
موارد الدولة المصرية بين الانفاق والاهدار والمحاسبة
هناك حديث غير متماسك، بل ومتضارب، حول موارد الدولة المصرية بصفة عامة، ما بين فريق يرى أن مصر بلد غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، واَخر يرى أنها فقيرة وشحيحة، غير أن تقارير الدولة الرسمية، وتقارير المنظمات الدولية المشتغلة بالاقتصاد، ترى أنها جيدة ومبشرة، لكنها تحتاج إلى اهتمام وتطوير وتحويلها من مجرد مواد خام إلى صناعات أولية وصناعات تحويلية للاستفادة من عوائدها.
وفى هذا التقرير سنعطى خلفية حول هذه الموارد التى تملكها الدولة المصرية وأوجه الانفاق والاهدار وسوء المحاسبة.
الموارد المصرية
الناظر لتقارير موارد مصر الطبيعية من البترول والغاز المصري، سيجد بأن هناك احتياطيًا من البترول يبلغ حوالي 4.4 مليار برميل من النفط الخام، وأن انتاج مصر من البترول يضيف إيرادات سنوية من واقع أرباح التصدير. وتختلف مصر عن النموذج الخليجي القائم على استخراج كميات مهولة من البترول، ولا يتطلب الأمر فيه أكثر من قوى أجنبية لاستخراجه وتوزيع فوائض تصديره على النخب الحاكمة في تلك البلدان ثم إعادة استخدام الريع في بناء المدن وتشيد بعض المشاريع الاستثمارية وتقديم الخدمات لعموم الناس هناك.
أما قطاع البترول في مصر فهو ليس كبيرًا على شاكلة الخليج، لكنه رغم صغره فقد نجح في دفع عجلة الاستثمار فيالبحث عن البترول والغاز من أجل تنمية الثروات البترولية وتحقيق اكتشافات جديدة، وذلك بعد عودته لطرح المزايدات وعقد الاتفاقيات البترولية والتي تعد حجر زاوية رئيسي خلال السنوات الماضية.
وبطبيعة الحال توجد العديد من الموارد التعدينية الأخرى مثل الحديد والفوسفات والحجر الجيري والمنجنيز والتلك والزنك والأسبيستوس والجبس.
لكن من غير المعروف مدى مساهمة تلك الموارد، والدور الذي تلعبه في الاضافة إلى الاقتصاد المصري بشكل فاعل أم لا. وتحتل مصر المركز الثالث عالميًا في الثروة الحجرية، التي تشمل أنواعًا مختلفة من الخامات، مثل الحجر الجيري والبازلت والرمل والزلط والجرانيت والرخام والجبس وطفلة الإسمنت.
كما تدخل تلك المواد الخام في العديد من الصناعات، مثل الزجاج والإسمنت والأدوية، وهي ثروة كبيرة قادرة على نقل البلاد اقتصاديًا إلى مستوى أعلى إذا أحسن استغلالها. وتتميز الدولة المصرية بوفرة هائلة في صخور الحجر الجيري المتعدد الألوان، ومن أهم محاجره طرة والمعصرة وبني خالد وسمالوط بالمنيا، وعلى امتداد طريق أسيوط، والواحات الداخلة والخارجة، كما توجد أيضا بعض المحاجر في سيوة والعلمين.
وعلى حسب تصريحات وزير البترول والثروة المعدنية المصري في منتصف يوليو 2024، فإن موارد مصر من الثروات التعدينية تتضمن الذهب والنحاس والفضة والزنك والبلاتنيوم وعدة معادن متنوعة ثمينة وتقليدية، لافتًا النظر إلى امتلاك مصر احتياطي مؤكد من الذهب يقدر بنحو 7.3 مليون أوقية حاليًّا. وأن مصر أنتجت العام الماضي 2023 نحو 560 ألف أوقية من الذهب ونحو17.5 مليون طن من المعادن الأخرى، ومن المخطَّط أن تصل إلى 800 ألف أوقية من الذهب و30 مليون طن من المعادن الأخرى خلال عام 2030، وأن الوزارة تسعى إلى زيادة مساهمة قطاع التعدين في الناتج القومي إلى 5% بدلًا من أقل من 1% حاليًّا.
وبخصوص الموارد المائية فتملك مصر من البحيرات10 بحيرات هي مريوط وإدكو والبرلس وقارون والمنزلة وناصر والبردويل والتمساح والمرة والزرانيق.
وهناك نهر النيل الذى يمر عبر مصر بطول 1300 كم. وهناك مياه جوفية يقدر حجم المستهدف من توفيرها 5.9 مليارات م مكعب، منها نحو 2.7 مليار متر مكعب مياه جوفية، ونحو 3.2 مليارات م مكعب مياه جوفية عميقة .وهناك مياه أمطار تسقط بمعدلات معقولة فوق الساحل الشمالي الغربي، ثم يتناقص المعدل تدريجيًا في مختلف المناطق الأخرى، وكل هذه الموارد تعد مصدرا لري الأراضي الزراعية وفى التنمية الزراعية.
وهناك مياه صرف صحى، حيث توسعت الدولة في استخدام مياه الصرف الصالحة على أوسع مدى ممكن. وتقدر كميات الصرف المستخدمة بنحو 9 مليارات متر مكعب سنويًا. ويخدم على ذلك ترع وقنوات ومجارٍ مائية طولها 3200 كم متر، تقع ما بين مطروح غرباً إلى العريش شرقاً على البحر المتوسط، ومن حلايب إلى نويبع والبحر الأحمر وخليجي العقبة والسويس.
أضف إلى ذلك توجد قناة السويس كأطول ممر مائي 193,25 كيلومتر ملاحي يربط بين محيطين، الأطلسي والهندي، وبين بحرين، الأحمر والمتوسط، وبين ميناءي السويس وبورسعيد. وبطبيعة الحال يستفاد من هذه المجار المائية في استغلال الثروات البحرية وفى الصيد وفى استزراع الاسماك. فهناك آلاف الأحواض للاستزراع، وطاقة الحوض الواحد 40 ألف طن سمكي وهى ثروة جديدة للتصدير وإثراء السوق المصري بالبروتين.
اما الموارد الحيوانية فأهمها الاغنام والماشية والدواجن والابقار وغيرها من الحيوانات التي توفر اللحوم أو الالبان، أو الحيوانات ذات الفصيلة الخيلية مثل الخيول والحمير والبغال، وتعتبر الثروة الحيوانية من مصادر الدخل القومي للبلاد، لكن مصر تضطر الى استيراد اللحوم الخارج لسد الفجوة التي تعانيها في هذا الباب.
وبالنسبة شبكة الطرق فهناك مئات الألوف من الكيلومترات بنتها الدولة لربط المحافظات والموانئ والمطارات لدعم مشروع تنمية ممر قناة السويس وتنفيذ اجندة مصر 2030 التنموية، والتي ترتبط باستكمال اعمال البنية التحتية وربط شبكة الطرق المصرية بالأفريقية جنوبًا بالأسيوية عبر جسر سلمان شرقًا.
وفيما يتعلق بالآثار والسياحة، فبمصر تقع ثلث آثار العالم، من كل الحضارات الفرعونية والبيزنطية والإغريقية واليونانية والرومانية واليهودية والمسيحية والإسلامية والعثمانية والحديثة. وحتى اليوم تكتشف آثار جديدة داخل الأرض المصرية. لذا أُقيم أكثر من 25 متحفاً للآثار والحضارة والجيولوجيا والفن وغيرها.
وغير الآثار المصرية الجاذبة للسياحة هناك مزارات تراثية ودينية وترفيهية وشاطئية ورحلات نيلية، بالإضافة الى 40 محمية طبيعية، منها 32 محمية مسجلة، وتشغل 15% من مساحة مصر، من شواطئ ذهبية وحمامات كبريتية ومناطق استشفاء طبيعية.
أما الموارد البشرية فهناك أكثر من 105 مليوناً من الثروة البشرية في الداخل منهم 60 % من الشباب، وهؤلاء اذا ما وجدوا اهتمامًا وأحسن استثمارهم وتعليمهم وتدريبهم لتمكنت مصر من تطوير نفسها والدول العربية الشقيقة والخصول على وظائف دولية وتقنية تحسن من دخلهم وتنقلهم نقلة نوعية.
وفى هذا الإطار تملك مصر عددًا كبيرًا من الجامعات الحكومية والاهلية والخاصة، وتملك خطة متكاملة لتطوير مواردها البشرية. فالقوى البشرية هي أهم مورد من موارد الدولة في عملية البناء والتنمية، وهى الوقود اللازم لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، وهى المكون الرئيسي للدول الناجحة اقتصاديًا، ومن هنا تأتى أهمية تدريبها وتنميتها بالمهارات اللازمة.
وعلى هذا راحت الدولة المصرية تعمل على تحقيق التنمية البشرية التي تؤدى إلى خلق كوادر قادرة على بناء منظومات ومؤسسات قوية، لتتمكن من تحقيق ميزة تنافسية تمكنها من تبوء مراكز متقدمة، وذلك لأن رأس المال والموارد الطبيعية رغم أهميتهما بدون العنصر البشرى الكفء والمعد إعداداً جيداً لن يكون له قيمة.
موارد الدولة المصرية حسب موازنة 2024-2025:
طبقا لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024-2025 المقدم لمجلس النواب عام 2024 تشير تلك الموازنة الى تعرضها لتبعات التوترات الجيوسياسية الدولية والإقليمية وأهمها الحرب في أوكرانيا وغزة والسودان، وتداعيات أخرى لتوترات بالبحر الأحمر التي أطلت بظلال سلبية أيضًا على حركة التجارة وعبور السفن بقناة السويس، اضطرت الدولة المصرية إلى فرض سياسة تقييدية ارتكزت على رفع أسعار الفائدة٬ فأدى ذلك إلى مضاعفة تكاليف التمويل والتنمية، وإلى محدودية التمويل المتاح من مختلف المصادر. وأنه في ظل استمرار هذه الموجة التضخمية العاتية انعكست فيارتفاع أسعار السلع الاساسية، خاصة القمح والمواد الخام والمواد البترولية بشكل غير مسبوق، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل والشحن.
وفى سبيل دعم القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والخدمية كالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة تتشارك الخزانة العامة للدولة مع المستثمرين أعباء التمويل أيضًا لخفض تكاليف الإنتاج واستدامة النمو الاقتصادي باستمرار مبادرة دعم فائدة التسهيلات التمويلية بمبلغ ١٢٠ مليار جنيه٬ مع الالتزام الكامل بالحفاظ على استقرار السياسات الضريبية.حيث لن يشهد العام المالي الجديد، عام 2025، فرض أو زيادة في الضرائب أو التعريفة الجمركية على المستثمرين والأنشطة الاقتصادية، بل ستركز الدولة المصرية على توسيع القاعدة الضريبية والاستغلال الامثل للأنظمة الإلكترونية فيرفع كفاءة الإدارة الضريبية، ودمج الاقتصاد غير الرسمي وتحصيل حق الدولة.
وعلى حسب تصريح أحد مسؤولي البنك المركزي المصري في 23 يوليو 2024 فإن الدين الخارجي قد سجل تراجعًا تاريخيًا بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار منذ ديسمبر 2023، وأنه حدث ارتفاع في تحويلات المصريين بالخارج بنحو 100% منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024. بالمقابل سجلت احتياطيات النقد الأجنبي 46.38 مليار دولار، لتغطي نحو 7.9 أشهر من قيمة الواردات السلعية.
وأن هناك تراجعًا كبيرًا في عائد سندات مصر الدولارية بـ 13% منذ أكتوبر 2023، وبأن عقود مخاطر الائتمان لمدة عام قد هبطت بأكثر من 2300 نقطة أساس منذ مايو 2023. وأنه منذ الاحد 21 يوليو 2024 قد وقف قطع الكهرباء، وسجلت اعلى احتياطي نقدي ٤٧ مليار دولار، مع حدوث زيادة ٢٠٠٪ في موارد النقد الأجنبي في السوق المحلى المصري واستثماراته.
موازنة السنة المالية وكبح الإنفاق
وفى هذا السياق وافق مجلس الوزراء في مصر على موازنة السنة المالية 2024-2025 بحجم إنفاق 6.4 تريليونات جنيه (135.4 مليار دولار) وإيرادات متوقعة بحجم 5.05 تريليونات جنيه (106.9 مليارات دولار) وخصصت الحكومة المصرية 636 مليار جنيه لبرامج الحماية الاجتماعية، في حين قالت إنها ستسعى إلى كبح الإنفاق العام لخفض الديون. وخصص مجلس الوزراء 144 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، وهو برنامج لدعم الغذاء يوفر السلع الأساسية مثل الخبز والأرز والسكر بأسعار مخفضة لنحو 60 مليونا من سكان مصر الذين يتجاوز عددهم 105 ملايين نسمة. كما خصص المجلس 154 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية.
ولما كانت مصر تعتمد على واردات القمح والمواد الغذائية الأساسية الأخرى والوقود، وتعاني من نقص كبير في العملات الأجنبية وعجز كبير في الميزانية وميزان المدفوعات، لذا حدد مجلس الوزراء لأول مرة حدا أقصى للإنفاق الاستثماري العام عند تريليون جنيه في العام المالي 2024-2025 مع سعيه لوضع معدل الدَّين للناتج المحلى في مسار نزولي ليبلغ 80% في يونيو 2027. واستخدم 50% من إيرادات بيع الأصول في خفض الدَّين الحكومي بشكل مباشر.
وذكرت الحكومة، في بيانها أمام مجلس النواب أن مصر تستهدف فائضًا أوليًا بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة الجديدة. والفائض الأولي يعني الإيرادات مطروحا منها المصروفات دون مخصصات خدمة الدَّين.
وتشير مؤشرات الموازنة العامة للدولة إلى أن إجمالي الإيرادات سوف يبلغ نحو ٢،٦٢٥،١٦٨ مليون جنيه، وإجمالي المصروفات نحو ٣،٨٧٠،١٦٨ مليون جنيه والفائض الأولى نحو ٥٩١،٤٤٥ مليون جنيه بنسبة ٣,٥٪ من إجمالي الناتج المحلى والعجز الكلى نحو ١،٢٤٣،٠٢٢ مليون جنيه بنسبة ٧,٣٪ من إجمالي الناتج المحلى، وتبلغ نسبة إجمالي دين أجهزة الموازنة العامة للدولة للناتج المحلى نحو 88.2%.
في حين يبلغ إجمالي مصروفات الحكومة العامة نحو ٦,٦ تريليون جنيه، وإيراداتها نحو ٥,٣ تريليون جنيه للعام المالي ٢٠٢٥ /٢٠٢٤( بدون العلاقة الموازنية المتبادلة بين الموازنة العامة للدولة وموازنة الـ ٥٩ هيئة عامة اقتصادية).
وتبلغ نسبة الإيرادات الضريبية ٣٨,٢٪ من إجمالي إيرادات الحكومة العامة و١١,٨٪ من الناتج المحلى الإجمالي، وتبلغ نسبة الإيرادات غير الضريبية ٦١,٨٪ من إجمالي إيرادات الحكومة العامة و١٩,٢٪ من الناتج المحلى الإجمالي، كما يبلع الفائض الأولى للموازنة العامة للدولة ٣,٥٪ من الناتج المحلى الإجمالي، والفائض الأولى لموازنة الحكومة العامة ٣,٧٪ من الناتج المحلى الإجمالي، والعجز الكلى للموازنة العامة للدولة ٧,٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي، والعجز الكلى لموازنة الحكومة العامة ٧,٧٪ من الناتج المحلى الإجمالي على نحو يعكس جهود الدولة في ترسيخ مبدأ شمولية الموازنة الذى يساعدنا في امتلاك القدرة بشكل أكبر على التعامل الأكثر تحوطًا في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وعلى هذا فإن المخاطر الإقليمية والحروب المحيطة لمصر أثرت في الإيرادات العامة؛ نتيجة لتباطؤ النشاط الاقتصادي والنزاعات الإقليمية والدولية التي أضرت بمعدلات نمو السياحة والإنتاج والتصدير وعوائد قناة السويس. وكذا أدت الى زيادة المصروفات بشكل غير مسبوق للتعامل مع الآثار السلبية للهزات الاقتصادية العنيفة وتخفيف توابعها التضخمية، عبر التدخل السريع بحزم استثنائية للحماية الاجتماعية الأكثر استهدافًا للدخل المنخفض والمتوسط.
ودعما لمساندة الأسر ذات القطاعات الإنتاجية والتصديرية الأشد تضررًا .
إهدار الموارد ونقص المحاسبة
بغير شك هناك اتهام من قبل المعارضة المصرية بأن حديث الحكومة حول قلة الموارد المصرية هو اتهام دائم منذ عهد مبارك وحتى الآن.
بل يردد هؤلاء بأن مصر بلد غني بالموارد الطبيعية من بحار ونهر ضارب بطول البلاد، وثروات طبيعية مثل الغاز والبترول والمحاجر المختلفة.
مشيرين بأن مشكلة مصر الرئيسية هي في الفساد والنهب الممنهج الذي تتعرض له على يد النخب المستفيدة من النظم القائمة. وأن تعظيم الموارد في مصر يتطلب إدارة رشيدة، وإدماج لعموم السكان في العملية الإنتاجية، وتحسين قدرات الإنتاج وشروطه.
فعلى سبيل المثال ساعدت اكتشافات الغاز في شرق الدلتا وحقل ظهر على تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز، وبدء التصدير بدلاً من الاستيراد. ومع هذا استمر استيراد مصر للغاز من إسرائيل، وهو أمر غريب وغير مفهوم، وربما لعقود سابقة تم توقيعها.
على كلٍّ، ساعدت هذه الاكتشافات مصر على تحسين موارد الدولة، والتخطيط لتحويلها إلى واحدة من أكبر مناطق تسييل الغاز. كما تحول غاز البحر المتوسط إلى مجال حيوي للصراع بين مصر وتركيا، وإلى تقارب مصر مع إيطاليا واليونان. وبطبيعة الحال قد ألقي هذا الصراع بعبء كبير على موارد الدولة في سباق التسلح والمناورات في البحر المتوسط. ومع اكتشافات أخرى شرق الدلتا المصرية، تحولت مصر من دولة مستورِدة إلى مصدِّرة للغاز، حيث بدأ الإنتاج الفعليّ لحقل ظهر مطلع 2018 وسجل 2 مليار قدم يومياً. لكن لم تنخفض فاتورة الغاز والكهرباء التي يدفعها المواطنون لاستهلاك منازلهم كما كان متصورا حينها.
بل على النقيض، شهدت الأسعار ارتفاعاً لا يتوقف. بل ذكر البعض بأن سياسات حكومة مصطفى مدبولي لم تهدف لإفادة المصريين من عوائدها، بل إلى تحويل الوقود وغيره من المنتجات التي كان ينظر إليها على أنها خدمية، إلى سلع استهلاكية تدر المال على الموازنة، لتمول برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
بل خططت الحكومة لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40٪ إلى أوروبا في عام 2025، لتعزيز مصادر العملة الأجنبية. لكن نمو قطاع الطاقة يعتمد على شراء مصر واردات الغاز الطبيعي الأجنبية، لتصديرها بعد ذلك كغاز طبيعي مسال. كما لجأت الحكومة المصرية لكبح الاستهلاك المحلي من الغاز بهدف زيادة التصدير، إذ نفذت وزارة الكهرباء خطة لتخفيف الأحمال لمدة ساعتين يوميًا بهدف تصدير الغاز لتوفير عملة صعبة بدلاً من ضخه إلى محطات الكهرباء المحلية، وهو ما انعكس سلبًا على معيشة المواطنين، كما امتدت تداعياته إلى قطاع الأسمدة الذي تراجعت صادراته بقيمة 820 مليون دولار أي بنسبة 32% خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022 بسبب تخفيض كمية الغاز الموردة له بمقدار 20% .
تصريح أحد المسؤولين المصريين عن مصطلح فقر الموارد
من هنا، فإن حديث المسؤولين المصريين لمصطلح فقر الموارد إنما هو حديث ممجوج من وجهة نظر المعارضة، حيث تعتبره مجرد وسيلة لدفع المواطنين للرضا بالوضع القائم، وعدم المطالبة بمزيد من الخدمات وتحسين الأوضاع أو إجراء محاسبة للحكومات المتعاقبة. فبالنظر للموارد المصرية التي تحدثنا عنها يبدو الوضع مناقضاً، فلا توجد خطة عامة لإدارة الموارد الطبيعية المتنوعة، ولا توجد آلية لكيفية استفادة الشعب منها.
بل إنه لولا دخول الجيش المصري في ميدان الانتاج لتعرضت الدولة المصرية لمخاطر عديدة٬ خاصة وأن هياكل المؤسسات المدنية للدولة باتت مترهلة وضعيفة، ولا تستطيع منافسة الجيش، لتركيزها على جانب الربح اكثر من الفائدة العامة للشعب، وربما لسيطرة الجيش الواسعة على أدوات الإنتاج والموارد الطبيعية مثل سيطرته على الأراضي الصحراوية والمحاجر وتوسعاته في شركات القطاع العام.
تنمية الساحل الشمالي على عاتق الهيئة الهندسية
بل إن سعى مصر إلى ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ الشمالي عمرانيًا وزراعيًا وسياحيًا، وإلى تطوير ﻗﻨﺎﺓ السويس وزيادة ﺩﺧلها مرهون بخطة الحكومة بمساعدة الهيئة الهندسية للجيش المصري الذى يقود الشركات المصرية العاملة في تلك القطاعات، وفى خلق عشرات المدن المصرية الجديدة إضافة للعاصمة الإدارية الجديدة، وهو أمر يحتاج إلى تفهم بدور الجيش في انجاز العديد من المشروعات القومية وسهولة تنفيذها.
بل إن البعض يتمنى أن يدخل هذا الجهاز في تطوير ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺴﻴﻠﻴﻜﻮﻥ وﺗﺼﻨﻴﻊ ﺍﻟﺮﻗﺎﺋﻖ ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻼﻳﺎ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎء ﻣﻊ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺃﺟﻨﺒﻴﺔ. وأيضًا إلى دخول ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﺸمسية وﺗﻨﻤﻴﺔ الوادي الجديد ووادي النطرون، ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ المشروعات ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻔﺘﺢ ﺁﻓﺎﻗًﺎ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻟﻠﻨﻬﻀﺔ، ﻭﺗﻮﻓﺮ ﻓﺮصًا للعمل ﻭﺗسهم في تنمية ﺍلإﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺼري .
ولعل ما قيل داخل مجلس النواب حول موازنة الحكومة الاخيرة، واستنكار البعض لوجود نسختين من الموازنة العامة للدولة، الأولى مع النواب، والأخرى مع صندوق النقد الدولي، كان مصدر غرابة واستهجانًا كبيرين.
بل قيل بأن أزمة مصر الكبرى أن ثرواتها المعدنية بشكل عام والمحاجر بشكل خاص لا تتم الاستفادة منها، ولا تتحول تلك الثروة لصناعات هامة قادرة على إفادة خزينة الدولة، ولا يمكن الحصول على معلومات دقيقة حول حجم الدخل الذي توفره للدولة أو الكميات التي نجحت مصر في تصديرها.
حيث تردد دومًا بأن المطلوب هو تحويل تلك المواد الخام المتوفرة في مصر إلى صناعات متطورة يمكنها تصدير الزجاج والأدوية ومواد البناء وغيرها إلى السوق العالمي، مما ينقل الاقتصاد المصري نقلة نوعية إلى الأمام، ويسهم في القضاء على البطالة وتحقيق انتعاشه في الدخل المصري.