سياسة

مخططات التهجير.. كيف ترسم إسرائيل مستقبلًا سيئًا لغزة؟

شهدت الساحة السياسية مؤخرًا جدلًا واسعًا حول التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن نية نقل نصف مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى شمال سيناء، في خطوة وصفها البعض بأنها جزء من مخطط تهجير قسري. هذه التصريحات أثارت ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف الدولية والعربية، وبينما تمسكت مصر بموقفها الثابت الرافض لأي شكل من أشكال التهجير، حملت هذه التصريحات أيضًا رسائل سياسية ونفسية تهدف إلى الضغط على النظام المصري وتحقيق أهداف استراتيجية في سياق النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في هذا التقرير، نستعرض عبر منصة “MENA“، أبرز المواقف والتحليلات التي تناولت هذا الموضوع، من خلال آراء متخصصين في السياسة والعلاقات الدولية.

 

أهداف سياسية ونفسية

 

قال الدكتور محمد العزبي، أستاذ العلاقات الدولية والإعلام، إن التصريحات الصادرة عن الاحتلال الإسرائيلي حول نقل نصف مليون فلسطيني إلى شمال سيناء، رغم الرفض المصري الحازم، تحمل عدة أهداف سياسية ونفسية. وأوضح العزبي لمنصة “MENA” أن هذه التصريحات تهدف إلى:

 

  1. الضغط على مصر: إذ يسعى الاحتلال من خلال هذه التصريحات إلى إجبار القاهرة على تقديم تنازلات سياسية أو أمنية، أو اختبار موقفها في القضية الفلسطينية، خاصة في ظل التوترات بين مصر وإسرائيل حول قضايا مثل غزة وحماس.
  1. تطبيع فكرة التهجير: عبر تكرار هذه المزاعم، يحاول الاحتلال خلق حالة من “التقبل” الدولي لفكرة التهجير القسري للفلسطينيين، وهي جزء من مخطط قديم يهدف إلى تجنب حل الدولتين.
  1. إلهاء الرأي العام: تأتي هذه التصريحات في وقت تسعى فيه إسرائيل لتشتيت الانتباه عن الجرائم المستمرة في الضفة وغزة، وتحويل النقاش إلى “حلول إنسانية مزعومة” بدلًا من التركيز على قضية الاحتلال.
  1. استغلال الأزمات الإقليمية: قد يكون الهدف أيضًا استغلال الظروف الاقتصادية والسياسية في مصر، وكذلك التوترات مع حماس، لتكريس أمر واقع جديد.
  1. إضعاف الموقف الفلسطيني: تسعى إسرائيل من خلال هذه التصريحات إلى تصوير الفلسطينيين كلاجئين يعيشون أزمة إنسانية، بدلًا من أن تكون قضيتهم قضية تحرر، مما يقلل من دعم المجتمع الدولي لحل القضية الفلسطينية.

 

 

 

وأضاف العزبي أن إطار المقترح المصري لإنهاء الحرب في غزة كالآتي:

 

هدنة لمدة شهرين

المرحلة الأولى: تبادل الأسرى الإسرائيليين حسب العدد المتفق عليه مقابل أسرى حماس.

المرحلة الثانية: تدخل قوة أمنية مصرية إلى مدينة رفح وتفرض عليها الحماية الأمنية، وتقتصر المساعدات على المساعدات الإنسانية.

المرحلة الثالثة: انتقال القادة العسكريين لحماس من مدينة غزة إلى رفح أثناء الهدنة.

المرحلة الرابعة: تضمن مصر أمن الجهاز العسكري لحماس في رفح وبقاءه في قطاع غزة، وتلتزم إسرائيل بتجنب الاغتيالات لحماس في رفح.

 

مرحلة الهدوء المستدام

 

المرحلة الأولى: مع انتهاء الهدنة، يتوسع الوجود الأمني المصري تلقائيًا ليشمل قطاع غزة بأكمله، بالتوازي مع انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

المرحلة الثانية: تتخلى حماس عن السلطة في غزة، ويتم حل الأجهزة الأمنية والحكومية خلال شهر من بدء وقف إطلاق النار، وتتولى مصر إدارة الحكومة في القطاع لمدة عام.

المرحلة الثالثة: بعد اكتمال توسيع قوة الأمن المصرية، يتم نقل قطاع غزة إلى إدارة الأمن المصرية لفترة انتقالية مدتها 5 سنوات.

المرحلة الرابعة: نقل السيطرة على المعابر إلى قوة دولية مصرية مشتركة.

المرحلة الخامسة: خلال عام وقف إطلاق النار، تقوم مصر بتمويل الحوار بين فصائل غزة وحركاتها السياسية، حتى تشكيل حكومة مدنية فلسطينية تتولى إدارة شؤون القطاع الحكومي خلال الفترة الانتقالية.

المرحلة السادسة: تلتزم مصر بإعادة بناء غزة وإعادة توطين سكانها، بالتعاون مع الممولين الإقليميين.

 

رفض مصري قاطع

 

في إطار ردود الفعل المصرية، أكد الدكتور أحمد عبد الدايم، أستاذ التاريخ السياسي والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن الهدف من هذه التصريحات هو إحراج النظام المصري وتحشيد الرأي العام ضده. وقال عبدالدايم إن النظام المصري، الذي وقف بحزم ضد مشروع التهجير الفلسطيني بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير في السابع من أكتوبر، يسعى إلى التأكيد على قوة موقفه في هذه القضية تحديدًا. وأضاف أن إذا ثبت تواطؤ النظام المصري مع إسرائيل أو قبوله بمشروع التهجير، فإن ذلك سيؤدي إلى ضرب مصداقيته داخليًا وخارجيًا، مما يفقده أي قبول في الداخل أو على الساحة الدولية، وهو ما تسعى إليه إسرائيل.

 

وأكد عبدالدايم في تصريحات لمنصة “MENA” أنه من الضروري أن يُعلن النظام المصري، سواء عبر وزارة الخارجية أو المتحدث الرسمي أو حتى من خلال تصريحات الرئيس، عن ثبات مواقفه وسياسته في هذا الملف.

 

وتأتي الهيئة العامة للاستعلامات المصرية لتؤكد الموقف الثابت، حيث نفت التقارير التي تم تداولها في بعض وسائل الإعلام حول استعداد مصر لنقل نصف مليون من سكان غزة إلى شمال سيناء، وأكدت أن هذه الادعاءات “باطلة تمامًا”، وتتناقض مع الموقف المصري الثابت الذي أعلنته منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023. وأشارت الهيئة إلى أن مصر ترفض بشكل قاطع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى أي مكان خارج غزة، معتبرة أن ذلك يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري.

 

 

ما وراء التصريحات

 

قال الدكتور نضال الطعاني، المحلل السياسي والبرلماني الأردني السابق، إن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فلسطين وغزة ومصر والأردن ولبنان وسوريا، تشهد وضعًا يشبه الزلزال بسبب ما يُسمى بـ “الشرق الأوسط الجديد” الذي يسعى الكيان الصهيوني إلى تنفيذه بالتنسيق مع الإدارات الدولية، خاصة الإدارة الأمريكية.

 

إعادة رسم المنطقة

 

 وأضاف الطعاني في تصريحات لمنصة “MENA” أن الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة يشهد حالة من عدم الاستقرار، ويخضع لتغيرات كبيرة تهدف إلى إعادة رسم المنطقة بما يتوافق مع مصالح الكيان الصهيوني.

 

وأشار الطعاني إلى أن الوضع بدأ بعد السابع من أكتوبر مع الهجوم الذي شنته حركة حماس، مما أدى إلى ما يسمى بـ “معركة غزة” وتدمير نحو 80% من القطاع، بالإضافة إلى استخدام الاحتلال الإسرائيلي لكافة أنواع القوة ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وأضاف أن هذا التصعيد امتد لاحقًا إلى جنوب لبنان وسوريا، حيث تم ضرب القوات السورية وإنهاء الوجود العسكري السوري في المنطقة.

 

وأكد الطعاني أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد أعلن عن نية إسرائيل تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، مع احتمال انتقال جزء منهم إلى سوريا والأردن. ورغم ذلك، فإن مصر والأردن يقفان بشكل قوي ضد هذا التهجير القسري الذي يعد بمثابة قهر وظلم للشعب الفلسطيني والشعوب العربية.

 

 

المخططات الإسرائيلية المستمرة

 

أكد الكاتب الصحفي ثائر أبو عطيوي، عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين ومدير مركز العرب للأبحاث والدراسات في فلسطين، أن المزاعم الإسرائيلية بشأن تهجير نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني من قطاع غزة، تأتي في إطار المخططات الإسرائيلية المستمرة منذ بداية العدوان على القطاع. وأوضح أبو عطيوي أن هذه المزاعم تهدف إلى تنفيذ خطة تهجير قسري أو طوعي للسكان، وهي جزء من أهداف الاحتلال لتهجير سكان القطاع وإخلائه من سكانه، وهو ما تدعمه الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر.

 

وأضاف أبو عطيوي في حديثه لمنصة “MENA” أن حكومة الاحتلال تدرك تمامًا أن قطاع غزة لم يعد مكانًا صالحًا للعيش بسبب الدمار الشامل الذي خلفه العدوان المستمر، مما قد يدفع بعض السكان، خصوصًا من فئة الشباب، إلى التفكير في الهجرة الطوعية، خاصة بعد إعلان الاحتلال عن بعض الدول التي قد تستقبل سكان غزة. وأكد أن هذه المحاولات تعد جزءًا من مؤامرة استعمارية تهدف إلى القضاء على الهوية الفلسطينية في القطاع.

 

ودعا أبو عطيوي إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة وفعّالة لمواجهة هذا المخطط، مؤكدًا أهمية موقف عربي موحد رافض للتهجير بجميع أشكاله. كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته ورفض هذه الخطط بشكل قاطع، مشددًا على أهمية عقد مؤتمر عربي عالمي للتصدي لهذه المؤامرة، والعمل على تحقيق استقرار في غزة من خلال وقف العدوان، إعادة البناء، وتعزيز الصمود في وجه الاحتلال.

 

 

وأكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أن الأنباء التي انتشرت مؤخرًا حول تجهيز مباني سكنية في سيناء لاستقبال نصف مليون فلسطيني هي معلومات غير صحيحة.

 

وأوضح الرقب أن هذه المباني تم تخصيصها بالفعل لإسكان المواطنين المصريين، مشيرًا إلى أن ما يتم تداوله لا يعدو كونه محاولات متكررة من الاحتلال لزرع الشكوك وإثارة القلق. وأضاف أن الموقف المصري ثابت وواضح في رفض أي شكل من أشكال تهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن هذه الإشاعات لا تعدو كونها محاولات يائسة لا تحظى بأي دعم أو قبول من مصر.

 

اقرأ أيضًا:

 

مصر تعزز أمنها في سيناء وسط مخاوف إسرائيلية متزايدة

 

الخطة العربية لغزة.. قضايا شائكة تنتظر الحل

 

هل بدأ الاستثمار الإماراتي في تعمير شبه جزيرة سيناء؟

 

رغم التوتر مع إسرائيل.. لماذا زار رئيس الكونغرس اليهودي مصر؟

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية