بعد غياب استمر ثلاث سنوات، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اللواء خليفة حفتر، قائد القوات المسيطرة على معظم مناطق شرق ليبيا. اللقاء، الذي اعتبره مراقبون عودة للتواصل بعد سنوات من التوتر، جاء على خلفية اتهامات سابقة لحفتر بدعم قوات الدعم السريع في السودان بالسلاح، بأوامر إماراتية، لمواجهة الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي تدعمه مصر، وهي اتهامات نفتها الإمارات.
وفي تطور سابق، استقبل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، نظيره عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، في الرابع من يوليو العام الماضي، ما أثار جدلاً واسعاً. غضب الدبيبة لاحقاً بعد استقباله بأيام فقط اللواء خليفة حفتر، معتبراً أن ذلك يُشير إلى اعتراف ضمني بالحكومتين في ليبيا.
لقاء السيسي وحفتر جاء بعد يومين فقط من إعلان رئيس لجنة التعاون العربي باتحاد الصناعات المصرية، محمد البهي، عن اتفاق أكثر من 25 شركة مصرية على تأسيس شركة مساهمة قبل نهاية يناير الحالي، بهدف الاستثمار في ليبيا والمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار.
الشركات الجديدة ستعمل في قطاعات متعددة، تشمل الأجهزة المنزلية، والصناعات الهندسية، والإنشاءات، والأدوية، والتطوير الصناعي، والمسبوكات، والكهرباء والإنارة، والحديد والصلب، والغزل والنسيج، ومستحضرات التجميل. كما ستتولى هذه الشركات التفاوض مع الحكومة الليبية لتخصيص 1.2 مليون متر مربع من الأراضي في مدينتي مصراتة وبنغازي، الخاضعتين لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة، بهدف إنشاء منطقتين صناعيتين بمساحة 600 ألف متر مربع لكل منهما.
اللقاء بين السيسي وحفتر يعكس تحركات سياسية واقتصادية مصرية للتأثير على الأوضاع الليبية، في وقت تستمر فيه حالة الانقسام السياسي داخل البلاد.
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه باللواء خليفة حفتر، أهمية منع التدخلات الخارجية في ليبيا وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضيها، مشدداً على أن استقرار ليبيا يرتبط بشكل وثيق بالأمن القومي المصري.
ليبيا، التي تعاني من انقسام سياسي حاد منذ عام 2014، تواجه أزمة مؤسساتية أدت إلى انقسام الهيئات السيادية والحكومات بين إدارتين، إحداهما في شرق البلاد والأخرى في غربها. بدأ هذا الانقسام مع أزمة تسليم السلطة بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب في أغسطس 2014.
على الرغم من توقيع الأطراف الليبية على الاتفاق السياسي المعروف بـ”اتفاق الصخيرات” في المغرب في ديسمبر 2015، الذي نصّ على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وفاق وطني، بقيت الأوضاع على حالها.
أما السيطرة العسكرية في ليبيا، فتتمثل في تقسيم بين قوات غرب ليبيا المتمركزة في مدن مثل مصراتة، الزاوية، وجبل نفوسة، وبين قوات اللواء خليفة حفتر، التي تسيطر على شرق البلاد بالكامل ومعظم مناطق الجنوب.
في عام 2021، كررت الأمم المتحدة جهودها في جنيف من خلال إشراك ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ما أسفر عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومجلس رئاسي بقيادة محمد المنفي. لكن الأزمات استمرت، حيث عادت الحكومة الموازية إلى الظهور بعد فشل تنظيم الانتخابات نهاية العام نفسه، وهو العام الذي شهد آخر لقاء بين الرئيس عبد الفتاح السيسي واللواء خليفة حفتر.
الدكتور السيد فليفل، عميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق ورئيس لجنة الشؤون الأفريقية السابق بمجلس النواب، أكد أن مرور 3 سنوات على آخر لقاء جمع الرئيس السيسي باللواء حفتر ليس غياباً، ولكن كان هناك تنسيقاً بين جهات أخرى، لأنه لا توجد زيارات منتظمة.
وأضاف فليفل في لقاء مع منصة “MENA” أن الهدف حالياً هو بذل كل المحاولات لحلحلة الأزمة الليبية، لأن الأزمة الليبية الأساس فيها هو الأطراف الداخلية، بسبب وجود حكومتين وجيشين، سلطة في الشرق وأخرى في الغرب، تشكلان وضعاً مزدوجاً. ففي الشرق، هناك سيطرة على معظم آبار البترول وأماكن تصديرها، بينما في الغرب هناك سيطرة على الصناعات، بالإضافة إلى وجود الكتلة السكانية الأكبر.
وعبر رئيس لجنة الشؤون الأفريقية السابق عن تخوفه من أن يحدث تفاقماً لهذا الوضع يؤدي إلى انقسام ليبيا، رغم صعوبة حدوث هذا الأمر بسبب تداخل الاقتصاد بين شرق ليبيا وغربها.
وعن ما دار في اللقاء، أشار عميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق إلى أنها محاولة لجس النبض لتنفيذ الخطة التي تحدث عنها عبد الله باتيلي، آخر مبعوث أممي إلى ليبيا. باتيلي حاول لأكثر من عام جمع القادة الخمس الكبار في ليبيا من أجل الوصول إلى مخرج للأزمة وإجراء الانتخابات، ولكنهم لم يستجيبوا في النهاية، وتحديداً رئيس البرلمان عقيلة صالح واللواء خليفة حفتر، بينما كان محمد تكالة وعبد الحميد الدبيبة ومحمد المنفي أكثر تقارباً من حفتر وصالح.
وأوضح أن المستشار عقيلة شدد على أن الحكومة انتهت مدتها وتمت إقالتها وهي بلا صلاحية، وبعد عناد استمر لمدة عام من قبل جميع الأطراف، اضطر باتيلي إلى الاستقالة بعد فشله في حلحلة الأزمة الليبية.
وأكد فليفل أن حوار الرئيس كان جساً للنبض لبيان ما إذا كانت هناك رغبة لدى الأطراف للجلوس مرة أخرى على مائدة المفاوضات للوصول إلى حل لتجميع فرقاء ليبيا مرة أخرى.
الدكتور محمد الأسمر، الكاتب والمحلل السياسي الليبي، أشار إلى أن هناك تعاوناً مصرياً ليبياً في كافة المجالات، فهناك شركات مصرية تعمل في ليبيا سواء في مجال إعادة الإعمار أو في مجال تشغيل الخدمات الأساسية.
وعن الهدف من اللقاء، أوضح الأسمر في تصريح لمنصة “MENA” أن هناك هدفاً رئيسياً من التعاون مع اللواء خليفة حفتر، وهو حماية مصر من تسلل الجماعات الإرهابية إلى أراضيها، والتي تقوم بعمليات إرهابية ضد الدولة المصرية، مثلما حدث في الواحات في أكتوبر عام 2017، الذي أدى إلى استشهاد 16 من رجال الشرطة في حادث مؤسف.
وأوضح المحلل السياسي الليبي أن التعاون بين مصر والجيش الليبي أمن الحدود الشرقية تماماً، كما أمن الجبهة الجنوبية.
وتابع أنه ربما هناك خلاف في وجهات النظر، لكن التعاون قائم لاستمرار متابعة تأمين المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا. وإذا أخذنا تشاد كنموذج مؤيد للدعم السريع، فإن علاقة مصر معها جيدة جداً حتى الآن، وليست هناك أي مشكلة في التعامل بين مصر وتشاد على المستوى الدبلوماسي.
الدكتور محمد الزبيدي، أستاذ القانون الدولي والمحلل السياسي الليبي، قال إن مصر تعمل منذ اللحظة الأولى للأزمة للوصول بليبيا إلى بر الأمان.
وأضاف، في تصريح لمنصة “MENA“، أن هناك تأييداً واضحاً وكبيراً من القبائل والعشائر الليبية للرؤية المصرية من أجل حل الأزمة، وإجراء انتخابات تخرج بحكومة تمثل جميع أطياف الشعب الليبي.
الكاتبة المختصة بالشؤون السياسية والصراعات الإقليمية والدولية، هند الضاوي، أكدت أن هذا اللقاء كان متوقعاً وبقوة خلال الفترة الحالية، حتى لو لم يحدث منذ 3 سنوات لكثير من الأسباب، أولها الأوضاع في سوريا وارتباط ذلك بانعكاسات محتملة على الأوضاع في ليبيا، خاصة وأن القوى الإقليمية المتصارعة في ليبيا هي نفسها المتصارعة في سوريا. مشيرة إلى أنه كان يجب إعادة النقاشات والتفاهمات مرة أخرى بسبب التحديات التي تواجه ليبيا، إضافة إلى احتمالية وجود حل سياسي في ليبيا قريباً من أجل إعادة إنتاج نظام شرعي قادراً على حماية البلاد من تداعيات كثيرة يشهدها الشرق الأوسط بعد تصاعد الصراع في المنطقة.
وتابعت في لقاءٍ مع منصة “MENA“، أن العلاقات المصرية الليبية نستطيع أن نقول في كثير من الأحيان أنها متوازنة، لأنها عمق استراتيجي لمصر، وكذلك مصر عمق استراتيجي لها، بسبب الحدود التي تصل إلى ألف كيلومتر.
وأكدت الضاوي أن أي تطور للأحداث في ليبيا ينعكس على مصر، سواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً، وبالتالي فالتعاون والتفاهم هو أمر طبيعي أن يكون في العلاقات المصرية الليبية، خاصة أن الوضع في ليبيا غير مستقر منذ أكثر من 13 عاماً، وهذا أثر سلباً على مصر في العديد من الملفات المتعلقة بالأمن القومي المصري.
وأوضحت الكاتبة المختصة بالصراعات الإقليمية، أن مصر كان لديها رؤية بأن تحفظ التوازن في العلاقات مع الأطراف الداخلية الليبية سواء كانت متنافسة سياسياً أو حتى المتصارعة بعد إنهاء حكم معمر القذافي.
وأكدت أن الهدف من اللقاء الذي جمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسي مع اللواء خليفة حفتر هو الحفاظ على التوازن، ودفع عملية توحيد الداخل الليبي، ودفع العملية السياسية لمراحل متقدمة لاحتواء أي سيناريوهات قد تفرض على ليبيا كما حدث مع سوريا في الآونة الأخيرة.
وأشارت الضاوي إلى أن أهم الملفات التي طرحت هي الصراع الغربي الروسي، وانعكاساته على سوريا، واحتمالية وصوله إلى ليبيا من أجل توحيد الجبهة الداخلية في ليبيا، حتى لا تصبح الساحة الليبية ساحة صراع جديدة ما بين الأطلسي وروسيا.
وطالبت الكاتبة بأن يكون هناك عملية سياسية مكتملة في ليبيا تنقلها من مرحلة النزاع والتشرذم إلى مرحلة الوحدة والتكامل والشرعية الدستورية، وهو ما عملت عليه مصر منذ سنوات.
الضاوي طالبت الليبيين بتوحيد الجبهة الداخلية، وهو ما عملت عليه مصر والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً مع عودة ترمب مرة أخرى إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة، مؤكدة أنه كان من أبرز الداعمين لوحدة ليبيا وللدور المصري في حل الأزمة الليبية.
وتابعت الكاتبة المختصة بالصراعات الإقليمية، أكدت أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان قد أوكل الملف الليبي برمته إلى رئيس المخابرات السابق عباس كامل، وخاصة بعد التدخل التركي في ليبيا، وتحديداً بعد معركة الوطية.
اقرأ أيضًا:
لماذا تتجه الاستثمارات المصرية إلى شرق ليبيا؟
كيف تؤثر زيارة “حماد” إلى القاهرة على الداخل الليبي؟
من الاكتفاء الذاتي إلى الفقر المائي.. كيف تغير وجه الاقتصاد المصري عبر الزمن؟