تحليلات

خفض إنتاج الأسمنت عامًا آخر.. هل سيرفع الأسعار؟

 

 

ما تأثير ذلك على الإنشاءات والمشاريع؟ وما أسباب القرار من البداية؟ وأسباب تمديده؟ وهل هناك بدائل لحين العودة للعمل بصورة طبيعية؟ وما تأثير ذلك على المواطن المصري؟

 

 

 

 

بلغت طاقة 20 شركة من شركات إنتاج الأسمنت في مصر قبل عام 2021 أكثر من 80 مليون طن سنويًا، في حين قدر الإنتاج الفعلي حوالي 55 مليون طن. وظل الأمر هكذا إلى أن أصدر جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية قرارًا بالموافقة على طلب 23 شركة من الشركات العاملة في قطاع الأسمنت البورتلاندي على تخفيض الطاقات الإنتاجية. وعلى إثر ذلك، اقترحت الحكومة المصرية في مايو 2021 خفض إنتاج الأسمنت لعلاج التخمة في المعروض بين 14% و28%. وحينها عبرت الشركات الأجنبية عن أن هذا الاقتراح جاء منحازًا لبعض اللاعبين المحليين في ذلك الوقت. مضيفةً بأن الأوضاع ازدادت سوءًا منذ 2018 حينما افتتح الجيش مصنع أسمنت بني سويف، وما تلاه من افتتاح مصنع آخر لشركة أسمنت المصريين في سوهاج، وثالث في منطقة أخرى، وتعددت خطوط الإنتاج والتوزيع.

 

 

وتكرر الأمر في أغسطس 2022 واستجاب جهاز حماية المنافسة لدعوات شركات الأسمنت لتمديد قرار خفض الإنتاج لعام آخر، مع السماح بزيادة الإنتاج بانتعاش الطلب. وقيل حينها بإن قرار مد خفض الإنتاج في صالح المستهلك والسوق. وتردد حينها بأن تربيطات شركات الأسمنت لإصدار قرار تخفيض الطاقات الإنتاجية تسببت في أن يخسر السوق حوالي 25% من الطاقة الإنتاجية للأسمنت. وتكرر نفس الأمر عام 2023 بذات الصورة، إذ تم مد خفض إنتاج الأسمنت لمدة عام تنتهي في يوليو 2024.

 

 

وتسبب هذا الخفض في ارتفاع أسعار الأسمنت بعدها بصورة كبيرة. ففي يوليو 2021 سجل سعر الطن حوالي 850 جنيها، وارتفع في أغسطس من نفس العام إلى 900 جنيه، ثم سجل في ديسمبر 1030 جنيها. أما في يناير عام 2022 فوصل إلى 1050، ثم في فبراير 1300 جنيه للمستهلك. وتسبب قرار خفض إنتاج الأسمنت في أغسطس 2023 في قيام المصانع بتقليل المعروض ورفع السعر على حساب المستهلك بنسب متفاوتة. وفي عام 2023 وصل السعر إلى ما بين 1700 و1800 جنيه.

 

 

 

 

 

 

مضى ثلاثة أعوام على قرار خفض إنتاج الأسمنت، وعلى هذا فإن تمديد العمل في نهاية أغسطس 2024 بقرار خفض إنتاج مصانع الأسمنت لمدة عام إضافي حتى سبتمبر 2025 سيكون هو العام الرابع على هذا القرار. وبطبيعة الحال، يتسق هذا القرار مع الإجراءات التي اتخذها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في شهر أغسطس 2024 بشأن انتهاء قرار الإعفاء من الحظر الوارد في المادة السادسة فقرة “د” من قانون حماية المنافسة بشأن اتفاق تخفيض الطاقات الإنتاجية من الأسمنت البورتلاندي بكافة أنواعه والموجهة للبيع بالسوق المحلي فقط دون التصديري منذ 31 يوليو 2024. حيث تلقى الجهاز طلبات جديدة من عدد من الشركات العاملة بصناعة الأسمنت البورتلاندي لتجديد العمل بهذا القرار، وجرى فحص الطلبات المقدمة لبيان مدى توافقها مع الشروط المنصوص عليها في القانون، وكلها تهدف لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والعودة بالنفع على المستهلك حسب ما يرددون. ولهذا صدر القرار مجددًا بتمديد التخفيض لعام آخر. ومن ثم وجب علينا البحث في أسباب تمديد قرار الخفض للمرة الرابعة ودواعيه. فعلى لسان مسؤولي جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يتم ترديد القول بأن القرار جاء استجابة لمطالب المنتجين الذين يعانون من انخفاض الأسعار وتراجع الطلب وتخمة المعروض.

 

 

وأن لدى مصر فائضًا يساوي حجم احتياجات السوق من الأسمنت، في الوقت الذي يوجد فيه ارتفاع في حجم الطلب من الدول المجاورة. وأن استهلاك مصر من الأسمنت تراجع من 56 مليون طن إلى 47 مليون طن عام 2023 بسبب وقف تراخيص البناء، فيما تم تصدير 13 مليون طن. لكن بعد عودة العمل بقانون تراخيص البناء في أغسطس 2024 لما كانت عليه سابقًا، تبرز المشكلة وتتضاعف آثارها.

 

 

وبعرض الأمر على المتخصصين في المجال الاقتصادي، صرحت الأستاذة الدكتورة سماح المرسي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، لمنصة “MENA” بأن هذا القرار لا بد من ربطه بمجموعة من التساؤلات الأخرى، تتعلق بهوية الذين يقومون على صناعة الأسمنت في مصر؟ وهل هي جهات حكومية أم قطاع خاص؟ وهل القطاع الخاص هو الذي يسيطر؟ أم أن الحكومة متداخلة في الإنتاج عن طريق القوات المسلحة؟ وبالتالى ضرورة النظر في قرار تمديد تخفيض الإنتاج وما إذا كان يصب في تلك الجهة أو ذاك؟

 

 

وطرحت استنتاجًا مفاده إمكانية صدور القرار لأسباب لا تتعلق بالشركات وتربيطاتها، وإنما لطبيعة مواقع تلك المصانع التي تقع غالبيتها داخل المدن، وبالتالي هناك إمكانية لتدخل وزارة البيئة في وضع شروط على تلك المصانع لإبعادها عن المدن لتقليل الآثار الضارة على صحة الناس والحفاظ على البيئة وتطبيقًا لشروط التغيرات المناخية، ولا يمكن للدولة السكوت على ذلك. مرجحةً بأن توسعات الحكومة في مشروعات البناء في مصر ساهمت في استمرار مد التخفيض. حيث أصبحت هناك كفاية شديدة من المساكن في المدن الجديدة، وبالتالي هناك إمكانية بأنهم لم يضعوا في خططهم الجديدة مسألة التوسع والاكتفاء بما تم إنجازه. وبالتالى ترى أن وقف إنتاج الأسمنت يصب في هذا القرار لدفع الناس إلى الإقبال على تلك المساكن، وإلى هذه القناعات بكفاية الوحدات السكنية التي لا زالت تحت الطلب.

 

 

 

 

بطبيعة الحال، ارتفعت أسعار الأسمنت بنسبة 20% منذ بداية أغسطس 2024 بسبب خفض إنتاج الشركات. وتراوحت الارتفاعات بين 200 إلى 500 جنيه في الطن، الذي وصل سعره للمستهلك النهائي إلى نحو 3000 جنيه. ويتوقع أنه سيزيد عن هذا السعر ما بين 10-15% أخرى بعد موافقة جهاز حماية المنافسة على تمديد قرار خفض الإنتاج في 2 أكتوبر. بل قامت مصانع الأسمنت مع بداية شهر أكتوبر بتبليغ وكلائها برفع أسعاره كل أسبوع.

 

 

وبالنظر في أسعار الأسمنت الرسمية المعلنة يوم 15 أكتوبر 2024، سنجد أن طن أسمنت الرمادي بلغ 2784 جنيهًا، في حين سجل سعر طن أسمنت النصر 1960 جنيهًا، وطن أسمنت الشركة العربية المسلح 2000 جنيه. أما سعر طن أسمنت العسكري فسجل 1950 جنيهًا. ووصل سعر طن أسمنت طرة وحلوان إلى 1990 جنيهًا. وسجل سعر طن أسمنت السويس 2000 جنيه.

 

 

 

 

 

 

في تصريح للدكتور سقاو دردير لمنصة “MENA“، وهو أكاديمي مصري ورئيس جمعية تنمية المجتمع بقرية مزاتا والشيخ جبر بسوهاج، وبالتالي محتك بحالة المواطنين وردود فعلهم، قطع من مشاهداته لعدد من مواطني قريته والقرى المجاورة بأنه لا بد وأن يكون هناك تأثيرا سيئا على المواطن، وأن هذا يمثل “مصيبة” على المواطن المصري، لأن المعروض سيكون أقل من المطلوب، وأن هذا يتسق مع النظرية الاقتصادية التي تقول بإنه كلما زاد الطلب وقل العرض، ترتفع الأسعار والعكس. مشيرًا إلى أنه بغض النظر عن قرار تمديد الخفض من عدمه، إلا أن سعر الأسمنت زاد بطريقة جنونية أكثر من خمسة أضعاف السعر الذي كان عليه منذ أربع سنوات، فما بالك لو استمر قرار خفض الإنتاج مع العودة لقرار الحكومة لعام 2008 في تنظيم أعمال البناء والسماح بهذه العملية وإلغاء القيود السابقة.

 

 

وبسؤال المواطنين سنجد أن المواطنة شيماء غنيمي من بنها محافظة القليوبية، تقول لمنصة “MENA“، إن هناك تأثيرًا كبيرًا لهذا التخفيض على كل المواطنين الذين يبنون بيوتهم، بل لا يقتصر الأمر على هؤلاء، بل على المشتغلين والمستفيدين من هذه العملية، فزوجها الذي يعمل سباكا يعاني من ضعف الإقبال على عملية البناء وقلة وجود أعمال متاحة أمامه، وبالتالي تتعطل أرزاقهم، خاصة وأن قرار السماح بالبناء طبقًا للقواعد القديمة قد فتح باب الأمل لديهم في عودة دولاب أعمال البناء كما كان، لكن قرارًا كهذا سيكون معطلًا ومفقدًا لهذا الأمل.

 

 

وبطرح نفس السؤال على إحدى المواطنات بمركز أرمنت محافظة الأقصر، أوضحت لمنصة “MENA“، بأن حالتها الاقتصادية لا تسمح لها في الحديث عن بناء وأسمنت وحديد وخلافه، لأنها أقل من ذلك ولا تستطيع حتى بناء سملات الحوائط دون أعمدة، وبالتالي هي تتمنى أن تنظر لها إحدى المؤسسات الداخلة في مشروع حياة كريمة لتبني لها بيتًا حتى ولو كان لا يتسع لكل أفراد عائلتها.

 

 

وعلى هذا، فإن انفتاح الأمل أمام المواطنين في جانب إلغاء اشتراطات البناء قد صاحبه قرار معاكس من جانب الأسمنت، إذ إن تخفيض إنتاج الأسمنت في السنوات السابقة قد يكون متسقا مع خسائر الشركات في تعطيل أعمال البناء. لكن بفتح هذا المجال فلا بد من إعادة النظر في هذا القرار، خاصة فى ظل إقبال الناس والمقاولين على الاستفادة من قرار عودة شروط البناء لما كانت عليه عام 2008، ليعود الإقبال على الأسمنت والحديد ومتطلبات البناء، وبالتالي فإن الخفض فى ظل حالة الاتساع في الطلب سيضاعف الأسعار مرات ومرات.

 

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية