سياسة

التداعيات الاقتصادية لتصريحات مدبولي عن الحرب.. هل نشهد موجة غلاء جديدة؟


اقتصاديون: تصريحات غير موفقة زمانيًا.. وتحديات تطبيقها شبه مستحيلة


أرقام وإحصاءات، ومن قبلها اقتصاد الحرب، شكلت حالة من التساؤل والتخبط حول الوضع الاقتصادي الذي تعيشه مصر، وما إن كان مقدمة لمزيد مما تسميه الحكومة بإجراءات الإصلاح الاقتصادي أو تحريك بعض الأسعار، وفي مقدمتها أسعار الطاقة والمواد البترولية.



في أعقاب تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في التاسع من أكتوبر الجاري، حول إمكانية اللجوء إلى “اقتصاد الحرب” نتيجة التوترات التي تشهدها المنطقة، تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن حجم الإنفاق الدولاري في استيراد السلع، ومنها الجبنة الفلامنك والفويل. حيث أشار إلى أن مصر تستورد سنويًا هواتف محمولة بـ9 مليارات دولار، وأدوية بـ23 مليار دولار، وسيارات بمبلغ 25 مليار دولار، ولوحات توزيع تحكم كهربائي بحوالي 2 مليار دولار، وورق فويل بـ500 مليون دولار، وغيرها من الأمور التي تسببت في أزمة الدولار.


وسط مخاوف من اللجوء إلى اقتصاد الحرب الذي لوح به رئيس الوزراء، حيث قال: “في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة، ستتخذ مصر مزيدًا من إجراءات الترشيد”. وأضاف: “لو حدثت تطورات حرب إقليمية، سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب”، الأمر الذي اعتبره كثير من الاقتصاديين ذو تأثير سلبي، بينما رآه آخرون محاولة للتبصير.




حمل خطاب الرئيس عن حجم استيراد الدولة المصرية لورق فويل، الذي بلغ نحو 500 مليون دولار، تساؤلات عن الأرقام المعلنة من قبل الدولة، حيث تفاوت الرقم بشكل كبير عن الرقم المعلن من قبل نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، حيث يصل استهلاكه سنويًا إلى 140 مليون دولار فقط.


بحسب الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، فإن مصطلح اقتصاد الحرب ليس موفقًا من حيث التوقيت ويثير الخوف، مؤكدًا أن تعبير اقتصاد الحرب ليس تعبيرًا بسيطًا، ويجعل المستمعين يتكالبون على الشراء والتخزين. وأكد أنه من الأفضل التركيز على جهود دعم الاستثمار.



في حين، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات، إن مصطلح اقتصاد الحرب الذي أطلقه رئيس مجلس الوزراء لا يعد محاولة لإثارة الخوف، قدر ما هو مصارحة ومكاشفة وتبصير للشعب بما يحدث حولهم من تحديات، خاصة وأن الهدف من اقتصاد الحرب هو تأمين السلع الاستراتيجية مسبوقًا بالاكتفاء الذاتي من السلع، خاصة وأن من تحديات الحروب التضييق على حركة البضائع. وتابع في تصريحات خاصة لمنصة MENA: “اقتصاد الحرب هو محاولة لتبصير الناس باحتمالية قائمة أو غير قائمة”، مشيرًا إلى أنه تزامن مع تلك التصريحات الإعلان عن سبل منع احتكار السلع الرئيسة والاستراتيجية وعدم التلاعب بها.



وحول ما شهدته مصر من تطبيق اقتصاد الحرب إبان الفترة من 1967 وحتى 1973، أشار إلى أن هناك اختلافًا في المعطيات والنتائج، خاصة وأن تلك الفترة كانت هناك إرادة جامعة بين الشعب والدولة والأشقاء العرب الذين حرصوا على تحرير الأرض واستردادها. لذا تقاسم المواطنون طعامهم وشرابهم ومسكنهم، وقدموا الدولة على مصالحهم ومنفعتهم الخاصة. بينما اليوم هناك أزمة ثقة وضجر من بعض القرارات، وهو الأمر الذي يمكن البناء عليه انطلاقًا من تصريحات الرئيس السيسي الهادفة إلى التصنيع والإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستعاضة عن بعض المنتجات لتوافر إمكانية إنتاجها بالداخل. مشددًا: “آن الأوان للإنتاج وفق رؤية يتحمس لها الجميع ويدعمها”.



في الوقت نفسه، كشف الخبير الاقتصادي مدحت نافع، أنه بالرغم من عدم خطأ الحكومة في عرض التحديات وكيفية استعداداتها للأسوأ، إلا أنه يحمل تبعات سلبية على تدفقات الاستثمار وتراكم رءوس الأموال، وتحقيق معدلات النمو الجيد، وتحسين شروط التمويل، وتخفيض فاتورة الديون. وتابع في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“: “الحديث عن الحرب يرفع من درجة عدم اليقين إلى مستويات تفرض على الدولة أن تعوّضها بمزيد من الفوائد وتكاليف التأمين على إصدارات الدين، ومزيد من التعهدات المكلفة بحفظ أموال المستثمرين وحماية النشاط الاقتصادي”.


ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن المصطلح الخاص باقتصاد الحرب هو أمر سبق واستخدمته فرنسا مؤخرًا، حينما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 13 من يونيو 2022 تزامنًا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لمساعدة صناعة الدفاع الفرنسية.




بين أن التحول إلى اقتصاد الحرب لا ينعكس فقط على السياسات الاقتصادية الكلية المتبعة من الحكومات، لكنه يترك تأثيرات على الأسواق والمتغيرات الاقتصادية في مختلف الآجال، ومنها سوق العمل الذي يمكن أن يؤدي الطلب على الوظائف غير المدنية إلى تفشي البطالة، وتشويه الأجور وأنماط التوظيف. ويمكن أن يؤدي التركيز على الإنتاج العسكري إلى إهمال القطاعات الاقتصادية الأخرى، مما يسبب اختلالات هيكلية طويلة الأجل. يترك اقتصاد الحرب الدول غارقة في الديون والتضخم وزيادة معدلات الفقر، فضلًا عن التغيرات الاجتماعية الكبيرة التي تترك ندوبًا غائرة يصعب التخلص منها عبر إعادة البناء وإعادة تشغيل الاقتصاد بتأهيل العسكريين للعمل المدني.


وأوضح أن اقتصاد الحرب هو إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لخدمة المجهود الحربي والعمليات العسكرية، ويقوم على أمور منها إعادة تخصيص عوامل الإنتاج، بتوجيه جزء كبير من القوى العاملة نحو الإنتاج والخدمات العسكرية. ومنه على سبيل المثال تخصيص المواد الأساسية مثل الحديد والصلب والألومنيوم والنفط للاستخدام العسكري، مما يؤدي غالبًا إلى نقص تلك الموارد في الأسواق.

أيضًا تعزيز مبدأ سيطرة الحكومة، وقد تنشأ الحاجة إلى التخطيط المركزي، الذي عادة ما تمارسه الحكومات من خلال مؤسسات مخصصة للإشراف على إنتاج وتوزيع الموارد، كمجلس الإنتاج الحربي في الولايات المتحدة الذي تم إنشاؤه خلال الحرب العالمية الثانية.


ومنه كذلك وضع ضوابط للتسعير وتقنين مخصصات الغذاء والكساء؛ لمنع التضخم الجامح، وضمان التوزيع العادل للمواد الضرورية، إذ تفرض بعض الحكومات تسعيرة جبرية لبعض المنتجات، وتعمل على تقنين السلع الأساسية مثل الطعام والوقود والملابس في صورة حصص لا يمكن تجاوزها.



أخيرًا، تتغير أولويات التمويل لتتجه لخدمة المجهود الحربي عن طريق زيادة الضرائب بمختلف أنواعها وفئاتها، مع استحداث ضرائب جديدة خاصة بالحرب، والاقتراض عبر إصدار سندات الحرب، واللجوء إلى المصادر المحلية والدولية بغير سقوف، مع زيادة طباعة البنكنوت التي تغذي التضخم بشكل كبير.


اقرأ أيضًا:







مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية