أكثر من 262 يومًا مرت على انطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلي رأسها “حماس” ضد الداخل الإسرائيلي، وما تلاها من عدوان اسرائيلي علي قطاع غزة، وما لحقها من خسائر اقتصادية علي الدولة العبرية، وكذلك الشعب الفلسطيني بغزة والضفة، يثور التساؤل.. هل أضرت الحرب بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، أم فتحت بابًا جديدًا لإزدهارها ؟
خلال حضوره المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، في فبراير الماضي، اعتبر وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نير بركات، أن العلاقات التجارية بين إسرائيل والدول العربية، لم تتأثّر بالحرب في قطاع غزة، وقال “ليس هناك أي تغيير” في العلاقات التجارية، “الأمور مستقرة للغاية.. أعتقد أن الزعماء يدركون أن لدينا الهدف ذاته وهو التعاون سلميًا.
الحقيقة أنه منذ عام 1979، وبالتحديد عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل، شهدت العلاقات الاقتصادية المشتركة موجات شد وجذب، ففي عام 1980، بدأت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين، بعد أن وافق البرلمان المصري على الاتفاق التجاري الأول مع إسرائيل. وتمّ تشكيل عدد من اللجان المشتركة في مختلف القطاعات، إلّا أن ذلك التعاون بقي محدودًا خلال فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، باستثناءات قليلة مثل التوقيع علي ملحق لـ “اتفاقية التجارة الحرة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ديسمبر 2004، أو ما عرف باتفاقية الكويز، لحرص القاهرة على زيادة صادرات “المناطق الصناعية المؤهلة” بالقاهرة الكبرى والإسكندرية وقناة السويس ووسط الدلتا والصعيد من النسيج والملابس إلى الأسواق الأمريكية، ومنذ عام 2011 توقفت تلك العلاقات أو وصلت إلى أدنى مستوياتها ثم عادت وازدهرت في العقد الماضي٬ وكانت أهم مجالات التعاون هي الطاقة واستيراد الغاز وإعادة تصديره للاتحاد الاوروبي عبر ما يعرف بمنتدى غاز شرق المتوسط٬ وكذلك اتفاقية الكويز وآيضًا السياحة٬ وفي نهاية عام 2022، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، عن خطة إسرائيلية مصرية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والوصول بها إلى مستوي 700 مليون دولار “باستثناء السياحة وصادرات الغاز الطبيعي” حتى عام 2025.
وارتبطت مصر وإسرائيل باتفاقيات عديدة في مجال الغاز من خلال عقود بمليارات الدولارات تمتد إلى سنوات طويلة من بينها اتفاق يسمح بتصدير الغاز من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي عبر مصر يمتد إلى 3 سنوات، قابلة للتجديد تلقائيا لمدة عامين، ويمكن لإسرائيل تصدير الغاز عبر مصر التي تمتلك بنية تحيتة لتسييل الغاز ونقله مسالا دون الحاجة إلى أنابيب من خلال محطتي “دمياط” و”إدكو” على البحر المتوسط، كما يوجد خط غاز منذ عام 2008 لنقل الغاز الإسرائيلي لمصر.
وفي بداية عام 2020؛ بدأت إسرائيل في ضخ الغاز من حقلي تمار ولوثيان إلى مصر بموجب الاتفاق بقيمة 19.5 مليار دولار، إذ تمتلك القاهرة مراكز بنية تحتية قوية لتسييل الغاز الطبيعى وتصديره خاصة إلى أوروبا العطشي للطاقة بعد فطمها من الغاز الروسي عقب الحرب الروسية الأوكرانية٬ وبالتالي ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المصرية لتصل إلى 8 ملايين طن في عام 2022 مقارنة بنحو 7 ملايين طن في العام 2021، وبقيمة بلغت 8.4 مليارات دولار بنسبة زيادة 140%.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين 270 مليون دولار سنويًا، إذ تصدر إسرائيل لمصر بضائع بقيمة 150 مليون دولار، في حين تستورد منها ما قيمته 115 مليون دولار، وفقا للإحصاءات الإسرائيلية الرسمية لوزارة الصناعة والتجارة ووزارة الاقتصاد لكنه لا يشمل التعاون التجاري في قطاع الطاقة والغاز، واتفاقية الكويز.
وتستورد تل أبيب من القاهرة مواد البناء والمنتجات الزراعية والمواد الغذائية والكيمياويات والآلات والمطاط والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والمنزلية، بينما تستورد مصر منها الغاز والتكنولوجيا والإمدادات الزراعية.
وفي عام 2022 سجلت السياحة الإسرائيلية الوافدة إلى مصر نحو 486 ألف سائح، مقابل 500 سائح خلال 2021 و38 ألف سائح في 2020 و530.2 ألف سائح في 2019، وفق إحصائيات صادرة عن معهد أبراهام لعام 2022، الذي أوضح أن التراجع خلال عامين 2020 و2021 جاءت بسبب ظروف جائحة كورونا التي قلصت نمو القطاع عالميًا.
وتسعى مصر لزيادة الحركة السياحية الوافدة لها بنهاية العام الجاري إلى 15 مليون سائح متجاوزة أعلى رقم حققه القطاع في 2010 وبلغ 14.7 مليون سائح.
وخلال 8 شهور عقب اندلاع الحرب، تراجعت قيمة الصادرات المصرية السلعية والبترولية إلى إسرائيل بنسبة 30%، لتصل إلى 84.18 مليون دولار، مقابل نحو 120 مليون دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي لكن الواردات من إسرائيل بما يشمل واردات الغاز قفزت بنحو 300% خلال الفترة ذاتها لتسجل 1.31 مليار دولار، ارتفاعا من 329.52 مليون دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022 أما واردات الغاز الطبيعي الإسرائيلي فقد انخفضت 19% إلى نحو 650 مليون قدم مكعب يوميًا.
وألحقت الحرب على غزة أضرارًا جسيمة باقتصاد إسرائيل، وكبدت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق وفروع العمل خسائر مالية فادحة، ويقف الاقتصاد الإسرائيلي أمام انهيار وشلل شبه تام وخسائر فادحة بقطاعات البناء والعقارات، والصناعة والزراعة والسياحة، وارتفعت فاتورة الحرب علي الموازنة العامة لإسرائيل، التي تعاني عجزًا بقيمة 6.6% من الناتج المحلي، وزادت الخسائر عن 73 مليار دولار، بحسب ما أفاد تقرير بنك إسرائيل.
وبحسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن كلفة الحرب اليومية منذ 7 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر 2023، بلغت مليار شيكل يوميًا “270 مليون دولار”، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل “94 مليون دولار”٬ وبسبب الإنفاق العسكري والخسائر المباشر للاقتصاد الإسرائيلي، حدث ارتفاع في تكاليف ديون الدولة لتصل إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي للاحتلال بعد أن كانت 59% في العام 2023/2022، لكن الخسائر لم تتوقف عند إسرائيل ولا حتي الفلسطينيين فحسب، بل طالت مصر فحسب تقرير للأمم المتحدة توقع بأن تصل خسارة الاقتصاد المصري نحو 20 مليار دولار نتيجة تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس.
لكن وحسب موقع nziv الإخباري الإسرائيلي، فإن الاجتماع الذي عُقد في الكنيست مؤخرًا حول موضوع التجارة مع تركيا، والذي سُئل فيه وزير الخارجية كاتس عن البدائل الاستراتيجية التي أمامه، أجاب هناك 5 بدائل استراتيجية: “مصر والصين واليونان وروسيا والهند”٬ وكانت تركيا قد أعلنت رسميًا قطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل، حيث يبلغ حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا، كما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، 9.5 مليار دولار.