سياسة

إثيوبيا ومسلسل سد النهضة.. هل لمصر خيارات قانونية تنقذ حصتها من المياه؟


تشكل قضية سد النهضة أحد أبرز التحديات التي تواجه مصر، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على حصتها من مياه النيل. منذ بدء المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان في عام 2011 بشأن ملء السد وتشغيله، اعتمدت مصر على مبدأ “لعبة المصالح المتبادلة”، إلا أن هذه المفاوضات، التي استمرت لسنوات، شهدت تعثرًا ملحوظًا في الأشهر الأولى من العام الجاري.

بدأ سد النهضة تخزين المياه بكميات قليلة، ثم زادت في عام 2023 إلى حوالي 50 بالمئة من إيراد النيل الأزرق في 17 يوليو الماضي، وبدأ التخزين الخامس لسد النهضة.


ونرصد دور مصر لحل أزمة المياه، ونبحث في مدى قدرة السُبُل القانونية الدولية على تعويض مصر عن تضررها من سد النهضة.



تعتمد مصر على مياه النيل بشكل أساسي، إذ تبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، بينما تصل استخداماتها الفعلية نحو 80 مليار متر مكعب سنويًا. ما جعل اللجوء إلى تدوير مياه الصرف الزراعي حلاً مفيدًا للتغلب على نقص المياه، إذ تعيد مصر استخدام نحو 26 مليار متر مكعب سنويًا من مياه الصرف الزراعي لتعويض العجز.



تتبع مصر سياسات عديدة لتعويض نقص المياه، حيث تعمل على تحسين نظم الري لتوفير المياه، كما تسعى لتقليل زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر، واستبدالها بسلع أخرى قليلة الاستهلاك للمياه.



قال الدكتور عباس شراقي، خبير الموارد المائية وأستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن الإيراد المائي لمصر يقل بقدر كميات تخزين المياه في إثيوبيا.


وتابع شراقي، في تصريحات خاصة لمنصة ” MEAN” أن الجزء الذي تحتجزه إثيوبيا كان من المفترض أن يأتي إلى مصر، لكن السد وقف حائلًا دون ذلك.


وأكد أن إثيوبيا تستعد لاحتجاز كميات جديدة من المياه خلال العشرين يومًا المقبلة، وستنتهي فترة التخزين في شهر سبتمبر المقبل، لتصبح كمية المياه المحتجزة 23 مليار متر مكعب.


وأضاف شراقي أن توربينات الكهرباء كلما عملت ستخرج مياها تأتي إلى مصر، فالمعادلة طردية؛ كلما زاد تشغيل التوربينات التي تعمل على توليد الكهرباء زادت كمية المياه التي تأتي لمصر.


وأوضح أنه في حالة تركيب إثيوبيا توربينات أكثر ستكون كمية المياه الآتية إلى مصر أكثر، وفي حال عدم تشغيل التوربينات ستظل المياه محتجزة خلف السد.



وكشف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية وجود مشاكل فنية في سد النهضة، حيث ازدادت سعته عن تلك التي كانت مخططة لها.


وأكد أنه في حال حدوث زلزال، قد يتسبب ذلك في إخفاء السودان بالكامل لأن السد أعلى من السودان بـ 350 مترًا، كما أنه في حال حدوث أمطار قوية سيكون المشهد أشبه بـ “طوفان”.


ونوه شراقي بأن مصر نجحت حتى الآن في احتواء أزمة المياه عبر توفيرها بشكل جيد للمواطن المصري دون أن يشعر بمشكلة بعد الملء الخامس لسد النهضة الذي تم في يوليو الماضي،



ووجه شراقي بضرورة اتخاذ الحكومة عدة إجراءات لترشيد استهلاك المياه، فبدلاً من استخدام 55 مليار متر مكعب، وهي حصة مصر من مياه النيل، يمكن استخدام كميات أقل لعدم الشعور بالأزمة في السنوات التي ستخزن فيها إثيوبيا المياه.


وأشار إلى أن مصر باتت تعتمد بشكل كبير على بحيرة ناصر، لذا يجب زيادة مخزون المياه في بحيرة ناصر، وهو ما يسميه خبراء المياه بـ “مخزون السد العالي”، مشيرًا إلى أهمية السد العالي، إذ بدأ الجميع يشعر بها الآن.


أحد الحلول للتغلب على آثار سد النهضة على مصر هو تحلية مياه الصرف واستخدامها في الزراعة بدلاً من استخدام مياه النيل، لأن مشكلة مصر في المياه تتمثل بشكل أساسي في الزراعة وليس في مياه الشرب، حيث أوضح أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة أن الاستهلاك المنزلي من المياه يمثل 15 بالمئة فقط من إجمالي كميات المياه التي تستخدمها مصر.


أما عن تحلية مياه البحر لاستخدامها في الشرب، فقال عباس شراقي إنها عملية مكلفة جدًا، فالمتر المكعب من التحلية يتكلف دولارًا، وهو ما يتسبب في خسائر كبيرة بالمقارنة بالمحصول إذا استخدم في الزراعة، مؤكدا أنها ناجحة وجيدة جدًا حال تحليتها لاستخدامها في مياه الشرب، ولعل ذلك ما يفسر وجود محطات تحلية في محافظة الغردقة لأنها بعيدة عن النيل.


وفيما يخص الزراعة، أكد الدكتور عباس شراقي أنه إلى جانب استخدام المياه المعالجة في الزراعة، يجب ري المحاصيل الزراعية بالتنقيط أو الرش بدلاً من الغمر، كما يجب عدم زراعة أو تقليل زراعة المحاصيل “شرهة المياه” التي تستخدم كميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر.




وعن الحلول طبقًا للقانون الدولي، قال الدكتور محمد مهران، الخبير في القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية الدولية، إن الوضع القانوني لقضية سد النهضة معقد ومتشابك ويتطلب فهمًا عميقًا لقواعد القانون الدولي للمياه والعلاقات الدولية.


وتابع: “أصبح واضحًا للجميع أن إثيوبيا خالفت بشكل صارخ القواعد المنصوص عليها في قوانين المياه الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997”.


وأشار الدكتور محمد مهران إلى أن هذه الاتفاقية الأخيرة تعتبر تدوينًا للعرف الدولي في مجال استخدام الأنهار الدولية، موضحًا أن إثيوبيا انتهكت العديد من المبادئ الأساسية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، أهمها مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة، ومبدأ الالتزام بعدم التسبب في ضرر للدول الأخرى، بالإضافة إلى الالتزام بالتعاون وتبادل البيانات والمعلومات بشكل منتظم، ومبدأ الالتزام بالإخطار المسبق عن التدابير المزمع اتخاذها.



وأكد الخبير في القانون الدولي في تصريحات خاصة لمنصة ” MEAN” أن إصرار أثيوبيا على المضي قدمًا في ملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان يشكل انتهاكًا واضحًا لهذه المبادئ، ويعرض أثيوبيا للمسؤولية الدولية.


ولفت إلى أن تحقيق المسؤولية الدولية وحده لا يكفي لضمان حصول مصر على حقوقها، فالقانون الدولي يعتمد في الأساس على مبدأ حسن النية والتعاون بين الدول، وهنا تكمن المعضلة الرئيسية في قضية سد النهضة.


وأوضح مهران أن هناك خيارات قانونية متاحة لمصر لمساءلة إثيوبيا عن الانتهاكات الجسيمة والإضرار مع طلب التعويض، كاللجوء إلى التحكيم الدولي أو محكمة العدل الدولية، لكونهما خيارين قويين من الناحية القانونية منصوص عليهما في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية.


لكنه أشار إلى أنهما مرهونان بموافقة إثيوبيا، فالتحكيم الدولي يتطلب موافقة جميع الأطراف المتنازعة، وكذلك الحال بالنسبة لمحكمة العدل الدولية في حالة الاختصاص الاتفاقي.



واستطرد مهران أن هناك ما يسمى بالاختصاص الإلزامي لمحكمة العدل الدولية، ولكن هذا يتطلب أن تكون الدول المعنية قد قبلت مسبقًا بهذا الاختصاص، وهو ما لم تفعله إثيوبيا. لذلك، لا يوجد ما يلزم إثيوبيا قانونيًا للجوء إلى هذه الآليات القضائية الدولية دون موافقتها.


وتابع مهران أنه من الضروري البحث عن حلول بديلة، وهنا يأتي دور مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث قد يكون تدخل مجلس الأمن باعتباره الجهة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين ضروريًا لحمل إثيوبيا على الالتزام بقواعد القانون الدولي، كما يمكن لمجلس الأمن أن يصدر قرارًا يلزم الأطراف بالتفاوض بحسن نية والامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية من شأنها تغيير الوضع القائم.



وعن دور المجتمع الدولي في الضغط على إثيوبيا، قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إن الدولة المصرية لديها رؤية استراتيجية واضحة في التعامل مع سد النهضة الأثيوبي باعتباره مهددًا للأمن القومي المصري وحياة ما لا يقل عن 160 مليون مصري وسوداني يعيشون على مياه نهر النيل.


ورغم استمرار التفاوض نحو ثلاثة عشر عامًا، تعاملت القاهرة بحسن نية مع الجانب الإثيوبي، بينما انتهجت أديس أبابا سياسة المراوغة وفرض الأمر الواقع على مصر والسودان رغم علمها جيدًا بأنها تضر بحقوقهما المائية.


وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في تصريحات خاصة لمنصة ” MEAN” أن التعنت الإثيوبي كان واضحًا في عدة مواقف، وكانت الدولة المصرية رشيدة في تعاملها بعقلانية، حيث اتخذت كل المسارات الدبلوماسية والقانونية،


ولجأت إلى مجلس الأمن الدولي والقوى المؤثرة على الدولة الإثيوبية التي لا ترغب في تحقيق أي تسوية بشأن سد النهضة، بل تريد أن تعيق التنمية في مصر عبر سد النهضة، وبالتالي، قد تعود القاهرة إلى مجلس الأمن مرة أخرى.



وأكد الدكتور حامد فارس أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته حتى لا تكون القاهرة خاضعة لرغبات إثيوبية متعنتة، مشيرًا إلى ضرورة الأخذ بتصريحات القيادة السياسية في القاهرة على محمل الجد والتي أكدت مرارًا وتكرارًا أن الأمن المائي خط أحمر وأن القاهرة لن تسمح بنقص حصتها من المياه تحت أي ظرف.


وحذر “فارس” من أن الملء الخامس سيلحق الضرر بمصر والسودان وينقص من حصتهما المائية، مشيرًا إلى أن السد بُني في منطقة معرضة لحدوث كوارث طبيعية مثل البراكين والزلازل، مما يزيد من خطورته.


اقرأ أيضًا:






مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية