الشارع المصري

صناعة المنسوجات في مصر ما بين الأزمة والفرصة

مقدمة

 

تشهد مصر الآن أزمة اقتصادية شديدة نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وهو ما يُلقي بظلاله على أسعار جميع السلع والخدمات ويدفعها للارتفاع بشكلٍ جنونيّ.

 

 

وفي هذه الفترات تحتاج اقتصاديات الدول إلى تقليص عجز الميزان التجاري بأكبر نسبة ممكنة مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار ومن ثم استقرار سعره أمام العملة المحلية وانخفاض معدلات التضخم، وتُعد هذه النقطة ذات دور محوري في احتواء مثل تلك الأزمات.

 

 

 

 

 

ويحتل قطاع تصدير الملابس الجاهزة في مصر مراتب متقدمة في الخريطة التصديرية المصرية؛ حيث استطاع تحقيق المركز الخامس على مستوى الصادرات المصرية السنوية خلال العام 2022م بقيمة صادرات 2.5 مليار دولار أمريكي، منافساً لقطاعات صناعية مصرية كبيرة منها قطاع صناعة الأسمدة واليوريا، وبنسبة ارتفاع عن العام 2021م بقيمة تقارب النصف مليار دولار حيث حقق القطاع في هذا العام صادرات بــ 2,083 مليار دولار، ولكن عادت النتائج للانخفاض من جديد عام 2023م بتحقيقه 2 مليار و433مليون دولار، ويأتي هذا الانخفاض خلال إطلاق الدولة مبادرة للوصول بالصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار سنوياً.[1]

 

 

 

 

وتُشكل المنتجات النسيجية نسبة 75% من المكون الصناعي للملابس الجاهزة، وقد قامت الدولة بتدشين خطة تطوير للقطاع الصناعي النسيجي بحوالي 21 مليار جنيه بغرض النهوض بتلك الصناعة وتحقيق صادرات منها بقيمة 30 مليار دولار سنوياً.

 

 

 

 

وتعصفُ بهذه الخطط مجموعة من المعوقات؛ أكثرها تأثيراً هي ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الانخفاضات المتكررة في قيمة الجنيه المصري مقارنة بالدولار الأمريكي واعتماد هذه الصناعة على مستلزمات إنتاج مستوردة من الخارج، وانخفاض الجودة للمنسوجات المصرية مقارنة بالمنافسين الدوليين نتيجة الاعتماد على القطن قصير التيلة المستورد من الخارج بسبب انحسار المساحات المرزوعة من القطن المصري طويل التيلة، وأخيراً البيروقراطية والمشكلات المتعلقة بالممارسات التجارية والإجراءات الجمركية وانخفاض مستوى التنافسية في مصر، وهو ما تسبب في ارتفاع المنسوجات بقيمة 200% في عام 2024م مقارنة بالعام الماضي[2]، وهو ما دفع المجلس التصديري للملابس الجاهزة بتوقع ضعف في القوة الانتاجية لمصانع الملابس الجاهزة المصرية.

 

 

 

 

أزمة الدولار في مصر وارتفاع معدلات التضخم

 

 

 

 

تواصل العملة المصرية الانخفاض بصورة متكررة أمام الدولار الأمريكي، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل؛ من أهمها ارتفاع فاتورة الدين الخارجي بالعملة الأجنبية، عجز الميزان التجاري، ضعف معدلات الإنتاج والتصدير، ولكي تتجاوز مصر أزمتها هذه لابد من اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية وجادة تقوم على مبادئ هامة مثل الشفافية والتنافس الحر المتكافئ ورفع معدلات الإنتاج بمختلف أشكالها.

 

ومن ثم تستطيع مصر زيادة معدل الصادرات وهو ما يحد من الأداء السلبي للميزان التجاري المصري، ويرفع مستويات التدفقات النقدية الأجنبية وهو ما يقلل من الضغط الواقع على العملة المحلية.

 

 

 

 

لذلك يجب دعم القطاعات التصديرية في مصر ذات الميزة التنافسية القوية عالمياً؛  بتذليل العقبات أمامها بما يضمن ارتفاع في القيم التصديرية المصرية، ويُعد قطاع الملابس الجاهزة في مصر من أكثر القطاعات التصديرية الواعدة والقادرة على تحقيق تحول حقيقي في الخريطة التصديرية.

 

 

 

 

معوقات صناعة الملابس الجاهزة في مصر

 

 

 

 

تشهد صناعة الملابس الجاهزة في مصر ضعف في التنافسية العالمية بشكل عام؛ ويأتي ذلك نتيجة لعوامل مختلفة منها الفنية مثل اعتماد مصر على الغزول المستوردة والمصنعة بديلاً للقطن المصري طويل التيلة ويرجع ذلك إلى تقليص المساحة المزروعة منه من 2 مليون فدان إلى 300 ألف فدان فقط[3]، وكذلك ضعف العمالة المُدربة على وسائل الإنتاج الحديثة وهو ما يقلل بالطبع فرص منافسة المنتج المصري عالمياً.

 

 

 

 

 

ومنها عوامل تنظيمية مثل الإجراءات البيروقراطية شديدة التعقيد في مصر، ومنافسة الدولة للقطاع الخاص في مختلف المجالات، والإجراءات الجمركية المعرقلة لسيولة الحركة التجارية بالإضافة إلى ارتفاع نسب الضرائب والرسوم الحكومية بشكل عام وهو ما يؤدي إلى هروب رأس المال المستثمر من مصر والعمل في الأسواق الناشئة الإقليمية الأخرى وكذلك ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 

 

 

 

والعوامل الاقتصادية أيضاً مثل أرتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه واعتماد مصر على استيراد مستلزمات الإنتاج من القطن والصبغات الصناعية وكذلك قطع الغيار لخطوط الإنتاج، وهو ما زاد من تكلفة الإنتاج بنسب متفاوتة.[4]

 

 

 

 

استراتيجية الدولة لتطوير صناعة المنسوجات[5]

 

 

 

في بداية عام 2024م تم تدشين خطوط الإنتاج لأكبر مصنع للغزل والنسيج في العالم “غزل1 ” بمدينة المحلة الكبرى بتكلفة 780 مليون جنيه على مساحة 62,5 ألف متر، ضمن خطة انقاذ لقطاع الصناعات النسيجية 65 مبنى صناعي ما بين الإنشاءات الجديدة والترميم، منها أيضاً إنشاء مصنع “غزل4” بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى بمساحة 24,6 ألف متر بقيمة 251 مليون جنيه وبطاقة إنتاجية 13 طن غزل يومياً، وأيضاَ تطوير مصنع “غزل6” على مساحة 17,7 ألف متر وبقيمة 216 مليون جنيه.

 

 

 

 

 

وتطوير 6 مصانع تابعة لشركة مصر صباغي البيضا بكفر الدوار؛ وهي الغزل والنسيج، وتحضيرات النسيج، والصباغة والتجهيز، والتفصيل، والبرم. على مساحة 175 ألف متر، وبقيمة 2,3 مليار جنيه.

 

 

 

 

وإنشاء 4 مصانع جديدة للغزل والنسيج والتحضيرات والصباغة بشركة دمياط للغزل والنسيج بمساحة إجمالية 103 ألف متر وبإستثمار قدره 1,5 مليار جنيه.

بالإضافة إلى أعمال التطوير في عدد من المصانع الأخرى؛ مثل حلوان للغزل والنسيج، والدقهلية للغزل والملابس، وبعض المصانع بمدينتي شبين الكوم وطنطا.

 

وفي المقابل واصلت أسعار المنسوجات الأرتفاع خلال موجات التضخم وارتفاع الأسعار التي تضرب البلاد حالياً، نظراً لاستمرار ارتفاع نسبة المكون الأجنبي داخل المراحل الصناعية المختلفة.

 

 

 

 

آليات تطوير قطاع صناعة الملابس الجاهزة في مصر

 

 

 

 

لا تقتصر أهمية هذا القطاع على الحصة التصديرية التي يشارك بها في الاقتصاد المصري فقط، ولكن هناك أهمية استراتيجية تكمن في أن 30% من العمالة المصرية تعمل به، وهو ما يجعل من عرقلة العملية الإنتاجية فيه خطر كبير يصل إلى مرحلة الأزمة الاقتصادية للدولة بالكامل.

 

 

 

 

وقد ذكرنا الخطوات الرسمية للدولة من أجل تطوير القطاع، ولكن نرى أنه لا يمكن تحقيق النتائج المرجوة من تلك السياسات في وجود المشكلات الفنية والاقتصادية والتنظيمية التي تهدد هذه الصناعة.

 

 

 

 

فلابد من إعادة التوسع في زراعة القطن طويل التيلة في مصر، وهو ما نستطيع من خلاله خفض فاتورة استيراد مستلزمات الإنتاج من جهة وكذلك رفع مستويات الجودة للمنتجات المصرية وزيادة تنافسيتها على الجانب الأخر.

 

وكذلك إقرار إصلاحات قانونية وتنظيمية حقيقية تضمن مناخ تنافسي استثماري يمكن المستثمر المصري من العمل داخل الدولة والتوسع في التصنيع والتصدير، ويحفز الاستثمار الأجنبي المباشر.

 

 

 

 

العمل على تطوير العملية الإنتاجية على المدى القريب من خلال تدريب العمالة على الوسائل التكنولوجية الحديثة في الإنتاج، وعلى المدى المتوسط والبعيد من خلال توسيع دائرة التصنيع المحلي لمستلزمات الإنتاج المختلفة وقطع الغيار وصولاً إلى القدرة على صناعة خطوط الإنتاج.

 


[1] النشرة الاقتصادية للصادرات والواردات عن عام 2021، موقع الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات ،   https://n9.cl/ss3a4

[2] جريدة الشروق، https://n9.cl/lzdcuv

[3] بوابة الأهرام ، 2)  https://n9.cl/g925e

[4] تصريحات لرئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة، جريدة الشروق، https://n9.cl/lzdcuv

[5] بوابة الاهرام، 2)   https://n9.cl/g925e

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية