التقى رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد، رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في مدينة بورتسودان، بحضور مدير جهاز المخابرات العامة السوداني، الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
وخلال اللقاء، ثمّن البرهان “الدور التاريخي لمصر في مساندة السودان”، مؤكدًا أن “العلاقات بين البلدين راسخة وتشكل ضرورة لمواجهة الأزمات والتحديات المشتركة”، وذلك بحسب بيان رسمي صادر عن مجلس السيادة.
وفي السياق ذاته، أكد الإعلامي مصطفى بكري أن زيارة اللواء حسن رشاد تعكس اهتمام القيادة المصرية بدعم وحدة السودان واستقراره، مشيرًا إلى أن رئيس المخابرات نقل رسالة شفوية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق البرهان.
وأوضح بكري، خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار” عبر قناة صدى البلد، أن الرسالة تضمنت تأكيدًا على دعم مصر الكامل للقيادة السودانية في جهودها لاستعادة الأمن، واستعداد القاهرة للمشاركة في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإعمار المرافق الحيوية التي تضررت بفعل الحرب.
ويشهد السودان، منذ أبريل 2023، صراعًا داميًا بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتشريد الملايين، وفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة.
جاءت زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد، في ظل تقدّم ميداني كبير يحققه الجيش السوداني في مواجهته مع قوات الدعم السريع، حيث تمكن من استعادة مناطق استراتيجية في العاصمة الخرطوم وأم درمان خلال الأشهر الماضية، ما عزز من موقع الحكومة الانتقالية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وسائل إعلام مصرية وسودانية محلية تناولت أبرز ما دار خلال الزيارة، حيث تم التركيز على عدد من المحاور، أبرزها سبل استعادة الأمن والاستقرار في السودان، وتعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة والخرطوم، وتطوير التعاون المشترك في مختلف المجالات، بالإضافة إلى أهمية تنسيق الجهود لإنهاء الحرب بما يحفظ وحدة وسلامة الأراضي السودانية.
وخلال الزيارة، نقل اللواء رشاد رسالة شفوية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الفريق البرهان، جدد فيها موقف مصر الداعم للسودان في مواجهة التحديات الراهنة، مشددًا على أهمية استعادة الاستقرار وإنهاء الحرب بما يصون وحدة البلاد.
وفي هذا السياق، قال اللواء سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن تفاصيل اللقاء يصعب التكهن بها خارج ما تم الإعلان عنه رسميًا، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن مصر تلعب دورًا محوريًا في دعم استقرار السودان، انطلاقًا من إدراكها لخطورة تداعيات الأزمة على أمنها القومي.
وأضاف فرج، في تصريحات لمنصة “MENA“، أن مصر تنظر إلى السودان باعتباره شريكًا تاريخيًا وجارًا إقليميًا لا ينفصل أمنه القومي عن الأمن القومي المصري، مشيرًا إلى أن الزيارة تحمل رسائل ضمنية إلى خصوم مصر في الإقليم، تؤكد أن القاهرة تتابع مجريات الأزمة عن كثب، وأن لها دورًا فاعلًا في المشهد السوداني، خصوصًا في ظل المرحلة الراهنة.
وأكد أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي محاولات لفرض واقع سياسي معادٍ لها على حدودها الجنوبية، متوقعًا استمرار التعاون بين الجانبين على مختلف الأصعدة، ولا سيما في المجالين الاستخباراتي والاستراتيجي، بما يُسهم في تعزيز انتصارات الجيش السوداني ويعيد الأمن إلى ربوع البلاد.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن مصادر مقربة من اللقاء، أن البرهان أطلع اللواء رشاد على “خطة الجيش لتأمين العاصمة الخرطوم بالكامل”، مؤكدًا أن “الانتصارات الأخيرة في أم درمان ومناطق غرب الخرطوم تُظهر قدرة القوات المسلحة على حسم الصراع ميدانيًا”.
من جانبها، رأت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والعسكرية، أن زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى السودان جاءت في توقيت دقيق، في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السودانية والمكاسب التي تحققها القوات المسلحة في قلب العاصمة.
وأشارت الطويل إلى أن اللقاء مع الفريق البرهان يعكس اهتمامًا مصريًا متزايدًا بالأوضاع في الجارة الجنوبية، ويؤكد في الوقت ذاته على مركزية السودان في معادلة الأمن القومي المصري.
وأكدت أن استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الرئاسي تحمل “قيمة رمزية كبيرة”، لافتة إلى أن “هذه الخطوة سيكون لها ما بعدها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي”، وأضافت أن “الميزان العسكري بات في صالح الجيش السوداني، ومن الصعب أن يتمكن الدعم السريع من استعادة مواقعه السابقة، خاصة في ظل وجود حاضنة شعبية داعمة للمؤسسة العسكرية”.
واختتمت الطويل حديثها بالتأكيد على أن التحرك المصري يُفهم في هذا الإطار على أنه دعم مباشر لخيار الدولة الوطنية في السودان، وسعي جاد لمنع انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى أو التفكك، وهو ما يتماشى مع رؤية القاهرة لحماية أمنها القومي، في ضوء تشابك الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، وتداعيات أزمة سد النهضة.
قال الكاتب الصحفي السوداني إبراهيم شقلاوي إن زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد إلى السودان جاءت في توقيت بالغ الدقة والحساسية، متزامنة مع تطورات ميدانية لافتة تمثلت في استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري وأجزاء من العاصمة الخرطوم.
وأوضح شقلاوي، في تصريحات لمنصة “MENA“، أن الزيارة، وهي الأولى منذ تولي رشاد منصبه، لا يمكن فصلها عن المتغيرات الإقليمية الراهنة، خاصة في ظل تقديم السودان شكوى رسمية ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، وتصاعد العمليات العسكرية في إقليمي دارفور وكردفان.
وأضاف أن هذه التحركات تأتي كذلك عقب لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في القاهرة، حيث كان الملف السوداني حاضرًا بقوة، إلى جانب تنسيق مصري-أميركي متنامٍ لدعم استقرار السودان.
وأكد شقلاوي أن اللقاء بين رشاد والبرهان حمل دلالات رمزية واستراتيجية، تعكس إدراك القاهرة لتحولات ميزان القوى في السودان، ورغبتها في دعم خارطة الطريق التي تتبناها المؤسسة العسكرية السودانية للانتقال نحو مرحلة أكثر استقرارًا.
وختم شقلاوي حديثه بالتأكيد على أن الرسالة الأوضح من هذه الزيارة هي أن القاهرة تقف بثبات إلى جانب الدولة الوطنية السودانية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
من جانبه، أكد المحلل السياسي السوداني مكاوي الملك أن مصر لا تنظر إلى ما يجري في السودان باعتباره صراعًا داخليًا فحسب، بل تعتبره جبهة متقدمة لحماية أمنها القومي من الجنوب.
وأضاف الملك، في مقال له، أن الزيارة جاءت في ظل تحركات عسكرية مريبة لمليشيا الدعم السريع، المدعومة – بحسب قوله – من الإمارات وإسرائيل، إلى جانب تصاعد نشاطها قرب الحدود الليبية-السودانية، في محاولة لفتح جبهة ضغط جديدة على مصر من الجنوب.
وأشار إلى أن هناك معلومات تفيد بأن أحد الأهداف الأساسية للزيارة كان التباحث حول تشكيل غرفة عمليات أمنية مشتركة، وتعزيز التنسيق في مجالات الاستطلاع والمراقبة الحدودية وتبادل المعلومات الاستخباراتية، تحسبًا لأي اختراقات محتملة عبر الصحراء الغربية.
واختتم الملك مقاله بالقول إن القاهرة تدرك تمامًا أن ما يحدث في السودان هو جزء من مشروع أوسع يستهدف زعزعة استقرار مصر من خاصرتها الجنوبية، توازيًا مع الضغوط المتصاعدة على حدودها مع غزة، مشددًا على أن الرسالة التي حملها اللواء رشاد كانت واضحة: مصر لن تُحاصر، والسودان لن يُترك وحده في معركته ضد المليشيات الممولة من الخارج.
اقرأ أيضًا:
اختلاف الرؤى بين مصر والإمارات على السودان
هل تخلت الإمارات عن دعم حميدتي؟
تداعيات الحرب السودانية على اللاجئين في مصر