الشارع المصري

25 يناير.. ما الذي حلَّ بمصر خلال 14 عامًا؟

مرت 14 عامًا على حلم خرج الملايين لأجله، سلك الشعب المصري حينها في يناير 2011 طريقًا للتغيير، وكان أمام الرئيس المتنحي حسني مبارك، ووفقًا لضغوط الشعب، أن يسلِّم المجلس العسكري ثوب السلطة بدلاً عنه.

 

وقد حدث ذلك بعد قيام الملايين من الشعب المصري بمظاهرات في ميدان التحرير وبقية الميادين في المحافظات المختلفة، مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ومع تلك المطالب المشروعة، تطور الأمر إلى المطالبة برحيل حسني مبارك.

 

جاء ذلك رفضًا واضحًا لنواياه التي أدركها الشعب، وهي توريث السلطة لنجله جمال مبارك، الذي كان له دور فعال في الحزب الوطني التابع للنظام، حيث شغل منصب رئيس لجنة السياسات.

 

 

السيسي – مبارك

 

من هنا، نبت سؤال جوهري يدور حول التطورات التي جرت في الملفات المختلفة بمصر من يناير 2011 إلى يناير 2025، وبهذا الصدد، أكد محمد السعيد إدريس، المحلل وأستاذ العلوم السياسية، أن المصريين دائمًا ما يندمون على تغييرات الأنظمة المتتابعة، ويفضلون أنظمة على أخرى بمبدأ أنها كانت أقل سوءًا، رغم أن كل رئيس في الأنظمة التي مرت على مصر له ما يميزه وله ما يعيبه. وبالتالي، لا يمكن القول إن ما نعيشه الآن مع الرئيس السيسي هو أسوأ من عصر مبارك، والدليل أن الشعب ثار على مبارك، ولم يثر حتى الآن على الرئيس السيسي.

 

ويقول إدريس، في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“: “ثورة يناير جاءت على أعقاب التمهيد لها بحركة كفاية، التي كانت ترفض التوريث والتمديد في سلطة مبارك، وكنا نرى أن كل يوم يمر ومبارك رئيس لمصر هو خسارة كبيرة بحق المستقبل المصري، وأن أي فرصة كانت الأنسب للقول بأن هذا العهد فاشل، وكفى عليه ما حكم. وكانت هذه مقولات حقيقية انبثقت من تحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمصر قبل ثورة يناير، وبالتحديد مع تأسيس حركة كفاية في 2004”.

 

كوادر الثورة

 

ويستطرد المحلل وأستاذ العلوم السياسية: “في يناير 2025 أصبح الشعب يعي أنه صاحب القرار في أي ثورة، وأنه وحده المتحكم في مصيره واختياراته، وليس الجماعات الاسلامية كما تزعم بعض الأطراف. ومن هنا، تأتي نقطة إيجابية في الناحية الاجتماعية، وقد تبلورت بعد ثورة يناير، ولم تكن موجودة قبلها”.

 

ويواصل: “لكن بالرغم من ذلك، فإن هناك تغييرات حدثت في مصر على المستوى السياسي والاقتصادي، لكنها كانت سلبية، وكذلك الأمر في قطاع التعليم، حيث يمر بوضع سيئ ونعاني منه كثيرًا. إلا أنه من الصحيح أن تكون مصر بلدًا عزيزًا وكريمًا، وهو ما يتحقق من خلال التكاتف بين أفراد الشعب، وقد ظهر ذلك بوضوح في رفض المصريين، سواء من الموالاة أو المعارضة، لدعوة ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو الأمر الذي تصدى له الشعب، مما يعكس مدى حرصه على أمن مصر القومي”.

 

 

تفعيل دور الشعب

 

يقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية، إنه ليس هناك نظام أفضل أو حقبة زمنية أفضل، فلا يوجد شيء حسن ومتميز بشكلٍ كامل، فكل عنصر له جانب سلبي مهما وُجد جانب إيجابي، لكن ما يميز ثورة يناير وما بعدها هو جعل الشعب صاحب دور فاعل، مما خلق فكرة فتح المجال العام.

 

ويشير ربيع، في تصريحاته الخاصة لمنصة “MENA“، إلى انتكاسات حدثت بعد الثورة، أغلبها تتعلق بملف الحقوق والحريات، مثل تجاوز مدد الحبس الاحتياطي القانونية، والانتهاكات التي تُسجَّل أحيانًا، بالإضافة إلى حجب المواقع الإلكترونية والمنصات الصحفية، وكذلك التخوف من عودة نفوذ الإسلاميين.

 

إيجابيات ثم انحدارات

 

ويرى ربيع، بموجب دوره كنائب لمدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية، أن هناك جانبًا إيجابيًا في الشق السياسي، وهو الانفتاح في تأسيس الأحزاب والتعددية الحزبية الملحوظة. إذ كان عدد الأحزاب قبل يناير 2011 حوالي 24 حزبًا، بينما سجَّلت لجنة شؤون الأحزاب في يناير 2025 ارتفاع العدد إلى 80 حزبًا.

 

ويستطرد الدكتور عمرو هاشم ربيع، في تصريحاته لـ”MENA“: “من الناحية الموضوعية، كان المجال السياسي إيجابيًا حتى عام 2013، ثم بدأ في الانحدار بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2015، نتيجة للقيود التي فُرضت على الأحزاب السياسية، واختيار النظام الانتخابي للقائمة المطلقة، وهو ما اعتُبر تعيينًا للنواب بدلاً من القائمة النسبية، التي تشجع الأحزاب على المشاركة في الانتخابات، وتحدّ من ظاهرة المستقلين في انتخابات مجلس النواب”.

 

وبخصوص الملف الإعلامي، علّق ربيع بإشادة، إذ أفاد بأنه لاحظ بعد ثورة يناير وحتى الآن انفتاحًا في المجال الإعلامي، من خلال ظهور برامج تلفزيونية جديدة ومواقع إلكترونية صحفية جادة. لكن بعد يونيو 2013، بدأت الأمور في التراجع، نتيجة لتأسيس “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، التي هيمنت على المحتوى الإعلامي في الفضائيات والمواقع الصحفية، مما أدى إلى احتكار الإنتاج التلفزيوني ومحطات الإذاعة والمواد المعروضة عليها.

 

أما عن الملف الاقتصادي، يبيَّن نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية أن دور القطاع العام كان محدودًا في التنمية التي عملت عليها الدولة قبل 2011، لكن الأمور تغيَّرت الآن، حيث زادت مشاركة القطاع العام في التنمية بعد هيمنة الدولة على القطاعات الاقتصادية. وأشار إلى أن هذا التحول لم يكن ناتجًا عن قناعة، بقدر ما جاء استجابةً لضغوط صندوق النقد الدولي.

 

 

ثلاث مراحل في 14 عامًا

 

من جانبه، أوضح المحامي الحقوقي عمرو إمام، أن الفترة من يناير 2011 إلى يناير 2025 مرت بثلاث مراحل؛ الأولى كانت مرحلة النشوة والانتصار برحيل مبارك، ثم جاءت مرحلة بداية العمل السياسي وفتح المجال العام، وأخيرًا مرحلة انسحاب القوى السياسية، إثر حبس مجموعة من النشطاء في عام 2019، وهو الانسحاب الذي كانت تراهن عليه الدولة العميقة وأجهزتها الحساسة.

 

ويقول إمام، في تصريحاته الخاصة لمنصة “MENA“: “الفترة التي تلت ثورة يناير كانت معقولة، ثم حدث تراجع في ملف الحقوق والحريات، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، وكذلك في الملف السياسي، ولم يكن الانحدار واضحًا سوى بعد التعديلات الدستورية، التي مدَّت فترة حكم السيسي لدورة ثالثة ورابعة مع زيادة في سنوات الحكم”.

 

ويضيف إمام: “من هنا تبلورت فكرة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أدرك المهتمون بالعمل العام أن الأمور قد انتهت بالنسبة لهم، ولم يبقَ سوى نضال بعض المنغمسين في قضايا الحقوق والحريات، والذين تم القبض على عدد كبير منهم في 2019. وقد تلاشى تمامًا الأمل في إعادة إحياء مطالب ثورة يناير، حيث كان هناك أكثر من 250 ناشطًا سياسيًا وحقوقيًا مسجونين منذ تلك الفترة، ورغم خروج معظمهم، لا يزال بعضهم قيد الحبس على ذمة قضايا”.

 

 

كارثة اقتصادية

 

ويكمل المحامي الحقوقي: “مصر حاليًا تعيش كارثة اقتصادية لا ينكرها إلا غافل، وسط احتياطي نقدي ضعيف وديون لن تنتهي سوى بعد 60 عامًا، في ظل انهيار الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية والدولار”، وحذَّر قائلًا: “ما يحدث في مصر الآن يشبه ما حدث في دول مثل الأرجنتين واليونان سابقًا، حين اضطرت تلك الدول إلى إعلان إفلاسها. لذا، يجب على النظام تصحيح المسار، والالتفات إلى خبراء الاقتصاد الوطنيين لحل أزمات الاقتصاد”.

 

ويختتم إمام حديثه متمنيًا إنهاء ملف الحقوق والحريات، وخاصةً قضايا علاء عبد الفتاح ومحمد عادل وبقية معتقلي التضامن مع فلسطين، وفتح صفحة جديدة من قبل السلطة المصرية، التي تملك زمام الأمور وتسيطر على المشهد السياسي.

 

اقرأ أيضًا:

 

في ذكراها ال 72 .. هل نصرت ثورة الضباط الأحرار فقراء المصريين؟

 

من رماد الربيع العربي إلى غبار الحروب.. هل تخلى أبو الغيط عن مسؤوليات الجامعة العربية؟

 

في أول ظهور لها بعد القبض على زوجها| رشا قنديل: لست ثورية أو سياسية

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية