
انطلاق محادثات وقف حرب السودان في جنيف بغياب الجيش.. ما القصة؟
يقولون في المُثُل، إن كثرة الطباخين قد يفسدون الطبخة، وكثرة المطابخ ستسممها، أيضًا ينطبق هذا على مفاوضات سلام السودان التي انتقلت من منبر جدة بالسعودية إلى المنامة بالبحرين ثم انتقلت هذه الأيام إلى جنيف بسويسرا، بحجة أن هذا الانتقال يعد امتدادا لمسار جدة الرئيسي.
لكن مع الأسف الشديد لم تفلح كل المسارات منذ أبريل 2023 وحتى اغسطس 2024 أن توقف الحرب الدائرة في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
وفي هذا التقرير نحاول أن نتعرف على الأطراف الداعية لمحادثات جنيف والمراقبة لها، ولماذا يغيب الجيش السوداني عن هذه المفاوضات؟ وما النتائج المتوقعة لنهاية المحادثات في حالة رفض الجيش لتلك النتائج؟
القوى الداعية لمباحثات جنيف والأطراف المشاركة:
في نهاية شهر يوليو الماضي، طلبت واشنطن من الأطراف المتحاربة في السودان الدخول في محادثات لوقف إطلاق النار، على أن تبدأ في 14 أغسطس 2024 في جنيف بسويسرا، وعلى هذا تعد مباحثات جنيف واحدة من المحاولات العديدة التي تهدف إلى إيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين السودانيين، وتسببت في أزمة إنسانية كبيرة، وهي محاولة تماثل المحاولات الدبلوماسية التي تستهدف إيجاد حلول للصراعات المعقدة.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية هما الراعيتان الرئيسيتان لمسار جدة من قبل، فإن هذه الرعاية لم تتغير في محادثات جنيف؛ فلم تتغير إلا القوى المراقبة للمحادثات؛ إذ أضيفت دولة الإمارات العربية وسويسرا إلى مصر والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كقوى موجودة من قبل فى منبر جدة.
ووفقًا لبعض المصادر، فإن الحكومة السودانية لم توافق على الاقتراح الأمريكي الذي يتضمن وجود الإمارات كمراقب، بل حينما طرح الاسم اتهمت الحكومة الإمارات بتقديم الأسلحة وأنواع أخرى من المساعدات لميليشيا الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبو ظبي.
وفي هذا السياق أعلن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيريلو، في 12 أغسطس، وصوله إلى جنيف تمهيداً للمشاركة في مباحثات بشأن إنهاء الحرب في السودان، والتي بدأت صباح 14 أغسطس.
ويقال إنه في الساعات الأخيرة من يوم 15 أغسطس 2024 حدث تواصل من أنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا، وعبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة في السودان، وطلب منه ضرورة المشاركة في المُحادثات الجارية في جنيف بشأن السودان، تحت لافتة “التطبيق الكامل للالتزام بإعلان جدة بحماية المدنيين في السودان”، لكنه رفض المشاركة.
وبغض النظر عن المواقف المختلفة، هناك توافق دولي وإقليمي حول هذه المباحثات، مما يعزز فرص التوصل إلى اتفاق، بل يمكن أن يدفع الضغط الدولي الأطراف المتنازعة نحو تقديم تنازلات.
وإذا تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وهو لم يحدث بعد، فهذا يمكن أن يعتبر نجاحاً كبيراً يمهد الطريق لمرحلة جديدة من الحوار وبناء الثقة، لكن يمكن أن يتجلى هذا النجاح أيضاً في تحسين وصول المساعدات الإنسانية وفتح ممرات آمنة للمدنيين، وهو أمر أساسي في تخفيف معاناة الشعب السوداني، وهو ما توصلوا إليه خلال الأيام الأربعة الأولى من المفاوضات.
أما عدم التوافق بين الأطراف واستمرار الخلافات الجوهرية بين الأطراف المتنازعة، يمكن أن يقوض أي اتفاق ويؤدي إلى استمرار النزاع.
وفيما يتعلق بالأطراف المشاركة فى جنيف، فالدعوة موجهة بشكل رئيسي لطرفي الصراع، وهما الجيش والدعم السريع.
وفيما يتعلق بالأطراف المشاركة فى جنيف، فالدعوة موجهة بشكل رئيسي لطرفي الصراع، وهما الجيش والدعم السريع.
وبطرح أسئلة التقرير على الدكتور عمار أبكر، الأستاذ المساعد بجامعة الجزيرة والباحث الأكاديمي في الشأن الإفريقي، نجدة يقول في هذه المسألة بأن الدعوة وجهت لقوات الجيش وقوات الدعم السريع على حسب وصف إعلان جدة الموقع بين الطرفين، لكنه يؤكد أن هناك مجموعة من الأطراف الأخرى مشاركة في مسارح العمليات العسكرية مع القوتين الرئيسيتين، جميعها اصطفت تحت مظلة التحالفات العسكرية مع واحد من الأطراف المتحاربة، وعلى سبيل المثال هناك بعض من حركات الكفاح المسلح التي تنضوي تحت قيادة كل من مناوي وجبريل وطمبور وكافي طيار، والكتائب الإسلامية بمختلف مسمياتها، كلها تحالفت مع القوات المسلحة، أما الدعم السريع فتحالفت معه قوات درع السودان، وقوات المك شوتال، وقوات جلحة، وقوات قُجة، وغيرها من المجموعات القبلية القتالية التي تُعرف باسم الفزع.
لماذا يرفض الجيش السوداني المشاركة في مسار جنيف؟
فى البداية لم ترفض الحكومة السودانية التفاوض، لكن حينما تقابلت مع الأمريكان في جدة واطلعت على أجندة المباحثات رفضت المشاركة، إلا بعد خروج قوات الدعم من المدن، وأصرت على عدم الجلوس مع قوات متمردة خارجة عن الشرعية، وأنه لا يمكن مكافآتها بالجلوس معها على طاولة نقاشات واحدة، بل اعتبرها بعض الرافضين بمثابة خدعة هدفها نسف اتفاقية جدة والبداية من الصفر.
وبالنظر لما صرح به جبريل إبراهيم، وزير مالية السودان من أن أمريكا تقوم بدور الوسيط القسري، ومعها الإمارات، بهدف تقنين احتلال قوات الدعم السريع للمدن والقرى التي تسيطر عليها الآن، و”حفظ مكان للدعم السريع في المشهد السياسي والأمني بالمستقبل”، لوجدنا هذه الخشية الحكومية من المشاركة فى مباحثات جنيف، ولعل إضافته: “لن تقبل الحكومة بوساطة مفروضة قهراً، ولن تكون طرفاً في مباحثات هدفها تمكين الميليشيات الإرهابية”، يقطع بأن عدم المشاركة يصب فى استمرار عدم الاعتراف بشرعية الدعم السريع.
وبطرح الأمر على عدد من الباحثين فى الشأن السوداني، فسنجد بأن الباحث المتخصص فى الشؤون الإفريقية محمد تورشين، يرى بأن عدم التوصل إلى تنفيذ اتفاق جدة بابتعاد الدعم السريع عن منازل المدنيين وامتداد سيطرته على مناطق أخرى، هو الذي جعل الجيش يرفض الجلوس على مائدة واحدة قبل تنفيذ هذا الأمر.
أما الأستاذة سوسن ناشد فردت على السؤال من واقع الشارع كما تراه، حيث قالت بإن الجيش عبارة عن قوة نظامية وليست جهة أو منظومة سياسية، وبالتالي فإن رأي الجيش في مواصلة أو إيقاف الحرب ينقله القائد الأعلى أو من ينوب عنه في أي مفاوضات، وأنه بمطالعة وسائل الإعلام شاهدت بأنه يريد مواصلة الحرب، لكن الأهم من وجهة نظرها أن الجيش لم يتم إدخاله لجسم منفصل في أي مفاوضات.
فى حين يرى الأكاديمي عمار أبكر بأن هنالك عدة أسباب أخرت قرار الجيش في المشاركة في محادثات جنيف من عدمها، معددًا إياها في تعدد مراكز القرار داخل القوات المسلحة السودانية، وطموح الجنرال البرهان في حكم السودان ما بعد الحرب، ثم تضارب مصالح التحالفات التي تقاتل مع القوات المسلحة لفترة ما بعد الحرب، ثم مشاركة الإسلاميين من عدمها في تشكيل المشهد السياسي الذي يلي الحرب، وكذا نصيب حركات الكفاح المسلحة التي تقاتل مع القوات المسلحة في السلطة والثروة في المشهد السياسي بعد الحرب.
وأن هذه الأسباب المتداخلة جميعها جعلت إمكانية عدم مشاركة الجيش في جنيف أمرا واردا طوال فترة المباحثات.
وبالنظر إلى الوساطة بين الإدارة الأمريكية ووفد الحكومة لإقناعه بالمشاركة في محادثات جنيف، سنجد بأن الإعلاميين المتواصلين مع مجلس السيادة قد ذكروا بأن البرهان أكد خلال لقاء سفير النرويج حرص السودان على الحوار مع الجانب الأمريكي، لكن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها تتعلق بتنفيذ مخرجات منبر جدة واختيار المراقبين لأي محادثات”.
واستمرت مناشدة الولايات المتحدة للجيش السوداني حتى يوم الجمعة 16 أغسطس بضرورة الانضمام إلى المحادثات، لكن موقف البرهان لم يتغير.
وما زالت اجتماعات جنيف مستمرة لليوم الخامس على التوالى ولم يتغير الموقف، بل من المرجح أنه لن يتغير حتى نهاية المحادثات التى تصل مدتها الإجمالية إلى 10 أيام.
قبول الدعم السريع بالمشاركة وأهدافه من وراء هذا القبول:
إذا ما نظرنا بالمقابل لموقف قوات الدعم السريع من المباحثات لوجدنا بأنها سارعت على الفور بقبولها، وعلى لسان رئيسها حميدتي قالوا بإنه مستعد للحوار لوقف الحرب دون شروط مسبقة.
في حين عبر يوسف عزت، المستشار السياسي السابق للدعم السريع، عن تهكمه من رفض الحكومة السودانية المشاركة في مباحثات سويسرا، وعلى هذا يتضح بأن الدعم السريع يريد أن يقدم نفسه على أنه منفتح على الجميع ولا يرفض مبادرات أمريكا أو غيرها، بما يصب فى مصلحته السياسية على حساب الجيش السوداني، مستفيدا من الغضب الأمريكي على البرهان، وفرحا بإمكانية قيام أمريكا بسحب شرعية الحكومة والجيش، بما يصب فى مصلحة الدعم السريع.
هل هناك تحول في طبيعة مسار جنيف؟
لقدم قامت أمريكا والسعودية منذ 6 مايو 2023 برعاية محادثات بين الجيش والدعم السريع، أسفرت في 11 مايو 2023 عن أول اتفاق بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين والخروج من الأعيان المدنية، وإعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات كثيرة، لكن ظل منبر جدة معلقا خلال الأشهر التالية حتى تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية، فرضت تحركات إقليمية قادتها منظمة إيجاد والاتحاد الإفريقي، ولم تسفر عن أي اختراق.
وبناء على هذا الإخفاق بدأت في جنيف المباحثات الهادفة لوقف القتال بالسودان، غير أن غياب الجيش أضعف كثيرا من فرص حل هذه الأزمة، وفى بيان مشترك أمريكي سويسري سعودي مصري إماراتي إفريقي أممي عبر عن تكثيف الجهود الدبلوماسية في سويسرا لدعم السودان ووقف الأعمال العدائية، وأنهم يعملون على نتائج اجتماعات جدة السابقة، والجهود الأخرى، والقانون الإنساني الدولي لحل الأزمة في السودان، لكن أهم ما يلاحظ على مباحثات جنيف هو إضافة المسار السياسي إلى المسارين الرئيسيين فى جدة، وهما المسار العسكري والإغاثي الإنساني، بما يعد تدويلا لقضية السودان.
وفي هذا السياق يرى الباحث محمد تورشين بأن مباحثات جنيف ينبغي أن تشمل الملفات العسكرية والأمنية فقط، والتأكيد على وجود جيش قومي بعد دمج الميليشيات في المؤسسة الرسمية، مع ضرورة إجراء إصلاحات جذرية، وأن قضايا العدالة الانتقالية وعدم تقديم المسؤولين عن جرائم الحرب هي قضية محورية، في حين يرى آخرون بأن تحقيق الاستقرار يتطلب معالجة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استدامة الحلول الأمنية.
أما دمج الجيش القومي مع الميليشيات، فلا بد أن يتم وفق آليات مدروسة تضمن احترافية الجيش وتعزيز الوحدة الوطنية، بعيداً عن أي تمييز أو انقسام.
ما النتائج المتوقعة لمسار جنيف؟
يرى عمار أبكر بأن هذه المفاوضات ستمضى بوجود الجيش أو بعدمه، وأن النتائج المتوقعة في حالة مشاركة الجيش ربما توصل الأطراف المتحاربة إلى صيغة متوافق عليها لوقف العدائيات بين الجانبين، ومن ثم إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ويكون مراقبا وفق آليات قوية يُمكن لها أن تكشف الطرف الذي يخرق الإتفاق.
أما في حالة عدم مشاركة الجيش، فقال بإنه سيتم اتخاذ العديد من القرارات في صالح قوات الدعم السريع، وربما تصل إلى درجة الاعتراف به وشرعنته، وأيضاً سيؤكدون على أن القوات المسلحة السودانية لا تريد السلام، وبالتالي هي العائق للوصول إلى سلام دائم في السودان، ويصدرون قرار حظر الطيران، وربما عزل حكومة بورتسودان، وربما القرار الخطير المتوقع هو قرار البند السابع الوصايا الدولية، في حين تقول الدكتورة سوسن ناشد بإنه في حالة رفض الجيش لنتائج المباحثات، فلا بمكن أن يتم تنفيذ بنود السلام في حالة رفض الجيش لها، بل ستكون حبرا على ورق.
أما امحمد تورشين فيرى النتائج المرتبطة بجنيف لا شيء وعبارة عن ضجيج بلا طحين، لأن الطرف الرئيسى وهي الحكومة ترى ضرورة الالتزام باتفاق جدة.
ويشكك تورشين في نية الأطراف الغربية في عمل سلام، خاصة وأن أمريكا غائبة عن السودان لمدة سنة، ولم تظهر إلا مع الانتخابات الأمريكية، حين يجددون أهمية السودان في استراتيجيتهم، والخشية من روسيا، لكنه لا يعول على منبر جنيف، مشيرا إلى أن غياب الحكومة ينعكس بشكل سلبى على تحقيق السلام بالسودان.
وعلى هذا، يمكن القول بإن نجاح أو فشل جنيف لن يكون هو نهاية المطاف، حيث ستتداخل القوى صاحبة المصلحة في تحقيق مصالحها الخاصة، بل إن ضعف آليات التنفيذ والرقابة في حالة الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى انهياره واستئناف النزاع، وبالتالي فإن نتيجة المباحثات ستكون وفقا لقدرة الأطراف المعنية على تجاوز خلافاتها وسيطرتها على الأرض، والعمل على تحقيق سلام دائم مدعوم بإرادة دولية وإقليمية حقيقية.
اقرأ أيضًا:
هل يتدخل الاتحاد الأفريقي في حل أزمة منابع النيل؟
تهديد لحياة المصريين.. تعليق النواب على اتفاقية عنتيبي
مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية..خطوة مصرية ناجحة لحل الصراع الدائر فى السودان
كيف تعيش القاهرة في ظل استضافة 10 ملايين شخص؟
هل تعوض “أنهار الصعيد وسيناء الخمسة” عن سد النهضة؟