تحليلات

حديقة الحيوان بالجيزة ..تطوير أم استثمار خارجي؟


حديقة الحيوان أحد المعالم الهامة والرئيسية بمحافظة الجيزة٬ ثاني أكبر محافظة في مصر٬ وارتبط اسمها دائمًا كمتنفس للمواطنين البسطاء في الأعياد والمناسبات خاصة مع انخفاض اسعارها وجودتها كمزار تراثي ومميز٬ وتعد من أقدم حدائق الحيوان في العالم والأكبر في الشرق الأوسط، وأول وأعرق حدائق الحيوانات في أفريقيا، تأسست عام 1891 وكانت تسمى” جوهرة التاج لحدائق الحيوان في إفريقيا”، على مساحة 80 فدان، وتضم جداول مائية وكهوف بشلالات وجسور خشبية، وبحيرات للطيور المعروضة، كما تضم متحفاً تم بناؤه في عام 1906 يضم مجموعات نادرة من الحيوانات والطيور والزواحف المحنطة، ويقدر عدد زوارها بنحو مليوني زائر سنويًا.


وعانت حديقة حيوان الجيزة من الاهمال على مدار العقود الماضية ولم تشهد أي تطوير يُذكر، مما أدى إلى خروجها من التصنيف العالمي لحدائق الحيوان منذ عام 2004 ونفوق عدد كبير من الحيوانات مع عدم تمكنها من تعويض الحيوانات، لذلك قررت الحكومة تطويرها وأسندت الاعمال إلى الهيئة القومية للإنتاج الحربى وتحت ولاية وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي باعتبارها تابعة للهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة بأجمالي استثمارات تقدر بنحو مليار جنيه من تحالف عدد من شركات القطاع الخاص مقابل حصولها على حق الانتفاع نحو 25 عام وتشمل حديقة الاورمان المجاورة لها ايضًا وذلك بمقابل سنوي يُدفع أيضًا للوزارة يفوق أضعاف ما تحققه الحديقتين حاليًا مع زيادة سنوية مطردة .


حسب مسئول بوزارة الزراعة٬ تسود الصفقة بعض الغموض حيث تنص فترة التطوير في العقد المبرم مع الشركات المسئولة عن التطوير 18 شهرًا بدأت من 9 يوليو 2023 أي اقتربت من العام٬ ومع ذلك لم يحدث التطوير المطلوب حتى الآن مقارنة بالفترة الزمنية.




العاملين بالحديقة أكدوا أيضًا أن مصيرهم مجهول بعد الانتهاء من عمليات التطوير ورغم تصريحات المسئولين بأنهم لن يضاروا أبدًا إلا أن اختلاف العقود المبرمة بين المستثمر مع العاملين بحديقة الحيوان والتي مدتها عام واحد وبين العاملين بحديقة الاورمان والتي ابرمت بمدة 25 عامًا هي مدة حق الانتفاع كاملة جعلت من عدد 128 عاملاً بحديقة الحيوان يطالبون بوضوح الرؤية والمعاملة بالمثل مع زملائهم بحديقة الاورمان خاصة وأنهم يتقاضون مرتباتهم من خلال صناديق خاصة من حصيلة تذاكر دخول الزوار للحديقة٬ مشيرين إلى تهميشهم وعدم مشاركتهم في أي معلومة من خلال المسئولين عن الحديقة مما يزيد من الشكوك٬ ولافتين أيضًا إلى انتهاء العقد السنوي الخاص بهم يوم 9 يوليو 2024 القادم.


كشف العاملون عن تخوفهم من انهاء خدمتهم 9 يوليو المقبل وأنهم حاولوا التواصل مع رئيس حديقة الحيوان السابق محمد رجائي أو رئيس الشئون القانونية بهيئة الخدمات البيطرية عنتر أحمد سليمان أو المدير المالي والاداري للإدارة المركزية لحدائق الحيوان محمود حنفي ولكنهم تهربوا منهم ولم يجيبوا أو يطمئنوا العاملين.



وقال محمد عبدالسلام عامل بأحد المصانع براتب 4500 الآف جنيه شهريًا “نحو 94 دولار” ولدية 3 أبناء٬ إن حديقة الحيوان هي المزار الوحيد الذي كان يستطيع زيارته هو وأبنائه لانخفاض سعر التذكرة 5 جنيهات فقط وأعرب عن تخوفه الشديد من رفع الاسعار بشكلٍ كبير بعد عمليات التطوير واسناد الحديقة إلى مستثمرين سيكون هدفهم الأول هو تحقيق الارباح وبالتالي يتم اغلاق المتنفس الوحيد للمواطنين البسطاء حديقتي الحيوان والاورمان.


وأضاف علي اسماعيل موظف٬ أن توجهات الحكومة بتطوير كافة الحدائق والمنتزهات لا بد أن يقابلها عدم رفع الاسعار حتى لا يضار منها المواطن البسيط الذي يجدها ملجأه الوحيد للخروج هو واسرته خاصة في الفترات الليلية في الصيف والتي تتطلب الخروج لقضاء بعض الوقت هربًا من حرارة الطقس في المنازل .



وعانت حديقة الحيوان خلال السنوات الماضية من عدم اتباع المعايير الدولية في تربية وإيواء الحيوانات مع تهالك البنية التحتية للحديقة وعدم تطويرها٬ الأمر الذي كان سببًا رئيسيا في خروجها من التصنيف الدولي، ما دعا منظمات المجتمع المدني والمفكرين ورجال الصحافة والإعلام المحلى والدولي والمواطنين إلى مناشدة الدولة في فترات سابقة للتدخل لإنقاذ الحديقة من الانهيار وعودتها مرة أخرى إلى التصنيف العالمي وبشكل يتفق مع حدائق الحيوانات العالمية.


وحسب تصريحات المسئولين أُغلقت حديقة الحيوان بالجيزة، لتنفيذ خطة تطويرها ورفع كفاءة خدماتها، بهدف تعظيم الاستفادة مع الحفاظ على طابعها الأثري والنباتات والأشجار النادرة واستعادة طابعها التراثي، حتى تكون حديقة الحيوان على غرار الحدائق العالمية المفتوحة بلا حواجز، مع تطبيق أعلى معايير الأمان العالمية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحدائق الحيوان وتحت إشراف الاتحاد الإفريقي لحدائق الحيوان .


وأوضح أحمد إبراهيم المستشار الاعلامي لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أنه نظرًا لحجم أعمال التطوير والترميم الكبيرة في البنية الأساسية المتهالكة، سيتم حفر الطرق الداخلية، وبالتالي يصعب استقبال المواطنين حتى انتهاء عملية التطوير والتي سيتم ضغطها تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية من أجل سرعة فتح الحديقة أمام الزائرين٬ ونفس الشيء يخص حديقة الاورمان بالتزامن مع حديقة الحيوان .




وتم وضع عدد من المحددات للتطوير من خلال الاتفاق مع الهيئة القومية للإنتاج الحربي٬ أولها رجوع حديقة الحيوان للإدراج ضمن الاتحاد العالمي لحدائق الحيوان، مشددة علي عدم المساس بالمساحات الخضراء والحفاظ على الأشجار والنباتات النادرة بالحديقتين مع عدم المساس بالمباني الاثرية والتاريخية مثل كوبرى إيفل والقاعة الملكية والجبلاية وجزيرة الشاي والمتحف الحيواني وغيرهم، وإن نسبة المباني لا تتجاوز 1% من إجمالي المساحة يعني أقل من 1%، وستظل ملكية الحديقتين خالصة لوزارة الزراعة وستعود للوزارة بعد انتهاء مدة حق الانتفاع .


الشركات التي يضمها التحالف حسب المعلن رسميًا هي الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وشركة أبناء سيناء للتشييد والبناء، وشركة حديقتي، وبدأ الحديث عن تطوير حديقة الحيوان بالجيزة في يناير 2023 حينما وجه الرئيس المصري الحكومة بتطوير الأصول المملوكة للدولة من حدائق ومتنزهات بالاستعانة بالقطاع الخاص والخبرات الأجنبية، كما وجه بتنفيذ مشروع لتطوير حديقة الحيوان بالجيزة بما يضاهي قيمتها التاريخية والأثرية.



وتشعر الناشطة البارزة دينا ذو الفقار وأحد أشهر المدافعين عن حقوق الحيوان يشعرون بالقلق من أن خطط حديقة الحيوان تفتقر إلى الشفافية ولا تعطي الأولوية لرفاهية الحيوانات الموجودة هناك، والتي تشمل بعض الأنواع المهددة بالانقراض٬ مشيرة إلى أن حديث المسؤولون عن حديقة الحيوان كمركز ترفيهي وليس كحديقة حيوان.


وتنتشر الشائعات إن الحكومة المصرية التي تعاني من أزمات مالية كبيرة أرادت بيع حديقة الحيوان لمستثمرين من الإمارات العربية المتحدة٬ لكن الحكومة المصرية نفت ذلك ووصفتها بأنها اشاعات كاذبة٬ في حين أكد أحمد إبراهيم، المستشار الإعلامي لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر، أن مشروع تطوير حديقة الحيوان بالجيزة وضعه أكبر استشاري عالمي في تطوير حدائق الحيوان، الذي قام بتطوير 12 حديقة على مستوى العالم منها حديقة الحيوان في لندن٬ مؤكدًا أن الحديقتين ستظلان ملك وزارة الزراعة، وحديقة الحيوان ستكون تحت الإشراف الفني لهيئة الخدمات البيطرية، موضحاً أن التطوير سيتم تحت إشراف الاتحاد الإفريقي لحدائق الحيوان والاتحاد الدولي لحدائق الحيوان من خلال تحالف بعض الشركات الوطنية الخالصة.


كما صرح وزير الزراعة السيد القصير أن دولة الإمارات ليس لها أية علاقة بملف تطوير حديقة حيوان الجيزة٬ مؤكدًا عدم صحة هذه الأخبار المغلوطة جملة وتفصيلا مشددًا على أن الحديقتين ستظل تحت ولاية وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي٬ كاشفًا عن إنفاق مالا يقل عن مليار جنيه على عملية التطوير٬ وأن نسبة المباني ستكون أقل من 1% من مساحة الحديقة.



وكان الدكتور محمد رجائي، مدير حدائق الحيوان في وزارة الزراعة السابق صرح أن أسعار تذاكر حديقة الحيوان، بعد انتهاء عملية التطوير ستظل في متناول كافة طبقات المجتمع وألا تتحول الحديقة لطبقات معينة، وستتراوح بين 25 إلى 30 جنيها للفرد لضمان استمرارية الإنفاق على الحديقة٬ معتبرًا السعر السابق غير منطقي ولا يضمن استمرار عمليات التطوير والتكلفة الحقيقية لغذاء الحيوانات والأدوية واجور العاملين وغيرها من باقي الاحتياجات.



وأكد رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية المهندس ماجد السرتي، أن حديقة الحيوانات ستكون بلا حواجز، مع تطبيق أعلى معايير الأمان العالمية، التي تتيح للمواطن الاستمتاع بالحيوانات كأنها في البرية، دون أدنى خطورة، موضحًا أنه سيتم تقسيم الحديقة إلى 4 قطاعات، منها المصرية، والأفريقية، والآسيوية، والتجربة الليلية، مع إدخال حيوانات جديدة للحديقة لم تدخلها من قبل، والعمل على ربط حديقة الحيوانات مع حديقة الأورمان كاشفًا عن افتتاحها للجمهور خلال شهر مارس 2025 حسب الاتفاق المسبق.


شارك المقالة

مقالات مشابه

حديقة الحيوان بالجيزة ..تطوير أم استثمار خارجي؟

حديقة الحيوان أحد المعالم الهامة والرئيسية بمحافظة الجيزة٬ ثاني أكبر محافظة في مصر٬ وارتبط اسمها دائمًا كمتنفس للمواطنين البسطاء في

مشروع حديقة تلال الفسطاط.. هل ينجح في تعويض المواطن والمناخ؟!

اقتراب افتتاح مشروع حديقة تلال الفسطاط، عنوان تصدر الصحف المصرية وتناولت البرامج التلفزيونية الأهمية المنتظرة من وراءه كواجهة سياحية

رفع الدعم السلعي وتأثيره على حياة الملايين من المواطنين

أثارت بعض التصريحات للمسئولين المصريين عن اقتراحات بخفض أو رفع الدعم على السلع تخوفات الملايين من المصريين خاصةً في ظل ارتفاع الاسعار