تحليلات

من رفح إلى معبر كرم أبو سالم أبواب المساعدات الإنسانية موصدة أمام أهالي غزة



مطلع العام الجاري 2024، ادعى مسؤولون إسرائيليون مسؤولية مصر الكاملة عن معبر رفح، زاعمين أن السلطات المصرية هي المسؤولة عن دخول المساعدات دون موافقة تل أبيب وذلك خلال تواجدها أمام محكمة العدل الدولية في محاولة للتنصل من جرائم الحرب التي ترتكب بحق أهالي قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.


وهاجم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وعضو مجلس الوزراء الحربي، مصر، زاعماً أنها “تمارس السياسة على حساب المدنيين في غزة”، مدعيًا أن السلطات المصرية تمنع آلاف الشاحنات من الدخول إلى القطاع المحاصر.



إسرائيل التي ضيقت طريق المساعدات الإنسانية في معبر رفح، لم تفوت الفرصة أمام التغول في محور فلادليفيا الذي يمتد بطول الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة جغرافيا، لنحو 14 كم من البحر المتوسط شمالًا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا لتتحكم بدورها في المعبر الآخر.


لترصد شبكة “CNN” الأميركية في تقرير صادر عنها قائمة المواد المحظورة التي تمنع إسرائيل دخولها إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أنها تشمل أدوية، وأدوات التخدير، وأسطوانات الأكسجين، وأجهزة التنفس الصناعي، وأنظمة تنقية المياه، فضلاً عن التمور، وأكياس النوم، وأدوية علاج السرطان، ومستلزمات الأمومة، ونقلت عن مشاركين في العملية الإنسانية لتوصيل المساعدات قولهم إن ما يجري “فوضى مصممة بشكل مثالي”.


وقالت الشبكة الأميركية إن التضييق الذي تُمارسه إسرائيل على المساعدات بات أكثر وضوحاً عندما فتح جيشها النار على تجمع من الفلسطينيين كانوا يتواجدون حول شاحنات المساعدات الغذائية غرب مدينة غزة، وفقاً لشهود عيان.
وأجمع أكثر من 20 مسؤولاً حكومياً وعاملاً في المجال الإنساني للشبكة الأميركية على أن “هناك نمط واضح من العرقلة الإسرائيلية لدخول المساعدات”، وذلك في وقت ينتشر الجوع والمرض في أجزاء من القطاع المُحاصَر، إذ تفرض إسرائيل، التي تتحكم في وصول إمدادت الإغاثة إلى غزة، معايير تعسفية ومتناقضة على جهود المساعدات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.


قال مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح عبد المنعم إبراهيم، قال مسلسل التجويع الذي تنتهجه إسرائيل والحصار الخانق والقيود المشددة على دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية مستمر، في ظل الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان قطاع غزة. مضيفًا: “كل ذلك مع وطأة القصف الإسرائيلي الذي يتواصل في البر والبحر والجو على كل أنحاء قطاع غزة، بسبب آلة الحرب الإسرائيلية”.


وتابع: “من معبر رفح إلى أن اليوم أبواب منفذ كرم أبوسالم موصدة أمام عملية دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، حيث سمحت فقط بدخول 8 شاحنات تحمل الوقود، وما نفذ بالفعل من هذه الشاحنات هي شاحنتان فقط، أفرغتا الحمولة الخاصة بهما وعادتا إلى محيط معبر رفح البري من الجانب المصري”.




الرد المصري جاء ممثلًا في رئيس هيئة الاستعلامات السابق الدكتور ضياء رشوان الذي قال إن تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح في عدة نقاط، منها أن كل المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الجيش ووزير الطاقة، قد أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة، خاصة الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع.
وقال إنه بعد كل هذه التصريحات التي لم تكن تعتبر هذا المنع والحصار جرائم حرب وإبادة جماعية بموجب القانون الدولي، موضحا أنه عندما وجدت إسرائيل نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بهذه الجرائم، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة.
وأكد رشوان أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة إسرائيل الفعلية، مشيرًا إلى أنه ما تجلى فعليًا في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي، قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع.



بدورها كان للبعثة الأممية رسائلها الخاصة بما يحدث من انعكاسات وتضييق على المساعدات الإنسانية، حيث أكد هيثم أبو سعيد، رئيس البعثة الأممية لحقوق الإنسان، أن المجاعة بدأت تنتشر داخل قطاع غزة، جراء أعمال التضييق التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مضيفًا في تصريحات لـ”القاهرة الإخبارية”، أن القطاع الفلسطيني يتعرض لكارثة إنسانية كبرى، بعد سيطرة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
كما أكد رئيس البعثة الأممية لحقوق الإنسان، أن أكثر من مليوني فلسطيني في غزة بلا مأوى جراء القصف الإسرائيلي المتواصل.


بدورها، قالت أسماء محمد مطر الباحثة بوحدة التقارير الدورية مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تصريحات خاصة: “أن مصر اضطلعت منذ بداية المشكلة الفلسطينية في 1948 بدور لا يخفى على أحد لحل تلك القضية باعتبارها قضية جار تعرض ‏للسلب، وقد ورثناها على عاتقنا منذ الأجداد الذين شاركوا لرد العدوان في بدايته، ومنذ ذلك الحين اعتبرت مصر نفسها الحارس ‏الأول لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وأنه مع الحرب الأخيرة والاستهداف العشوائي للمدنيين في أكتوبر 2023 العام الماضي، توجب وضع حد للمعاناة الإنسانية التي ‏يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني بنهج غير مسبوق الحجم ما دفع الدولة المصرية أن تقوم باتصالات دبلوماسية مكثفة من أجل ‏التوصل لهدنة إنسانية وللحد من الآثار السلبية للحرب”.‏



وتابعت: “كان التدخل المصري للحد من عواقب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وتداعياتها الأمنية مسألة حتمية مصيرية،‏ فقد قدمت مصر أثناء تلك الهدن الجهود الإغاثية لسكان القطاع عبر معبر رفح البري ودعم العالقين ثم بعد ذلك عن طريق الإنزال ‏الجوي، ومع استمرار تنفيذ سياسات العقاب الجماعي المفروضة في تلك الحرب زادت مخاطر تفجر الأوضاع في كامل الأراضي ‏الفلسطينية المحتلة، ‏الأمر الذي لاشك فيه هو أن أفضل طريقة لرأب الأزمة الإنسانية في غزة هو وقف تام إطلاق النار لأنه حتى مع النجاح في إنفاذ ‏المساعدات إلا أن ضمان وصولها بكاملها للمستحقين يعد أمرًا صعبًا بسبب المعوقات الكثيرة، ‏كما أن المسار الأخير لتقديم مساعدات الإغاثة في غزة سلبي وغير مستقر”.‏


وشددت على أن المصريين يعتبرون مساندة جيرانهم على كافة الأصعدة واجبًا، فرديًا وشعبيًا وحزبيًا وبرلمانيًا، وهم في ذلك ‏ملتفون خلف القيادة السياسية في مواقفها لإدارة الأزمة؛ ‏فللفلسطينيين حق الجوار، والذي يتضمن حفظ الحدود العهود والمواثيق والاتفاقيات، وألا يؤتى جارك من قِبلك، وأن تغيثه إذا ‏استغاث بك، وهو ما تقوم به الدولة المصرية على جميع المستويات إذ أن لهم أكثر من حق، فحقهم لا يقف عند حدود الجوار، إنما ‏يتجاوزه إلى حقوق كثيرة.



يقول الدكتور وسام حشاد مسؤول وحدة اللغة العبرية بمرصد الأزهر: “إن الدولة المصرية لم تتوانى بأجهزتها المختلفة من تقديم يد العون والمساعدة إلى أبناء الشعب الفلسطيني منذ احتلال أراضيه على يد الكيان الصهيوني الغاشم، ولاسيما خلال الأزمات التي يتعرض لها هذا الشعب الأبي والتي اشتدت خلال الآونة الأخيرة”.


وتابع في تصريحات خاصة، أنه منذ بدء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة في السابع من أكتوبر من العام الماضي، لم تدخر الدولة المصرية جهدًا في سبيل العمل على ضمان تدفق المساعدات الإنسانية (مواد غذائية ودوائية) لغزة عبر معبر رفح، ولم يتوقف إدخال هذه المساعدات إلى القطاع إلا بعد التصعيد العسكري من قبل الاحتلال على مدينة رفح وسيطرة الاحتلال علي المعبر من الجانب الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى تعليق إدخال المساعدات.


وأوضحت دراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية لرصد جهود الدولة المصرية، لإيقاف العدوان على غزة، أنه ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع العدوان الصهيوني لم تتوقف الجهود المصرية لوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين.


وبينت الدراسة التي نشرت نتائجها في شهر أبريل الماضي، أن نحو 87% من نسبة المساعدات الإنسانية التي تم إدخالها إلى القطاع هي مساعدات مصرية، حيث بلغ حجم الأدوية والمستلزمات الطبية التي أدخلتها مصر لقطاع غزة عبر معبر رفح 10868 طناً، ونحو 10235 طناً من الوقود، و129329 طناً من المواد الغذائية، و26364 طناً من مياه الشرب، كما بلغت كميات المواد الطبية التي دخلت القطاع من معبر رفح 43073 طن، بجانب 123 سيارة إسعاف مجهزة، ولم تقتصر الجهود المصرية على المستوى الإنساني على عمليات إدخال المساعدات، فقد استضافت المستشفيات المصرية حتى الآن 3706 مصاب فلسطيني، يرافقهم 6071 من المرافقين.
ويتبين من خلال هذه البيانات والأرقام كذب وتضليل الجانب الصهيوني الذي أدعى فريقه القانوني أمام محكمة العدل الدولية بأن القاهرة هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح.


وأكد مندوب مصر لدى مجلس الأمن الدولي “أسامه عبد الخالق” أن الاحتلال يهدف إلى التلاعب بالحقائق، إذ يعمل على تحميل مصر والأمم المتحدة مسؤولية عدم نفاذ المساعدات إلى غزة، كما أكد على أن سيطرة الجانب الصهيوني على معبر رفح من الجانب الفلسطيني جعلت من المستحيل استئناف العمل الإنساني.




وانطلاقًا من المسئولية التاريخية والدينية التي يحملها الأزهر وإمامه الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تجاه الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في أرضه ووطنه ومقدساته، ودفاعًا عن المستضعفين في كل مكان وزمان. منذ إعلان الاحتلال الصهيوني العدوان على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، انتفض الأزهر وكان أول المناصرين والمدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، فبخلاف موقفه الصارم تجاه المجازر والعدوان الإرهابي الوحشي الذي قام به الكيان الصهيوني، ولا يزال، تجاه المدنيين العزل في غزة من قتل وإبادة جماعية وتهجير قسري، سخر الأزهر الشريف كل إمكانيات المؤسسة الأزهرية من أجل مد يد العون للمستضعفين في قطاع غزة، من خلال ذراعه الخيري والإنساني المتمثل في “البيت الكبير” بيت الزكاة والصدقات المصري، حيث وجه فضيلة الإمام الأكبر بضرورة إطلاق حملة إغاثة عالمية لمناصرة الشعب الفلسطيني، فأطلق بيت الزكاة والصدقات حملة بعنوان: “أغيثوا غزة (جاهدوا بأموالكم .. وانصروا فلسطين).


وقد لاقت حملة “أغيثوا غزة” صدى وتفاعلًا دوليًّا واسعًا بعد نداء فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لكل شعوب العالم للمشاركة في الحملة العالمية لإغاثة غزة، حيث استجاب ما يقرب من 70 دولة حول العالم لهذا النداء الإنساني، بخلاف عدد من الهيئات والمؤسسات الدولية.


وبالفعل انطلقت عدد من القوافل (سبع قوافل) محملة بمساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، حيث بلغ إجمالي المساعدات التي قدمها بيت الزكاة والصدقات لإغاثة أهالي غزة 440 شاحنة كبرى، محملة بـ8 آلاف طن من الأدوية والمواد الغذائية والإغاثية ومستلزمات الإيواء والمعيشة، وخصوصا احتياجات الأطفال والنساء وكبار السن.


اقرأ أيضًا:







مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية