الشارع المصري

“داون تاون جديدة”.. خطة حكومية واستثمارات إماراتية لـ “تطوير” وسط البلد

أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة بصدد تنفيذ خطة شاملة لتطوير منطقة وسط البلد بالعاصمة القاهرة، مشيرًا إلى تكليف مكتب استشاري بوضع رؤية متكاملة للمشروع، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص لاستثمار المنشآت المملوكة للدولة في المنطقة.

 

داون تاون دبي

 

وفي هذا السياق، كشف رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، مؤسس شركة إعمار العقارية، عن وجود مفاوضات مع الحكومة المصرية للمساهمة في المشروع، موضحًا أن رؤيته تهدف إلى تحويل وسط البلد إلى وجهة سياحية واستثمارية عالمية، على غرار “داون تاون دبي”.

 

وأضاف العبار أن المخطط المقترح سيركز على إعادة تخطيط الشوارع، وإضافة فنادق ومرافق ترفيهية، بما يعزز جاذبية المنطقة ويجعلها إحدى أهم الوجهات السياحية في الشرق الأوسط.

 

أكد تامر عبد القادر، عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار في البرلمان المصري، أن الدولة تعمل بكامل أجهزتها من أجل إعادة القاهرة التاريخية إلى رونقها، واستعادة هيبتها الأثرية والتراثية، التي كانت مهددة بالاندثار.

 

إعادة إحياء وسط القاهرة

 

وأضاف في تصريحات لمنصة “MENA”، أن وسط القاهرة تزخر بالمناطق الأثرية والتراثية، وكان هناك تأخر في وضع خطط لإعادة إحيائها، إلا أن الإرادة السياسية تدخلت بقوة لإطلاق مشروع تطوير القاهرة التاريخية. وأوضح أن أكثر من جهة حكومية تعمل على هذا الملف، منها وزارة الثقافة، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والهيئات المعنية الأخرى، بهدف جعل وسط البلد واحدة من أهم المناطق التاريخية على خريطة السياحة العالمية.

 

وأشاد عبد القادر بجهود القيادة السياسية والجهات المعنية في هذا الملف، مؤكدًا أن هذه الجهود ستسهم في تنشيط السياحة، وتحويل وسط القاهرة إلى حاضنة تاريخية وأثرية بارزة على مستوى العالم.

 

 

الهوية البصرية

 

وأشار إلى أن لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان ناقشت هذه القضايا في عدة اجتماعات، وركزت على أهمية الحفاظ على الهوية البصرية عند فتح ملف الاستثمار في هذه المناطق، بحيث لا تؤثر المشروعات الجديدة على الطابع الأثري للمنطقة، ويتم تحقيق توازن بين خطط التطوير والاستثمار مع الحفاظ على التراث المعماري والتاريخي لوسط القاهرة.

 

وأوضح عبد القادر أن الاستثمار في هذه المناطق مفتوح للجميع، مع ضرورة وضع معايير واضحة لضمان عدم الإضرار بالموروث الثقافي. كما أشار إلى أن استحواذ المستثمرين الأجانب على نسبة كبيرة من المشروعات في المناطق الأثرية له مزايا وعيوب، فمن ناحية، يمكن أن يساعد على الترويج الدولي السريع لهذه المشروعات وزيادة الجذب السياحي، ولكن من ناحية أخرى، يجب مراعاة وضع ضوابط محددة من قبل وزارة السياحة والآثار لضمان تحقيق التوازن بين الاستثمار والحفاظ على التراث، مع إعطاء الأولوية للمستثمرين المصريين في بعض المشروعات لضمان الحفاظ على الهوية الوطنية للمكان.

 

قال الخبير الاقتصادي بلال شعيب، في تصريح خاص، إن منطقة وسط البلد تُعد الواجهة الرئيسية للعاصمة، مما يجعل تطويرها أمرًا ضروريًا، خاصة بعد نقل المؤسسات الحكومية إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

 

إعادة رسم الخريطة الاستثمارية

 

وأوضح شعيب في تصريحات لمنصة “MENA”، أن الدولة بحاجة إلى إعادة رسم الخريطة الاستثمارية لوسط البلد، بما يحقق أقصى استفادة اقتصادية، مشيرًا إلى أن المنطقة تتمتع بموقع استراتيجي، حيث تُعد مدخلًا رئيسيًا للقاهرة القديمة، التي تزخر بعدد كبير من المزارات السياحية، سواء الدينية، مثل مسجد الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، أو الثقافية، مثل المتحف المصري، وقصر عابدين، والمعالم الإسلامية المنتشرة في أرجاء القاهرة التاريخية.

 

وأضاف أن استغلال هذه المقومات بشكل صحيح يمكن أن يحقق عائدًا استثماريًا ضخمًا، مشيرًا إلى أن العائد الحالي من السياحة لا يتجاوز 14.4 مليار دولار، وهو رقم متواضع مقارنة بامتلاك مصر ثلث آثار العالم.

 

وأكد أن هناك فرصة كبيرة لتطوير سياحة التسوق، التي نجحت في دول مثل السعودية والإمارات، مما يستدعي إعادة تأهيل العقارات والأماكن الحكومية القديمة، وتحويل بعضها إلى فنادق ومنشآت سياحية.

 

وأشار شعيب إلى أن التطوير لا ينبغي أن يقتصر على العقارات فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل الميادين العامة، مع إدخال التكنولوجيا الحديثة وتعزيز التحول الرقمي، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على تحسين الحالة المرورية وتعظيم الإيرادات السياحية.

 

كما أكد أن تعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة للدولة سيساهم بشكل كبير في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز موارد الدولة بشكل مستدام.

 

ارتفاع أسعار العقارات على محدودي الدخل

 

وأكد الخبير الاقتصادي أن أسعار العقارات قد ترتفع بناءً على مستوى الطلب، إلا أن التأثير سيكون محدودًا على محدودي الدخل، في حين أن الفئات فوق متوسطي الدخل ستتأثر بشكل أكبر مع أي نهضة عقارية، حيث يؤدي ازدياد الطلب إلى ارتفاع الأسعار.

 

وأشار إلى أن القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن منح “البطاقة الذهبية” للمستثمرين مقابل استثمار 5 ملايين دولار، تُظهر كيف يمكن للدول استيعاب الاستثمارات العقارية الضخمة. لكن في مصر، تختلف المعادلة، حيث تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتوفير وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل، من خلال المدن الجديدة، بالإضافة إلى مبادرات التمويل العقاري بفائدة تتراوح بين 5% و10%، مما يخفف من تأثير ارتفاع الأسعار على هذه الفئات.

 

أما بالنسبة لشريحة فوق متوسطي الدخل، فمن المتوقع أن تتأثر بشكل أو بآخر بارتفاع أسعار العقارات. وأوضح أن تطوير منطقة وسط البلد سيؤدي إلى زيادة القيمة الإيجارية والسعرية للعقارات في المنطقة، حيث إن أي تنمية عمرانية واستغلال سياحي للمنطقة سيزيد من جاذبيتها، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البيع والإيجارات للعقارات الواقعة بها، خاصة مع تعزيز النشاط الاقتصادي وتشغيل المزيد من المشروعات السياحية والتجارية.

 

انعكاسات المشروع على الاقتصاد المصري

 

واعتبر شعيب أن مشروع تطوير وسط البلد سيساهم، في وقت قصير، في زيادة إيرادات الدولة وتعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة لها، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المصري.

 

وأوضح أن أكبر مشكلتين تواجهان الاقتصاد المصري هما:

 

الخلل في الميزان التجاري، حيث تستورد مصر أكثر مما تصدر، مما يؤدي إلى عجز في ميزان المدفوعات.

العجز في الموازنة العامة للدولة، الذي يجبر الحكومة على الاقتراض الداخلي والخارجي لسد الفجوة المالية.

 

الأصول غير المستغلة

 

وأضاف أن الدولة بدأت بالفعل في البحث عن طرق جديدة للاستفادة من الأصول غير المستغلة، حيث تم نقل وزارة الداخلية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، مما يفتح المجال لاستغلال مقراتها القديمة في وسط البلد، التي تتمتع بمواقع استراتيجية متميزة، فمنها ما يطل على نهر النيل، ومنها ما يقع بالقرب من المتاحف والمناطق الأثرية.

 

وأشار إلى أن عبقرية الموقع تلعب دورًا رئيسيًا في تعظيم العائد الاقتصادي، مستشهدًا بتجربة السعودية، حيث ترتفع أسعار الفنادق القريبة من الحرم المكي بشكل كبير مقارنة بتلك التي تبعد عنه بمسافة 100 متر فقط. وبالمثل، فإن تحويل العقارات المطلة على نهر النيل إلى منشآت سياحية أو تجارية سيجذب استثمارات ضخمة، نظرًا لرغبة الكثيرين في الاستمتاع بإطلالات النيل والمناطق الأثرية، مثل المتحف المصري.

 

وأكد أن إعادة تقسيم واستغلال هذه الأصول سيسهم في زيادة الإيرادات العامة للدولة، مما يقلل العجز في الموازنة، ويحد من الاعتماد على القروض. كما أن هذه العوائد ستساعد في تمويل برامج الإصلاح الاقتصادي التي يتبناها البنك المركزي والحكومة، مما قد يؤدي، خلال خمس سنوات، إلى تحقيق توازن مالي، بحيث تكون الإيرادات كافية لتغطية المصروفات.

 

واعتبر أن تعزيز الإنتاج وزيادة الموارد المالية سيتيح للدولة التركيز على برامج الحماية الاجتماعية، خاصة في مجالي التعليم والصحة، حيث يمثلان المستقبل الحقيقي لمصر، من خلال بناء جيل متعلم يتمتع بصحة جيدة، مما يضمن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

 

ويرى شعيب أنه من الأفضل أن يركز المستثمر الأجنبي على إقامة مشروعات جديدة من الصفر، بدلًا من استغلال الأصول القائمة دون إضافة حقيقية. ومع ذلك، فإن الأهم هو سرعة تحقيق عوائد اقتصادية من خلال جذب النقد الأجنبي إلى الدولة في أقصر وقت ممكن.

 

وأشار إلى أن الجميع شاهد كيف تغيرت صفقة “رأس الحكمة” بسرعة، مؤكدًا أن احتياطي النقد الأجنبي بلغ 47 مليار دولار. وعند دخول المستثمر الأجنبي واستغلاله للمباني الحكومية السابقة، مثل تحويل الوزارات القديمة إلى فنادق سياحية، ستحتاج هذه المشروعات إلى إعادة تأهيل وهيكلة، وهو ما يتطلب ضخ استثمارات في قطاع المقاولات، مما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد.

 

وأوضح أن قطاع المقاولات وحده سيوفر فرص عمل لما بين 70% إلى 80% من العمالة، فضلًا عن تنشيط الصناعات المرتبطة، مثل صناعة السيراميك، السجاد، والمفروشات، مما يعني زيادة الطلب على المنتجات المحلية، وبالتالي خلق رواج اقتصادي وتنشيط الأسواق المحلية.

وأكد أن الفارق بين المستثمر المصري والأجنبي ليس جوهريًا، بل الأهم هو سرعة التنفيذ، فالمستثمر الأجنبي يمتلك القدرة على إنشاء فنادق ومنشآت سياحية خلال فترة قصيرة، مما يساهم في زيادة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي.

 

وأشار إلى أن مصر تستقبل حاليًا 15 مليون سائح سنويًا، لكنها تحتاج إلى مضاعفة هذا الرقم ليصل إلى 30 مليون سائح، مما يعني زيادة العوائد السياحية بشكل كبير، وبالتالي ارتفاع حصيلة النقد الأجنبي، مما يدعم الاقتصاد المصري ويعزز الاستقرار المالي.

 

 

الواجهات الزجاجية الماسخة

 

فيما صرّح المهندس الاستشاري الدكتور ممدوح حمزة بأن عملية تطوير وسط القاهرة يجب أن ترتكز على الحفاظ على الطابع التراثي والثقافي للمنطقة، وليس مجرد إنشاء مبانٍ زجاجية تفتقر إلى الهوية والتاريخ.

 

وانتقد حمزة في تصريح لمنصة “MENA”، التوجه الحالي، الذي وصفه بأنه يعتمد على “الخرسانة والواجهات الزجاجية الماسخة”، مؤكدًا أن مثل هذه المشاريع لا تضيف أي قيمة ثقافية أو جمالية للمدينة.

 

وأشار حمزة إلى أن العديد من الدول الأوروبية، مثل بولندا وألمانيا ورومانيا وسلوفاكيا، خصصت ميزانيات ضخمة لإعادة تأهيل الأحياء التاريخية، بما يضمن الحفاظ على معالمها الأصلية وتعزيز دورها الثقافي، بدلًا من هدمها أو تشويهها بمشاريع لا تمتّ للتراث بصلة.

 

وأضاف أن بعض الوجهات السياحية الحديثة، مثل “داون تاون دبي”، تعتمد بشكل أساسي على استثمارات وصفها بأنها “مشبوهة”، لا تخدم التنمية الحقيقية، ولا تضيف بُعدًا ثقافيًا أو تاريخيًا للمنطقة، معتبرًا أن هذا النموذج لا يجب أن يكون مثالًا يُحتذى به في تطوير المدن ذات القيمة التراثية مثل وسط القاهرة.

 

واختتم حمزة تصريحه بالتأكيد على أن مصر لن تكون ساحة لغسيل الأموال أو أنشطة تضر بهويتها التاريخية، مشددًا على ضرورة تبني رؤية واعية تعيد لوسط القاهرة رونقها الحقيقي، عبر مشروعات تحترم التراث وتستعيد مكانة المنطقة كإحدى أهم مراكز الثقافة والفن والتاريخ.

 

آراء أصحاب المحال التجارية في وسط البلد

 

قال مصطفى عزيز أحد أصحاب المحال التجارية بوسط البلد لمنصة “MENA”: “عند السير في شوارع وسط البلد، يشعر المرء وكأنه يسير بين صفحات كتاب تاريخي، حيث تتجسد ملامح التاريخ الحديث لمصر. نحن نعتز بتراثنا العريق، ولا نرغب في أن تفقد هذه المنطقة هويتها لصالح طابع معماري يشبه دبي أو غيرها، فمصر صاحبة تاريخ كبير يستحق الحفاظ عليه.”

 

ورأى يوسف نور صاحب محل تجاري بوسط البلد، في حديثه لمنصة “MENA، أن “التطوير والتحديث مطلوبان، لكن يجب أن يتمّا بما لا يخل بتاريخ بلادنا، ولا بثقافتنا وهويتنا. تحويل بعض المناطق إلى فنادق أو شقق فندقية يمكن أن يمنح السائح إحساسًا بالعودة إلى الحقبة الزمنية التي كانت عليها القاهرة ووسط البلد، مما يساعد في الحفاظ على الطابع المصري الأصيل. مصر ليست بحاجة إلى استنساخ تجارب الآخرين في التطوير، فهي تمتلك خبراتها الخاصة، ولا تحتاج إلى التعلم من أحد. على سبيل المثال، عند زيارة دبي، ستجد أن السياح لا يأتون من أجل حضارة أو ثقافة، بل لأسباب أخرى لا تتصل بهذا الجانب.”

 

اقرأ أيضًا:

 

اختلاف الرؤى بين مصر والإمارات على السودان

 

“النقابات الثلاث” توقف التعامل مع “معامل الصف الأول”.. ما علاقة الإمارات؟

 

البهرة ومراقد آل البيت .. رغبة في إحياء التراث الفاطمي وترويجًا للسياحة الدينية

 

أين تذهب أموال بيع الأصول؟

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية