تتفاقم الأزمة بين مصر والسودان من جهة، وأثيوبيا من جهة أخرى، بسبب سد النهضة. فرغم امتلاء بحيرة سد النهضة بكمية هائلة من المياه بلغت 60 مليار متر مكعب بعد انتهاء التخزين الخامس والأخير في سبتمبر 2024، إلا أن توربينات توليد الكهرباء لم تعمل حتى الآن، ما أثبت كذب أثيوبيا حول رغبتها في احتجاز المياه لتوليد الكهرباء وتحقيق التنمية.
وعلى الجانب الآخر، أبدت مصر والسودان انزعاجهما من المخاطر الجدية المتعلقة بالملء الأحادي لسد النهضة والعوامل المرتبطة بأمان السد. ولوح الطرفان بضرورة تحقيق مفهوم الأمن المائي للحفاظ على الأمن القومي والغذائي للبلدين، اللذين أضرهما سد النهضة، محذرين من إجراءات الأمان للسد، خاصة وأنه أقيم في منطقة تشهد نشاطًا زلزاليًا مكثفًا، ما يهدد بانهيار السد ويضر بالبلدين.
حول هذا النقاش، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، إن مصر والسودان يحاولان إبراز انفراد أثيوبيا بقرارات بناء سد النهضة وتبعاته، مؤكدًا أن ما يحدث لا تعلم عنه مصر والسودان شيئًا، رغم النشاط الزلزالي المتزايد في الفترة الأخيرة، والذي اقترب من منطقة السد وبات يُنذر بخطر غير مسبوق. وأضاف “شراقي” أن أثيوبيا تتعرض يوميًا لزلازل عنيفة، وفي حال حدوث زلازل قرب سد النهضة، قد تحدث كارثة لمصر والسودان.
وأكد “شراقي”، في تصريحات لمنصة “MENA”، أن سد النهضة قريب من الحدود السودانية، لذا فإن تأثيره الأكبر سيكون على السودان، وقد يصل الضرر إلى مصر اعتمادًا على شدة الانهيار وكمية المياه المخزنة في سد النهضة والسد العالي. وأوضح أن أثيوبيا منفردة باتخاذ القرارات حول غلق وفتح البوابات، بينما خزنت مصر مياهًا في السد العالي تحسبًا لغلق البوابات، على عكس السودان التي لديها عدد من السدود الضعيفة.
وأشار “شراقي” إلى أن مصر والسودان كانا على خلاف في بداية بناء السد، حيث أيدت السودان وجهة النظر الأثيوبية في البداية. فمنذ توقيع اتفاق واشنطن في فبراير 2020، وقعت مصر، بينما تغيبت أثيوبيا، ولم توقع السودان لأنها خافت من رد فعل أثيوبيا. وكان عمر البشير يحضر احتفالات تشييد سد النهضة، أما مؤخرًا، أصبح الاتفاق بين مصر والسودان واضحًا بعد أن علمت السودان بالخطر الذي يلوح في الأفق. وأضاف أن الدولتين لديهما لجنة فنية مشتركة تجتمع كل عام، وفي اجتماعها الأخير حذرت من مخاطر سد النهضة في ظل فترة زلازل نشطة.
وأكد “شراقي” أن البديل للمفاوضات هو الخيار العسكري، لذا يجب التمسك بالمفاوضات حتى وإن تعثرت، لأن السد تم الانتهاء منه هندسيًا ومائيًا. وبيّن أن أثيوبيا ستبدأ توليد الكهرباء وخروج المياه من السد، لذا يجب الاتفاق على طريقة التشغيل وتبادل المعلومات في وقت مبكر، بحيث تستطيع مصر رسم سياساتها المائية والزراعية خلال العام المقبل، وهو ما يرتبط بكمية المياه المخزنة في السد العالي.
وأشار “شراقي” إلى أن أثيوبيا كانت تستقوي بتحالفها مع السودان خلال السنوات الماضية، لذا فإن التوافق المصري السوداني مهم في اللحظة الحالية. وفي حال وجود عمل عسكري، سيكون لصالح مصر، لأن موافقة السودان ضرورية لأي عمل سياسي أو عسكري، لذلك تسعى أثيوبيا لفرقة بين مصر والسودان.
من جانبه، قال الدكتور رمضان قرني، خبير الشؤون الأفريقية، إنه يمكن قراءة التنسيقات المصرية السودانية الأخيرة فيما يتعلق بقضية سد النهضة في إطار أشمل، وهو التطور في العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في ضوء التطورات الخطيرة التي تمر بها الدولة السودانية. لذا فإن التنسيق بين البلدين، مصر والسودان، حول سد النهضة يأتي في إطار آلية التشاور السياسي والاستراتيجي، وخاصة على مستوى وزراء الخارجية مثل الأزمة السياسية في السودان والعمل على إيقاف الحرب، والتنسيق مع الجانب السوداني في قضية إعادة الإعمار، ثم التنسيق بشأن سد النهضة وتوحيد المواقف لحفظ الأمن المائي لمصر والسودان.
وأضاف “قرني” في حديثه لمنصة “MENA“، أن اختيار هذا التوقيت المصري للحديث مع الجانب السوداني حول تنسيق المواقف ليس فقط بسبب قضية معامل أمان السد، بل إن تأثر الدولتين بالأمن المائي يرتبط بجوانب مهمة، أهمها العامل الزمني والتطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السودانية. فالتنسيق بين البلدين في الأمن المائي مرتبط بدرجة كبيرة بإعلان قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها عن إعلان حكومة موازية ستعلن خلال أسابيع مقبلة.
وأشار خبير الشؤون الأفريقية إلى أنه في ضوء السياسات المعادية لقوات الدعم السريع تجاه السياسة المصرية، وفي ضوء التهديدات التي تطلقها قوات الدعم السريع تجاه مصر، لا يستبعد أن تقوم قوات الدعم السريع بمحاولة التأثير على الأمن المائي المصري في ضوء العديد من الاعتبارات، ربما أبرزها التحالف السياسي بين الدعم السريع وأثيوبيا في عدد من الملفات والتنسيقات بين الدعم السريع وأثيوبيا في قضايا مختلفة، وتقديم أثيوبيا ما يمكن أن نسميه الدعم السياسي القوي مقابل الجيش.
وأوضح خبير الشؤون الأفريقية أن بعض التحليلات تذهب إلى تقديم دعم عسكري أثيوبي إلى قوات الدعم السريع. لذا فإن التنسيق المصري مع السودان فيما يتعلق بالأمن المائي مهم جدًا الآن، مؤكدًا أن الخطوة المصرية والسودانية في هذا الأمر هي محاولة استباقية لمواجهة أي تحولات أو مستجدات قد تتخذها حكومة موازية للدعم السريع، والتي قد تتخذ إجراءات تضر بمصر، خاصة وأن هذه الحكومة الموازية ستحصل على اعترافات من دول حوض النيل، خاصة أثيوبيا وكينيا وأوغندا وجنوب السودان. فهذه الدول ستقدم الدعم لقوات الدعم السريع، لذا تخشى مصر والسودان أن تُحدث خسائر سياسية للدولتين.
وأكد “قرني” أن التحركات المصرية ستتخذ ثلاث مسارات: الأول، التركيز بدرجة كبيرة في المحافل الإقليمية والدولية على أهمية الإدارة المشتركة لمصر والسودان وأثيوبيا لسد النهضة، بحيث تضمن مصر الحفاظ على حقوقها وعدم تضرر سدودها، خاصة سد الروصيرص والسد العالي. أما التحرك الثاني، فيتعلق بالزلازل التي تحيط بسد النهضة مؤخرًا ووجود فوالق زلزالية في هذه المنطقة على فترات مختلفة، ما يجعل القضية تخص الأمن القومي الأفريقي وأمن شرق أفريقيا وليس مصر فقط. التحرك المصري أيضًا يثبت هذه الآلية الجديدة. فبالعودة لتقارير اللجنة الفنية لعام 2012، تحدثت عن اختلالات حقيقية في معامل أمان سد النهضة، وهي ورقة لصالح المفاوض المصري. أما الآلية الثالثة، فهي التنسيق مع الشركاء في دول حوض النيل كي لا تكون هناك أي مشروعات مستقبلية تضر بالأمن المائي المصري.
أما الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، اعتبر أن مخاوف مصر والسودان وتحذيراتهما تستند إلى أسس علمية وفنية راسخة، مشيرًا إلى أن تقرير اللجنة الدولية لعام 2013 أشار بوضوح إلى عيوب في تصميم السد. وأضاف أن سلسلة الزلازل السبعة التي ضربت المنطقة مؤخرًا تزيد من هذه المخاوف، فالمسألة ليست مجرد صراع سياسي، بل تتعلق بسلامة ملايين البشر في حالة حدوث انهيار للسد.
وأضاف “مهران” في تصريحات لمنصة “MENA“، أنه في حال حدوث كارثة تلحق ضررًا بمصر والسودان، فإن القانون الدولي واضح في تحميل أثيوبيا المسؤولية الكاملة، فهي تتحمل المسؤولية عن الضرر العابر للحدود، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي البيئي. وأكد أن أثيوبيا ملزمة باتخاذ كافة التدابير الاحترازية لمنع أي ضرر عابر للحدود.
وأشار الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إلى أنه فيما يتعلق بالخيارات البديلة للمفاوضات، أصبح من الضروري البحث عن مسارات بديلة، من بينها استمرار تدويل القضية بشكل أكبر من خلال مجلس الأمن والمنظمات الدولية والمحافل الدولية، والاستفادة من تعيين المبعوث الأممي الجديد للمياه لإعطاء زخم دولي للقضية. مضيفًا أنه يمكن طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول الالتزامات القانونية لأثيوبيا في استغلال نهر النيل، وكذلك أحقيتها في جميع انتهاكات قانون المياه، فضلاً عن البحث عن وساطات دولية جديدة، خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، والذي سبق أن أبدى اهتمامًا بحل الأزمة، مع تفعيل آليات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي المتاحة.
وأوضح “مهران” أن فعالية هذه الخيارات تتوقف على قوة التحالف المصري السوداني وقدرته على حشد الدعم الدولي، مشيرًا إلى أن هناك تفهمًا دوليًا متزايدًا لمخاوف دولتي المصب، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بقضايا المياه والأمن المائي. مؤكداً أن التحالف المصري السوداني يعزز الموقف القانوني والدبلوماسي للبلدين بشكل كبير، فالموقف الموحد يمنح قوة دفع إضافية في المحافل الدولية، خاصة مع وجود تاريخ طويل من التعاون بين البلدين في إدارة مياه النيل.
وأشار “مهران” إلى أنه يمكن العمل على حشد الدعم في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة، مع الاستفادة من المنصات المتعلقة بقضايا المياه لطرح القضية بشكل أكثر فعالية، والتواصل مع المؤسسات المالية الدولية لضمان الامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية في تمويل المشروعات المائية.
اقرأ أيضًا:
ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟
هل يتحول سد النهضة إلى ورقة مصرية خلال ولاية ترامب الثانية؟
السفير جمال بيومي: مصر قدمت عرضاً لبناء سد النهضة
رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير