تحليلات

رغم انخفاضها عالميا.. لماذا رفعت الحكومة أسعار الوقود؟

أثار قرار الحكومة المصرية رفع أسعار البنزين وسائر المحروقات حالة من التذمر الشديد بين غالبية المصريين، الذين عبّروا عن سخطهم تجاه الحكومة الحالية، متهمين إياها بعدم مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المواطن.

 

وأكد خبراء اقتصاد أنه لا مبرر حقيقي لهذا القرار، خاصة أنه جاء في وقت تشهد فيه أسعار البترول العالمية تراجعًا كبيرًا، إلى جانب ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من احتقان سياسي شديد بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، الأمر الذي ينذر باحتمال اندلاع احتجاجات قد يصعب السيطرة عليها.

 

واتخذت الحكومة المصرية قرارًا برفع أسعار جميع أنواع المشتقات البترولية بمقدار جنيهين للتر الواحد، كما رفعت سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلية من 150 إلى 200 جنيه، ما أدى إلى زيادة سريعة في أسعار النقل والمواصلات، وما تبع ذلك من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات كافة.

 

بأمر الصندوق

 

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن القرار الأخير برفع أسعار المحروقات اتخذته الحكومة المصرية استجابة لطلب صندوق النقد الدولي بإلغاء الدعم، دون مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الشعب المصري، والذي يعاني أصلًا من ارتفاع كبير في الأسعار نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، الذي يتراجع بشكل متزايد يومًا بعد يوم.

 

وأضاف عبد المطلب في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن أسعار النفط العالمية تراجعت كثيرًا في الآونة الأخيرة، لتقل عن حاجز الـ70 دولارًا الذي كانت الحكومة المصرية قد حددته سابقًا كحد أدنى لن يُسمح بتجاوزه لرفع أسعار المحروقات، إلا أنها خالفت ذلك بالقرار الأخير، فقط لإرضاء صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإلغاء الدعم بشكل كامل.

 

 

ويستطرد عبد المطلب قائلًا: “عندما تُقدم الحكومة على رفع سعر البنزين والسولار في ظل حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد العالمي، وتراجع أسعار الوقود عالميًا، بالإضافة إلى ضبابية المستقبل الاقتصادي، فإنها تغامر بضرب أركان الاستقرار، الأمر الذي قد يؤدي إلى هروب الاستثمار الأجنبي المباشر.”

 

ويؤكد أن التطورات العالمية الأخيرة، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد تدفع بعض الاستثمارات العالمية إلى التفكير في التوجه نحو مناطق لا تشملها هذه السياسات، وتعد مصر من أبرز تلك المناطق. ومن ثم فإن رفع أسعار الوقود بنسب تتراوح بين 20% و30% سيقلل من رغبة المستثمرين الأجانب في دخول السوق المصري، أو على الأقل سيؤدي إلى تأجيل قراراتهم الاستثمارية.

 

ويرى عبد المطلب أن الخاسر الأول من هذا القرار هو المواطن المصري، الذي يرزح تحت وطأة أسعار مرتفعة ودخل منخفض، في ظل تراجع مستمر لقيمة العملة، ما يصعّب عليه تلبية التزاماته المعيشية اليومية.

 

قرار بلا مبرر

 

من جانبه، يرى ماهر الحاوي، الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن قرار رفع أسعار الوقود “تعسفي ولا مبرر له”، إذ اتُخذ في وقت تشهد فيه أسعار النفط العالمية تراجعًا، رغم وجود تعهدات سابقة من الحكومة المصرية بأن لجنة التسعير لن تجتمع لإقرار أي زيادات، إلا في حال ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وهو ما لم يحدث، بل على العكس، شهدت الأسعار تراجعًا.

 

 

ويستطرد الحاوي لمنصة “MENA“، أن ما جرى يعني أن لجنة التسعير تتخذ قراراتها دون النظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة، ودون الالتزام بتعهدات الحكومة السابقة، بل قد تعقد اجتماعًا دون إعلان، ليتفاجأ المواطنون بقرارات رفع الأسعار في كل مرة.

 

وتساءل الحاوي، “إذا كانت هناك لجنة لتسعير الوقود والمحروقات تجتمع كل عدة أشهر لإقرار الزيادات، فلماذا لا تكون هناك لجنة موازية للأجور، تُعنى بإقرار زيادات في الأجور، لمواجهة هذه الزيادات المستمرة في الأسعار؟”

 

وأضاف أن ما يحدث من زيادات متكررة في أسعار الوقود والمحروقات يشكل عبئًا ثقيلًا على كاهل المواطن، الذي يكافح يوميًا لتوفير لقمة العيش، لا سيما في ظل ما تسببه هذه الزيادات من ارتفاع في أسعار المواصلات، والخضر، والفاكهة، وسائر السلع اليومية التي يحتاجها المواطن المصري.

 

اكتشافات جديدة

 

وبدوره، يؤكد محمد أبو السعود، مدير بإحدى شركات التنقيب عن النفط والغاز في مصر، أن الفترة الأخيرة شهدت الإعلان عن أكثر من 8 اكتشافات جديدة من النفط والغاز، وهو ما كان من الممكن أن يكون داعمًا لانخفاض أسعار الوقود في مصر، إذا ما تم استخدامه وتوظيفه بشكل صحيح، للاستفادة منه في مدّ المنازل بالغاز الطبيعي، كبديل عن أسطوانات البوتاجاز، التي تكلّف الدولة مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة، في حين أن تكلفة إدخال الغاز الطبيعي منخفضة، ويتم تقسيطها من قبل شركات الغاز.

 

وأضاف أبو السعود لمنصة “MENA“، أن هناك قصورًا واضحًا في هذا الإطار، الذي كان من الممكن أن يشكّل بديلًا حكوميًا آمنًا لتوفير الطاقة، وتجنّب رفع أسعار البنزين والسولار، التي تتسبب في ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى، التي يعتمد عليها المواطن المصري في حياته اليومية.

 

اقرأ أيضًا:

 

ما تبعات “التحول إلى الدعم النقدي” على أسعار السلع؟

 

بعد خفض التضخم هل يشعر المواطن بتغيير في الأسعار؟

 

ترامب وفرض الرسوم الجمركية: تحوّل اقتصادي يغير ملامح التجارة العالمية

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية