برنامج الطروحات الحكومية.. بيع للأصول أم تعظيم للفائدة؟
أثار إعلان البنك المركزي المصري نيته طرح حصة تصل إلى 45% من أسهم المصرف المتحد، في البورصة المصرية، قبل نهاية الربع الأول من عام 2025، تساؤلات حول أسباب طرح عدد من البنوك للبيع في الفترة الأخيرة، وحجم الأصول المقترح إدراجها ضمن برنامج الطروحات الحكومية.
وفي هذا السياق، أوضح المستشار نادر سعد، المتحدث الرسمي السابق باسم مجلس الوزراء، أن “بيع الأصول ليس سبة أو جريمة”، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة من الطروحات ستشهد تسارعًا في التنفيذ، ما سيجذب المزيد من المستثمرين، مؤكدًا أن برنامج الطروحات محدد بعدد الشركات وتوقيتات محددة، وليس دائمًا، وأنه بحلول عام 2026، مع تحقيق إيرادات دولارية تصل إلى 191 مليار دولار، ستتمكن الدولة من تحقيق فائض دولاري ولن تكون هناك فجوة.
وأشار سعد، في تصريحات تليفزيونية، إلى أن الدولة تطرح 37% فقط من حصتها في الشركات، مشددًا على أن البرنامج هو مبادرة مصرية خالصة ولا يتبع توصيات صندوق النقد الدولي، وأن الدولة تمتلك موارد دولارية كافية ولن تتخلف عن سداد أي التزامات ديون.
رؤية الحكومة حول الطروحات
من جانبه، كشف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، ملامح برنامج الطروحات الحكومية، مؤكدًا أن الدولة تمضي بقوة في هذا الملف، وأن هناك تحديثات سيعلن عنها قريبًا، موضحًا أن الدولة ستضم شركات جديدة للبرنامج، مع تأجيل طرح بعض الشركات وتسريع طرح أخرى.
وأضاف مدبولي أن الحكومة الجديدة تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5.5% خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع العمل على تجاوز نسبة 6% في الفترة اللاحقة، كما تسعى إلى خفض معدلات التضخم إلى أقل من 10% بحلول نهاية عام 2025 أو بداية 2026.
وفيما يتعلق بخروج الاستثمارات من أدوات الدين، أوضح مدبولي أن ذلك تم بسعر مرتفع مقارنةً بما كان يحدث سابقًا، مرجعًا تراجع الجنيه في الفترة الأخيرة إلى خروج جزء من الاستثمارات في أدوات الدين نتيجة المخاوف العالمية، مؤكدًا أن مصادر العملة الأجنبية في مصر مستقرة وأن الاحتياجات الأساسية للدولة مؤمنة.
انخفاض معدلات التضخم
في المقابل، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفاض معدل التضخم السنوي الإجمالي في مصر للشهر الخامس على التوالي خلال يوليو الماضي، إذ سجل 25.2% مقارنةً بـ 27.1% في الشهر السابق، مشيرًا إلى أن الأموال الساخنة الخارجة من البلاد تمثل نحو 8% من الاستثمارات الموجودة، وأن هذه الأموال منفصلة عن احتياطات النقد الأجنبي، ولا داعي للقلق بشأن دخولها وخروجها.
وتأسس بنك المصرف المتحد في عام 2006 من خلال دمج ثلاثة بنوك على وشك الإفلاس وهي: المصرف الإسلامي للتنمية والاستثمار، بنك النيل، والبنك المصري المتحد.
جاء هذا الدمج ضمن خطة لإصلاح الجهاز المصرفي المصري، مما قلص عدد البنوك من 69 إلى 38 بنكًا، وأسندت ملكية المصرف المتحد للبنك المركزي المصري بشكل مؤقت، رغم تعارض ذلك مع القانون المصري الذي يعتبر البنك المركزي جهة رقابية على البنوك، إذ يمتلك المصرف المتحد حاليًا 68 فرعًا على مستوى محافظات مصر، و225 جهاز صراف آلي، ويعمل به نحو 1800 موظف.
شهدت أصول بنك المصرف المتحد نموًا ملحوظًا من 72 مليار جنيه إلى 106 مليارات جنيه خلال الفترة من عام 2021 وحتى يونيو 2024.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم والخبير الاقتصادي، أن الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي تسعى لتحسين الأداء الاقتصادي من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات الداعمة للإصلاح الاقتصادي.
وأشار الإدريسي، في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، إلى أن مناخ الاستثمار في مصر يشهد تحسنًا ملحوظًا، ما جذب أنظار المستثمرين العرب والأجانب، بما فيهم المستثمرين الإماراتيين والسعوديين، موضحًا أن العائد المتوقع من طرح أسهم المصرف المتحد في البورصة يتراوح بين 250 و260 مليون دولار، وهو مبلغ كبير سيسهم في تعزيز سوق العملة الأجنبية.
وأكد أن هذا الطرح سيعزز أداء بنك المصرف المتحد وتنافسيته مع القطاع المصرفي الخاص، مع بقاء الرقابة للبنك المركزي المصري، لافتًا إلى أن المخاوف المتعلقة ببيع الأصول وطرحها للمستثمرين المحليين أو الأجانب غير مبررة، إذ تبقى تلك الأصول تحت إشراف الدولة التي تمتلك الحصة الأكبر منها.
هاجس الاستثمار الأجنبي وبيع الأصول
وشدد الإدريسي على أن الاستثمار، سواء من السعودية أو الإمارات أو غيرهما، يعد خطوة متزنة وإيجابية تعكس مناخًا استثماريًا جاذبًا في مصر، موضحًا أن وجود فرص واعدة للاستثمار دليل على تحسن المناخ الاستثماري بعد فترة من التذبذب وغياب الأمن، وهي العقبات التي تعمل الدولة المصرية على إزالتها من خلال جهودها لتسهيل الاستثمار، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب.
وأضاف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أوضح الهدف من إشراك القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى قدرته على الإدارة الجيدة وخلق التنافسية مقارنةً بالقطاع العام، إذ قال: “القطاع الخاص بيعرف يدير”، مؤكدًا أن هذه هي قمة الصراحة والرغبة الحقيقية في التطوير والتقدم، وأنه من الضروري التعاون مع من يجيد الإدارة ويسهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية.
وبحسب التوقعات، فإن الدولة تسعى إلى بيع مزيد من أصول البنوك المصرية لتحقيق حوالي 2.5 مليار دولار قبل نهاية يونيو المقبل.
في هذا السياق، يشهد بنك الإسكندرية مفاوضات جادة مع مجموعة “إنتيسا سان باولو” لبيع 20% من الحصة المتبقية.
مكافحة الفساد وتعزيز رأس مال البنوك
ولفت الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب، إلى أن عملية طرح الأصول، سواء كانت شركات أو بنوك، في البورصة أو بيعها لمستثمرين استراتيجيين تحت بند الخصخصة، تمثل خطوة مهمة رغم عدم تقيدها بالخصخصة بالشكل المتعارف عليه، إذ تعتمد على نسب متغيرة.
وأضاف الديب في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن طرح المصرف المتحد وغيره من البنوك، سواء للاستثمار في البورصة أو للبيع، يساهم في إنعاش موارد العملة الصعبة ويعزز دور القطاع الخاص، خاصة الأجنبي، في جذب مزيد من المستثمرين، موضحًا أن هذا الطرح يحمل جوانب متعددة، منها مكافحة الفساد وتعزيز رأس مال البنوك وتوفير السيولة، وجذب شرائح جديدة من المؤسسات إلى سوق المال.
بحسب الديب، يعمل قرار البنك المركزي على تفعيل آلية الرقابة وتوفير عملات أجنبية، مما يزيد ثقة المؤسسات الاستثمارية الخارجية، بشرط التسويق الجيد كما حدث مع طرح المصرية للاتصالات الذي جذب حوالي مليون مستثمر إلى البورصة قبل عدة سنوات، كما تسهم تنوع القطاعات في تقليل المخاطرة وزيادة الربحية، ما يعود بالنفع على الموازنة العامة للدولة ويقلل العجز.
ونوه بأن مشكلة الطرح أو البيع أو الخصخصة ليست فريدة من نوعها، فكثير من الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، تعتمد على هذه الأساليب إذ تقتصر الدولة على دور المنظم أو المشرع والمتابع لعمل القطاع الخاص.
وشدد الديب على أن السماح للقطاع الخاص أو الأجنبي أو العربي بالاستحواذ على الشركات أو إنشاء شركات جديدة يفتح المجال أمام نحو 10 ملايين فرصة عمل جديدة، مما يزيد الدخل القومي بشكل كبير.
ودعا الديب إلى ضرورة وجود إجراءات موحدة وشفافية ومكافحة الفساد في عمليات البيع والاستحواذ على الشركات، بالإضافة إلى ضرورة وجود تشريعات قوية ومحدثة من البرلمان، إذ تعاني العديد من التشريعات من عفوتها الزمن الذي يصل إلى نحو 50 عامًا، مشيرًا إلى ما تم مع قوانين الاستثمار والاستثمار الموحد، والتعدين، والبنوك، ولكنه أكد على الحاجة إلى مزيد من التحديث.
اختتم الديب تصريحاته بالقول: “أعلنت الحكومة وثيقة ملكية الدولة وتخارجها من عشرات الشركات، سواء بشكل كامل أو جزئي لصالح القطاع الخاص، ما يمثل خطوة مهمة لإنعاش الاقتصاد المصري، تتضمن المرحلة الأولى طرح 23 شركة بنسب تصل إلى 50%، رغبةً في مواجهة الفجوة الدولارية، موضحًا أن هذه التسهيلات، إلى جانب الرخصة الموحدة والذهبية، تسهم في تحسين المناخ الاقتصادي، شريطة أن تتم ضمن إطار الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد.”
اقرأ أيضًا:
شركات تمويل المشروعات.. ماذا يعني ذلك للقطاع المصرفي؟
لماذا تتجه الاستثمارات المصرية إلى شرق ليبيا؟
بيع أم استثمار.. ماذا يحدث في منجم السكري؟
تدفقات وصلت لـ 30 مليار دولار.. الإمارات تقود الاستثمارات الأجنبية في مصر