الشارع المصري

جدل الإجراءات الجنائية.. التنصت على المكالمات بالقانون

في سبتمبر 2023، كشف مختبر “سيتزن لاب”، المتخصص في أمن الإنترنت، عن تعرض هاتف المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي للاختراق باستخدام برنامج “بريداتور”. يعتمد البرنامج على أسلوب اختراق يُعرف بـ”يوم الصفر”، ما دفع شركة “أبل” إلى تحديث أنظمتها الأمنية لمعالجة الثغرة التي استغلها البرنامج.

 

رغم أن السلطات المصرية لم تعترف رسميًا بواقعة التجسس، إلا أن القضية عادت إلى الواجهة بعد موافقة مجلس النواب المصري، الأحد الماضي، على المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد.

 

 تمنح المادة النيابة العامة الحق في مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات التواصل الاجتماعي، والمراسلات، والطرود، والمكاتبات لفترات غير محددة.

 

تفاصيل المادة المثيرة للجدل

 

تنص المادة 79 على:”يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، إصدار أمر بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود. كما يحق له مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المصورة، أو أي وسيلة تقنية أخرى، متى كان لذلك فائدة في كشف الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر”.

 

تضيف الفقرة الثانية:”أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا. ويصدر القاضي الإذن مسبّبًا بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، مع إمكانية تجديد الإذن لمدد أخرى غير محددة”.

 

 

اعتراضات حقوقية

 

أثارت المادة اعتراضات واسعة تحت قبة البرلمان وخارجها. حيث رفض عدد من النواب، بينهم النائب فريد البياضي من حزب المصري الديمقراطي، فكرة عدم تحديد عدد مرات تجديد إذن المراقبة.

 

 البياضي أشار في تصريح لمنصة “MENA” إلى أن المادة 79 تخالف الدستور المصري، الذي ينص في المادة 57 على حماية حرمة الحياة الخاصة، ويمنع المراقبة إلا بأمر قضائي مسبّب ولمدة محددة.

 

وأضاف البياضي: “المراقبة لمدة 30 يومًا بإذن القاضي الجزئي مع إمكانية تجديدها لمدد غير محددة يتعارض مع الدستور. أقترح تحديد عدد مرات التجديد بثلاث مدد فقط، بشرط وجود أدلة تُبرر استمرار المراقبة. لا يجوز أن يبقى المواطن تحت المراقبة مدى الحياة”.

 

إيجابيات القانون الجديد

 

ورغم الاعتراضات، أشاد البياضي بمزايا أخرى في مشروع القانون، مثل إنهاء أزمة تشابه الأسماء التي كانت تؤدي إلى اعتقال أبرياء بسبب تشابه أسمائهم مع المحكوم عليهم. لكنه شدد على أن المادة 79 تحتاج إلى تعديل لضمان توافقها مع الدستور واحترام خصوصية المواطنين.

 

 

من جانبه، رفض النائب إيهاب الطماوي الادعاء بأن المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد تخالف الدستور. وأكد أن المادة تنص صراحة على أن المراقبة تتم بأمر مسبب من القاضي الجزئي، مشيرًا إلى أن النيابة العامة مطالبة بتقديم ما يثبت أن المراقبة يمكن أن تسهم في كشف الحقيقة بجرائم أو جنح يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.

 

ضمانات المراقبة القضائية

 

أوضح الطماوي أن النيابة العامة ليست مطلقة اليد، بل تحتاج إلى إذن مسبّب من القاضي الجزئي، وتكون المراقبة لمدة 30 يومًا فقط، مع إمكانية التجديد بإذن القاضي.

 

وأكد أن هذا الإجراء لا يتعارض مع الدستور، إذ التزم البرلمان عند مناقشة القانون بأحكام الدستور المتعلقة بحرمة الحياة الخاصة.

وأشار الطماوي إلى أن القانون الجديد أضاف إمكانية مراقبة حسابات التواصل الاجتماعي في جرائم الشكوى، مثل التحرش الإلكتروني والسب والقذف، حيث تُوضع حسابات المشكو في حقه تحت المراقبة للتحقق من جدية البلاغات.

 

تزايد الجرائم الإلكترونية

 

وأكد أن المادة جاءت استجابة لتزايد الجرائم الإلكترونية واستخدام تكنولوجيا الاتصال في ارتكاب الجرائم، موضحًا أن هذه المادة تهدف لتحقيق الأمن مع ضمان عدم التوسع الأمني بفضل الرقابة القضائية.

 

 

 المادة تُهدد الحريات

 

في المقابل، يرى المحامي الحقوقي نبيه الجنادي أن المادة 79 تثير مخاوف حقوقية كبيرة. وأكد لمنصة “MENA” أن النص الحالي يسمح بالمراقبة بإذن من القاضي الجزئي لفترات غير محددة، دون تقديم أدلة جديدة عند التجديد، ما قد يؤدي إلى مراقبة حياة الأفراد بالكامل دون تحقيق أو اتهام. واعتبر الجنادي أن النص يُمكن استخدامه للتضييق على المعارضين السياسيين.

 

وأضاف الجنادي أن المادة تخالف المادة 57 من الدستور، التي تكفل حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات، وتنص على أن أي مراقبة يجب أن تتم بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.

 

تنص المادة 57 من الدستور المصري على: “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة. ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها. ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي”.

 

اعتراضات نقابية

 

أثار قانون الإجراءات الجنائية الجديد اعتراضات من نقابتي المحامين والصحفيين، اللتين انتقدتا ما وصفتاه بتوسع سلطات الضبط والتحقيق على حساب حقوق الدفاع.

 

وفي 30 ديسمبر الماضي، انطلقت حملة بعنوان “نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية”. ونشرت الحملة استمارة للانضمام إليها، وقد جذبت العديد من الأحزاب والمراكز الحقوقية بحلول منتصف يناير الثاني، من بينها:

 

أحزاب الدستور، الناصري، مصر القوية، وتيار الأمل (تحت التأسيس).

حركات: شباب 6 أبريل، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

مؤسسات حقوقية: قضايا المرأة المصرية، المرأة الجديدة، ومنصة اللاجئين في مصر.

مكاتب قانونية: مجموعة دفاع (خالد علي للمحاماة)، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير.

ورغم الإشادات بمزايا القانون في مكافحة الجرائم الإلكترونية، يبقى الجدل حول المادة 79 محط اهتمام واسع بين الحقوقيين والسياسيين.

 

اقرأ أيضًا:

 

مشروع قانون الإجراءات الجنائية.. مستقبل العدالة على المحك

 

“قانون الإجراءات الجنائية”.. ولادة متعسرة واعتراضات حقوقية ونقابية

 

“البكالوريا” تربك الأسرة المصرية.. أسئلة حول النظام الجديد

 

جدل حول قانون المسؤولية الطبية.. الأطباء تصعد وسط تضامن نقابي

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية