منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، تلعب مصر وتركيا وفرنسا أدوارًا هامة لتنسيق المواقف بشأن مستقبل ليبيا، في محاولة لوأد فتنة أوشكت على إدخال ليبيا في حربٍ أهلية تُدمر الحاضر والمستقبل، إلا أن حالة الانقسام السياسي التي عصفت بالحياة السياسية في ليبيا زادت المشهد تعقيدًا، فبينما تدعم تركيا عبد الحميد الدبيبة، يحظى أسامة حماد بدعم مصري، فيما يحاول الغرب هيكلة المشهد السياسي الليبي من خلال تشكيل حكومة موحدة ينتج عنها استقرار سياسي تعطشت إليه ليبيا على مدار سنوات مضت.
اجتماعات سرية وعلنية دارت حول ليبيا بين القاهرة وأنقرة وباريس؛ لتنسيق الجهود بشأن مستقبلها السياسي ومحاولة تقريب الرؤى، حيث كان أول اجتماع ثلاثي حول هذا الموضوع في 13 يناير الماضي في باريس، واتفق المشاركون على تشجيع تشكيل حكومة جديدة، ويمكن أن يشمل ذلك أعضاء في السلطتين اللتين تتقاسمان السلطة في ليبيا، وأعضاء الحكومة في طرابلس وبنغازي.
واستمرت المناقشات حول المستقبل السياسي لليبيا حتى انعقاد الاجتماع السري بين الدول الثلاث في منتصف فبراير الماضي، بعد أن استقبل رجب طيب أردوغان عبد الحميد الدبيبة في أنقرة، فيما استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خليفة حفتر، في القاهرة خلال اجتماع بحضور رئيس المخابرات المصرية حسن محمود رشاد، في وقتٍ يُرجح فيه السياسيون الليبيون أن ثمّة اجتماعات سرية تُعقد بين السيسي وحفتر من جهة، وبين أردوغان والدبيبة من جهة أخرى.. فما الأدوار التي تلعبها مصر وتركيا وفرنسا في المشهد الليبي؟ وإلى أي شيء تهدف الاجتماعات المتتالية؟
وحول هذه القضية، قال محمد فتحي الشريف رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، إن القاهرة لها دور إيجابي في استقرار ليبيا منذ بداية الأزمة، إذ إنها ساهمت بشكل كبير في كل المنجزات السابقة وأبرزها وقف إطلاق النار وإحياء العملية السياسية في ليبيا، مؤكدًا أن القاهرة تسعى مع الشركاء الإقليمين والدوليين لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومن هؤلاء الشركاء تركيا وفرنسا.
وأكد الشريف في تصريحات لمنصة “MENA”، أن لا أحد يملك معلومة مؤكدة حول اللقاء الذي يزعم البعض أنه تم في فبراير الماضي بين القاهرة وأنقرة وباريس، ولكن إذ تم عقده بالفعل – وهذا غير مستبعد- سيبحث حل التشابكات السياسية في ليبيا، وتقريب وجهات النظر والدفع نحو تشكيل حكومة موحدة بين توافق الجهات الفاعلة، وهو أمر يهم الدولة المصرية التي ترغب في حل الأزمة الليبية من خلال توافق ليبي – ليبي.
وأشار “الشريف” إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الثلاثة، قائلا إن القاهرة وأنقرة وباريس لديهم رؤية في حل الأزمة الليبية إذا تم التوافق بشكل كامل حولها سيكون أحد أدوات نجاح العملية السياسية في ليبيا، حيث أن القاهرة لديها علاقات مع كافة الأطراف الليبية وأنقرة وباريس، وفي حال التوافق سيكون دور إيجابي.
وعن لقاء الرئيس التركي أردوغان مع الدبيبة في يناير الماضي، قال “الشريف” إن الدبيبة انتهت مدته من سنوات وهو أحد أسباب توقف العملية السياسية، فهو يريد أن يبقى في المشهد من خلال الدعم التركي، مؤكدًا أن أنقرة قد لا تدعم الدبيبة في المرحلة المقبلة إذا حدث توافق دولي حول ليبيا؛ لأن الدبيبة أحد معوقات الحل السياسي.
وأضاف رئيس مركز العرب، أن التشاور بين القاهرة والقوات المسلحة الليبية مستمر، حيث تعد القوات المسلحة العربية بقيادة المشير حفتر أحد أهم ركائز استقرار الدولة الليبية والتشاور معهم، ومن الطبيعي حضور رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد اللقاء بين الرئيس السيسي والمشير خليفة حفتر، لأن الأمن القومي الليبي هو امتداد للأمن القومي المصري.
فيما قال المحلل السياسي الليبي الدكتور محمد الزبيدي، إن الدول الثلاث “مصر وتركيا وفرنسا” هي دول فاعلة في المشهد الليبي، بالأخص مصر، التي تعد الجارة الكبرى لليبيا، كما أنها دولة مركزية للعرب وليس ليبيا فحسب، لذلك يأتي الحل دائمًا منها، إضافة إلى أن ما يجري في ليبيا من متغيرات وأحداث يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر، لذلك التنسيق الأمني بين مصر وليبيا ضروري جدًا؛ نظرًا للحدود المشتركة بينهما.
وأضاف “الزبيدي” لمنصة “MENA”، أن تركيا دائمًا شريكة في المفاوضات مع أي اجتماع بشأن ليبيا، لأن الأتراك لديهم إدارة على الجزء الغربي لليبيا بحكم أن تركيا هي المزود الرئيسي لحكومة الدبيبة بشكل عام، فحتى قبل الدبيبة، كانت تركيا تدعم السراج أيام المجلس الرئاسي، كما أن تركيا لديها عدة قواعد عسكرية في ليبيا، مثل قاعدة الوطية الجوية غرب ليبيا وقاعدة عسكرية بحرية في سيدي بلال وقاعدة عسكرية في بوخمس ولديها قاعدة في طرابلس.
وأشار المحلل السياسي الليبي، إلى أن الأتراك طموحاتهم في ليبيا ممتدة عبر التاريخ منذ عام 1911 ومن ثم تسليمها لإيطاليا في اتفاقية “أوشي لوزان”، حيث استولت إيطاليا على ليبيا بسهولة.
أما بخصوص فرنسا، أوضح “الزبيدي” أن الفرنسيين يعتبرون ليبيا بوابة لأوروبا، فقديمًا استمر الوجود الفرنسي في ليبيا لـ 1956 أي حتى بعد استقلال ليبيا بخمس سنوات، أما خلال السنوات الماضية برز الدور الفرنسي في ليبيا عقب مشاركتها في سقوط نظام معمر القذافي، ومن ذلك الوقت ترى فرنسا نفسها أحق بكل شيء في ليبيا.
وفيما يتعلق بلقاء أردوغان بالدبيبة، قال “الزبيدي”، إن هناك مسعى للإطاحة بحكومة الدبيبة فالبرلمان سحب الثقة من حكومة الدبيبة وشكّل حكومة أخرى بديلة للحكومة الدبيبة في بنغازي يرأسها أسامة حماد، والبعثة الأممية ومجلس الأمن يحاولان من خلال لجنة شكلتها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة بديلة، حل الحكومتين؛ سواء حكومة حماد المنبثقة عن البرلمان وحكومة الدبيبة التي جاءت كنتيجة لمؤتمر جنيف، في مسعى لتشكيل حكومة تشرف انتخابات برلمانية ورئاسية.
وأضاف المحلل السياسي الليبي أن الدبيبة لا يريد الخروج من المشهد، حيث يعتمد على الدعم التركي والقوات التركية الموجودة غرب ليبيا ويقف الأتراك بجانب الدبيبة كي لا يغادر الحكم، حيث إن هناك ملفات بينهما تعاون مشترك سواء في التحويلات البنكية لاستيراد البضائع التركية، والودائع البنكية في بنوك تركيا، والتي سبق وأرسلها الدبيبة في أعقاب تضرر تركيا من الزلازل الشديدة، إضافة إلى الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود البحرية التي أبرمها السراج مع أردوغان وبموجبها تحولت الحدود البحرية التركية والليبية بمحاذاة بعضهما البعض متجاوزة قواعد القانون الدولي للبحار.
ولفت “الزبيدي” إلى أهمية اجتماع القائد العام المشير خليفة حفتر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث ناقش الطرفان مجموعة من القضايا المهمة أبرزها الحكومة البديلة التي يتم العمل على تشكيلها من خلال بعثة الأمن المتحدة، كما تطرق الطرفان في الاجتماع إلى تطورات قضايا الأمن في ليبيا والتعاون مع الأمم المتحدة، فالتعاون بين مصر وليبيا ليس بجديد، بل مستمر منذ بدء الأزمة في ليبيا، وقبل لقاء السيسي وحفتر بأيام، كانت هناك جلسة بين أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة في محاولة للبحث عن طريقة وآلية لإجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات.
وأكد “الزبيدي” على أن اللقاءات السرية والعلنية بين السيسي وحفتر مستمرة منذ سنوات، لأن الجيش الليبي يحرس الحدود من جانبه كي لا يتسلل منه الإرهابيون وتجار المخدرات وتجار الأعضاء البشرية، وفي المقابل تسعى الحكومة المصرية إلى التنسيق حول أمن الحدود كي لا تكون مرتعًا لكل ما هو مضر على مصر.
اقرأ أيضًا:
كيف تؤثر زيارة “حماد” إلى القاهرة على الداخل الليبي؟
السيسي يلتقي حفتر بعد غياب 3 سنوات.. الأسباب والتداعيات
لماذا تتجه الاستثمارات المصرية إلى شرق ليبيا؟