تحليلات

هل يخضع صندوق مصر السيادي لـ توجيهات صندوق النقد؟

في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي، يأتي قرار صندوق مصر السيادي حصر الشركات الحكومية كخطوة جوهرية لإعادة هيكلة الملكية العامة، وسط تساؤلات حول مدى ارتباطه بتوجيهات صندوق النقد الدولي. فبينما تُعد هذه الخطوة وسيلة لتعظيم العوائد المالية، يراها البعض استجابة اضطرارية لضغوط التمويل الدولي، مما يثير جدلًا حول تأثيرها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

 

لطالما لعبت الشركات الحكومية دورًا حيويًا في الاقتصاد المصري، لكن تفاقم الأعباء المالية دفع الدولة إلى إعادة تقييم إدارتها للأصول، وسط مطالب بتوسيع دور القطاع الخاص. وهنا يكمن التحدي: هل يحقق هذا النهج توازنًا بين الإصلاح المالي وحماية الفئات الأكثر تأثرًا؟ أم أنه يعيد إنتاج أزمات التضخم، البطالة، وتقلبات العملة؟

 

هل يمكن تحقيق الاستدامة المالية دون التفريط في الأصول السيادية؟

 

ما بين تعظيم العوائد والاستجابة لشروط الإصلاح، يبقى السؤال الأهم.. هل يمكن تحقيق الاستدامة المالية دون التفريط في الأصول السيادية؟

 

الحكومة المصرية تسعى إلى إعادة هيكلة الشركات الحكومية من خلال نقل إدارتها إلى صندوق مصر السيادي، بهدف تعظيم العائد على الأصول وتعزيز كفاءة إدارتها، وذلك رغم التحديات البيروقراطية والإدارية التي قد تعرقل التنفيذ.

 

وفقًا لما أعلنه وزير الاستثمار حسن الخطيب خلال مؤتمر إنفستوبيا 2025 في أبوظبي، سيتم نقل الشركات الحكومية إلى الصندوق على مراحل، ضمن خطة ترتكز على ثلاث خطوات رئيسية: إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة – جذب استثمارات القطاع الخاص لتعزيز الإنتاجية – طرح بعض الشركات للاكتتاب العام في البورصة، مما يتيح فرص تمويل إضافية.

 

هذا النهج يهدف إلى تعظيم قيمة الأصول بدلاً من بيعها فقط، بما يتماشى مع وثيقة سياسة ملكية الدولة (2023) وبرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.

 

 

إمكانات الصندوق ودوره المستقبلي

 

يتمتع صندوق مصر السيادي، الذي تأسس في 2018، برأسمال 12.7 مليار دولار، لكنه يدير أصولًا بقيمة 637 مليون دولار فقط حاليًا، من خلال أربعة صناديق فرعية. تتمثل مهمته في إدارة الأصول العامة وتعظيم قيمتها للأجيال القادمة، بالتعاون مع الصناديق الاستثمارية العربية والدولية.

 

في خطوة لتعزيز سلطات الصندوق، أقر البرلمان المصري تعديلات على قانونه، تضمنت: إعفاء المعاملات الداخلية بين الصندوق والكيانات التابعة له من الضرائب والرسوم الحكومية، منح الصندوق حصانة قانونية تمنع الطعن في صحة عقوده أو الإجراءات المرتبطة بإدارته للأصول.

 

ورغم أن هذه التعديلات تمنح الصندوق مرونة أكبر في إدارة الأصول، إلا أنها تثير تساؤلات بشأن مدى الشفافية وآليات الرقابة على عملياته، خاصة مع تصاعد الجدل حول مستقبل الشركات الحكومية التي شكلت لجنة لحصرها، ودورها في الاقتصاد الوطني.

 

 

تعليقًا على ذلك، يقول أحمد العجمي، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، وكيل كلية الدراسات القانونية والمعاملات الدولية بجامعة فاروس بالإسكندرية، إن تشكيل الصندوق السيادي لجنة لحصر الشركات الحكومية ليس أمرًا مستغربًا، بل هو إجراء طبيعي، ويؤكد أن إدارة هذه الشركات أصبحت مرتبطة بالصندوق، الذي يقوم بتقييمها لتحديد مدى جدوى بيعها أو الإبقاء عليها، بالإضافة إلى دراسة آليات إدارتها، سواء بالإبقاء على الإدارة الحالية أو الاستعانة بإدارة أجنبية.

 

فكرة بيع الأصول

 

ويشدد العجمي في تصريحات خاصة لمنصةMENA، على أن فكرة بيع الأصول تتطلب تحديد ماهية الأصول التي يمكن التصرف فيها، موضحًا أنه من وجهة نظره، هناك بعض الأصول التي لا ينبغي بيعها بأي حال من الأحوال، خاصة تلك التي تمثل أهمية استراتيجية للدولة، مثل شركات المطاحن، والسكر، والأرز، والكهرباء. مؤكدًا أن هذه الشركات ذات بعد استراتيجي ولا يجوز التصرف فيها بالبيع.

 

ويضيف العجمي أن مسألة بيع الأصول يجب أن تترافق مع تساؤل جوهري حول كيفية استغلال العوائد الناتجة عن هذه العمليات، موضحًا أن استخدام العوائد في تحريك عجلة الاقتصاد قد يكون خيارًا مقبولًا، لكن توجيهها لسداد الديون يحمل مخاطر كبيرة، حيث قد يؤدي ذلك إلى استنزاف الأصول الإنتاجية، ما يترك الدولة في موقف صعب على المدى البعيد، إذ لن تمتلك شركات منتجة أو مصادر تمويل لإنشاء مشروعات جديدة أو تحقيق إنجازات اقتصادية.

 

 توجيه البيع

 

ويختتم العجمي تصريحاته بالتأكيد على أن القائمين على الصندوق السيادي يدركون هذه الاعتبارات جيدًا، معربًا عن أمله في أن يتم توجيه عملية بيع الأصول نحو الشركات التي تحقق خسائر كبيرة، مثل بعض الشركات التجارية التي تعاني من سوء الإدارة، وعلى رأسها الشركات المشرفة على “عمر أفندي”، والتي يرى أنها بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمعالجة المشكلات الإدارية التي تواجهها.

 

 

تؤكد الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والعميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أنه بالنظر إلى التدفقات المالية التي دخلت مصر في مطلع عام 2024 سواء من خلال بيع أراضي رأس الحكمة، أو القروض المقدمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو غيرها من مصادر التمويل، يُظهر جانبًا إيجابيًا وهو المساهمة في تهدئة أزمة نقص العملة الصعبة وسداد الالتزامات المالية الحالية، كما ساعدت في استقرار سوق الصرف.

 

ولكن ترى المهدي في تصريحاتها لمنصةMENA، أن هذه الحلول تظل قصيرة الأجل وغير مستدامة، نظرًا لاعتمادها على بيع أصول قيّمة بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية بسبب الحاجة الملحّة، مما يضر بحقوق المصريين. لذا، فإنه وإن كانت خطوة حصر الشركات عبر الصندوق خطوة جيدة، فإنها أيضًا تحتاج إلى تقييم واقعي واختيار جيد للشركات التي تحتاج إلى إعادة تشغيل من قبل الدولة، والأخرى التي تحتاج إلى طرح كأصول غير مستغلة وتحتاج إلى تغيير في الإدارة.

 

هذا وتحدثت أستاذ الاقتصاد عن أن ذلك سيكون مفيدًا للدولة لأنها لن تتوسع في الاقتراض، محذرة من أن الاقتراض مرارًا وتكرارًا يضيف أعباءً إضافية على الموازنة العامة وميزان المدفوعات، كما أن الاستثمارات قصيرة الأجل تؤدي إلى تدفقات سريعة للخارج، مما قد يعيد الأزمة النقدية مرة أخرى. وشددت على أن كسر هذه الدائرة المفرغة ربما يكون عبر تبني سياسات مالية ونقدية واستثمارية مختلفة، ترتكز على حلول إضافية أكثر استدامة، ومن أبرزها: تعزيز الصادرات، وتحفيز تحويلات المصريين بالخارج، وتطوير القطاع السياحي، وتنمية إيرادات قناة السويس، وتشجيع الاستثمار المباشر.

 

وثيقة سياسة ملكية الدولة

 

أما بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، يرى أن الأمر يتعلق بوثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تم إطلاقها في نهاية عام 2023، والتي تستهدف أن يشكل القطاع الخاص نحو 65% من حجم السوق المصري. وهذا يفرض إعادة هيكلة الشركات الحكومية وفق محورين رئيسيين: المحور الأول يشمل إعادة هيكلة بعض الشركات تحسبًا لعرضها للبيع وفقًا لرؤية الدولة بشأن تخارجها من بعض القطاعات، بينما يتضمن المحور الثاني إعادة هيكلة شركات أخرى مع إبقائها ضمن القطاع الحكومي نظرًا لأهمية دورها الاستراتيجي في الاقتصاد الوطني.

 

 

 

ويُوضح شعيب في تصريحات خاصة لمنصةMENA، أن هذا يعني عدم بيع جميع الشركات الحكومية أو إعادة تشغيلها بالكامل، بل تقييم وضع كل شركة على حدة وفقًا لمتطلبات السوق وأولويات الدولة الاقتصادية. وهنا يأتي دور صندوق مصر السيادي، الذي يمتلك صلاحيات واسعة وإمكانات تمويلية تؤهله للإشراف بكفاءة على عملية إعادة الهيكلة، سواء من خلال تطبيق معايير الحوكمة، أو ضمان عدم تعارض المصالح داخل إدارات الشركات، أو تحسين الأداء الإداري والتسويقي لتعزيز قدرتها التنافسية في السوق.

 

ويؤكد شعيب أن إعادة الهيكلة ستفرز شركات جاهزة للبيع وفقًا لسياسة التخارج من القطاع الحكومي، مما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق تدفقات نقدية دولارية. ويرى أن هناك فرقًا بين الاستثمار، الذي يعني إنشاء مشروعات جديدة، والاستحواذ، الذي يتمثل في ضخ رؤوس أموال أجنبية للاستحواذ على كيانات قائمة بالفعل داخل السوق المصري.

 

غرفة إنعاش اقتصادية عاجلة

 

يعتقد شعيب أن الحكومة تسعى إلى تعظيم الاستفادة من أصول الدولة عبر إعادة تشغيلها أو بيعها بعد تقييمها وفقًا للمتغيرات الاقتصادية. ويشير إلى أن هناك أصولًا غير مستغلة أو غير منتجة، وبالتالي تعمل الدولة على إعادة هيكلتها بهدف تقليل المصروفات وتقليص الخسائر، خاصة أن العديد من الشركات الحكومية تعاني من تقادم أنظمتها الإدارية والتشغيلية والتكنولوجية.

 

ويضيف أن الدولة بحاجة إلى “غرفة إنعاش اقتصادية” سريعة لإجراء إصلاحات عاجلة داخل هذه الشركات، سواء من الناحية الإدارية أو المحاسبية أو التمويلية أو التقنية، لا سيما أن التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي أصبحا ركيزة أساسية في تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل التكاليف عالميًا.

 

ويشير شعيب إلى أن الحكومة تسعى من خلال إدارة الأصول إلى تحقيق أعلى عائد اقتصادي، وخفض الدين العام، وزيادة إيراداتها، بما يمكنها من التوسع في برامج الحماية الاجتماعية، خصوصًا في قطاعي التعليم والصحة. كما يؤكد أن الدولة تأخذ في الاعتبار تأثير الأوضاع العالمية على تقييم الأصول، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي تأثر بثلاثة أحداث رئيسية: جائحة كورونا، الحرب الأوكرانية الروسية، والتوترات الجيوسياسية الأخيرة، مما انعكس على معدلات التضخم وأدى إلى اتخاذ قرارات بتحرير سعر الصرف أكثر من مرة. وهو ما يجعل إعادة تقييم الأصول بالدولار أمرًا ضروريًا لتعظيم العوائد المالية للدولة.

 

 

دور صندوق النقد الدولي

 

يرى شعيب أن التوجه نحو بيع الأصول ليس مجرد استجابة لسياسات صندوق النقد الدولي، بل هو جزء من “الوصفة العلاجية” التي يجمع عليها معظم الخبراء والمؤسسات المالية العالمية لعلاج الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال العقود الثلاثة الماضية. ويؤكد أن التخلص من الأصول غير المستغلة أصبح ضرورة، خاصة بعد انتقال الجهاز الإداري للدولة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ما أتاح فرصة لاستغلال الأصول القديمة، مثل مجمع التحرير، لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية منها سواء بالجنيه المصري أو بالعملة الصعبة.

 

ويشير إلى أن نجاح صفقة رأس الحكمة في تعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي وسداد بعض الديون يُعد نموذجًا يمكن البناء عليه، حيث بلغ الاحتياطي النقدي بنهاية عام 2024 مستوى قياسيًا تجاوز 47 مليار دولار.

 

ويضيف شعيب أن المؤسسات الدولية، بما فيها صندوق النقد والبنك الدوليان، ترى أن هناك قطاعات اقتصادية يمكن أن تحقق نموًا أكبر إذا أُسندت إدارتها إلى القطاع الخاص، مؤكدًا أن تخارج الدولة من بعض القطاعات سيسمح لها بالتركيز على دورها الأساسي في التخطيط والإشراف والرقابة، بدلاً من أن تكون هي المخطط والمنفذ في آنٍ واحد.

 

ويختتم شعيب تصريحاته بالتأكيد على أن خروج الدولة من ملكية بعض الأصول سيخلق بيئة اقتصادية أكثر تنافسية وعدالة، مما ينعكس على تحسين أداء السوق، وتحقيق التوازن السعري، وتحسين موارد الدولة المالية، وتخفيض الدين العام، في إطار سعي الحكومة لخفض نسبة الدين إلى أقل من 85% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

اقرأ أيضًا:

 

نقل تبعية “الصندوق السيادي”.. ما القصة؟

 

السفير جمال بيومي: مصر قدمت عرضاً لبناء سد النهضة

 

مدبولي يوضح نحن لا نبيع الدولة لكن نعظم الأصول

 

الرئيس السيسي يفوض مدبولي بمزيد من الاختصاصات.. الأسباب والنتائج

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية