أثار البيان الختامي للقمة العربية الطارئة، التي استضافتها مصر للرد على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، تساؤلات عديدة. وتساءل البعض عن جدوى رفض الدول العربية لخطة التهجير في وقت تبقى فيه علاقاتها مع إسرائيل كما هي دون أي تأثير، كذا عن وجود آليات سياسية ودبلوماسية تمنع تنفيذ الخطة والاكتفاء بالإدانة والرفض.
فيما رأى آخرون أن القمة العربية عبرت بوضوح عن موقف عربي موحد رافض للخطة، مع تشديد المطالبة بإعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية. لكن ثمة سؤالًا يطرح نفسه: من يتحمل تكاليف خطة الإعمار التي تم تضمينها في البيان الختامي للقمة إذ لم يُشر إلى ذلك؟
وتضمن البيان الختامي ثلاثة وعشرين قرارًا توافق عليها الدول التي حضرت القمة، تراوحت بين التأكيد على رفض التهجير، والمطالبة بإعادة الإعمار، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات لسكان القطاع. لكن مراقبين رأوا أن البيان خلا من أي إدانة لإسرائيل وتحميلها تبعات ما حدث.
من جانبه، يرى جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن اجتماع القادة العرب لاتخاذ قرار بشأن خطة ترامب هو أمر إيجابي في حد ذاته للتعبير عن الرفض العربي الموحد لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، وإرسال رسالة واضحة إلى الإدارة الأمريكية بأنه لا يمكن قبول ذلك أبدًا لأنه مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية.
ويضيف في تصريحات خاصة لمنصة “MENA”: “لكن البيان الختامي للقمة افتقر إلى تحميل الكيان الصهيوني مسؤولية ما جرى في القطاع من تدمير ممنهج وحرب بلا هوادة على شعب أعزل بحجة القضاء على المقاومة التي هي في الأصل تدافع عن أرضها، وكان يجب أن يتضمن البيان الختامي مطالبة إسرائيل بتحمل نفقات إعادة الإعمار للقطاع.”
ويستطرد زهران، أن المطالبة بنزع سلاح المقاومة أمر غير منطقي ولن يحدث، لأن الادعاءات بأن المقاومة هي من تتحمل نتيجة ما حدث كلام مغلوط ومخالف للحقيقة، حيث تشير كل الدلائل إلى أن إسرائيل كانت تخطط لاجتياح قطاع غزة سواء قامت المقاومة بهجوم السابع من أكتوبر 2023 أم لم تقم، بل ربما قامت المقاومة بذلك بعد تسريبات أكدت لها ذلك.
ويحذر زهران من تداعيات المطالبة بنزع سلاح المقاومة، حيث إنها تمثل خط الدفاع الأول للأمن القومي العربي والمصري في مواجهة إسرائيل التي لا تحترم المواثيق والقوانين الدولية ولا قرارات الأمم المتحدة على مدى أكثر من نصف قرن.
وفيما يتعلق بالدول التي لم تحضر القمة، يرى جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن هذه الدول أُجبرت من قبل الإدارة الأمريكية على عدم حضور القمة حتى لا تقع في مواجهة مباشرة مع إدارة ترامب التي دأبت على تهديد هذه الدول وابتزازها في ولايته الأولى للبيت الأبيض، وكذلك منذ إعلان فوزه بالولاية الحالية.
ويتفق حافظ عبد الله، الباحث في الشؤون العربية والأمريكية، مع ما ذهب إليه زهران من أن الدول التي تخلفت عن الحضور لم ترغب في الدخول في مواجهة مع ترامب نتيجة رفض خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. حيث كانت كل مؤشرات ما قبل القمة تؤكد رفض أغلب الدول العربية لذلك، وهو ما دفع الدول التي تخلفت عن حضور القمة لاتخاذ هذا الموقف السلبي الداعم لإسرائيل.
ويضيف حافظ في تصريحات خاصة لمنصة “MENA”، أن القادة الذين حضروا استشعروا الخطر بشكل حقيقي بعدما توالت تصريحات ترامب المؤيدة بشكل كبير ومطلق لإسرائيل، وإعلان رغبته في استيلاء الولايات المتحدة على قطاع غزة لأول مرة منذ نشوب الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما دفع قادة أغلب الدول العربية للحضور وتأكيد رفض خطة ترامب.
ويرى حافظ عبد الله أنه من خلال متابعة فعاليات القمة العربية، بدا واضحًا على وجوه القادة العرب القلق المفرط من إصرار ترامب على تطبيق خطته بتهجير سكان غزة، وما لذلك من تداعيات سلبية كبيرة وخطيرة على شعوب المنطقة العربية كلها.
لكن بالرغم من حالة القلق العامة تجاه خطة ترامب بشأن قطاع غزة التي لم تخطئها كلمات القادة العرب في القمة العربية الطارئة بالقاهرة وتضمين البيان الختامي لذلك، يرى بعض المحللين أن العديد من الإيجابيات خرجت من القمة العربية، مثل إرسال رسالة عربية إلى الإدارة الأمريكية مفادها أن خطة التهجير مرفوضة، وهو ما انعكس على رد فعل الإدارة الأمريكية التي رفضت بيان القمة، شأنها شأن إسرائيل.
ويرى المحلل السياسي محمود علي أنه بالرغم من الموقف الموحد الرافض لخطة ترامب، إلا أن هناك خشية من أن تسعى إدارة ترامب إلى ممارسة سياسة “فرق تسد” لفك الارتباط العربي الموحد تجاه غزة، وإحداث تصدع في مواقف الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام.
ويضيف علي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA”، أن على مصر الثبات في وجه خطة ترامب مهما مورست عليها ضغوط من هنا وهناك، لأن الرفض المصري هو الضمانة الوحيدة لعدم تمرير خطة ترامب رويدًا رويدًا من خلال إجراءات تجويع وحصار أشد نكاية من تلك التي شهدها سكان قطاع غزة خلال الحرب.
اقرأ أيضًا:
الدول العربية تدرك جديّة ترامب بشأن غزة
من رماد الربيع العربي إلى غبار الحروب.. هل تخلى أبو الغيط عن مسؤوليات الجامعة العربية؟
عمرو حمزاوي: الشعب الأمريكي يرفض التهجير والأوروبيون في “حيص بيص”.. وهذا خيار مصر | حوار
تأسيس حزب سياسي معارض من الخارج.. هل ينجح رهان هشام قاسم؟