قبل ثلاث سنوات، تقدمت داليا صابر إلى مكتب التضامن الاجتماعي بمحل إقامتها للحصول على معاش “تكافل وكرامة”، كونها مطلقة لا تعمل ولا تحصل على نفقة، لأنها مطلقة دون أطفال. إلا أنها، وخلال هذه السنوات، لم تحصل على المعاش، وواجهت كمًا كبيرًا من العراقيل في سبيل الحصول عليه.
وبحسب قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي الصادر نهاية العام الماضي، فإن داليا من الفئات التي يحق لها الحصول على دعم “كرامة”، لكونها امرأة غير معيلة، مطلقة دون أبناء، وليس لها مصدر دخل أو عائل، خاصة وأن والدها بلغ سن المعاش منذ ثلاث سنوات، ما خفض دخله، وهو ما دفعها للتقدم للحصول على الدعم النقدي الذي يُفترض أن تقدمه الدولة لكل من هم تحت خط الفقر، وفقًا للقانون.
تقول داليا: “خلال السنوات الثلاث قدمت كل المستندات التي طلبتها وحدة التضامن الاجتماعي، من إثبات حالة التأمينات، وقسيمة الطلاق، وكافة الإثباتات التي تؤكد أنني لا أحصل على أي دعم أو دخل خاص، دون جدوى، ودون حتى صدور قرار بالرفض. في كل مرة يُمنح لي موعد جديد بعد ستة أشهر، أعود بعدها للسؤال عما إذا كانت تمت الموافقة على حالتي أم لا”.
وتضيف: “في المقابل، هناك حالات تقدمت معي للحصول على المعاش، وعندما سألت أحدهم عن كيفية حصوله عليه في وقت قصير، أخبرتني السيدة أن أحد الموظفين ساعدها في تسهيل الإجراءات مقابل مبلغ مالي”.
منذ عشر سنوات، تم تدشين برنامج “تكافل وكرامة” لدعم الأسر الأولى بالرعاية، وقامت فلسفة البرنامج على الاستثمار في البشر، وشراكة تحمل الأسر مسؤولية التنمية الاجتماعية لأفرادها ومجتمعاتها، إلى جانب ميكنة وتحديث منظومة الحماية الاجتماعية لتفادي تحيز العنصر البشري، وإعلاء مبادئ الشفافية والمحاسبة، وحوكمة الإجراءات، وإنشاء آليات لضمان استحقاق الدعم النقدي. كما عمل البرنامج على تكامل خدمات الدعم النقدي مع حزمة خدمات الحماية الاجتماعية الأخرى التي تقدمها الحكومة المصرية لنفس الأسر، ومنها الدعم السلعي، والتأمين الصحي، والإعفاء من مصروفات التعليم، وخدمات البنية الأساسية، وذلك وفقًا لما أعلنته وزارة التضامن الاجتماعي في احتفالية مرور عشر سنوات على تدشين البرنامج.
ووفقًا للوزارة، فقد تضاعف عدد الأسر المستفيدة من البرنامج من 1.7 مليون أسرة عام 2014 إلى 4.7 مليون أسرة في عام 2025.
وبحسب القانون، فإن كل مواطن تحت خط الفقر ولا يتمتع بمظلة التأمين الاجتماعي، له الحق في التقدم للحصول على الدعم النقدي، سواء بصفة مؤقتة أو بشكل دائم، طالما توافرت فيه حالة من حالات الاستحقاق المبينة بالقانون. إلا أن هذا الحق مقيد بأولوية الحالات المنصوص عليها في المادة 12 من القانون، والتي وضعت تصنيفًا يتضمن تسع درجات للأولوية في الحصول على المعاش، في حال زاد عدد المتقدمين على المبالغ المرصودة للبرنامج.
في المقابل، فإن التأكد من الاستحقاق يتم وفق معادلة معقدة تشمل معدل الفقر، وعدد أفراد الأسرة، وحالة السكن، وغيرها من العوامل الرقمية.
وبحسب موقع وزارة التضامن، فإن عمل أحد أفراد الأسرة – حتى دون التمتع بمظلة تأمينية بشكل دائم – أو العمل الحر إذا بلغ الدخل الشهري 1800 جنيه (نحو 36 دولارًا)، يحرم الأسرة من الدعم النقدي. كما أن امتلاك أحد أفراد الأسرة لسيارة موديل 1990 أو عربة توك توك أو تروسيكل، يمنعها من الحصول على الدعم.
هذا الشرط تحديدًا حال دون حصول مهجة أحمد، المطلقة التي تعول ثلاثة أبناء، على الدعم، رغم ظروفها الصعبة. فقد اشترت خلال فترة زواجها “توك توك” بالتقسيط لزوجها، الذي استولى عليه بعد الطلاق، ما منعها من الحصول على المعاش. ورغم تقديمها ما يفيد بأن ترخيص “التوك توك” باسم طليقها، لم يشفع لها ذلك لدى الموظفين الذين طلبوا منها تقديم إقرار من طليقها يُثبت ملكيته للمركبة، وهو ما رفضه الزوج السابق، الذي لا يدفع كذلك أي نفقة لأبنائه. حاولت مهجة مطالبة الموظفين بإجراء بحث ميداني لحالتها، إلا أنهم رفضوا.
في المقابل، يولي القانون اهتمامًا بمتابعة مستحقي الدعم للتأكد من عدم تحسن أوضاعهم بما يخرجهم من شروط الاستحقاق. وقد خصص القانون وحدة للمتابعة الميدانية تقوم بدراسة أحوال 30% من المستفيدين سنويًا، إلى جانب إجراءات أخرى لدراسة عينات أقل عددًا للتحقق من صحة الاستحقاق، وذلك وفقًا لما ورد في المواد 24، 25، 26، 27. هذه المواد تتيح للموظفين صلاحية الاستبعاد من المعاش، وتمنح المتضررين حق التظلم، لكن هذه التظلمات ليست بالضرورة مقبولة.
من جانبه، قال النائب محمد عبد الحكيم أبو زيد، إن هناك أزمة تتعلق بقيمة المعاش، إذ لا تتناسب بشكل كبير مع حالة الغلاء، رغم الزيادات التي طُبقت مؤخرًا. وأوضح أن قيمة المعاش ظلت مجمدة من عام 2020 حتى 2024، ما أثّر على قوتها الشرائية حاليًا، مضيفًا أنه واجه الوزيرة السابقة بهذه الإشكالية، لكنها ردت بأن «تكافل وكرامة» ليس معاشًا، بل مساعدة نقدية.
وأضاف عبد الحكيم لـ “MENA“، أن مدة الرد على طلبات الحصول على دعم «تكافل وكرامة» طويلة للغاية، وكذلك الرد على التظلمات، مشيرًا إلى أن الرد المعتاد من الموظفين هو: «جارٍ استخراج بطاقة الصرف».
وأشار إلى أن الأزمة الأكبر تكمن في إطلاق يد الموظفين لحسم الملفات، مما قد يؤدي إلى حالات من الفساد، لا سيما وأن الاستحقاق أو الرفض يتم وفق معادلة معقدة، دون وجود ما يُلزم الدولة بصرف الدعم لكل من تتوافر فيهم شروط الاستحقاق.
وطالب عبد الحكيم بالاستعانة بالرائدات الريفيات لسد العجز في عدد الموظفين المكلّفين بفحص التظلمات والطلبات، مشيرًا إلى أن القانون يشترط، على سبيل المثال، استخراج بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة، ما يستدعي عرض المستحق على القومسيون الطبي، وهو الإجراء الذي يعاني منه كثير من ذوي الإعاقة بسبب طول الإجراءات وصعوبة الانتقال.
وكانت آخر زيادة في معاشات «تكافل وكرامة» قد أُقرت في مارس الماضي، بنسبة بلغت 25%، لتتراوح الزيادة بين 218 جنيهًا (نحو 4.4 دولار) و87 جنيهًا (نحو 1.7 دولار)، وتصبح قيمة المعاش الإجمالية ما بين 1093 جنيهًا (21.9 دولارًا) و437 جنيهًا (أقل من 10 دولارات)، حسب عدد أفراد الأسرة المستفيدة والفئة.
وقد أدّى إطلاق يد موظفي التضامن الاجتماعي في إدارة ملفات «تكافل وكرامة» إلى فتح الباب أمام وقائع فساد، أبرزها ما جرى في الأقصر عام 2018، حيث صُرف الدعم النقدي لنحو 11 ألف مواطن لا تنطبق عليهم الشروط، بتواطؤ من بعض مديري الوحدات، وتمت إحالة المتورطين للتحقيق، كما طُلب ممن حصلوا على الأموال دون وجه حق ردّ ما تم صرفه.
من جانبه، قال النائب إيهاب منصور، إن الفساد موجود في كل الدول، وإن وجود نسبة من الموظفين الفاسدين في «تكافل وكرامة» لا يعني فساد البرنامج بأكمله، مؤكدًا ضرورة تعديل آلية تسليم بطاقات الصرف، حيث تكررت شكاوى مواطنين تقدّموا منذ سنوات للحصول على المعاش، وعند الاستعلام عبر موقع الوزارة تظهر نتيجة مفادها أن بطاقتهم موجودة بوحدة التضامن، لكن عند التوجه لاستلامها يُبلغون بأنها غير متاحة، ما يشير إلى أن شخصًا آخر قد استلمها ويصرف المعاش دون وجه حق.
وأضاف منصور لـ “MENA“، أن برنامج «تكافل وكرامة» يُعد من أهم المشروعات التي توليها الدولة اهتمامًا، إلا أن بعض الأخطاء واردة، ويجب العمل على تلافيها.
وفي سياق متصل ببرامج الإصلاح الاقتصادي المفروضة من قِبل البنك الدولي، تقوم الحكومة المصرية في كل موازنة بتقليص بنود الدعم تدريجيًا، ووفقًا لآخر موازنة، لا تزيد مخصصات الدعم والمنح عن 17% من إجمالي المصروفات، وتشمل هذه النسبة دعم الصادرات ومجالات أخرى، في حين لا تمثل مخصصات «تكافل وكرامة» سوى 2% فقط من إجمالي الإنفاق الحكومي.
اقرأ أيضًا:
جدل حول قانون المسؤولية الطبية.. الأطباء تصعد وسط تضامن نقابي
رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر