رغم اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، لا تزال الساحة الحزبية في مصر تعاني من ظاهرة “الأحزاب الكرتونية” التي يصفها مراقبون بأنها “ديكور سياسي” يفتقر إلى الحضور الجماهيري والرؤية الجادة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى العملية الانتخابية في ظل غياب التعددية الفعلية. وبينما يرى البعض أن هذه الكيانات تُستخدم كأداة لاستكمال المشهد الديمقراطي شكليًا، يشير آخرون إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتفعيل دور الأحزاب وتطوير الحياة النيابية. وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من أن تتحول الانتخابات المقبلة إلى مجرد استحقاق إجرائي، في ظل سيطرة أحزاب بعينها على المشهد، وعزوف فئات واسعة من المواطنين عن المشاركة، سواء كمرشحين أو ناخبين.
يثير واقع الأحزاب السياسية في مصر تساؤلات متكررة حول مدى استقلاليتها وقدرتها على لعب دور حقيقي في المشهد العام، وسط اتهامات متزايدة بأن كثيراً منها لا تمثل قوى مجتمعية حقيقية، بقدر ما تُستخدم كأدوات لضبط الإيقاع السياسي وتجميل صورة المشهد الديمقراطي أمام الداخل والخارج.
وبحسب ما رصدته منصة “MENA“، فإن عدداً من هذه الأحزاب يبدو وكأنه محسوب بشكل غير مباشر على دوائر السلطة، سواء من حيث مصادر التمويل أو من خلال الأدوار التي توكل إليها في فترات الانتخابات. هذا القرب من السلطة – ولو بصورة غير معلنة – يضع علامات استفهام حول استقلالية هذه الأحزاب وجدّية مواقفها السياسية، خاصة حين تظهر بمواقف متماهية مع الخطاب الرسمي، في وقت تغيب فيه الأصوات المعارضة أو المستقلة عن المشهد البرلماني والسياسي.
كما أن تشكيل التكتلات الحزبية أو القوائم الانتخابية يبدو في كثير من الأحيان مفروضًا من أعلى، وليس نتيجة حوار داخلي أو تحالفات طبيعية نابعة من برامج متقاطعة أو مصالح مشتركة. وهو ما يفرغ تلك الكيانات من مضمونها السياسي، ويجعلها مجرد أطر تنظيمية بلا قاعدة جماهيرية حقيقية.
في مشهد سياسي باتت فيه الأحزاب مجرد ديكور ضمن معادلة محسوبة، تتعالى الأصوات المنتقدة لواقع حزبي “مغلف” ومصنوع داخل غرف الأجهزة، على حساب قوى سياسية حقيقية تُحاصر وتُقصى عن التأثير، ويُزج بأعضائها في السجون، كما يقول سيد الطوخي، رئيس حزب الكرامة.
يرى الطوخي لمنصة “MENA“، أن ما يُسمى بـ”أحزاب الكرتون” ليست سوى أدوات في يد السلطة لتشكيل مشهد ديمقراطي مزيف، حيث تُصوّت هذه الكيانات باستمرار على قوانين لا تعبّر عن الشارع، بل تزيد من معاناته، مثل الخصخصة ورفع الأسعار وتوسيع الضرائب.
ويؤكد الطوخي أن حزب الكرامة رفض عروضًا متكررة للانضمام إلى قوائم انتخابية رسمية، يرى أنها مصممة لضمان سيطرة أمنية على مخرجات البرلمان. ويوضح أن الحزب انسحب من الحوار الوطني بعد تجاهل المطالب الجوهرية، كالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعديل قانون الانتخابات.
وبينما يُتهم حزب الكرامة بالعمل خارج قواعد “اللعبة الرسمية”، يرد الطوخي بأن الحزب يدفع ثمن استقلاله، مضيفًا: “نحن معروفون منذ التسعينيات، وتم رفض ترخيصنا ثلاث مرات قبل ثورة يناير، لأننا نطرح مشروعًا وطنيًا منحازًا للفقراء والعدالة الاجتماعية”.
ويشير الطوخي إلى أن النظام بدأ منذ 2014 في توزيع أدوار المعارضة، وصناعة أحزاب جديدة تُستخدم كواجهة أكثر “نعومة”، فيما يتم تحجيم الأحزاب الحقيقية بوسائل أمنية مباشرة.
ورغم تراجع ثقة الناس في الأحزاب، يرى الطوخي أن لديهم قاعدة جماهيرية حقيقية ظهرت في انتخابات 2012، حين حصل مرشحو التيار القومي على ملايين الأصوات، رغم التزوير. ويضيف: “الانتخابات الحالية بلا تعديل حقيقي لقانونها هي مسرحية. ومع ذلك، هناك من داخل الحزب من يرى أهمية خوضها لكشف الحقائق”.
ويتهم الطوخي السلطة بإعادة تشكيل واجهتها الحزبية عبر “منتجات سياسية مفبركة”، معتبرًا أن حزب مستقبل وطن لم يختف، بل يجري تقليصه وتوزيع أدواره ضمن خطة أمنية تضمن سيطرة تعددية الشكل، أحادية المضمون.
ويختتم الطوخي بقوله: “نحن أمام ديمقراطية شكلية، والقوى الحقيقية محاصرة، لكن الوعي الشعبي لم يمت. وربما اللحظة القادمة تشهد تغييرًا مفاجئًا، إذا لم تتغير قواعد اللعبة السياسية جذريًا”.
ويرى مراقبون وممارسون في الحقل السياسي أن الغالبية العظمى من الأحزاب المصرية لا تمارس أدواراً حيوية في التأثير على السياسات العامة أو في تمثيل مصالح فئات مجتمعية واسعة، بل إن بعضها يفتقر حتى إلى برامج سياسية واضحة أو رؤى قابلة للتنفيذ. وفي كثير من الأحيان، يقتصر وجود بعض هذه الكيانات على الشكل القانوني فقط، دون أي نشاط فعلي على الأرض أو تواصل مع القواعد الجماهيرية.
وفي استحقاقات انتخابية عدة، تكررت مظاهر “التوزيع المسبق” للمقاعد، ما أضعف فكرة التنافس الحر والفرص المتكافئة بين الأحزاب، وكرّس بدلاً من ذلك فكرة المشهد المُعدّ سلفًا، حيث تظهر الأحزاب كديكور ديمقراطي لا أكثر.
هذا الوضع، بحسب نشطاء وسياسيين، يدفع قطاعات من الشباب والمواطنين إلى العزوف عن العمل الحزبي أو المشاركة السياسية، باعتبار أن الأحزاب لم تعد أدوات للتغيير أو التعبير عن المصالح، بل كيانات شكلية لا تملك سلطة القرار ولا مساحة التأثير. ويرى آخرون أن أي إصلاح حقيقي للمجال العام في مصر لا يمكن أن يتم دون إعادة الاعتبار للحياة الحزبية وتوفير مناخ حقيقي للمنافسة واستقلال القرار السياسي والتنظيمي داخل كل حزب.
قالت مي سليم، أمين مساعد الإعلام المركزي بحزب العدل، إن الحزب لا يرى نفسه في منافسة مع أحد، بل في سباق مع ذاته لتعزيز وجوده المجتمعي والإعلامي، مؤكدة أن “البناء الحزبي الجاد لا يتحقق إلا من خلال التواجد في الشارع، وهو ما يكسب أي حزب شعبية ومصداقية، والكلمة الأخيرة تبقى دائمًا للمواطن”.
وأضافت سليم في تصريحات خاصة لـMENA، أن الأحزاب المدنية، وعلى رأسها حزب العدل، تواجه ضغوطًا متعددة في ظل استمرار بعض القوانين المقيدة مثل تهم إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم حسم ملف المحبوسين على خلفية قضايا الرأي، ما يفرض حصارًا من القيود والتحديات. لكنها شددت في الوقت ذاته على “الاستمرار في السعي الجاد لدفع مسار الإصلاح السياسي إلى الأمام، في إطار مشروع إصلاحي طويل النفس”.
ورأت أن هناك تمييزًا واضحًا في التغطية الإعلامية بين أحزاب بعينها تحظى بمساحات دعائية كبيرة، وأخرى تُحاصر إعلاميًا رغم امتلاكها لمشروعات سياسية حقيقية، مضيفة: “نطالب بتغطية عادلة ومتوازنة لكل الأحزاب، فالإعلام الوطني القوي يُفترض أن يبرز كل الآراء والتوجهات للرأي العام”.
وعن هامش حرية الخطاب السياسي للأحزاب المستقلة، قالت سليم إن “الخطاب الذي يخلو من الذكاء السياسي لا يجدي”، مضيفة: “نحن لا نعارض لمجرد المعارضة، بل ننتقد ما نراه مضرًا بالمواطن ونقدم في المقابل حلولًا واقعية وخططًا واضحة”.
وفي ردها على سؤال حول استمرار بعض الأحزاب دون نشاط رغم حصولها على منصات دعائية، قالت إن “المشهد السياسي مليء بالمفارقات، وهذه واحدة منها، إذ تُمنح بعض الكيانات فرصًا أكبر رغم غيابها الفعلي عن الشارع، بينما تُحاصر الأحزاب الجادة بالموارد المحدودة”، مشددة على أن “الرهان الحقيقي يبقى على وعي المواطن وقدرته على التفرقة بين الصوت الحقيقي والصوت المرتفع”.
ورفضت مي سليم وصف بعض الأحزاب بـ”الكرتونية”، قائلة: “نرفض التعميم، حتى وإن كان الواقع يحمل جزءًا من هذا التوصيف، لكن حزب العدل حزب حقيقي وُلد من رحم الثورة والشارع، ونحن نعمل على إحياء الأمل من جديد لدى المواطن وكسب ثقته”.
وحول الاستعدادات للانتخابات المقبلة، أوضحت سليم أن حزب العدل بدأ الاستعداد مبكرًا منذ أكتوبر الماضي، حيث تم تشكيل لجنة انتخابية والبدء في اختيار المرشحين بناءً على الكفاءة والقدرة على تمثيل المواطنين بجدية، إلى جانب تنفيذ تدريبات متنوعة وتجهيز ملفات قوية وخطاب سياسي واقعي يستند إلى احتياجات المواطن.
وعن موقف الحزب من دعوات المقاطعة، أكدت أن “التغيير لا يأتي من المقاطعة، بل من المشاركة والضغط الإيجابي”، موضحة أن “حزب العدل لا يرى المشاركة تمثيلًا رمزيًا، بل وسيلة لتكريس بديل حقيقي”، وأنه “يخوض الانتخابات بما يملك، لا بما يُعرض عليه”.
كما كشفت عن مشاركة الحزب في بعض المشاورات السياسية، مؤكدة أن “الحزب يرفض أن يكون جزءًا من تحالفات شكلية، ويفضل أن يكون أقل عددًا وأكثر صدقًا”، موضحة أن “الحديث عن تحالفات لا يمكن أن يتم دون إعلان قانون الانتخابات أولًا”.
وفي ختام تصريحاتها، قالت سليم: “لا نعتقد أن نتائج الانتخابات محسومة سلفًا، رغم ضيق الهامش، لكننا نعمل بجدية ونراهن على وعي المواطن، فلسنا نخوض الانتخابات من أجل مقاعد فقط، بل من أجل بناء حزب يُصغي إليه الناس اليوم وغدًا”.
يقول الناشط السياسي هشام الهمامي، مرشح مجلس نواب سابق، وأحد أعضاء حزبي مستقبل وطن وحماة وطن سابقًا، إن كثيرًا من الأحزاب السياسية في مصر لا تمارس دورًا مستقلًا أو فاعلًا كما هو مأمول في النظم الديمقراطية، بل تبدو في الغالب وكأنها مجرد أدوات لضبط الإيقاع السياسي العام، لا كيانات تسعى فعليًا للتغيير أو تمثيل قطاعات اجتماعية حقيقية.
ويوضح “الهمامي” في حديثه لمنصة “MENA” أن تجربته داخل أكثر من حزب كشفت عن افتقار عدد كبير من الكيانات الحزبية إلى برامج سياسية واضحة أو رؤى متميزة، مؤكدًا أن بعضها لا يهدف أصلًا للوصول إلى السلطة أو تقديم بدائل، وإنما يكتفي بالوجود الرمزي الذي يخدم أهدافًا أخرى.
ويضيف أن هناك مؤشرات واضحة على أن بعض الأحزاب مدعومة أو محسوبة بشكل غير مباشر على السلطة، سواء من حيث التمويل أو الأدوار التي تُوكل إليها خلال الفترات الانتخابية، وهو ما يضعف من مصداقية تلك الأحزاب واستقلالها السياسي.
ويشير الهمامي إلى أن التكتلات أو القوائم الانتخابية التي تُعلن أحيانًا تبدو وكأنها صيغت “من فوق”، في إشارة إلى غياب الحوار الحزبي أو التحالفات الطبيعية، لافتًا إلى أن توزيع المقاعد في كثير من الأحيان يبدو شبه معدّ سلفًا، وهو ما يجعل من الأحزاب مجرد أدوات تجميلية للمشهد، لا أطرافًا حقيقية في معركة انتخابية حقيقية.
وأضاف الناشط السياسي والمرشح السابق لمجلس النواب، أن الدولة تسعى خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز التعددية الحزبية، مشيرًا إلى أن الساحة السياسية لم تعد مقتصرة على حزب واحد، بل باتت مفتوحة أمام أكثر من حزب لتعزيز المشاركة في الحياة السياسية.
وأوضح الهمامي أن الدولة بدأت في فتح قنوات التواصل مع مختلف الأحزاب، وهو ما يتضح من مشاركة عدد كبير من الكيانات السياسية، بما في ذلك الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، في جلسات الحوار الوطني، مؤكدًا أن رؤساء هذه الأحزاب عُرضت عليهم الفرصة لطرح رؤاهم السياسية والتفاعل مع مؤسسات الدولة.
واعتبر أن فتح المجال أمام الشباب للمشاركة في العمل الحزبي والسياسي يمثل خطوة مهمة لمعالجة حالة العزوف عن الانخراط في الحياة الحزبية، مشيدًا بالدور الذي تقوم به وزارة الشئون النيابية والتواصل السياسي بقيادة المستشار محمود فوزي في هذا الملف، قائلًا إنه “أحدث نقلة واضحة في العلاقة بين الدولة والأحزاب”.
ونفى الهمامي وجود سياسة لتهميش حزب على حساب آخر، مضيفًا أن التنوع مطلوب، وأن وجود أكثر من حزب يخدم في النهاية فكرة تمثيل التعدد في التوجهات والانتماءات السياسية للمواطنين، مضيفًا: “الكل يعمل في النهاية تحت مظلة الدولة وسياساتها العامة، ولكن ضمن أطر منفتحة تشجع على التنافس والحراك السياسي”.
أكد الناشط السياسي والمرشح السابق لمجلس النواب هشام الهمامي أن فكرة “الحزب المهيمن” لا تخدم الدولة ولا المواطنين، معتبرًا أن التعددية الحزبية تمثل السبيل الوحيد لضمان مشاركة حقيقية وفاعلة في الحياة السياسية.
وقال الهمامي إن النظام الأحادي في الحكم يؤدي إلى إقصاء شرائح واسعة من المجتمع، ويمنح السيطرة الكاملة لحزب واحد، وهو ما ينعكس سلبًا على الصورة العامة للمشهد السياسي، مضيفًا: “التعددية تخلق مناخًا صحيًا يتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم والانخراط في قضايا الشأن العام من خلال الأحزاب التي تعكس تنوع التوجهات والانتماءات”.
وأشار إلى أن مصر عرفت في السابق نموذج الحزب المهيمن من خلال تجربة الحزب الوطني، وهي تجربة لم تكن تسمح بوجود أدوار حقيقية لأحزاب المعارضة، في حين أن الوضع الآن يشهد تغيرًا تدريجيًا بوجود عدد من الأحزاب الفاعلة، سواء على مستوى العاصمة أو المحافظات.
وأوضح الهمامي أن بعض الأحزاب تملك حضورًا قويًا في القاهرة، بينما تنشط أخرى في الأقاليم، مؤكدًا أن هذا التنوع يخدم التوازن السياسي، ويفتح المجال أمام تواصل مباشر بين الأحزاب والمواطنين، ما يعزز من شعور الناس بدورهم في الحياة العامة وحقهم في التعبير والمشاركة.
وأضاف أن المنافسة الحزبية على تقديم الخدمات وطرح المبادرات يسهم في تفعيل الحياة السياسية، مشددًا على أهمية أن تمتد أنشطة الأحزاب إلى كل المحافظات، وأن يكون لها حضور فعلي في الشارع، وتمثيل داخل البرلمان، بما يخلق جسورًا حقيقية بين المواطن والدولة.
واعتبر أن هذا التواصل لن يتحقق دون مشاركة سياسية حقيقية، تتضمن التفاعل مع القوانين، والندوات، والأنشطة المختلفة، قائلًا: “الحياة السياسية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال التعدد والمنافسة، وليس عبر الهيمنة والانفراد”.
اقرأ أيضًا:
أمين القبائل بالجبهة الوطنية لـ”MENA”: نقف على مسافة واحدة من الأحزاب.. وهذه علاقتي بالعرجاني | 1
طلعت خليل: مصر لديها أوراق لوقف حرب غزة.. والحركة المدنية ستشارك في انتخابات النواب| حوار
أين “التيار المدني” من الشارع المصري؟ | تحقيق
أمين مستقبل وطن بالغربية: سنطور سياساتنا.. ونستعد للرهان البرلماني