يُعد الدور المصري في المنطقة، وتحديدًا في القضية الفلسطينية، دورًا لا يمكن لمصر أن تتخلى عنه، بحكم الجغرافيا المشتركة، والعدو المشترك المتمثل في إسرائيل، فضلًا عن الروابط العرقية والدينية العميقة بين الشعبين المصري والفلسطيني.
هذا الدور، على الرغم من أهميته الاستراتيجية، يواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها المنطقة، إضافة إلى تراجع العديد من الأطراف العربية عن القيام بدورهم في دعم القضية المركزية للأمة
أكدت الدكتورة آيات حداد، عضوة مجلس الشعب المصري وعضوة لجنة العلاقات الخارجية، أن الدور المصري في مفاوضات التهدئة بين إسرائيل وحركة حماس يظل محوريًا واستراتيجيًا، مشيرة إلى أن مصر لطالما كانت الوسيط الأهم في النزاعات الإسرائيلية-الفلسطينية، اعتمادًا على عوامل عديدة منها العلاقات المستقرة مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والحدود المشتركة مع قطاع غزة، فضلًا عن التأثير المصري التاريخي في الملف الفلسطيني.
وشددت حداد على أن القاهرة تتبنى في وساطتها نهجًا براغماتيًا يرتكز على التوصل إلى تفاهمات عملية تخدم الاستقرار، دون الاكتفاء بالشعارات، مع الحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية المصرية.
وأضافت أن الرؤية المصرية لما بعد الحرب تتأسس على عدة محاور أساسية، في مقدمتها منع سيناريو الانهيار الكامل في غزة، الذي قد يؤدي إلى موجات تهجير محتملة نحو سيناء، إلى جانب إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي، مع دور محوري للسلطة الفلسطينية، وتجنب الفراغ السياسي الذي قد تملؤه جماعات أكثر تطرفًا. كما لفتت إلى أن القاهرة تسعى لاستثمار عملية إعادة الإعمار في تعزيز نفوذها الإقليمي واستقطاب دعم اقتصادي دولي، مع التأكيد على أهمية تحقيق استقرار طويل الأمد في القطاع.
وفي سياق متصل، شددت الدكتورة آيات حداد على أن مصر لا تزال تحتفظ بأوراق ضغط حقيقية على إسرائيل رغم التحولات الإقليمية والدولية. وأوضحت أن من أبرز هذه الأوراق الدور المصري في تأمين الحدود الجنوبية لإسرائيل، وكون القاهرة بوابة دبلوماسية رئيسية لها نحو العالم العربي، إضافة إلى قدرتها على التأثير في المواقف الفلسطينية سواء لدى السلطة أو حماس.
وأشارت إلى أن فاعلية بعض هذه الأوراق تأثرت بتغيرات عديدة، منها تراجع الاعتماد الإسرائيلي على الغاز المصري، وتعدد الوسطاء الدوليين مثل قطر والولايات المتحدة، فضلًا عن صعود اليمين المتطرف في إسرائيل. إلا أن الورقة الأهم، بحسب قولها، تظل معبر رفح والدور المصري الحيوي في أية ترتيبات مستقبلية تخص غزة.
وحول التنسيق بين البرلمان ووزارة الخارجية في إدارة ملف غزة، أوضحت أن العلاقة بين الطرفين تتسم بالتكامل، حيث تتحرك وزارة الخارجية ضمن صلاحياتها التنفيذية، بينما يقوم البرلمان بدور داعم من خلال ما يُعرف بالدبلوماسية البرلمانية، التي تسهم في تعزيز الموقف الرسمي في المحافل الدولية. وأكدت أن لجنة العلاقات الخارجية تتلقى إحاطات دورية من وزارة الخارجية وتقدم توصيات غير ملزمة، في إطار تبادل مؤسسي للمعلومات والتشاور.
وفيما يتعلق بالاتهامات الدولية التي تتهم مصر بالتباطؤ في إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، نفت الدكتورة آيات حداد هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأكدت أن القاهرة تتبنى استراتيجية شاملة تشمل مستويات دبلوماسية، إعلامية، وعملياتية للتعامل مع الأزمة. وأضافت أن مصر تنسق مع منظمات دولية وتوثق إدخال المساعدات بشفافية، مع الالتزام الكامل بالإجراءات الأمنية لحماية الأمن القومي المصري.
كما أشارت إلى أن لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري تمارس دورًا فاعلًا في التواصل مع برلمانات عربية وأوروبية، من خلال الاتحاد البرلماني العربي، والمنتديات الدولية مثل الاتحاد البرلماني الدولي والجمعية البرلمانية للبحر المتوسط. ولفتت إلى أن هذا التواصل يهدف إلى شرح الموقف المصري، وتقديم رؤية متكاملة للأزمة تتجاوز وقف إطلاق النار إلى حلول سياسية واستراتيجية طويلة المدى.
وحول الموقف المصري من السلطة الفلسطينية، أكدت الدكتورة آيات حداد أن مصر تدعم مبدئيًا وجود سلطة فلسطينية موحدة في الضفة وغزة بقيادة السلطة الفلسطينية، لكنها في الوقت ذاته، تتعامل بمرونة واقعية مع حركة حماس كقوة أمر واقع، بما يخدم مصالح الأمن والاستقرار ويُبقي قنوات الحوار مفتوحة.
وفي ما يخص احتمال وجود قوات أجنبية في غزة ضمن أية تسويات دولية مستقبلية، شددت على أن مصر ترفض رفضًا قاطعًا أي وجود عسكري إسرائيلي دائم أو تدخل لقوى إقليمية منافسة مثل تركيا وقطر. وأبدت مرونة مشروطة تجاه فكرة قوات دولية متعددة الجنسيات تحت مظلة الأمم المتحدة، بشرط أن تكون مهامها مؤقتة ومحددة بوضوح، دون المساس بالسيادة الفلسطينية أو المصرية.
وأخيرًا، حذّرت من أن استمرار الحرب في غزة له انعكاسات خطيرة على الأمن القومي المصري، خاصة في سيناء، مشيرة إلى مخاوف من تسلل عناصر متطرفة أو نشوء شبكات تهريب جديدة. كما أكدت أن النزوح الجماعي من القطاع باتجاه الأراضي المصرية يمثل “خطًا أحمر” بالنسبة للدولة المصرية.
واختتمت الدكتورة آيات حداد تصريحاتها بالتأكيد على أن إنهاء الحرب وتحقيق تهدئة شاملة ومستدامة هو في صلب المصلحة الوطنية المصرية، مشددة على أن القاهرة ستواصل جهودها الدبلوماسية، بما يضمن حماية الأمن القومي المصري، ويحافظ على دورها المركزي في القضية الفلسطينية