استقبل الرئيس السيسي، الخميس 23 يناير، في قصر الاتحادية الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. ويعد اللقاء الرابع بين الزعيمين منذ 21 يناير 2024، مما أثار العديد من التساؤلات والتكهنات حول أسباب الزيارة وأهميتها، خاصة في هذا الوقت الحساس الذي يشهد مخاطر وتحديات عديدة تواجه البلدين العربيين، والأحداث المتسارعة في منطقة القرن الإفريقي التي تتسم بشدة الحساسية، لا سيما ملف السد الإثيوبي.
شهد اللقاء عقد مباحثات موسعة بمشاركة وفود رفيعة المستوى من الجانبين، وتم التوقيع على الإعلان السياسي المشترك لترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات. كما وقع وزيرا خارجية البلدين عددًا من مذكرات التفاهم.
أكّد الخبراء أن اللقاء كان لتوحيد القرارات بين البلدين في مواجهة الأطماع الإثيوبية المتزايدة في منطقة القرن الإفريقي، ومكافحة إرهاب الميليشيات الانفصالية في الصومال، وحماية أمن البحر الأحمر، مع تفعيل اتفاقية التعاون العسكري ومشاركة مصر في قوات حفظ السلام للحفاظ على وحدة واستقرار الصومال.
قال الدكتور نجاح الريس، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني سويف، إن زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة تُعد اللقاء الرابع بين الزعيمين خلال عام تقريبًا، ويعد هذا دليلًا واضحًا ورسالة على عمق وأهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتأكيدًا على وضع الصومال وأهميتها بالنسبة للأمن القومي المصري واهتمام مصر الكبير بمنطقة القرن الإفريقي، وفي القلب منها الصومال الشقيق.
أضاف عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ببني سويف في حديثه لمنصة “MENA“، أن دولة الصومال الشقيقة عاشت فترات طويلة من الضعف والأطماع الإقليمية في أراضيها، مما يؤثر على أمن القرن الإفريقي ككل، وبالتبعية على الأمن القومي المصري نتيجة لحيوية هذه المنطقة وتأثيرها المباشر على أمن مصر. مشيرًا إلى أن مصر التزمت بأن تلعب دورًا قوميًّا مهمًا في المنطقة حفاظًا ودعمًا لدولة الصومال الشقيقة التي تربطها معها علاقات استراتيجية ليست وليدة الوقت الحالي فقط.
أكد الريس أن وحدة الموقف المصري الصومالي من شأنها دعم الأمن القومي لكلا البلدين ولمنطقة القرن الإفريقي ككل، وسدًا منيعًا للأطماع الإقليمية، خاصة الإثيوبية التي ظهرت بوضوح من خلال اعترافها بمنطقة ما تعرف بـ”صومالاند” المتمردة، الراغبة في الانفصال عن الوطن الأم. مشددًا على أن مصر مهتمة بأمن المنطقة، والدفاع عن الصومال ضد أي اعتداء خارجي، وتقف في الصف الأول مع الصومال ضد أي أطماع أو تهديد خارجي، وهي حريصة على وحدتها واستقرارها.
أوضح عميد كلية العلوم السياسية ببني سويف أن مصر تبعث للطامعين إشارة واضحة بأنها متواجدة في منطقة القرن الإفريقي ولن تسمح بتهديد الصومال، وسيتم ردع أي أطماع تهدد أو تضر الأمن القومي المصري، مشيرًا إلى توقيع وثيقة لترفيع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية بين البلدين إلى علاقات استراتيجية، مما يدل على اهتمام مصر الكبير بما يجري في منطقة القرن الإفريقي ودعم الصومال.
وعن أثر لقاء ووساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في 11 ديسمبر الماضي لتقارب البلدين وحل نزاع أُججته اتفاقية أبرمتها إثيوبيا مع إقليم الصومال الانفصالي، قال الريس إن مصر تسعى دائمًا إلى السلام واستقرار الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي ولا تمانع أي تقارب يحقق ذلك، شريطة ألا يضر بالأمن القومي المصري أو وحدة الصومال.
أكد الريس أن مصر ليست دولة مؤامرات أو معتدية، ولا تفرض وصاياها على أي دولة أخرى، بل تشجع أي تعاون سلمي بين الدول أو أي سعي لتقريب وجهات النظر بين الصومال وإثيوبيا فيما يخص منطقة إقليم أرض الصومال الانفصالي، وترغب في الحل السلمي للمشكلة وخفض التصعيد والتوتر في هذه المنطقة. وهذا هدف استراتيجي لمصر، وليس لديها غضاضة أو عداء مع أحد طالما هناك احترام متبادل وحفاظ على حقوق الآخرين.
وقالت رشا أبو شقرة، أمين سر لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب المصري، إن زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة تأتي في وقت شديد الحساسية، وفي ظل ملفات مشتركة عديدة تجمع وتهم البلدين الشقيقين، منها تعزيز العلاقات الثنائية وجهود مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي، وبحث سبل محاولات التقارب الإثيوبي مع مقديشيو بما يضمن صالح مصر والصومال. علاوة على مواجهة والقضاء على الحركات المسلحة الإرهابية، وخصوصًا حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي.
أشارت أمين سر لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب، في حديثها مع منصة “MENA“، إلى أن الزيارة الأخيرة تُعد الثالثة للرئيس الصومالي للقاهرة في عام، حيث سبقتها زيارتان في يناير وأغسطس 2024، علاوة على لقاء الزعيمين في قمة ثلاثية مع الرئيس الإريتري في اسمرة شهر أكتوبر الماضي. مما يؤكد عمق العلاقات وتوافق الرؤى لقادة البلدين حول كافة القضايا المشتركة. لافتة إلى أن الإعلان السياسي المشترك بين البلدين يعد استراتيجية ثابتة خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات في المنطقة.
أكدت أمين سر لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب على توحيد جهود البلدين في مواجهة تحديات الأمن والسلم والإرهاب الذي يهدد أمن واستقلال وسيادة الصومال، علاوة على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تطال الجميع. وحرص البلدين على تحقيق الأمن في البحر الأحمر. مشيرة إلى أن الصومال تشرف على مضيق باب المندب، ومصر على البحر الأحمر، لأن الأمن المائي في المنطقة سيشهد خسائر للجميع إذا تطورت الصراعات أو المواجهات المائية.
أوضحت أن زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة شهدت تبادلًا للآراء والرؤى بشأن ما تم من توافقات وتحركات تنفيذية خلال الفترة الماضية، وأيضًا ترفيع العلاقات بين الدولتين، واتفاقيات سياسية واستكمال الجهود والتعاون العسكري ودعم مصر للقوات المحلية الصومالية ورفع قدراتها، بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي. مشيرة إلى افتتاح فرع بنك مصر في الصومال، وتسيير الخطوط الوطنية المصرية لرحلة مباشرة إلى مقديشيو.
وشددت أبو شقرة على أن أي محاولة للتقارب بين إثيوبيا والصومال لن تؤثر على العلاقات المصرية الصومالية لارتباط الدولتين الشقيقتين بمصير واحد، علاوة على أن الأطماع الإثيوبية في منطقة القرن الإفريقي لم ولن تتوقف، وهذا معلوم للجميع ولا يمكن منحها الأمان في ظل التغول الواضح لأديس أبابا على جيرانها وأصدقائها خلال تولي السلطة الحالية. مشيرة إلى تطور العلاقات بين الدولتين، بجانب منتدى الأعمال المصري الصومالي المعني بالقطاع الخاص ومسؤولي الحكومة، وإمكانية تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.
من جهته، أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أهمية التعاون العسكري بين مصر والصومال، وأن اللقاء بين الزعيمين شهد تفعيل بروتوكول التعاون الموقع بين البلدين بالقاهرة في أغسطس 2024 بهدف تدعيم قدرات الدولة الصومالية ومؤسساتها الوطنية لحفظ الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والانفصالية.
أضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لمنصة “MENA“، أنه تم مناقشة مشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة في الصومال بهدف تحقيق الأمن والاستقرار بالدولة الشقيقة، مؤكدًا أن أمن واستقرار الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وهو ما أعلنه الرئيس السيسي بوضوح خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء، وذلك في مواجهة التهديدات المشتركة للأمن والسلم في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
أوضح فهمي أن منطقة القرن الإفريقي تشهد تحديات وتنافسًا إقليميًا ودوليًا متزايدًا نتيجة سعي القوى الكبرى والإقليمية إلى تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية، التي تُعد بوابة البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، الذي يعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وحركة الملاحة البحرية. وفي هذا الإطار، تبذل مصر تحركات دبلوماسية وعسكرية للحفاظ على الأمن القومي المصري بشكل خاص، والأمن العربي بشكل عام.
وواصل أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن مصر تسعى إلى بناء شراكات استراتيجية مع الحكومة الصومالية لمساندة الشعب الشقيق، وفي نفس الوقت تعزيز حضورها العسكري والدبلوماسي في الصومال للدفاع عن البحر الأحمر. لافتًا إلى سعي الدول الكبرى والإقليمية لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في القرن الإفريقي.
اقرأ أيضًا:
هل تتأثر مصر “بالتقارب” الإثيوبي الصومالي؟
ترحيب مصري باتفاق الصومال وإثيوبيا لاستعادة العلاقات الدبلوماسية
ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟
ماذا يعني نقل مساعدات عسكرية أمريكية من “معونة” مصر إلى لبنان؟