فرضت سلسلة من التحديات والسياسات المتراكمة خيارات صعبة للغاية على الاقتصاد المصري على مدار السنوات الماضية، ما تسبب في ارتفاع معدل التضخم واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد. نتج عن ذلك ارتفاع الأسعار للعديد من السلع، مما أدى إلى معاناة كبيرة للمواطن.
كما حدث تلاعب في الأسعار، بالإضافة إلى مواجهة جرائم “تعطيش السوق” واحتكار السلع وتخزينها من قبل بعض التجار.
تأثرت مصر اقتصاديًا من الخارج منذ عام 2003 مع بداية الغزو الأمريكي للعراق، وكذلك الأزمة المالية العالمية 2007. كما كان لثورة 2011 تأثيرها الكبير، إضافة إلى جائحة كورونا 2019، التي كانت سببًا في تدهور الاقتصاد المصري نتيجة توقف السياحة الوافدة إلى مصر، ما أسفر عن تدهور العملة الصعبة.
كما أضرت الجائحة بالمشتغلين في قطاع السياحة. تأثرت أيضًا الأوضاع الأمنية المنفلتة في فلسطين، وصولًا إلى طوفان الأقصى 2023. حيث أسفرت الحروب المستعرة في غزة عن تراجع الإيرادات من إعادة تصدير الغاز المورد من إسرائيل، إضافة إلى تقييد الاستهلاك المحلي منه.
كما تراجعت السياحة الوافدة إلى سيناء، وكان لذلك تأثير كبير على الاقتصاد المصري. كذلك، تسببت هذه الأزمات في خسائر كبيرة في العوائد من قناة السويس، التي تأثرت بشدة باضطرابات الملاحة عبر مضيق باب المندب. إضافة إلى العدوان الإسرائيلي المستمر في البلاد العربية المجاورة، كان لهذه التحديات أثر واضح وصريح على ضعف الاقتصاد المصري.
على الصعيد الداخلي، عصفت سلسلة من التأثيرات بالاقتصاد المصري. حيث تأثر بشكل شديد بفرط الإنفاق العام الذي بدأ مع تبني الحكومة مشاريع تنموية عملاقة. وربما لم تأخذ تلك المشاريع الوقت والعناية الكافية للموازنة بين التكلفة من جهة، وجدواها المالية والاجتماعية من جهة أخرى.
كل تلك الأزمات التي عصفت بالاقتصاد المصري جعلت الدولة في حاجة ماسة إلى الاقتراض. إلا أن هذه القروض أثقلت الخزينة العامة بتكلفة عالية لخدمتها، فضلًا عن أنها وضعت الدولة في دوامة تمويلية لا نهاية لها. وأصبح هدف الاقتراض في الأساس تهدئة استحقاقات سابقة، ما نتج عنه اللجوء إلى القروض قصيرة الأجل التي تحمل تكلفة مرتفعة.
نتج عن تلك الأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية تداعيات عميقة وممتدة على المواطن الذي يعيش تحت خط الفقر. حيث تسببت موجة التضخم العاتية في إضرار مفرط بالأوضاع المعيشية للمواطن، إضافة إلى انخفاض كبير في سعر صرف الجنيه المصري. تأثرت أيضًا الأسعار في السوق الموازي، مع تفاوت كبير في السعر الرسمي، مما يزيد من تكلفة المواد المستوردة التي يتعذر توفير العملة الصعبة اللازمة لشرائها من الأسواق الخارجية بسعر الصرف الرسمي. وهذا يؤدي إلى زيادات مفرطة في الأسعار.
اليوم، تعادل الأسعار الحالية نحو 4 أضعاف مستوياتها قبل عدة سنوات. ولا يختلف الحال بالنسبة للخدمات أيضًا، مثل الصحة، حيث ارتفعت أسعار العلاج والخدمات المقدمة للمواطن. كما تأثرت الخدمات الأخرى المقدمة من باقي الهيئات، مما جعل المواطن في دوامة العمل ليلاً ونهارًا من أجل السيطرة على الارتفاع الجنوني للأسعار والخدمات المقدمة له، دون أي زيادة مقابلة في المرتبات أو المعاشات. هذا الوضع يعكس التحديات الكبيرة التي يشهدها المواطن المصري في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
تلعب الحكومة المصرية دورًا في مواجهة هذه التحديات الاقتصادية، من خلال توجيهات لضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق. تم إطلاق مبادرات لخفض أسعار بعض السلع، بالإضافة إلى اجتماعات متعددة مع الوزراء والجهات المعنية واتخاذ قرارات تهدف إلى ضبط الأسعار وطمأنة المواطن الذي يشعر بالقلق في ظل المعاناة الكبيرة التي فرضت عليه.
ورأى اقتصاديون أن المواطن في الوقت الحالي يحتاج إلى من يطمئنه باستمرار، فيما يجب اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الأعباء عنه والتصدي لأي محاولات للتلاعب في الأسعار والإضرار بالمواطن الذي يتفاجأ كل يوم بارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية والخدمية التي لا يستغني عنها يوميًا. من جانب آخر، يقوم بعض التجار بتصغير حجم السلع رغم رفع الأسعار للضعف.
وقال المستشار الاقتصادي سامح هلال في تصريح خاص لمنصة “MENA“، إن مصر دولة استهلاكية أكثر مما هي دولة منتجة، وبالتالي فإن فاتورة الاستيراد أكبر من فاتورة التصدير، مما يترتب عليه عجز في الميزان التجاري ونقص في العملة الأجنبية نتيجة اعتماد الدولة على بعض المصادر لكسب عملات أجنبية.
وأوضح أن مصر لديها الكثير من الفرص لزيادة الدخل من العملات الأجنبية.
وأضاف أن الطلب على العملة الأجنبية دفع الدولة إلى تحرير سعر الصرف، مما أدى إلى تخفيض قيمة العملة المحلية.
وواصل: “ولتحرير سعر الصرف مميزات وعيوب. من المزايا أنها تخلق ميزة تنافسية لاستقطاب الاستثمار الخارجي وزيادة التصدير، حيث يصبح سعر السلع المحلية أقل مقارنة بالعملات الأجنبية. أما العيوب، فتتمثل في ارتفاع أسعار المنتجات، مما يمثل عبئًا على المواطن في ظل انخفاض دخله، وهو ما يعزز احتمالية تكرار الأزمة الاقتصادية في مصر”.