* 100 مليار جنيه يتحكم فيها أباطرة وعائلات بعيدًا عن سيطرة الدولة.
* التجارة تجذب عمالة الأطفال التي بلا حقوق أو تأمينات أو ضرائب.
لم تكن شخصية عبد الغفور البرعي التي جسدها الفنان المصري الراحل نور الشريف في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” سنة 1996 ميلادية عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وأحبها المصريون والعرب درامية فقط وبعيدة عن الواقع٬ بل هي قصة تتكرر كثيرًا في المجتمع المصري وتكشف الثراء السريع والفاحش لكثير من الناس بسبب “تجارة الخردة” في وقت يعيش فيه الملايين تحت خط الفقر وظروف اقتصادية صعبة.
و”الخردة” هي كلمة تعني منتجات معدنية قديمة ومستعملة ومستهلكة مثل آلات وماكينات ومعدات مكونة من الحديد والألومنيوم والنحاس وغير ذلك من المعادن كمعدات السباكة ومحركات السيارات وقطع الغيار المتهالكة ومواسير المياه والغاز والأجهزة المنزلية القديمة والمحركات الكهربائية والأجهزة المنزلية التالفة وحتي المسامير وبقايا المعادن٬ وهي كنز تجاري يربح منه التجار ملايين الجنيهات حيث يتم شراء هذه الأدوات بسعر بخس وإعادة تدويرها وبيعها للأفراد أو للمصانع.
أرباح تجارة الخردة في تزايد
وفي دراسة لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أكدت إن تجارة الخردة تجارة مربحة ويصل صافي أرباح مشروع تجارة الخُردة بنهاية العام الأول من بدء النشاط التجاري إلى 280 ألف جنيه٬ فيما يتضاعف صافي الربح ليقترب من 410 آلاف جنيه بنهاية العام الخامس ويصل حجم المبيعات السنوية المتوقع بنهاية العام الأول إلى نحو 2.7 مليون جنيه، مقارنة بـ 3.8 مليون جنيه بنهاية العام الخامس.
مميزات تجارة الخردة
وتتميز تجارة الخُردة وقطع الغيار القديمة بسرعة التدوير والدوران وارتفاع الطلب المحلي عليها وتغطي الإيرادات كافة النفقات والتكاليف للمشروع خلال عام واحد من بدء النشاط.
وقدرت الدراسة الاستثمارات الاجمالية لمشروع تجارة الخردة بأقل من 296 ألف جنيه خلال السنوات الخمس الأولى٬ فيما تبلغ مساهمة صاحب النشاط أو التجارة بأقل من 66% من المبلغ مع إمكانية تمويل باقي النفقات من خلال الحصول على قرض بنكي في إطار مبادرة البنك المركزي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ويشتري تاجر الخردة السلع القديمة والمستهلكة وغير الصالحة، وتعتبر معدومة الفائدة بالنسبة لمن يمتلكها بسعر رخيص جدًا ويبيعها بسعر أعلى لأشخاص آخرين يحتاجون لها وإعادة تدويرها أو إصلاحها٬ مثل الحديد القديم والمعدات وسيارات الحوادث وغيرها.
أماكن بيع الخردة في مصر
وهناك أباطرة يسيطرون علي استثمارات تجارة الخردة٬ ويوجد أماكن وشوارع لبيع الحديد الخردة في مصر مثل شارع “باحثة البادية” كورنيش النيل بالقاهرة٬ ويوجد به عشرات المخازن للخردة٬ وهناك أيضا سوق السبتية وعزبة أبو حشيش وعزبة شنن وسوق الخردة بمنطقة المنشية ومنطقة الحرفيين وفى ميت حلفا التابعة لمحافظة القليوبية وهناك منطقة بولاق القريبة من وكالة البلح، حيث يتمركز في تلك المنطقة عشرات المخازن لبيع خُردة الحديد القطع ويطلق عليها نصف الخردة ويمكن إعادة استخدامها مرة أخرى في الإنشاءات فضلاً عن مخلفات الشركات الحكومية والسكك الحديدية والمترو.
وتعتمد هذه التجارة علي تحويل سلعة معدومة القيمة لصاحبها إلى عالية القيمة لدى طرف آخر يحتاج هذه الخردة ليعيد تصنيعها وتدويرها أو تصليحها.
وتجذب تجارة الخردة عمالة الأطفال والعمالة غير المنتظمة مقابل مبالغ زهيدة يوميًا.
تجارة الخردة غائبة عن الرقابة الحكومية
ورغم أن تجارة الخردة تدخل تحت بند الاقتصاد غير الرسمي أو الموازي أو “بير السلم” ولا يخضع للرقابة الحكومية ولا تعلم عنه الحكومة أي أرقام إلا أن تقديرات غير رسمية ومصادر بداخل الغرف التجارية والادارة المحلية وعدد من الهيئات كشفت إن إنتاج مصر السنوي من الخردة يزيد عن 150 ألف طن باستثمارات تتجاوز 100 مليار جنيه.
التهرب الضريبي
وتجارة الخردة عالم غامض وله أسراره التي من الصعب كشفها وتحقق مبالغ هائلة لأصحابها٬ لكنها لا تعود بالنفع كثيرًا علي الاقتصاد الرسمي لأنها تعمل في الظل وكثير منها لا يدفع ضرائب أو تأمينات ولا يحفظ حقوق العمالة٬ كما إنها تتسبب في أزمة كبرى في منتجات الحديد حيث تعمل علي تعطيش السوق ورفع الاسعار عبر الاستيلاء علي الأف الأطنان من الحديد وإعادة صهره في مسابك وورش وتصديره إلى دول شرق آسيا وأوروبا.
اقرأ أيضًا:
امتصاص السيولة.. العقارات في المقدمة والذهب يتراجع لصالح الشهادات البنكية
شبهات كثيرة تسيطر على المزادات وتتسبب في خسائر للدولة
استثمارات مهددة بالضياع بعد وقف استيراد السيارات الكهربائية
حرائق العتبة.. حادث متكرر بسبب العشوائية وتلميحات بنقل السوق الأشهر في القاهرة
غلق المحال في وقت مبكر.. إلى أي مرحلة سيؤثر؟
وتكشف إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء٬ بأنه لم يتم تسجيل طن واحد من الخُردة في كشوف التصدير خلال العشر سنوات الأخيرة، مما يؤكد أن هناك طرقًا غير مشروعة لتصدير الخُردة المصرية إلى الخارج، حتى يستفيد العاملون بها بفارق السعر بين السوق المصرية والسوق العالمية، الذى يصل الي ألف جنيه للطن الواحد.
وتتهم غرفة الصناعات الهندسية تجار الخُردة بالتحايل على القرار الحكومي رقم 696 الصادر في 2012، والذى يفرض 8 آلاف جنيه كرسم صادر على كل طن من خردة النحاس والنحاس نصف الخام والمصبوب والمرسب والنقي وغير النقي، فضلاً عن رسم صادر 3000 جنيه على كل طن رصاص أو فضلات رصاص بالإضافة إلى فرض 650 جنيها على كل طن خردة حديد صب أو مطلى بالقصدير أو خردة صفيح مكبوس أو فضلات النشارة أو فضلات السبائك الحديدية وذلك من خلال صب أنواع الخردة المذكورة في قوالب وتغيير شكلها تمامًا لتصديرها كمنتجات صناعية تامة الصنع حتى لا يتم فرض رسوم الصادر تلك عليها.
تلاعب مصانع الخردة في عمليات البيع والشراء
وكشفت مصادرنا أن عدد من المصانع تحصُل على رخصة من هيئة التنمية الصناعية لإنتاج الحديد٬ لكنها تقوم بشراء كميات كبيرة من الخردة من السوق المحلي بدون فواتير، ويعيدوا إنتاجها وبيعها إلى ورش ومصانع غير مرخصة وبدون فواتير أيضًا في ظل عدم وجود رقابة على تلك المصانع من هيئة التنمية الصناعية ومصلحة الضرائب.
وتقف البيروقراطية والروتين عائقا أمام تقنين أوضاع تجارة الخردة والاقتصاد غير الرسمي في مصر٬ والاقتصاد غير الرسمي يعمل بعيدًا تمامًا عن عين الدولة، و أنه لا يلتزم بدفع أي ضرائب أو تأمينات، حيث أكدت الدراسات أن الاقتصاد المصري يخسر حوالي 400 مليار جنيه سنويًا بسبب الاقتصاد الخفيّ، ويقدر حجم الاقتصاد غير الرسمي بـ 53 % من حجم اقتصاد مصر.