ترجمات

الوجود العسكري المصري المتنامي في سيناء يثير جدلاً إسرائيلياً متزايداً

أشارت الكاتبة الصحفية أميرة أورون الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، والمتخصصة في دراسة العلاقات المصرية الإسرائيلية، أشارت في تقرير لها علي موقع معهد دراسات الأمن القومي إلى تسليط الضوء على الأسئلة المتكررة التي طُرحت في الآونة الأخيرة داخل الأوساط الإسرائيلية بشأن التوسّع العسكري الملحوظ لمصر في شبه جزيرة سيناء، وخصوصاً قرب الحدود الدولية مع إسرائيل، إلى جانب التعزيزات العسكرية الكبرى التي شهدتها المؤسسة العسكرية المصرية خلال سنوات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

غالباً ما تربط التحليلات الإسرائيلية بين هذين المسارين، في سياق يلمّح إلى احتمال استعداد مصر لخوض حرب استباقية ضد إسرائيل وهي فرضية أثارت قلقاً وردود فعل غاضبة في الأوساط المصرية، وأسهمت في تأجيج التوتر بين البلدين في لحظة إقليمية بالغة الحساسية.

 

يركز التقرير على الطريقة التي ترى بها مصر نفسها كقوة إقليمية محورية، وعلى التحديات الأمنية المعقدة التي تواجهها، سواء في سيناء أو على حدودها.

 

ويخلص التقرير إلى ضرورة خفض التوتر المتصاعد بين القاهرة وتل أبيب، والتأكيد على أهمية الحفاظ على الالتزام باتفاقية السلام التاريخية بين البلدين، من خلال حوار مباشر على أعلى المستويات، إلى جانب تفعيل نقاشات عامة بنّاءة داخل كل من مصر وإسرائيل، تعيد ترسيخ ثقافة السلام والتفاهم المشترك.

 

التحركات العسكرية المصرية مناورة استراتيجية أم استعداد لحرب؟

 

في الآونة الأخيرة، تصاعدت في إسرائيل التساؤلات في وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وفي أوساط الباحثين والخبراء، بشأن التواجد العسكري المصري المتزايد في شبه جزيرة سيناء وعلى مقربة من الحدود الدولية مع إسرائيل.

 

وذكرت أورون أن هذه المخاوف تتزامن مع التوسع اللافت في قدرات الجيش المصري خلال سنوات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتذهب بعض التحليلات إلى الربط بين هذين التطورين، معتبرة أن مصر قد تكون بصدد التحضير لحرب استباقية ضد إسرائيل، في سيناريو يُنظر إليه على أنه استعداد لمناورة عسكرية سريعة، وربما حتى لهجوم مباغت.

 

هذه الأحاديث لم تمر مرور الكرام في مصر، حيث أثارت ردود فعل غاضبة وأطلقت موجة من الخطاب النقدي تجاه إسرائيل، ما ساهم في رفع مستوى التوتر في العلاقات الثنائية خلال هذه المرحلة الحساسة.

 

وأوضحت أورون في تقريرها أنه ومع تصاعد النقاش حول التوسع العسكري المصري وإمكانية أن يشكل تحدياً لإسرائيل، تبرز الحاجة إلى تحليل هذا التوجه—خصوصاً التعزيزات في سيناء—في سياق أوسع يرتبط برؤية الرئيس السيسي لمصالح مصر القومية، وعقيدتها الأمنية، والدور المحوري الذي يلعبه الجيش في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، فضلاً عن المكانة المعقدة والمركزية التي تحتلها سيناء في هذا المشهد الأمني والسياسي المتشابك.

 

الإدراك المصري للتهديدات ودوافع التصعيد العسكري

 

منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم في عام 2014، إثر سلسلة من الأحداث المفصلية التي بدأت في 25 يناير 2011، حين خرجت الجماهير إلى الشوارع احتجاجاً على حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، برزت ملامح تحول عميق في الوعي الجماعي المصري.

 

وأشارت أورون في تقريرها أن هذه الأحداث لم تكن مجرد لحظة ثورية، بل أصبحت جزءاً من سرد وطني يعكس صراعاً حاداً حول هوية مصر، لا سيما في مواجهة قوى داخلية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

 

في هذا السياق، برز السيسي، حتى قبل توليه الرئاسة حين كان وزيراً للدفاع، باعتباره “منقذ الأمة” من الانهيار. وغالباً ما يستحضر الرئيس هذه الصورة في خطاباته، خصوصاً خلال المناسبات الوطنية وأيام الذكرى، ليعيد ترسيخ شرعيته كحامٍ للدولة.

 

في أعقاب سقوط مبارك، وخلال فترة حكم المجلس العسكري، ثم بشكل أوضح بعد صعود السيسي إلى السلطة، لعب الجيش المصري دوراً محورياً في حماية الاستقرار الداخلي، ليس فقط داخل المدن، بل وعلى حدود البلاد أيضاً، مانعاً ما وصفه البعض بـ”سيناريوهات التفكك” التي شهدتها دول عربية أخرى.

 

ونوهت أورون أن خلال تلك المرحلة، كانت القوات المسلحة تتبنى سياسة “عدم إيذاء المدنيين” باستثناء من تم تصنيفهم كمسلحين منتمين لجماعة الإخوان، ومع تراجع دور الشرطة بعد انهيارها أمام ضغط الشارع، تولى الجيش مهام حفظ الأمن والنظام، في مشهد أعاد إليه شرعيته الشعبية كمؤسسة تحظى بثقة الشارع المصري.

 

في ظل هذه الخلفية، يؤمن السيسي وكبار قادة المؤسسة العسكرية بأن بناء “الجمهورية الجديدة” يتطلب إعادة هيكلة الجيش وتطوير قدراته بشكل شامل، كي يكون على مستوى التحديات الأمنية والدفاعية التي تواجه مصر، داخلياً وخارجياً. فالجيش، من وجهة نظرهم، ليس فقط درعاً واقياً، بل حجر أساس في مشروع الدولة الحديثة.

 

حدود مشتعلة وأعداء من الداخل

 

في مطلع العقد الماضي، واجهت مصر تحديات أمنية جسيمة، تمثلت في عدو داخلي متمثل في جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب تصاعد النشاط الإرهابي في شمال سيناء. ولم تكن التهديدات مقتصرة على الداخل، بل امتدت لتشمل جميع حدود الدولة.

 

ففي الغرب، أدى انهيار الدولة الليبية بعد اندلاع الحرب الأهلية إلى فقدان السيطرة على مخازن أسلحة ضخمة، تم نهبها وتهريبها إلى داخل مصر وسيناء، أما في الجنوب، فقد شكل السودان تحت حكم عمر البشير نقطة تهريب ونشاطاً إرهابياً، بدعم إيراني في بعض الأحيان، وما زاد الطين بلة أن السودان لم يشهد استقراراً حتى بعد البشير، بل دخل في العامين الأخيرين في حرب أهلية دموية، أفضت إلى فقدان السيطرة كلياً على مفاصل الدولة وتدفّق موجات جديدة من اللاجئين إلى مصر.

 

وأشارت أورون أما شرقاً، فقد خاض الجيش المصري مواجهة طويلة مع تهديدات قادمة من قطاع غزة، تمثلت في مئات الأنفاق التي استخدمتها حماس لدعم الجماعات الإرهابية في سيناء، ما اضطر الجيش إلى عمليات عسكرية معقدة لاحتوائها.

 

 

صدام مع واشنطن وبحث عن استقلال السلاح

 

وفي عام 2012، بينما كانت مصر تخوض معركتها ضد الإرهاب في سيناء، وجدت نفسها في صراع سياسي وأيديولوجي مع إدارة أوباما، هذا الصراع تفجّر إثر وصول محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان، إلى الحكم، وسط انقسام شعبي حاد بين مؤيدين ومعارضين.

 

ومع تصاعد الاحتجاجات وأعمال العنف، تدخل وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي في يونيو 2013 مطالباً مرسي بإجراء استفتاء شعبي، لكن رفض مرسي قاد إلى عزله بقرار من الجيش، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تعليق المساعدات العسكرية لمصر مؤقتاً، التزاماً بالقانون الأمريكي الذي يمنع تقديم الدعم لدول حدث فيها انقلاب عسكري.

 

هذا القرار شمل وقف تسليم طائرات F-16 وصواريخ ومروحيات الأباتشي وقطع الغيار الخاصة بها، رغم أن الجيش كان بحاجة ماسّة لها في حربه ضد الإرهاب في سيناء.

 

ومن رحم هذه التجربة الصعبة، وُلدت قناعة جديدة في مؤسسة الحكم المصرية: لا بد أن يكون الجيش قوياً، حديثاً، ومجهزاً بأفضل الأسلحة.

كانت تجربة العراق بعد الغزو الأمريكي في 2003، وما تلاها من تفكيك الجيش وتغيير طبيعة الدولة، درساً قاسياً، كما أن الانهيار السريع للجيش السوري بعد اندلاع الأزمة هناك شكّل تحذيراً إضافياً.

 

أدرك الرئيس السيسي مبكراً أن الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها في التسليح بات خياراً غير مضمون، فبدأت مصر تنوّع مصادر تسليحها، واضعة حجر الأساس لاستراتيجية عسكرية أكثر استقلالاً وقوة.

 

صفقات كبرى ومناورات دولية

 

وأشارت أورون في تقريرها أنه في السنوات الأخيرة، اتجهت مصر نحو تنويع مصادر تسليحها بشكل ملحوظ، حيث أبرمت صفقات مع عدد من الدول الكبرى، شملت طائرات “رافال” المقاتلة من فرنسا، وغواصات وفرقاطات من ألمانيا، كما درست شراء مقاتلات “ميغ-35” من روسيا لكنها على ما يبدو تراجعت عن الصفقة، رغم أنها حصلت من موسكو على حاملات مروحيات، إلى جانب أنظمة قتالية لسلاحي الجو والبحرية من إيطاليا.

 

وتُجري مصر مناورات عسكرية مشتركة سنوياً مع جيوش من مختلف أنحاء العالم، وهي أنشطة تكتسب أهمية كبيرة في ترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية كدولة قوية صاحبة علاقات دبلوماسية متشعبة ومتوازنة، فمن الصعب أن تحظى دولة توصف بعدم الاستقرار أو بسلوك عدواني بهذا النوع من التعاون العسكري، وخصوصاً من دول أوروبية كبرى.

 

تعزيز الحدود وكسب ولاء الداخل

 

خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا سيما في ولايته الثانية، كثّفت مصر من وجودها العسكري على جميع حدودها، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، تطوير قاعدة سيدي براني الجوية قرب الحدود الغربية مع ليبيا، والذي بدأ عام 2019، وافتتاح قاعدة بحرية مطورة في يوليو 2021 على الساحل الشمالي الغربي، بالقرب من الحدود الليبية.

 

هذا التوسع العسكري لا يخدم فقط الأبعاد الخارجية، بل يحمل كذلك دلالة داخلية، إذ يُقدَّم للرأي العام على أنه جزء من تعزيز صورة الجيش القوي والمهاب، كما يلعب دوراً محورياً في ضمان رضا وولاء كبار الضباط، الذين يستمدون مكانتهم من صورة الجيش وهيبته في المجتمع.

 

 

مصر ضمن الكبار في سوق السلاح

 

وأوضحت أورون أنه عند النظر إلى سباق التسلح في الشرق الأوسط، تحتل مصر موقعاً متقدماً، إذ تُعد واحدة من بين أكبر عشر دول مستوردة للأسلحة في العالم خلال الفترة من 2020 إلى 2024، إلى جانب السعودية وقطر والكويت. ويُذكر أن أكثر من نصف هذه الواردات مصدرها الولايات المتحدة، بينما جاءت 13% من إيطاليا و10% من فرنسا.

 

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) في مارس 2025، تراجعت واردات السلاح في الشرق الأوسط خلال الفترة من 2015 إلى 2024 بنسبة 20% كمعدل عام، وقد قلّصت مصر وارداتها بنسبة مماثلة بين عامي 2023 و2024، في حين زادت السعودية وارداتها بنسبة تتراوح بين 10 و20%، ورفعت إسرائيل وارداتها بأكثر من 20% خلال نفس الفترة.

 

الشكل 1: التعزيزات العسكرية للجيش المصري مقارنة بالجيوش الأخرى في الشرق الأوسط

 

 

ومن الجدير بالذكر أيضاً صفقات مصر للحصول على منصات استراتيجية مثل المقاتلات والغواصات خلال عام 2024، مقارنة بالدول العربية الأخرى. راجع الشكل 2. ويمكن تفسير هذه الصفقات بالحاجة إلى استبدال المعدات القديمة.

 

الشكل 2: صفقات شراء الطائرات المقاتلة في الشرق الأوسط لعام 2024

 

 

الشكل 3: نسبة الصفقات المصرية من إجمالي صفقات التسلح في الشرق الأوسط عام 2024

 

 

 

تنمية سيناء والتوسع العسكري في شبه الجزيرة

 

في ولايته الأولى (2014–2018)، وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي أسس “الجمهورية الجديدة”، وهي رؤية شاملة لإعادة تأهيل الدولة وتنميتها في مختلف المجالات، مع تركيز خاص على تحسين البنية التحتية والخدمات في المناطق الطرفية والمهمّشة، وقد تسارعت وتيرة تنفيذ هذه الرؤية خلال ولايته الثانية والحالية، من خلال خطة تنمية وطنية طموحة.

 

أوضحت أورون أنه في شبه جزيرة سيناء، جاءت مشاريع التنمية لتخدم أهدافاً وطنية واقتصادية وأمنية في آنٍ واحد، وبحسب بيان صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري في أكتوبر 2020، فقد استثمرت الدولة منذ عام 2014 نحو 600 مليار جنيه مصري (حوالي 60 مليار شيكل) في سيناء.

 

هذه الاستثمارات شملت شق الطرق، ومد السكك الحديدية، ومنها خط القطار الكهربائي السريع الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، كنسخة برية لقناة السويس، كما تم حفر أنفاق أسفل قناة السويس، وتنفيذ مشاريع حضرية، ومحطات لتحلية المياه ومعالجة الصرف الصحي، بالإضافة إلى مشروعات زراعية وصناعية وسياحية في مجالات الطاقة وغيرها.

 

سيناء جسر اقتصادي بين آسيا وأفريقيا

 

 

هذه الطفرة التنموية تعكس رؤية جيواستراتيجية جديدة لسيناء، تسعى إلى تحقيق تواصل جغرافي وتنموي بين شبه الجزيرة والدلتا ووادي النيل، لجعلها جسراً اقتصادياً يربط بين آسيا وأفريقيا.

 

وتم تعزيز قناة السويس عبر حفر قناة موازية بطول 70 كيلومتراً، إلى جانب إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZONE) بتكلفة إجمالية بلغت 18 مليار دولار، وتضم أربع مناطق صناعية وستة موانئ بحرية ومئات المنشآت الصناعية واللوجستية، وتوفر هذه المنطقة ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل.

 

ومن اللافت أن مشروعات التنمية في سيناء أولت اهتماماً خاصاً ببناء بنية تحتية تخدم سكان سيناء من البدو، في تحول نوعي في النظرة الرسمية إليهم، بوصفهم مكوّناً أساسياً من النسيج الوطني، وتقديراً لمساهمتهم الفعّالة في مواجهة الإرهاب خلال العقد الماضي.

 

معاهدة السلام تؤرق السيادة المصرية في سيناء

 

تتضمن معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل عدة ملاحق، أولها البروتوكول المتعلق بانسحاب إسرائيل والترتيبات الأمنية، وتنص المعاهدة بوضوح على إنهاء حالة الحرب بين البلدين، مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من شبه جزيرة سيناء وإعادة السيادة المصرية عليها.
لكن هذه السيادة، التي عادت بفضل المعاهدة، ليست مطلقة. وقد أشار عدد من الصحفيين والمحللين إلى هذه الحقيقة على مدار السنوات، لا سيّما مع حلول ذكرى “عيد تحرير سيناء” في 25 أبريل من كل عام، وهو اليوم الذي انسحبت فيه إسرائيل من سيناء عام 1982، باستثناء منطقة طابا.

 

تمكّنت مصر من إطلاق حملتها ضد الإرهاب في سيناء مطلع العقد الماضي بفضل موافقة إسرائيل على دخول قوات إضافية مصرية إلى المنطقة، وذلك وفقاً لبنود المعاهدة العسكرية وملاحقها، ولكن هذه الموافقة شكّلت فعلياً خرقاً لبنود الاتفاق الأصلي.

 

جاءت أول موافقة إسرائيلية على هذا الخرق في يناير 2011، تزامناً مع اندلاع الثورة ضد نظام مبارك، إذ سمحت إسرائيل لمصر بنشر 800 جندي في المنطقة لوقف عمليات التهريب عبر أنفاق غزة – سيناء.

 

وكتبت أورون أنه وفي أعقاب سلسلة من الهجمات الإرهابية على طول الحدود، أبرزها في أغسطس 2011 عندما فتح مسلحون النار على حافلة تابعة لشركة “إيجد” على طريق 12، ثم في أغسطس 2012 عندما استولى إرهابيون على موقع عسكري ومركبات مدرعة مصرية، نشرت مصر قوات وطائرات في سيناء بالتنسيق مع إسرائيل.

 

وفي عام 2015، أُنشئت آلية تنسيق رسمية بين الجانبين تُعرف بـ”الأنشطة المتفق عليها”، تسمح بوجود عسكري مصري يتجاوز ما نصّت عليه المعاهدة، على أن تبقى هذه الإجراءات مؤقتة وقابلة للتراجع.

 

رغم ذلك، وقعت في بعض الأحيان تجاوزات أثارت قلقاً في إسرائيل، إلى أن جرى احتواؤها بتفاهمات جديدة ترضي الطرفين، هذا التنسيق العسكري يتم عبر قناة اتصال ثنائية ويخضع لإشراف دقيق من قبل قوة المراقبة متعددة الجنسيات (MFO)، والتي تعرّضت بدورها لتهديدات أمنية متكررة خلال تلك الفترة، ما تطلّب تعزيز أمنها واستمرار عملها في شبه الجزيرة.

 

غير أن بعض هذه “الانحرافات” شملت إنشاء بنى تحتية عسكرية غير قابلة للتراجع عنها، ما يُنظر إليه في بعض الأوساط كخطوة تهدف إلى ترسيخ وجود دائم للجيش المصري في سيناء، وربما تطوير قدرات هجومية محتملة ضد إسرائيل. وهذه التطورات تظل محل مراجعة دقيقة ومستمرّة من جميع الأطراف المعنية.

 

انعكاسات العلاقات السلمية مع إسرائيل

 

تتمسك مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل باعتبارها خياراً استراتيجياً اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات، وهو ما تؤكده القاهرة بوضوح للجهات الإسرائيلية المعنية، وتُعبّر عنه علناً تصريحات الرئيس السيسي وكبار المسؤولين المصريين.

 

ففي كلمة ألقاها الرئيس السيسي خلال القمة العربية التي عُقدت في القاهرة يوم 4 مارس، وصف معاهدة السلام الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل بأنها نموذج يُحتذى في تحويل العداء والحروب والرغبة في الانتقام إلى سلام دائم وعلاقات دبلوماسية مستقرة.

 

هذا الالتزام الثابت بالمعاهدة يُسقط فعلياً أي احتمال لوجود نية مصرية لخوض حرب ضد إسرائيل، فقد استعادت مصر سيادتها الكاملة على سيناء، وهي سيادة لا تزال تحظى باحترام إسرائيل، الجارة الشرقية، كما أن خمسة عقود من السلام أفسحت المجال أمام مصر لتوجيه مواردها نحو التنمية الاقتصادية، التي أصبحت حجر الأساس في السياسات المصرية المعاصرة، أيضًا المصريون يدركون جيداً الكلفة الباهظة لأي حرب، ويدركون أن رؤية التنمية الوطنية التي يتبناها الرئيس السيسي يمكن أن تنهار في غضون أيام من القتال مع إسرائيل.

 

وفي هذا السياق، لا يتوانى المصريون عن تذكير أنفسهم ومن حولهم بالثمن الفادح الذي دفعته البلاد دفاعاً عن القضية الفلسطينية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكنهم يعتبرون أن ذلك العصر قد ولى، وأن مصر اليوم تضع مصالحها القومية ورخاء شعبها في المقام الأول، وفقاً لشعار “مصر أولاً”، الذي يمثل امتداداً عملياً لرؤية السيسي التنموية.

 

وأشارت أورون، ورغم التزام القاهرة بالسلام، فإن أي تصعيد محتمل في العلاقات مع إسرائيل سيكون مشروطاً برؤية مصر لوجود تهديد مباشر وحقيقي لأمنها القومي، في هذا الإطار، تُعد القضية الفلسطينية أبرز الملفات التي قد تُشعل التوترات مجدداً، خاصة إذا تجاوزت نطاق العلاقات الثنائية.

وقد تجلّى ذلك خلال أشهر الحرب في قطاع غزة، حيث شددت قيادات الجيش المصري والمحللون الاستراتيجيون على جاهزية القوات المسلحة واستعدادها التام للدفاع عن الوطن، في ظل تصاعد القلق من بعض الممارسات الإسرائيلية خلال العمليات العسكرية، إلى جانب تصريحات رسمية وغير رسمية صادرة عن الجانب الإسرائيلي رآها البعض تهديداً محتملاً للسيادة المصرية في سيناء.

 

واحدة من أخطر النقاط التي أثارت القلق الشديد في القاهرة، وكانت محل رفض قاطع، تمثلت في احتمال تدفّق لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، سواء بسبب حجم الدمار الهائل والخسائر البشرية في القطاع، أو كمحاولة لتطبيق فكرة “الهجرة الطوعية” التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتشمل توطين سكان غزة، جزئياً، داخل الأراضي المصرية.

 

هذا السيناريو تحديداً يُعد خطاً أحمر في السياسة المصرية، ويُواجه برفض واسع على المستويين الشعبي والرسمي، باعتباره تهديداً مباشراً للسيادة والأمن القومي المصري.

 

ختاماً ترسيخ السلام مسؤولية مشتركة

 

في نهاية المطاف، لا بد من التأكيد على أهمية الحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وترسيخ الالتزام المتبادل بها كخيار استراتيجي لا غنى عنه. ويتطلب ذلك تعزيز قنوات الحوار المباشر بين قيادتي البلدين، إلى جانب العمل على ترسيخ ثقافة السلام لدى شعبيهما، باعتبار أن السلام الحقيقي لا يُبنى فقط بين الحكومات، بل بين الشعوب أيضاً.

 

كما أن استمرار التشغيل الفعّال لقنوات الاتصال العسكرية والأمنية يظل عنصراً محورياً في إدارة العلاقة بين الجانبين. وتضطلع اللجنة العسكرية المشتركة والهيئات الفنية في كلا البلدين بدور رئيسي في هذا الإطار، إلى جانب الدور الرقابي لقوة المراقبة متعددة الجنسيات، التي تتابع المستجدات في سيناء، وتعمل على التحقيق في أي تطورات وتوضيح جميع القضايا العالقة.

 

ولا يمكن إغفال الركيزة الدولية التي دعمت هذه العلاقة منذ بدايتها، والمتمثلة في الدور الفاعل للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، اللذين يرون في السلام المصري الإسرائيلي قاعدة أساسية للاستقرار في الشرق الأوسط، وعنصراً ضرورياً لأي تسوية شاملة في المنطقة.

 

 

رابط المصدر:

https://www.inss.org.il/publication/egypt-israel-2025/

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية