لا يبدو أن الجدل يتوقف حول وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، محمد عبد اللطيف، الذي لاحقته الانتقادات منذ اليوم الأول لتوليه المنصب في حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، بدءًا من التشكيك في صحة شهادة الدكتوراة التي نسبها لنفسه، وصولًا إلى واقعة وفاة مفاجئة لأحد موظفي الإدارات التعليمية، والتي وُجه اللوم فيها إليه، بعد أن نُسبت إليه واقعة تعنيفه للموظف المتوفى.
الواقعة الأخيرة دفعت المحامي المصري عمرو عبد السلام إلى الإعلان عن إقامة دعوى قضائية أمام القضاء الإداري تطالب بعزل الوزير من منصبه، متهمًا إياه بالتسبب في انهيار منظومة التعليم في مصر عبر “قرارات عشوائية” أضرت بالطلاب والمعلمين.
وكتب عبد السلام عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”:
“بعد تواصل عدد كبير من المواطنين، من أولياء الأمور والمعلمين وخبراء التعليم من مختلف المحافظات، وبعد التأكد من صحة المعلومات الواردة إلينا من مصادر موثوقة بشأن عدم حصول السيد محمد عبد اللطيف على مؤهلات علمية تؤهله لتولي حقيبة التعليم، وافتقاره للخبرة العلمية والعملية في إدارة هذا الملف، إضافة إلى القرارات العشوائية والمتخبطة التي اتخذها منذ توليه منصبه، والتي أدت إلى انهيار منظومة التعليم والإضرار بمصالح الطلاب والمعلمين، فإننا نرى أن استمراره في منصبه يُشكل تهديدًا للأمن القومي المصري والسلام الاجتماعي، في ظل تصاعد الغضب الشعبي ضد تصرفاته غير المسؤولة، وهو ما يستوجب التحرك من أجل حماية المصلحة العامة.”
وفي تصريح خاص لمنصة “MENA“، أوضح عبد السلام أن فكرة إقامة الدعوى كانت تراوده منذ تولي الوزير مهامه، على خلفية ما أثير من جدل حول شهاداته، وما كشفته الصحافة لاحقًا بأن الجامعة التي نسب إليها الدكتوراة هي كيان وهمي يبيع الشهادات. وأشار إلى أن رئيس الوزراء حينها طلب منح الوزير فرصة لإثبات كفاءته، مؤكدًا أن المنصب لا يشترط الحصول على شهادات عليا مثل الدكتوراة أو الماجستير، لكن أداء الوزير خلال الأشهر الستة الماضية أثبت – حسب عبد السلام – “عدم صلاحيته للمنصب بسبب العشوائية والقرارات المرتجلة التي أثارت لغطًا واسعًا وأضرت بمصلحة الطالب”.
وأضاف أن أبرز القرارات التي وصفها بـ”العشوائية”، تمثلت في إلغاء اللغة الأجنبية الثانية، رغم أهميتها، وحذف عدد من المواد التخصصية الهامة، إلى جانب فرض مادتي اللغة العربية والتاريخ على طلاب المرحلة الثانوية في المدارس الدولية.
وقال: “نحن لا نقلل من أهمية هذه المواد، لكن فرضها في هذه المرحلة يضر الطلاب وكان من الممكن إدراجها في مراحل دراسية أصغر”.
وتابع عبد السلام: “رفعت عدة دعاوى قضائية نيابة عن طلاب ومعلمين ضد قرارات الوزير، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت واقعة مدير إدارة الباجور التعليمية، الذي تُوفي إثر تعنيف الوزير له بطريقة لا تليق، بحسب الشهادات المتداولة”.
كما كشف عن تفاصيل تتعلق بمؤهلات الوزير، قائلاً: “الوزير لم يحصل على الماجستير أو الدكتوراة، وهناك تضارب حول مؤهله الجامعي والثانوية العامة. وقد تواصلت مع الجامعة الأمريكية المذكورة في سيرته الذاتية عبر رسالة بريد إلكتروني رسمية، وجاء الرد بأن الرقم التعريفي الموجود في الشهادة يعود لشخص آخر. أما جامعة لورانس، التي أشار إلى حصوله منها على درجة الماجستير، فهي جامعة متخصصة فقط في الفنون”.
وأكد أن جميع هذه المعلومات تم إدراجها في الدعوى المرفوعة أمام القضاء، ومرفقة بوثائق رسمية. وشدد على أن القضية “لا تنطلق من كراهية شخصية تجاه الوزير، بل من الحرص على مستقبل التعليم في مصر، وهو ملف لا يحتمل التجريب أو المجازفة”.
كان محمد عبد اللطيف قد عُين وزيرًا للتربية والتعليم في يوليو 2024، وعقب تعيينه نُشرت سيرته الذاتية التي تضمنت حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة “كارديف سيتي”، ما أثار جدلًا واسعًا، نظرًا لكون الجامعة غير معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات في مصر، إذ تمنح الشهادات العلمية مقابل رسوم مالية وليس عبر تقديم رسائل علمية.
وردّ الوزير على الجدل موضحًا أنه حصل على الدكتوراه من خلال الدراسة عن بُعد، إلا أن رئيس مجلس الوزراء تدخل لاحقًا مؤكّدًا أن جميع الشهادات التي حصل عليها الوزير “صحيحة من جهة إصدارها”، وأن مسألة عدم اعتمادها من قبل المجلس الأعلى للجامعات هي “أمر مختلف”. وفي أعقاب ذلك، تم رفع لقب “دكتور” من جميع البيانات الرسمية الصادرة عن الوزارة أو مجلس الوزراء عند الإشارة إلى محمد عبد اللطيف، والاكتفاء بلقب “السيد”.
النائبة أميرة أبو شقة انتقدت بشدة أداء الوزير، مؤكدة أنه ساهم في تفاقم أزمات التعليم بدلًا من حلها، في وقت يعاني فيه هذا القطاع من مشكلات مزمنة، من بينها العجز في أعداد المعلمين، كثافة الفصول، ارتفاع نسب الغياب، مشاكل “التابلت”، والدروس الخصوصية. وأضافت أبو شقة في تصريحات لمنصة “MENA” أن الوزير لجأ إلى قرارات “عشوائية ومتخبطة”، منها طرح نظام “البكالوريا” وإلغاء مواد مهمة في المرحلة الثانوية، بزعم تخفيف العبء عن الطلاب.
وتابعت: “الوزير حوّل التعليم إلى حقل تجارب، يعبث فيه بمصالح الطلاب والمعلمين معًا، ولهذا تقدمت بطلب إحاطة رسمي إلى مجلس النواب”.
وكان الوزير قد أقرّ سلسلة من القرارات المثيرة للجدل، بينها إلغاء بعض المواد من المجموع النهائي للثانوية العامة، مثل الجيولوجيا وعلم النفس، ودمج بعض المواد الأخرى، إلى جانب إلغاء إضافة اللغة الفرنسية ضمن المجموع. وفي يناير الماضي، فاجأ الوزير الجميع بمقترح تحويل نظام الثانوية العامة إلى “نظام البكالوريا” بدءًا من العام المقبل، وهو المقترح الذي وافق عليه مجلس الوزراء، ويتضمن النظام الجديد اختيار طلاب الصف الأول الثانوي لمسار من أربعة مسارات، يتحدد على أساسه نوع المواد التي يدرسونها.
وفي أزمة أخرى، تعرض الوزير لانتقادات على خلفية واقعة مشاجرة بين طالبتين داخل مدرسة دولية في منطقة التجمع بالقاهرة، حيث قرر الوزير وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري للوزارة، ما دفع مديرة المدرسة لاتهامه باتخاذ القرار بدافع المنافسة مع مدارس والدته “نرمين إسماعيل”.
من جانبها، اعتبرت أماني الشريف، مؤسسة اتحاد المدارس التجريبية، أن الوزير يحاول بالفعل حل أزمات التعليم، إلا أن طريقة التنفيذ تأتي بشكل خاطئ. وأوضحت في حديثها لمنصة “MENA” أن الوزير أصدر قرارًا بتقليل كثافات الفصول ليكون الحد الأقصى 49 طالبًا في الفصل الواحد، ما تطلّب زيادة عدد الفصول، وبالتالي زاد عجز المدرسين. وردًا على ذلك، قرر الوزير فتح باب التعيين لمدرسي الحصة، لكن بعض الإدارات رفضت الأمر، ما أدى إلى وجود فصول بلا معلمين.
وأشارت أماني إلى مثال آخر يتمثل في قرار “التقييمات الأسبوعية”، واصفة إياه بأنه قرار سليم أعاد الطلاب إلى الدراسة، لكنه لم يُنفذ كما يجب. وأضافت أن المدارس – رغم حصولها على مخصصات طباعة التقييمات – طالبت أولياء الأمور بالتبرع لتوفير ورق الطباعة، أو لجأ المعلمون إلى كتابة التقييمات على السبورة ليقوم الطلاب بنقلها يدويًا في الكراسات، ما شكل عبئًا إضافيًا على الطلاب والمعلمين على حد سواء، وأثر على وقت الحصص.
من جانبه، قال الخبير التربوي كمال مغيث إن الوزير يعاني من أزمة حقيقية في ترتيب أولويات التعليم، مشيرًا إلى أن العجز العددي في المعلمين، والذي تقدّره الوزارة بنحو 600 ألف مدرس، يجب أن يكون على رأس الأولويات، لكن الوزير بدلاً من ذلك ركّز على إطلاق نظام جديد تحت اسم “البكالوريا”.
وأوضح مغيث لمنصة “MENA” أن البكالوريا نظام معمول به في عدد من الدول، لكن النسخة التي اقترحها الوزير لا تمت بصلة إلى تلك النظم، وتمت تسميته بذلك فقط لمنحه “جاذبية زائفة”. ولفت إلى أن النظام يجعل مجموع الثانوية العامة ناتجًا عن آخر عامين دراسيين، وهو نظام سبق أن تم تطبيقه ثم إلغاؤه لأنه أثقل كاهل أولياء الأمور، متسائلًا: “لماذا نعود إلى الوراء؟”.
وأضاف مغيث أن من بين القرارات “العشوائية” أيضًا اقتراح احتساب مادة التربية الدينية ضمن المجموع، معتبرًا أن هذا “طرح متطرف” لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر، وقد يفتح أبواب جدل وخلافات واسعة.
اقرأ أيضًا:
هل تنجح “سياسات التعليم الجديدة” في القضاء على أزمة كثافة الفصول؟
خصام “غير مبرر” بين وزارتي التعليم العالي والعمل.. ماذا يفعل الشباب؟
اتحاد التزكية.. هيمنة “طلاب من أجل مصر” على الانتخابات الجامعية
بيزنس الجامعات الخاصة.. ما الهدف من السياسة التعليمية الحالية؟