في كل عام، قبيل شهر رمضان المبارك، تقوم الحكومة المصرية بإجراءات منوطة بها لتخفيف معاناة التضخم وارتفاع الأسعار على الشعب المصري.
وقد بدأ الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في تنفيذ هذا الأمر فعليًا، حيث وعد قبل أيام بإطلاق حزمة اجتماعية جديدة لدعم المواطنين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار قبل بداية شهر رمضان.
لم يتحدث الدكتور مصطفى مدبولي عن مضمون الحزمة بشكل مفصل، مكتفيًا بما ذكره حول تنفيذها في القريب العاجل. لكن الأمور، بشكل أو بآخر، تشير إلى إقامة معارض “أهلاً رمضان”، ورفع الحد الأدنى للأجور في قطاعي العمل العام والخاص. وقد تحقق ذلك فعليًا برفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه مصري، بجانب عدد من الإجراءات الأخرى التي تعالج الأزمة الاقتصادية في ظل التضخم.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور رائد سلامة، مقرر مساعد لجنة التضخم وغلاء الأسعار بالحوار الوطني، إن ما صرح به رئيس الوزراء بشأن الحد الأدنى للأجور هو أمر إيجابي نثني عليه بلا شك، وإن كنا نتمنى المزيد لمواكبة المعدلات العالمية، خصوصًا في الحدود المتعلقة بالفقر والفقر المدقع.
ويقترح سلامة في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن تلحق الحكومة بتلك الزيادة زيادة في الحد الأقصى للإعفاء الضريبي، وهو أمر له تأثير إيجابي كبير، حيث تكون لزيادة الحد الأدنى للأجور فعاليتها، خصوصًا أن زيادة الإعفاء الضريبي هي إجراء غير نقدي ولا يترتب عليه أي آثار تضخمية.
ويتابع قائلاً: “من المهم جدًا أن يجتمع المجلس الأعلى للأجور لوضع حد مماثل بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، حتى يتمكن المواطنون جميعًا من مواجهة احتياجاتهم الأساسية بلا تفرقة بين العاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص”.
وفيما يتعلق بالحزمة الاجتماعية الجديدة المزمع تطبيقها قبل حلول شهر رمضان، -حتى وإن لم تتضح معالمها وحدودها حتى الآن- يؤكد مقرر مساعد لجنة التضخم وغلاء الأسعار بالحوار الوطني، أنه سيكون لها أثر اجتماعي مهم، لكن من المهم أيضًا التعرف على كيفية تمويلها.
ويأمل سلامة في تصريحات لـ”MENA” ألا تكون الحزمة تمويلًا تقليديًا حتى لا تزيد الأعباء على الموازنة العامة للدولة، وأن تأتي في إطار حماية اجتماعية جادة، يعززها دور رقابي صارم للأجهزة التنفيذية والرقابية بما يحول دون موجات تضخمية قد تصاحبها. خصوصًا وأن تأثيرات الجمارك التي سيفرضها الرئيس الأمريكي على واردات بعض الدول وما سيقابلها من فرض جمارك من تلك الدول على الواردات الأمريكية قد يترتب عليها زيادات أكبر في أسعار السلع في السوق العالمية.
يرى الدكتور مصطفى أبو زيد، الخبير الاقتصادي ومدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن بوادر الحزمة الاجتماعية التي تحدث عنها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بدأت تنفذ فعليًا، من خلال رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه، بدلاً من 6000 جنيه مصري. ويعتبر ذلك مؤشرًا إيجابيًا لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين المصريين، خصوصًا في القطاع الخاص الذي يمثل حوالي 70٪ من القوى العاملة في الدولة.
ويؤكد أبو زيد في تصريحاته الخاصة لمنصة “MENA” أنه من الطبيعي أن تكون زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 17٪ حافزًا للحد من التضخم الذي عانى منه المصريون خلال العامين الماضيين، وكذلك يساهم في تلبية احتياجات المواطنين في ظل تراجع معدل التضخم إلى 24.1٪. وهذا يعني أن العمالة ستستفيد من تلك الزيادة مع قدوم شهر رمضان، وعيد الفطر أيضًا.
وعن الحزمة الاجتماعية التي تحدث عنها رئيس مجلس الوزراء، يقول أبو زيد: “هذه الحزمة هي عامل مكمل للجهاز الإداري للدولة، لتعزيز القدرة الشرائية. القرارات المنتظرة من الحزمة الاجتماعية ستساهم في تحسين الاستهلاك المحلي، وبالتبعية سيكون هناك مردود إيجابي على عملية الإنتاج، مما ينعكس في المجمل على النشاط الاقتصادي، ويعزز الرواج الاقتصادي مستقبلاً”.
ويستكمل الخبير الاقتصادي حديثه لـ“MENA“: “في سياق الحزمة الاجتماعية، قبل قدوم شهر رمضان، نعتاد على وجود معارض ‘أهلاً رمضان’ لبيع السلع والمنتجات بأسعار مخفضة. ولكن الأهم في هذا الأمر هو الجانب المادي من الحزمة الاجتماعية، والتي تحدث رئيس الوزراء عن بدء تطبيقها في مطلع مارس، مما يعني أنها ستُضخ في البنوك ليتمكن المواطنون من الاستفادة منها مع بداية رمضان، خاصة أن رمضان هو الشهر الأكثر استهلاكًا للمنتجات بمختلف أنواعها بالنسبة للمصريين، وهو سيكون بمثابة تعويض للسوق المحلية التي قد تكون تضررت بسبب تفاوت الأسعار في الفترات الماضية”.
وضح الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال، الفارق بين التخفيض واستقرار الأسعار، موضحًا: “الفترة القادمة سيكون فيها استقرار للأسعار، لكن التخفيض يحدث مع توافر الكميات بشكل كبير، حتى تنتشر فكرة العرض والطلب، وبالتالي تنخفض الأسعار تدريجيًا، بمعنى أن كيلو اللحم سعره 400 جنيه، ولكي يصبح بـ350 مثلاً، لن يحدث ذلك إلا بتوافر اللحوم بكثافة، أو تقليل الاستهلاك للبروتينات الحيوانية”.
ويقول رؤوف في تصريحاته الخاصة لمنصة “MENA” إن الحزمة الاجتماعية التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء هي بمثابة خطوة تحت بند النوايا الحسنة للحكومة. ولكن فكرة تنفيذ الأمر نفسه، خصوصًا موضوع الحد الأدنى للأجور 7000 جنيه مصري بدلاً من 6000 جنيه، وإجبار المسؤولين في القطاع الخاص على صرفها للعمال، قد يكون العائق الرئيسي في هذا القرار. رغم ذلك، يمكن تطبيقه في قطاع الأعمال العام، بالرغم من أن بعض العاملين في هذا القطاع قد لا يحصلون على الحد الأدنى للأجور في بعض الأحيان.
ويضيف رؤوف: “بالطبع الحكومة مشكورة على هذا القرار، لأنه في مصلحة المواطن، وبالتالي أنا أؤيده. لكن نحتاج لمعالجة أمور أخرى حتى تكون الأصعدة متوازنة، وهو أمر يحتاج إلى مجهود كبير في الإنتاج والتصنيع لتزويد الناتج المحلي، وبهذا تزيد المرتبات والقدرة على الشراء، حتى يكتفي العاملون بالقطاعات المختلفة من احتياجاتهم. وهذه الحزم التي تقوم بها الحكومة ينبغي أن تكون إجراءات اقتصادية مستمرة لمواكبة التضخم ومعالجة الأسعار بآليات اقتصادية مستدامة”.
ويستطرد الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال في تصريحات لـ”MENA” أن هذه الإجراءات الاستثنائية يمكن أن تُنفذ اليوم، لكن يجب أن تكون آلية ديناميكية تتكرر كلما يزيد التضخم، وليس بشكل متباعد. ويمكن في ظل هذه الحزمة طرح معرض “أهلاً رمضان” لبيع السلع والمنتجات بأسعار مناسبة، وهو أمر تقوم به الحكومة بالتعاون مع التجار والبائعين.
اقرأ أيضًا:
تطوير الموانئ المصرية.. هل ينقذ قناة السويس من التوترات الجيوسياسية؟
من الاكتفاء الذاتي إلى الفقر المائي.. كيف تغير وجه الاقتصاد المصري عبر الزمن؟
ما تبعات “التحول إلى الدعم النقدي” على أسعار السلع؟
رفع أسعار تذاكر المترو والعائد على الدولة والمواطن من ذلك