسبوع الحالي بطلب إحاطة عاجل موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم، منتقدًا الإعلان المفاجئ عن نية تطبيق النظام الجديد دون إشراك المجتمع التعليمي أو البرلماني.

 

ووجّه البياضي سلسلة من الانتقادات للحكومة، معتبرًا أن القرار يعكس “فوضى في اتخاذ القرارات التعليمية”، ما يزيد من قلق أولياء الأمور والطلاب ويهدد استقرار العملية التعليمية.

 

وفي تصريحات لمنصة “MENA“، أشار البياضي إلى أن النظام المقترح لم يُدرس بشكل كافٍ، مما يثير مخاوف المواطنين. وأكد أن النظام سيضاعف الضغط على الأسرة المصرية لمدة عامين بدلًا من عام واحد كما هو الحال في النظام الحالي.

 

وأوضح البياضي أن مشكلة التعليم في مصر ليست في نظام الثانوية العامة بحد ذاته، بل تكمن في ازدحام المدارس والمناهج غير المناسبة، إلى جانب عدم كفاءة تدريب المعلمين على التغييرات المستمرة.

 

"البكالوريا" تربك الأسرة المصرية.. أسئلة حول النظام الجديد

 

مطالب بتأجيل التطبيق

 

وأضاف أن التغييرات المفاجئة والمتكررة في النظام التعليمي دون تخطيط كافٍ تعكس “فشلًا واضحًا”، مشددًا على ضرورة دراسة النظام الجديد بعناية قبل تطبيقه. ودعا الحكومة إلى اتخاذ الاستعدادات اللازمة، من تدريب المعلمين إلى تجهيز المدارس والبنية التحتية، لتجنب خلق حالة من الارتباك والفوضى.

 

وأكد البياضي أنه لا يمكن أن يصبح الطلاب “فئران تجارب” لكل وزير جديد أو مسؤول، مشيرًا إلى أن محاولات تطوير التعليم في الماضي غالبًا ما انتهت إلى نتائج عكسية تحمل الطلاب وأولياء الأمور تبعاتها.

 

واختتم البياضي حديثه بانتقاد تجاهل الحكومة للجنة التعليم في البرلمان، معتبرًا أن المدة الزمنية المتاحة غير كافية لتدريب المعلمين أو تجهيز المدارس لتطبيق النظام الجديد بنجاح.

 

 جمع المال

 

قال محمد عبدالحميد، أحد أولياء الأمور، في حديثه لمنصة “MENA“، إن تحويل نظام الثانوية العامة إلى نظام الباكالوريا المصرية يعود إلى رغبة الحكومة في جمع أموال إضافية من الرسوم التي تقدر بـ500 جنيه، والتي يتعين على الطلاب دفعها في حال رغبتهم في دخول الامتحان أكثر من مرة من أجل تحسين درجاتهم. وأضاف أن هذا النظام سيشكل عبئًا إضافيًا على الطلاب وأولياء الأمور، خاصة في ظل تمديد مدة الضغط الدراسي لتصبح عامين بدلاً من عام واحد كما هو الحال في النظام الحالي. وأكد عبدالحميد أن إصلاح التعليم يجب أن يبدأ من المرحلة الابتدائية، وليس فقط في المرحلة الثانوية.

 

 

 النظام الجديد يرهق المعلمين

 

من جانبه، أكد شعبان أبو العلا، معلم لغة عربية، في حديثه لـمنصة “MENA“، أن النظام المقترح سيزيد من أعباء المعلمين، الذين يعانون بالفعل من نقص حاد في الأعداد.

 

وأضاف أن المعلمين لم يُستشاروا بشكل كافٍ خلال مناقشة هذا التحول، رغم أنهم يشكلون الجزء الأهم من العملية التعليمية. وأوضح أن القرارات التي تم اتخاذها تفتقر إلى التخطيط المدروس وتظهر بشكل متسرع وعشوائي.

وقال أبو العلا إن هذه القرارات، رغم ما يُتوقع منها من إصلاحات، قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

 

 اقتراح قابل للتعديل

 

في إطار الجلسات الحوارية المجتمعية، صرح الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بأن شهادة الباكالوريا المصرية هي مجرد اقتراح في المرحلة الحالية، وأن الوزارة منفتحة على التعديلات التي قد تطرأ عليها بعد إجراء الحوار المجتمعي.

 

وأكد الوزير أن مستقبل الطلاب لا يمكن أن يكون محصورًا في محاولة امتحانية واحدة، مشيرًا إلى أن الوزارة ستقوم بمراجعة كافة التجارب السابقة والأنظمة التعليمية الدولية الخاصة بالثانوية العامة. وأضاف عبداللطيف أنه سيتم إعفاء الطلاب غير القادرين من دفع رسوم محاولات التحسين.

 

 

يرى الدكتور علاء الجندي، الخبير التربوي، أن المقترح الذي تقدمت به وزارة التربية والتعليم إلى الحكومة المصرية يهدف إلى معالجة السلبيات التي يعاني منها نظام الثانوية العامة منذ عقود، وأوضح الجندي في حديثه لمنصة “MENA” أن النظام الحالي يسبب ضغوطًا كبيرة على الأسرة المصرية ولا يربط الطلاب بسوق العمل بشكل فعال، وأضاف أن المقترح الجديد سيخفف من ظاهرة الدروس الخصوصية ويقلل العبء المالي والاقتصادي على أولياء الأمور.

 

وأشار الجندي إلى أن النظام المقترح سيقلل من عدد المواد الدراسية، مما يساهم في تقليل الضغط النفسي على الطلاب. ففي العام الأول من المرحلة الثانوية، سيدرس الطلاب في نظام الباكالوريا 7 مواد أساسية بالإضافة إلى مادتين اختياريتين لا تضاف إلى المجموع، وهو ما يتيح لهم عامًا تمهيديًا يجعلهم غير مضطرين للجوء إلى الدروس الخصوصية.

 

المسارات التعليمية في النظام الجديد

 

وأوضح الجندي أن النظام الجديد سيتضمن أربع مسارات تعليمية يمكن للطلاب اختيار أحدها، وهي: الطب وعلوم الحياة، الهندسة وعلوم الحاسب، الأعمال، والأدب والفنون. وأضاف أنه في الصفين الثاني والثالث الثانوي، سيقتصر عدد المواد الدراسية على 4 مواد في الثاني الثانوي و3 مواد في الثالث الثانوي، وذلك مقارنة بـ14 مادة في النظام الحالي. وأعطى الجندي مثالًا على ذلك، مشيرًا إلى أن مادة الرياضيات في النظام الحالي تتكون من أربع مواد منفصلة.

 

وأكد الجندي أن هذا النظام سيساهم في تقليل الضغط على الطلاب، ويمنحهم الفرصة لخوض امتحانات تحسين الدرجات بأربع محاولات على مدار العام، حيث سيكون هناك امتحان في مايو وآخر في يوليو. وقال إن هذا التغيير يتيح للطلاب فرصة لتحسين نتائجهم، ويظهر قدراتهم الحقيقية بعيدًا عن العوامل الطارئة التي قد تؤثر على أدائهم في الامتحان، مثل المرض أو الظروف غير المتوقعة.

 

التخصص العميق

 

وأشار الجندي إلى أن النظام الجديد سيتيح للطلاب اختيار مواد رفيعة المستوى، تضاف إلى المجموع، مما يعزز قدرتهم على التخصص العميق في المجال الذي يختارونه. وأوضح أن هذا التوجه سيساهم في تخريج طلاب ذوي خبرة ودراية متعمقة في مجالاتهم، مما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، على سبيل المثال في مجالات الطب والهندسة والفنون.

 

لكن الجندي حذر من أن تطبيق هذا النظام الجديد يواجه أربعة تحديات رئيسية. التحدي الأول يتعلق بتوفير مدرسين ذوي كفاءة عالية ومدربين بشكل جيد لتقديم المناهج الجديدة. وأشار إلى أن هذا يتطلب تدريب المعلمين خلال الإجازات الصيفية أو حتى خلال السنة الدراسية ضمن إطار “استراتيجية التنمية المستدامة” التي تهدف إلى تطوير مهارات المعلمين.

 

أما التحدي الثاني، فهو الحاجة إلى تعيين معلمين جدد، حيث يبلغ عدد المعلمين الذين يصلون إلى سن التقاعد سنويًا بين 30 و40 ألف معلم. وأوضح أن الحكومة أعلنت مؤخرًا عن مسابقة لتعيين 72 ألف معلم جديد. أما التحدي الثالث، فيتمثل في ضرورة توفير معلمين متخصصين في التربية الدينية الإسلامية والمسيحية، باعتبارها مادة أساسية في النظام الجديد، إذ سيتم تدريسها في جميع المسارات الأربعة وليس فقط في مسار واحد.

 

وأشار الجندي إلى أن التحدي الرابع يتعلق بتوفير بنية تحتية تكنولوجية متطورة في المدارس الثانوية، خصوصًا في المسارات التي تتطلب تقنيات عالية مثل الطب وعلوم الحياة والهندسة وعلوم الحاسب. وأكد على أهمية توفير معامل مجهزة وأجهزة كمبيوتر حديثة وخدمات إنترنت سريعة، بالإضافة إلى تدريب المعلمين على هذه التقنيات.

 

مبادرة المجلس الوطني للتعليم

 

وتحدث الجندي عن قرار رئيس الجمهورية في ديسمبر 2024 بإنشاء المجلس الوطني للتعليم والبحث والتدريب، الذي سيجمع 16 وزارة وجهة تعليمية، بما في ذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الدفاع، الاتصالات، التخطيط، الصحة، البيئة، وزارة التربية والتعليم، الأزهر الشريف، والأكاديمية الوطنية للتدريب. وأضاف أن المجلس سيتألف من 8 خبراء تربويين و4 من رجال الأعمال، وسيكون مهمته توحيد السياسات والرؤى التعليمية بين جميع الأطراف، مما سيساهم في التنسيق بين التعليم الأساسي والجامعي. وأشار إلى أن مدة العضوية في المجلس هي عامين، ويمكن تجديدها.

 

 الباكالوريا يقضي على الطبقية

 

وأكد الجندي أن نظام الباكالوريا سيسهم في القضاء على الطبقية التعليمية، حيث سيمنح جميع الطلاب الفرصة للحصول على تعليم عالي الجودة، يتماشى مع متطلبات سوق العمل، ولا يقل عن جودة التعليم في المدارس الدولية. كما أوضح أن النظام الجديد معترف به دوليًا، ما يفتح أمام الطلاب فرصًا واسعة للتعليم والعمل في الخارج.

 

وقدم الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم السابق، عدة توصيات خلال مشاركته في جلسة الحوار المجتمعي لمناقشة نظام البكالوريا الجديد. وشدد على أهمية دراسة أسباب فشل نظام الثانوية العامة في السنوات الماضية لتفادي تكرار التحديات النفسية والمادية التي واجهتها الأسر المصرية. كما اقترح وضع شروط محددة لعدد محاولات تحسين الدرجات، بهدف تجنب الضغط على نظام التنسيق الجامعي وضمان تكافؤ الفرص بين الطلاب.

 

وأكد حجازي على ضرورة أن يكون التطوير التعليمي قائمًا على إعداد الطلاب لسوق العمل واكتساب المهارات اللازمة، مثل اللغات الأجنبية. كما دعا إلى إعادة تقييم تشكيل المسارات الدراسية، مع النظر في توزيع المواد المؤهلة وغير المؤهلة للمسارات المختلفة. وأشار إلى ضرورة توفير مرونة تسمح للطلاب بالجمع بين أكثر من مسار تعليمي حسب اهتماماتهم.

 

كما اقترح حجازي تأجيل تطبيق النظام الجديد ليبدأ مع طلاب الصف الأول الإعدادي الحالي، مما يمنح الوقت الكافي لتطبيق النظام بشكل جيد ولإجراء حوار مجتمعي موسع وتجهيز المناهج الدراسية الجديدة.

 

وطالب وزير التعليم السابق بإشراك المجلس الأعلى للجامعات في تطوير النظام، مع تحديد المسارات التعليمية بما يضمن توافقها مع احتياجات التعليم العالي وسوق العمل. كما دعا إلى تشكيل لجنة مستقلة تختص بتطوير النظام لضمان تنفيذه بشكل فعال وملائم.

 

اقرأ أيضًا:

 

هل تنجح “سياسات التعليم الجديدة” في القضاء على أزمة كثافة الفصول؟

 

اتحاد التزكية.. هيمنة “طلاب من أجل مصر” على الانتخابات الجامعية

 

بيزنس الجامعات الخاصة.. ما الهدف من السياسة التعليمية الحالية؟

 

الرئيس المصري يجتمع بوزير التعليم الجديد ورئيس الاكاديمية العسكرية.. لماذا؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية