تشهد منطقة كورنيش النيل، الممتدة من شبرا إلى حلوان، أزمة جديدة بعد صدور قرارات من اللجنة المشتركة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة وجهاز حماية النيل بعدم تجديد عقود بعض النوادي والكليات المقامة بنظام حق الانتفاع. يطالب القرار بإخلاء كامل للمنشآت على أراضي طرح النهر، والتي تُقدر مساحتها بنحو 70 ألف متر مربع، وتمتد من كوبري الجامعة إلى فندق جراند نايل تاور. يشمل الإخلاء مباني مثل مكتب البريد المصري، وشرطة المسطحات المائية، ومستشفيات قصر العيني بجزيرة الروضة، إضافة إلى المسرح العائم، وحديقة أم كلثوم، ونوادي النيابة الإدارية وقضاة مجلس الدولة، وكلية السياحة والفنادق، والتي تعد متنفساً لأعضاء النقابات والمواطنين على حد سواء. فإلى أين تتجه الأمور؟
من جهته، أعلن مجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة التزامه بالانعقاد الدائم وبذل كافة الجهود للتوصل إلى حلول مناسبة، بما يشمل طرق الأبواب المشروعة للحفاظ على مقر النادي. يُسعى النادي للتفاوض على رفع القيمة الإيجارية بالتعاون مع رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي، خاصة وأن النادي استثمر أكثر من 2 مليون جنيه في أعمال التجديد، ويعتبر المتنفس الوحيد لأعضاء التدريس منذ إنشائه عام 1982.
وأشار الدكتور محمد المحمدي، أحد أعضاء هيئة التدريس، إلى أن الأرض ليست طرح نهر كما تدعي الجهات المعنية. وأوضح أن الشرطة سابقاً منعتهم من دخولها في التسعينات، وتخلل ذلك نزاع قانوني حُسم لصالحهم بعد 10 سنوات، لتوافق الشرطة فيما بعد على السماح باستخدام الأرض بعد مفاوضات ومناشدات للجهات المعنية. وأكد المحمدي أن قصة الكفاح للحصول على منفذ لأعضاء تدريس جامعة القاهرة على النيل شهدت مشاركة شخصيات بارزة.
من جانبها، أصدرت كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان بياناً أكدت فيه تلقيها قراراً من إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة بإلغاء وعدم تجديد عقود الانتفاع لكافة الأراضي على طول نهر النيل من شبرا إلى حلوان. وأوضحت الكلية أن القرار يُعرِّضها لخطر فقدان موقعها الحالي، والذي يُعد جزءاً من هويتها المرتبطة بالنشاط السياحي والفندقي المحيط بها. وأكدت الكلية على أهمية موقعها بالقرب من المناطق السياحية والفنادق، مما يعزز التجربة التعليمية لطلابها.
وأضافت الكلية أن هذا القرار قد يؤدي إلى عواقب سلبية تشمل فقدان موقعها الاستراتيجي وتأثيره على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، من حيث صعوبة الانتقال والتأقلم، وتراجع التكامل بين البرامج التعليمية والنشاطات العملية. وطالبت الكلية الجهات المعنية بمراجعة القرار، مشيرة إلى أن الاستثمار في التعليم والسياحة يبدأ بالحفاظ على المؤسسات القائمة.
ووفقًا لمصادر مطلعة، الأرض التي تشغلها كلية السياحة والفنادق تابعة لجامعة حلوان منذ السبعينات، وتم إنشاء المبنى الحالي عام 1975. يتم تسديد إيجار الأرض عبر محافظة القاهرة ووزارة الري بقيمة تصل إلى 645 ألف جنيه سنوياً، بما يعادل 90 جنيهاً للمتر. وتبذل الجامعة حالياً جهوداً لتأجيل تنفيذ القرار حتى نهاية العام الدراسي في يونيو المقبل، وذلك لتجنب تعطل الدراسة ونقل الطلاب إلى مبانٍ أخرى لاستكمال عامهم الدراسي.
وأعلن نادي مستشاري النيابة الإدارية رفضه تسليم مقر النادي في شارع عبد العزيز آل سعود. وفي بيان أصدره المستشار عبد الرؤوف موسى، رئيس النادي، أكد أن النادي يُعد “المتنفس الوحيد” لسبعة آلاف مستشار ومستشارة، مضيفاً أنهم ملتزمون بسداد رسوم حق الانتفاع بانتظام.
وأشار المستشار موسى إلى أن النادي يتواصل حالياً مع جهات حكومية للتشاور حول إمكانية التراجع عن القرار، مشدداً على أن النادي يُعتبر مكاناً أساسياً يصعب الاستغناء عنه. كما لفت إلى أن الأسباب التي أدت إلى رفض نادي قضاة مجلس الدولة لتسليم مقره تتشابه مع تلك التي دفعت نادي النيابة الإدارية لاتخاذ الموقف نفسه، مما يشير إلى وجود تنسيق غير رسمي بين الناديين.
وفي سياق متصل، رفض نادي قضاة مجلس الدولة بدوره تسليم مقره، حيث أكد رئيس النادي، المستشار عبد السلام النجار، في محضر رسمي رفضه تسليم أرض النادي. وأوضح النجار أن النادي يُعتبر المقر الوحيد الذي يعتمد عليه الأعضاء في تلقي الخدمات الاجتماعية والقانونية.
تقدمت النائبة رشا أبو شقرة، عضو مجلس النواب وأمين سر لجنة الشؤون الإفريقية، بطلب إحاطة موجه إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أيمن عاشور، ووزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي، بشأن قرار سحب جميع أراضي طرح نهر النيل التابعة للدولة بنظام حق الانتفاع من منطقة شبرا وحتى منطقة حلوان وإخلاء المنشآت القائمة عليها.
وأوضحت أبو شقرة أن إدارة مشروعات الأراضي أصدرت مؤخراً قراراً يقضي بإلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لكافة الأراضي النهرية الممتدة من شبرا إلى حلوان، بما يشمل نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، الذي يعدّ المتنفس الوحيد لأعضاء هيئة التدريس، وأحد أقدم المؤسسات الأكاديمية في الوطن العربي. وذكرت النائبة أن هذا القرار يلزم النادي بالإخلاء الفوري لمقره الحالي، ما يهدد وجود النادي، الذي يعتبر جمعية أهلية مشهرة بوزارة التضامن برقم 151 لسنة 1966، ويخدم حوالي 26,000 عضو من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وأسرهم، ويقدم أنشطة متعددة تلبي احتياجاتهم منذ تأسيسه.
أكدت الحكومة في اجتماع عُقد أواخر أكتوبر الماضي، في إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بمتابعة إجراءات التعامل مع أراضي طرح النهر في القطاع الممتد من شبرا حتى حلوان بالقاهرة الكبرى، على أهمية التنسيق بين مختلف الجهات المعنية بالدولة فيما يتعلق بنهر النيل وفرعيه. وأشارت إلى ضرورة مراعاة المعايير الفنية التي تضمن الحفاظ على القطاع المائي للنهر وحماية جسوره، في الوقت ذاته الذي يجب فيه الحفاظ على الاستثمارات القائمة على مجرى النهر مع الالتزام بالاشتراطات والقوانين المعمول بها.
وفي هذا السياق، تم التأكيد على استمرارية عمل المنظومة الإلكترونية الخاصة بجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة لحوكمة التعامل على أراضي طرح النهر، والتعامل مع التعديات وأعمال الردم في القطاع المائي لمجرى نهر النيل، إضافة إلى دراسة فئات مقابل الاستغلال (أراضي طرح النهر، المياه، رسو العائمات، وغيرها) خارج القطاع الممتد من شبرا حتى حلوان.
كما شددت الحكومة على أهمية التعاون بين كافة الجهات المعنية بما يراعي متطلبات المنشآت السياحية مع الالتزام بكافة المعايير والاشتراطات المطلوبة للحفاظ على مجرى نهر النيل وفرعيه. كما تم التأكيد على استمرارية التنسيق بين وزارة الموارد المائية والري وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة وكافة الوزارات والجهات المعنية من أجل الإسراع في دراسة الطلبات الخاصة بترخيص الأعمال والأنشطة على نهر النيل واتخاذ القرارات بشأنها في أقرب وقت ممكن حفاظاً على الاستثمارات القائمة والمستقبلية.
وفي إطار هذه الإجراءات، تم الاتفاق على مواصلة أعمال إزالة التعديات على مجرى نهر النيل وفرعيه لضمان إمرار التصرفات المائية المطلوبة لتلبية كافة الاحتياجات المائية. كما تم التأكيد على دور وزارة الموارد المائية والري كجهة ذات ولاية أصيلة في التعامل مع المخالفات بجميع أنواعها.
وفي تصريحات لمصادر مطلعة بمجلس الوزراء، تم التأكيد على إرجاء أي قرارات تتعلق بأزمة حقوق الانتفاع الخاصة بأراضي طرح النيل في المناطق الواقعة بين شبرا وحلوان، خصوصاً في ظل المخاطبات المقدمة من إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس وكلية السياحة. وأوضحت المصادر أنه يجري حالياً بحث سبل وأطروحات من شأنها تحقيق الصالح العام.
كما أكدت المصادر “لمنصة MENA” أن القرارات الخاصة بتجديد عقود الانتفاع هي أمور تشرف عليها لجنة إدارة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، مشيرة إلى أن القرار لم يتضمن أي تمييز بين الجهات المعنية بالإخلاء، وأنه من الممكن تمديد المهلة الممنوحة للمنشآت المختلفة لتوفير البدائل المناسبة.
في سياق متصل، طالب الإعلامي عمرو أديب الحكومة بالخروج وشرح حقيقة الأمر للمواطنين بكل شفافية، قائلاً: “اطلعوا وأقولوا أنا عندي مشروع للمنطقة، طيب ما تقول؟! إيه المانع؟!”
وأوضح أديب في برنامجه الحكاية على شاشة أم بي سي مصر، أن أراضي طرح نهر النيل الممتدة من شبرا إلى حلوان تحتوي على العديد من المواقع الهامة مثل النوادي والمطاعم والجامعات والمصالح الحكومية. وأكد أنه ليس ضد أي تطوير، مضيفًا: محدش قال لأ للتطوير، ولكن إيه الحكاية؟ الآن تأتي طلبات من الهيئات الموجودة على النهر بالغلق، أكيد في سبب عظيم، قولوا لنا شاركونا في اللي بيحصل.
كما استغرب أديب عدم خروج رؤساء الهيئات المتواجدة على أراضي طرح نهر النيل، المهددة بالغلق والإزالة، للدفاع عن هذه المنشآت، معقبًا: محدش بيعمل حاجة، وإحنا قاعدين بنسمع كلام وبس، احنا بنسيب الحكاية لكثير من التكهنات والقيل والقال.
في الوقت نفسه، أيدت الفنانة عزة مجاهد قرار إلغاء حقوق الانتفاع بأراضي طرح النيل، معتبرة أن هذا الأمر حق لكل مواطن. وقالت في منشور لها عبر منصة التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: أنا مع إزالة جميع المنشآت على طرح النيل لأن النيل ده من حق كل مواطن يمشي عليه بدون أي رسوم. وأضافت: منشآت سواء أندية أو شرطة أو جيش أو نقابات أو قضاء، كل دا يزال ويعوض في أماكن أخرى. حرام علشان أنا بنتمي لنقابة أو نادي أحرم باقي الشعب من التمتع بالسير على النيل. شوفوا تركيا على جانبي البوسفور، لا يوجد مطعم أو كافيه أو ملهى ليلي لأن الكورنيش من حق كل مصري يمشي جنبه بدون أي رسوم.
وبدأ جهاز مشروعات القوات المسلحة، الذي يرأسه لواء أركان حرب محمد مصطفى أحمد رضوان، في إدارة أراضي طرح النهر بالقاهرة الكبرى منذ عام 2020، بعد أن تولى الجهاز مهمة إدارة أراضي طرح النهر من شبرا حتى حلوان، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء. وأعلن الجهاز في ديسمبر 2020 عن طرح عدد من تلك الأراضي في مزادات للاستثمارات السياحية والتجارية، قبل أن يقرر إلغاء حق الانتفاع لهذه الكيانات المنشأة على أراضي طرح النيل في تلك المناطق.
ويتولى الجهاز عدة مهام أبرزها تأسيس الشركات بكافة صورها سواء بشكل منفرد أو بمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي. كما يختص بالجهاز باستغلال أراضي القوات المسلحة بالبيع أو الإيجار بعد التصديق، بالإضافة إلى تقنين أوضاع أراضي وضع اليد المعتدى عليها من بعض المواطنين.
كما يشرف جهاز مشروعات القوات المسلحة على إدارة أراضي طرح النهر والعائمات في القطاع الممتد من شبرا حتى حلوان، ويساهم في تمويل بعض المشروعات القومية مثل مشروع الإسماعيلية الجديدة، بالإضافة إلى تمويل إنشاء المدن العسكرية ومعسكرات إيواء الأفراد (مثل الهايكستب، مبارك بالحمام، جنيفة، عجرود). كما يشارك الجهاز في تمويل المشروعات الاستثمارية والخدمات والأنشطة لتنمية موارد الجهاز، مثل مشروعات الرماية، رابعة العدوية، القرنفل، مصطفى كامل، أبراج سموحة، والمشاركة مع شركات التطوير العقاري على أراضي القوات المسلحة لإنشاء مشروعات استثمارية.
اقرأ أيضًا:
نهر النيل بين الاستثمار والتعديات.. من يحمي شريان الحياة في مصر؟ | تحقيق
هل يتدخل الاتحاد الأفريقي في حل أزمة منابع النيل؟
لُغـز مرض أسوان الغامض.. كوليرا أم نزلات معوية؟
برج مهجور من السبعينيات يفجر أزمات داخل نادي الأرستقراطية المصري
