ترجمات

السيسي: نموذج السلام يبدأ من القاهرة وتل أبيب

في خطاب لقي صدى واسعًا في أنحاء الشرق الأوسط، أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن السلام الممتد منذ عقود بين مصر وإسرائيل يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به إقليميًا.

 

 في تقرير منسوب لموقع The Media Line، يسلط الضوء على تصريحات السيسي بشأن استمرار التعاون بين الدولتين رغم الحذر الشعبي في مصر إزاء التطبيع مع إسرائيل. تأتي هذه التصريحات في وقت يدخل فيه العدوان على غزة عامه الثاني، وتتبدل خارطة التحالفات الإقليمية، بينما تلوح في الأفق عودة محتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما قد يعيد رسم ملامح السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

 

سلام بين الدول لا بين الشعوب

 

تشير كاتبة التقرير جورجيا فالنتي، رغم أن معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 شكّلت تحولًا تاريخيًا في المنطقة، إلا أن خبراء يرون أن نجاحها اقتصر على مستوى العلاقات الرسمية بين الدول، دون أن تمتد إلى تطبيع فعلي بين الشعوب.

 

سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية، قدّم تقييماً صريحاً للمشهد بقوله:

 

“معاهدة السلام نجحت بين الحكومات. العلاقات بين الدولة المصرية والدولة الإسرائيلية قائمة وتعمل. لكن بين شعبي البلدين؟ الأمر مختلف. ما يسمى بالتطبيع ليس طبيعياً، المعاهدة تمنع الحرب، لكنها لا تبني علاقات بين المواطنين العاديين في أي من البلدين”، كما صرّح لـ”The Media Line”.

 

رغم أن معاهدة السلام تمنع اندلاع الحروب، إلا أنها لم تُثمر عن بناء علاقات بين المواطنين العاديين في كلا البلدين.

 

ويؤكد سمير راغب أن الرأي العام المصري لا يزال يتأثر بشدة من السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، قائلاً: “إسرائيل لم تمنحنا الفرصة لننسى عنفها ضد الأبرياء. نحن لا نعادي حق أي دولة في حماية مواطنيها وأرضها، لكننا نرفض قتل المدنيين الأبرياء”، على حد تعبيره.

 

وجهة النظر ذاتها شاركها المحلل السياسي وليد كزّيحة، الأستاذ السابق في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مشيرًا إلى أن السياسات الإسرائيلية تعقّد موقف مصر الرسمي. وقال: “نتنياهو يضع الحكومات العربية في مواقف محرجة، ويدفعها إلى الدفاع عن نفسها. واحتلال إسرائيل للجزء الحدودي من غزة المتاخم لمصر زاد الضغط على نظام السيسي، وجعله في موقف دفاعي أمام شعبه وأمام الرأي العام العربي عمومًا”، بحسب تصريحه لـ”The Media Line“.

 

تنسيق عسكري رغم التوتر الشعبي

 

وقالت جورجيا فالنتي: رغم برودة العلاقات الدبلوماسية والمواقف السلبية في الرأي العام، تحافظ مصر وإسرائيل على تنسيق عسكري قوي، يشكّل عامل استقرار في علاقة تتسم بالتقلب.

 

ورداً على سؤال حول التعاون الاستخباراتي، قال سمير راغب: “نعم، هناك تنسيق جيد جداً”. وأوضح: “من دون هذا التنسيق المتين على مستويات متعددة—من ضباط الاتصال إلى اللجنة العليا للعلاقات العسكرية بين مصر وإسرائيل—لكان من الممكن أن تؤدي أي خطأ بسيط إلى اندلاع حرب”.

 

وأشار راغب إلى أن التنسيق مستمر على طول الحدود المشتركة من البحر المتوسط وحتى طابا، لافتاً إلى “وجود قدر معقول من التسامح مع الأخطاء غير المقصودة من الطرفين”.

 

في المقابل، رفض المحلل السياسي وليد كزّيحة الروايات الإسرائيلية التي تلمّح إلى أن الجيش المصري قد يشكل تهديداً. وقال:

 

“من وجهة نظري، مصر تعزز قدراتها ومواقعها العسكرية تدريجياً، وهذا أمر طبيعي تماماً. لكن الإسرائيليين يبالغون ويقولون: انظروا، مصر تبني قوة عسكرية ضخمة لمهاجمتنا. وهذا غير صحيح إطلاقاً”.

 

وأضاف كزّيحة: “أعتقد أن الإسرائيليين يضخمون تطورات الجيش المصري لإقناع الأميركيين بالحصول على مزيد من الدعم العسكري والسلاح”.

 

 

الاقتصاد أولاً: شراكة هادئة تحت الرماد

 

وأوضحت جورجيا فالنتي، بعيداً عن ضجيج السياسة، تتواصل العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل بهدوء بل وتزدهر، وتشير تقارير إلى أن التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بأكثر من 60% خلال الحرب الجارية في غزة.

 

“منذ البداية، استمر التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل بغض النظر عن الظروف السياسية”، يقول سمير راغب. ويضيف: “رغم الأزمات المتكررة في 2008، 2014، 2018، 2022 و2024، لم تتوقف حركة التجارة، حتى في ظل توتر أو تراجع بالعلاقات الثنائية”.

 

يوضح راغب، وتظل قطاعات حيوية مثل الزراعة والغاز مترابطة بقوة، بينما تدخل المنتجات الإسرائيلية السوق المصري دون أن يلحظها المستهلك العادي. “غالباً ما تُباع هذه المنتجات وكأنها واردة من دول أخرى، وتُصنَّف على أنها صناعة صينية أو إماراتية. المواطن لا يدري أنها إسرائيلية الأصل”.

 

عودة ترامب… وقلق إقليمي متجدد

 

تشير جورجيا إلى أن تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة تأتي في لحظة حساسة، حيث تتأقلم المنطقة مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، وسط مخاوف عربية من تحولات مرتقبة في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل.

 

ويوضح راغب “بلا شك هناك تأثير واضح لعودة ترامب”. “خلافاً للديمقراطيين الذين يوازنون مواقفهم بسبب اعتبارات داخلية، فإن ترامب مؤيد لإسرائيل علناً، ويأخذ قرارات تدعمها حتى لو كانت على حساب دول الجوار”.

 

أما المحلل السياسي وليد كزّيحة، فقدم رؤية أكثر تعقيداً للمشهد. “هناك انطباع في المنطقة بأن ترامب غير راضٍ عن ما يجري في غزة، ولا عن نهج نتنياهو المتشدد والعدائي تجاه العرب. لكن يبدو أن نتنياهو بالغ في استغلال الموقف، وقد تكون هذه المغالاة قد أضرّت به”.

 

دول عربية تهيّئ المشهد لترامب عبر بوابة إسرائيل

 

مع عودة دونالد ترامب إلى الساحة، تبدو بعض الدول العربية وكأنها تمهّد الطريق بتقديم رسائل طمأنة غير مباشرة لإسرائيل.

 

” قال المحلل السياسي وليد كزّيحة ” الدول العربية تصطف تدريجياً، وكأنها تُمهّد لعودة ترامب من خلال إظهار سواء من قبل السوريين أو المصريين أو الأردنيين استعدادها للتعامل بإيجابية مع ما تعتبره إسرائيل مصالح مشروعة في المنطقة.

 

الطريق إلى الأمام: حل الدولتين

 

يتفق الخبيران على أن تحقيق سلام دائم لن يكون ممكنًا دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.

 

“الناس العاديون والعقلاء لا يتوقعون قيام دولة فلسطينية تمتد من البحر إلى النهر. هم يقبلون بمبدأ الدولتين”، قال سمير راغب، مضيفًا: “إذا اعترفت إسرائيل بحق الفلسطينيين في الدولة والاستقلال، فقد يتغيّر كل شيء—حتى طبيعة العلاقة بين شعبي البلدين”.

 

وشدد راغب على أن أي حل واقعي لا بد أن يستند إلى حدود عام 1967، قائلاً: “دولتان تعيشان بسلام، وتتشاركان الوجود بكرامة وتعايش”.

 

الرأي العام وغياب الاحتجاجات

 

على عكس موجات التظاهر التي شهدتها عواصم غربية عديدة، لم تشهد الدول العربية، بما في ذلك مصر، حراكًا جماهيريًا واسعًا على خلفية الحرب في غزة.

 

يقول سمير راغب: “في مصر، هناك قوانين تمنع التظاهر من دون الحصول على تصريح مسبق”، ويضيف: “أي تظاهرة غير مصرح بها قد تعرّض المشاركين لملاحقات قانونية، تشمل الاحتجاز أو اتهامات بجرائم سياسية”.

 

أما المحلل السياسي وليد كزّيحة، فيربط محدودية الحراك الشعبي بجذور أعمق في السياق السياسي العربي. “الرأي العام العربي خضع للضغط من أنظمة الحكم ذاتها، ما أدى مع الوقت إلى شعور عام لدى المواطنين بالعجز وفقدان التأثير. معظمهم بات يعتقد أن تحركاته لن تُحدث فرقًا حقيقيًا”، على حد قوله.

 

ويُرجع كزّيحة هذا المزاج العام إلى خيبة الأمل التي خلّفها فشل الربيع العربي: “الربيع العربي منح جيلًا جديدًا الأمل في التغيير، لكنه في النهاية فشل، بعدما نجحت الأنظمة العربية وبدعم من القوى الغربية في احتواء ذلك الحراك النابض بالحياة وشلّ قدرته على الاستمرار”.

 

تصاعد التوترات بين مصر وإسرائيل.. ماذا بعد التصريحات؟

 

شرق أوسط جديد يتشكّل

 

تأتي دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لاعتماد السلام المصري-الإسرائيلي كنموذج إقليمي، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط ما يبدو أنه إعادة تشكيل واسعة لموازين القوى، تشمل تحولات في موقف سوريا تجاه إسرائيل، وتغييرات في قيادة السلطة الفلسطينية، وحملة أردنية متصاعدة على جماعة الإخوان المسلمين، وتراجع نفوذ حزب الله في جنوب لبنان.

 

“نعم، نحن ندخل عصرًا جديدًا في الشرق الأوسط”، يقول سمير راغب، مشيرًا إلى أنه حين وقّع الرئيس أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، قوبلت مبادرته برفض عربي واسع. “اليوم، يتم الاعتراف بإسرائيل بشكل علني، لدينا على الأقل تسع دول عربية وقّعت اتفاقيات سلام معها عبر اتفاقيات أبراهام، وقد ينضم مزيد من الدول لاحقًا”.

 

لكن المحلل السياسي وليد كزّيحة يرى المشهد بصورة أكثر تشاؤمًا، قائلاً: “الشرق الأوسط يتجه نحو تصفية ما تبقى من أي قوى يمكن أن تُحدث تحولًا جذريًا في المشهد السياسي أو الاقتصادي. لا تزال السلطة متركزة في يد الأنظمة العربية، وإسرائيل، والقوى الغربية ذات النفوذ في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة”.

 

رؤية السيسي للسلام مع إسرائيل كنموذج قابل للتطبيق إقليميًا ستواجه اختبارًا حقيقيًا في هذا السياق المتغيّر، فرغم متانة التنسيق العسكري والاستخباراتي بين مصر وإسرائيل، واستمرار العلاقات الاقتصادية رغم التوترات السياسية، إلا أن غياب التطبيع الشعبي الفعلي، وبقاء القضية الفلسطينية دون حل، ما زالا يُلقيان بظلال ثقيلة على العلاقة بين البلدين.

 

وفي هذا الإطار، يوضح راغب موقفه الشخصي قائلًا:

 

“أنا أؤمن بمبدأ واضح: لا أكره الشعب الإسرائيلي، بل أرفض سياسات الحكومة ومجلس الوزراء الإسرائيلي وليس المواطنين العاديين، وإذا استطاعت الحكومة الإسرائيلية أن تغيّر نهجها، فمن المحتمل أن ينظر العالم العربي بأكمله إلى إسرائيل بشكل مختلف في المستقبل”.

 

ويظل التمييز بين الشعوب والحكومات حجر الأساس في العلاقة المصرية-الإسرائيلية، وعنصرًا حاسمًا في نجاح أو تعثّر رؤية السيسي للسلام الإقليمي.

 

رابط المصدر: 

 

El-Sisi Calls for Egyptian-Israeli Peace To Serve as Regional Model

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية