الشارع المصري

شقق الإسكان الاجتماعي.. معاناة كبرى في الطريق إلى حلم وحدة سكنية

تشهد مصر أزمات اقتصادية متلاحقة خلال الأعوام الأخيرة، أثقلت كاهل محدودي الدخل بمزيد من الأعباء المالية. إذ تضاعفت أسعار السلع الاستهلاكية والحاجات الأساسية للحياة اليومية، من غذاء وملبس وعلاج، إلى جانب خدمات النقل والتعليم. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل هو تأمين الموارد المالية للحصول على سكن مناسب، سواء عن طريق الشراء أو الإيجار، في ظل ارتفاع هائل بأسعار العقارات ومواد البناء.

 

أزمة سوق العقارات

 

في هذا السياق، أوضح الدكتور إلهامي الميرغني، الخبير الاقتصادي، أن حلم امتلاك سكن أصبح بعيد المنال عن آلاف المصريين نتيجة انفلات سوق العقارات وارتفاع أسعار مواد البناء، مما يجعل تكلفة السكن تفوق قدرة المواطن المصري، بما في ذلك أبناء الطبقة الوسطى.

 

وأشار الميرغني إلى أن قانون الإيجار الجديد في بعض مناطق القاهرة والجيزة أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في قيمة الإيجارات، نتيجة استغلال الملاك لوجود لاجئين يتلقون مساعدات بالدولار، وهو ما دفع الإيجارات بالجنيه المصري إلى مستويات تفوق قدرات معظم المواطنين. وأضاف: “كثير من المصريين باتوا غير قادرين على الحصول على شقة للإيجار الجديد، بينما يضطر آخرون إلى مغادرة مساكنهم بعد رفع الإيجارات إلى أضعاف قيمتها الأصلية”.

 

وعلى صعيد آخر، أشار الميرغني إلى أن أسعار شقق التمليك تجاوزت المليون جنيه، بل وصلت إلى عشرات الملايين في بعض المناطق، مما حرم العديد من المصريين من فرصة الحصول على مسكن مناسب أو حتى تحسين ظروف السكن الحالية.

 

 

دور الدولة في سوق العقارات

 

أكد الميرغني أن الدولة كانت تلعب دورًا حيويًا في ضبط سوق العقارات خلال فترات سابقة، إلا أن هذا الدور تراجع بشكل ملحوظ منذ حقبة وزيري الإسكان محمد إبراهيم سليمان ورشيد محمد رشيد. وأضاف: “أصبحت الدولة تتعامل كمطور عقاري يهدف إلى تحقيق الأرباح من مشروعات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مما رفع أسعار مشاريع الإسكان الاجتماعي إلى مستويات تتراوح بين 600 ألف جنيه و900 ألف جنيه، وهي أسعار تتجاوز قدرات الفئات المستهدفة.”

 

وأوضح أن هذا التحول أدى إلى إفساح المجال أمام المطورين العقاريين لزيادة الأسعار والمضاربة في السوق، خاصة مع بيع الدولة أراضيها بأسعار رمزية للقطاع الخاص الذي يبالغ في تسعير الوحدات السكنية.

 

الحلول المقترحة

 

شدد الميرغني على ضرورة عودة الدولة إلى دورها كضابط وموازن لسوق العقارات، بحيث تعمل على كبح جشع القطاع الخاص. وأشار إلى أهمية أن تتوقف الدولة عن التربح من مشروعات الإسكان الاجتماعي، وأن تقدم بدائل حقيقية تلبي احتياجات محدودي الدخل والطبقة الوسطى بعيدًا عن الأعباء المالية المرهقة.

 

ختامًا، يبقى حلم السكن اللائق في مصر مرهونًا بتغير السياسات الحالية، وعودة الدولة إلى ممارسة دورها الاجتماعي لضمان حقوق المواطنين في الحصول على مسكن يناسب احتياجاتهم وإمكاناتهم.

 

 

تحديات تواجه محدودي الدخل

 

أكد الصحفي محمد إبراهيم أن ملف الإسكان الاجتماعي يواجه تحديات كبيرة على مدار السنوات الماضية، حيث أشار إلى أن طرح الوحدات السكنية في المحافظات كان يتم من خلال الإدارات المحلية، لكن هذا النظام فشل وتم نقله إلى صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري. وأوضح أن هناك تفاوتًا بين المتقدمين، فبعضهم تنطبق عليه الشروط وآخرون يعانون مشكلات ائتمانية مع البنوك.

 

وأشار إبراهيم إلى أنه في بداية الطروحات، كان عدد المتقدمين أقل من 20 ألف شخص فقط، لكن في السنوات الأخيرة، تجاوز العدد نصف مليون شخص. وأضاف: “تم الإعلان عن طرح تكميلي في ديسمبر الماضي، اشترط الجدية في الحجز لضمان عدم سحب الأموال مجددًا، وبلغ عدد المتقدمين نحو 100 ألف شخص، وهو رقم يعادل طرحًا كاملاً.”

 

أزمة تأخير الطروحات وتسليم الوحدات

 

وأوضح إبراهيم أن العام الماضي شهد توقفًا في طروحات الإسكان الاجتماعي بسبب عمليات فلترة المتقدمين في الطروحات السابقة، للتأكد من استحقاقهم للوحدات السكنية. وأشار إلى أن تقلب أسعار مواد البناء، مثل الحديد والأسمنت والطوب، تسبب في مشكلات كبيرة مع المقاولين. وأضاف: “تضاعفت تكلفة البناء مقارنة بالمبالغ المتفق عليها، مما أدى إلى تأخر تسليم الوحدات حتى تم حل الأزمة بتعويض المقاولين.”

 

وأكد أن صندوق الإسكان الاجتماعي بذل جهودًا استثنائية لحل هذه التحديات وضمان تسليم الوحدات لمستحقيها. ورغم تأخر تسليم بعض الوحدات لمدد تتراوح بين 7 إلى 10 سنوات، إلا أن العدد المتأثر يظل بسيطًا مقارنة بملايين المتقدمين. وشدد على أن المشكلات ليست نتيجة فساد، بل تغييرات في الظروف الاقتصادية والتحديات التي واجهت التنفيذ.

 

آلية العمل والتحديات الاقتصادية

 

وأوضح إبراهيم أن وزارة الإسكان، من خلال الصندوق، تطرح إعلانات التقديم إلكترونيًا لمدة شهر، وبعد ذلك يتم فرز الطلبات لتحديد المستحقين. وأشار إلى أن نسبة 20% إلى 25% من المتقدمين لا تنطبق عليهم الشروط، بينما يتم توزيع النسبة المتبقية جغرافيًا حسب توفر الأراضي التي تحددها هيئة المجتمعات العمرانية.

 

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه الصندوق. وقال: “الفائدة المخصصة لمحدودي الدخل تصل إلى 8% فقط، بينما الفائدة بالبنوك الآن تتراوح بين 27% و30%. الفرق الكبير تتحمله الدولة كجزء من الدعم، مما يعني أن شقة الإسكان الاجتماعي التي يبلغ سعرها 500 ألف جنيه تكلف الدولة حوالي مليون جنيه.”

 

ضرورة استمرار الدعم

 

اختتم إبراهيم حديثه بالتأكيد على أهمية الدعم المقدم من الصندوق لمحدودي الدخل، مشددًا على ضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية من خلال وضع خطط مرنة تستوعب تغير الظروف الاقتصادية وضمان حق المواطن في الحصول على سكن لائق.

 

شكاوى المواطنين:

 

ويعاني العديد من الأسر التي تسلمت وحدات الإسكان الاجتماعي من تحديات كبيرة تتعلق بضعف الخدمات، بينما يواجه آخرون صعوبات في تأمين تكلفة السكن مع ارتفاع الإيجارات بشكل كبير.

 

أوضحت زينب مصطفى، إحدى المواطنات التي تسلمت شقتها من وزارة الإسكان الاجتماعي قبل خمس سنوات في مدينة أكتوبر، أن الخدمات في المنطقة تعاني من تدهور كبير. وقالت: “الكهرباء والمياه تنقطع لفترات طويلة، والخدمات الأساسية مثل الأسواق والمدارس بعيدة عن المدينة، حتى نظافة الشوارع غير متوفرة.”

 

من جانبه، أكد يوسف أحمد، وهو مواطن آخر، أنه استلم وحدة سكنية منذ سنوات في إحدى القرى التابعة لمدينة المحلة الكبرى، لكنه واجه العديد من المشكلات. وأوضح قائلاً: “الشقة كانت مليئة بالعيوب، بدءًا من التشطيبات التي تحتاج إلى إعادة العمل عليها، وصولًا إلى انعدام الأمن، حيث تقع المنطقة وسط الأراضي الزراعية وتبعد عن أقرب قرية حوالي كيلومتر واحد.”

 

وأشار يوسف إلى غياب المواصلات بعد صلاة العشاء وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المتاجر التي تبعد حوالي كيلومتر. وأضاف: “لا أستطيع بيع الشقة قبل مرور سبع سنوات أخرى، مما يجعل العيش فيها تحديًا كبيرًا سواء كفرد أو كأسرة.”

 

تأثير ارتفاع الإيجارات على الشباب

 

في سياق متصل، أوضح ممدوح إحسان أن ارتفاع أسعار الإيجارات أدى إلى تأجيل زواجه. وقال: “قبل سنوات قليلة، كان سعر الإيجار في منطقة السيدة زينب بالقاهرة حوالي 2000 جنيه (50 دولارًا)، بينما كان متوسط دخلي 5000 جنيه (120 دولارًا).”

 

وأشار إلى أن الوضع تغير بشكل كبير اليوم، حيث وصل سعر الإيجار إلى 5000 جنيه شهريًا لشقة مكونة من غرفتين وحمام ومطبخ. وأضاف: “إلى جانب ذلك، هناك فواتير الكهرباء والمياه وتكاليف المواصلات والأكل والأدوية، مما يجعل من المستحيل استئجار شقة أو حتى غرفة.”

 

الحاجة إلى حلول عاجلة

 

وتسلط هذه المشكلات الضوء على التحديات التي يواجهها المستفيدون من مشاريع الإسكان الاجتماعي، سواء بسبب ضعف الخدمات أو ارتفاع التكاليف. ويبقى الحل مرهونًا بتدخل حكومي أكثر شمولًا لتحسين الخدمات والبنية التحتية، وضبط سوق الإيجارات بما يتيح للشباب تحقيق الاستقرار السكني والأسري.

 

اقرأ أيضًا:

 

ارتفاع البطالة في الربع الثالث رغم “زيادة الاستثمارات”.. أين الخطأ؟

 

سرقة التيار الكهربائي والحذف من التموين.. ماذا عن “القانون”؟

 

“خليها تعنس” كيف عزف الشباب عن الزواج بسبب قائمة المنقولات

 

دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية