
لم تعرف اللاجئة السودانية أم علم ما الذي جنته لتتلقي كيس من القمامة في وجهها أثناء سيرها على طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر لتصل إلى كوبري المشاة حيث كانت في طريقها من منزلها في مساكن عثمان لعملها بأحد منازل الحي الثالث كعاملة منزلية مؤقتة، لكن كل ما سمعته من ملقي الكيس الذي ابتعد بسيارته “ارجعوا بلدكم”
وأم علم هي مواطنة سودانية هربت من العاصمة الخرطوم في أبريل 2023، بعد الضربات الجوية التي شنها الجيش بالتزامن مع عمليات نهب واسعة، اضطرتها للخروج مع زوجها وأولادها الأربعة إلى مصر للعيش بأمان هناك، حيث يعيش شقيق زوجها في مدينة السادس من أكتوبر منذ 4 سنوات، خاصة مع ضعف حالتها المادية لإصابة زوجها بالمياه البيضاء الذي أفقدته الرؤية بعينه اليمنى، واستقرت لدى أسرة مصرية تعمل لديهم هي وزوجها حارس للعقار، وعاملة منزلية مقابل 1500 جنيه فقط، وحاولت الحصول على أعمال إضافية في المنازل للحصول على ما يكفي لمعيشتها هي وزوجها، خاصة مع العقبات التي منعت تسجيلهم كلاجئين بالمفوضية، قبل أن تستغني عنها الاسرة المصرية، وتترك الغرفة التي كانت تقيم فيها بالمأرب الخاص بمنزل الاسرة، وتضطر للإقامة مع شقيق زوجها، إلا أنها استطاعت الحصول على شقة للإيجار مع أسرة أخرى في مساكن عثمان التي تزخر بالسودانيين، وتبدأ عملها في المنازل للإنفاق على أسرتها.
أم علم واحدة من 9 مليون لاجئ٬ قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أنهم يكلفون الاقتصاد المصري نحو 10 مليار دولار سنويًا، رغم الازمة الاقتصادية التي تمر منها مصر، وذلك على هامش المؤتمر الاقتصادي العالمي في أبريل/ نيسان الماضي.
وفي مايو الماضي جدد الرئيس المصري السيسي حديثه عن التكلفة الاقتصادية لللاجئين٬ حيث قال خلال افتتاحه عدة مشروعات زراعية إن الضيوف يستهلكون مياهاً تصل إلى 4.5 مليار متر سنوياً، إذا ما تم احتساب متوسط استهلاك المياه في مصر بنحو 500 متر، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل عبئاً كبيراً على استهلاك 106 ملايين مصري.
السوريين أزمات قديمة
عانى السوريين من أزمات كراهية قديمة، بسبب دعم الرئيس السابق محمد مرسي لهم، حين قال جملته الشهيرة في الاستاد لبيك يا سوريا، بالإضافة إلى سفر العديد من الجهاديين للانضمام إلى تنظيمات داعش وجبهة النصرة في سوريا.
وفي نهاية 2023 عاد السوريين مرة أخرى للواجهة بعد انتشار هاشتاج/ وسم #مقاطعة_المحلات_السورية في ديسمبر/كانون الاول الماضي، مع توافد النازحين الفلسطينيين جراء الحرب على غزة، بالإضافة إلى توافد ما يزيد عن نصف مليون سوداني يضافوا إلى 4 مليون نازح كانوا في مصر قبل الحرب الاخيرة.
وانتشر الوسم مع أزمة نقص الدولار الا أن جاءت صفقة رأس الحكمة التي أنقذت الوضع، وحالت بين وصول سعر الدولار إلى 70 جنيه في الاسواق الرسمية، وتم تحميل السوريين واللاجئين بشكل عام جزء من الازمة بسبب المقاصة غير القانونية، ومشروعاتهم التي نافست المصريين.
وبحسب تقرير لمنصة “صحيح مصر” فأن الهاشتاج/ الوسم الذي عاد للواجهة مرة أخرى مع انتشار هاشتاج #ارجع_سودانك_يا_زول في يونيو/ حزيران الماضي، وتمت تغريده خلال 5 أيام فقط أكثر من 9 الآف مرة.
من جانبه قال قصي اسامة صاحب أحد المطاعم السورية في مدينة السادس من أكتوبر، أن الهاشتاج لم يؤثر على عمل مطعمه، حيث استمر العمل خلال الستة أشهر الماضية دون أزمات تذكر.
وأضاف قصي، بالطبع هناك بعض المضايقات البسيطة ليست من زبائن المطعم بل من مواطنين، بعضها مثلا كانت اعتراض على ركن السيارة بوضع يغلق الشارع، وانتهى الامر بمجرد الاعتذار، لكن بوجه عام لم يقل الاقبال على المطعم كما كان متوقع، مشيراً إلى ان الشعب المصري احتضن السوريين منذ اندلاع الحرب في سوريا، ولم يعاني السوريين من أي أزمة.
وأوضح قصي أن أكثر ما يعانيه الآن هو انتشار الشائعات التي تربك عائلته، فمثلاً في مارس /آذار الماضي انتشرت شائعة بمداهمة الشرطة المصرية مصانع ومحلات السوريين، وهو ما اتضح انه لا يخص السوريين بل يخص العاملين في تجارة العملة سواء السوريين والمصريين وأي جنسية أخرى.
حلايب وشلاتين
أحد أهم الملفات التي تعاني منها العلاقة بين مصر والسودان هو النزاع حول منطقة حلايب وشلاتين، وتسبب وضع محل للمنتجات السودانية ديكور خريطة السودان تضم حلايب وشلاتين في حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع المحل للاعتذار، إلا أن ذلك لم يمنع وجود حملات ضد السودانيين وانتشار وسم #ارجع_سودانك_ يا زول، مع انتشار خبر القبض على صاحب المحل وترحيله إلى السودان دون إمكانية التأكد من ذلك.
وتعد أزمة ارتفاع الايجارات هي الأزمة الابرز بسبب تواجد السودانيين حيث يلوم المصريين على السودانيين في ارتفاع إيجارات بعد المناطق مثل فيصل وعين شمس وغيرها، بسبب ما اعتبره المضاربة على سعر الايجار.
في المقابل يقول نور خليل، المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، أن اللاجئين لا يتحملون رفع الايجارات في مصر، وإنما من يتحملها من يستغل ظروف اللاجئين الهاربين من الحرب، ويؤجر لهم بأسعار مرتفعة للغاية.
وأضاف خليل أن خطاب الكراهية الحالي لا يمكن فصله عن خطاب الكراهية المكرس منذ سنوات ضد الاقليات أو الفئات الاضعف مثل المسيحيين والنساء، مشيراً إلى على الدولة محاربة هذا الخطاب لأنها ملتزمة باتفاقية اللاجئين 1951، وبروتوكولها عام 1967.
وذكرت المنظمة الحقوقية أنها وثّقت 12 واقعة رحَلت فيها السلطات المصرية ما يقدر بنحو 800 سوداني بين يناير ومارس من العام الجاري ممن لا يحملون أوراق ثبوتية أو تصاريح إقامة.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت أخبار بين الجالية السودانية عن إغلاق المدارس السودانية في مصر الأسبوع الماضي، بسبب توفيق الأوضاع، وهو ما أكدته مدرسة المهندسين للتعليم السوداني في رسالة لأولياء الأمور.
من جانبه قال د. سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الامريكية٬ أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين بشكل عام يرجع إلى معاناة المصريين من الظروف الاقتصادية الطاحنة، لذلك كانت بحاجة لـ “شماعة” ليتحمل مسئولية هذه الظروف، بالإضافة إلى أن الدولة نفسها حاولت تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمة الاقتصادية.
وأضاف صادق، قبل الخمسينيات كانت مصر تعج بالتنوع السياسي من يونانيين وشوام وأرمن، ولكن هذا لا يمنع تعرض بعض الجنسيات للغضب من المصريين بسبب حماية الإنجليز لهم، والمصريين مع الظروف الاقتصادية المتدينة ليس أمامهم سوى خيارين الأول الوقوف في وجه الحكومة، وهو قرار غير مأمون العواقب، أو تحميل طرف أخر أسباب الأزمة وتوجيه الغضب تجاهه.