سياسة

هل تتأثر مصر “بالتقارب” الإثيوبي الصومالي؟

تقارب بعد عام كامل من الخلاف.. هكذا أخذت العلاقات الإثيوبية الصومالية مسارًا جديدًا أثار تساؤلات وسيناريوهات حول أسبابه وتداعياته، خاصة على مصر التي رفعت مستوى التقارب مع مقديشو إلى “شراكة استراتيجية”. يأتي ذلك في ظل نوايا إثيوبية خبيثة للاعتراف بالإقليم الانفصالي “أرض الصومال”، بهدف بناء قاعدة بحرية تخدم مصالحها في القارة المشتعلة بالأزمات.

 

زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبي

 

قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن الهدف من زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى الصومال هو إتمام ما يُعرف بـ”المصالحة التركية”، ومناقشة قضية إقليم “أرض الصومال”. وأوضح أن الوزيرة تحاول التقرب إلى الصومال لعدة اعتبارات، أبرزها تحركات الصومال المختلفة في القرن الإفريقي وتوطيد علاقاتها مع مصر.

 

 

وأضاف “فهمي” في تصريحاته لمنصة “MENA“، أن التحرك الإثيوبي اتسم بأمرين أساسيين:

 

  1. تنفيذ المصالحة التركية: وهي الهدف الأهم بالنسبة لإثيوبيا.
  2.  مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية: التي قد تطرأ بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وما قد يترتب على ذلك من استراتيجية أمريكية جديدة تجاه القرن الإفريقي والدور الإثيوبي في المنطقة.

 

التشويش على قوات حفظ السلام

 

وأشار فهمي إلى وجود محاولات إثيوبية للتشويش على قوات حفظ السلام وعملية إعادة بناء الدولة الصومالية، بجانب الاعترافات المحتملة بإقليم “أرض الصومال”.

 

 وأضاف أن إثيوبيا تسعى لتطوير مجال التعاون مع الصومال لملء الفراغات السياسية والاستراتيجية، وليس فقط لتنفيذ المصالحة برعاية تركية. فهناك حسابات إثيوبية معقدة تهدف إلى التغلب على أزماتها الداخلية والتوسع في القرن الإفريقي.

 

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن أهمية هذه الزيارة تكمن في تبعاتها الخطيرة، حيث إنها قد تُترجم إلى دور إثيوبي جديد في المنطقة، ما يثير التخوف من محاولات ملء الفراغ في الصومال، خاصة من قِبل مصر ودول أخرى، في ظل استراتيجيات متعددة تتنافس في هذا التوقيت الحرج.

 

 

محاولات إثيوبية في القارة الإفريقية

 

قال محمد فتحي الشريف، رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، إن زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى الصومال تحمل أهمية كبيرة في الوقت الراهن لعدة أسباب، أهمها تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وأوضح أن الزيارة تأتي في إطار توثيق العلاقات العسكرية والأمنية بين إثيوبيا والصومال، خاصةً في ظل التحديات الأمنية المشتركة، مثل تهديدات حركة الشباب. كما تهدف إلى تهدئة التوترات التي تفاقمت بسبب قضية إقليم “أرض الصومال”.

 

وأضاف الشريف في تصريحات لمنصة “MENA“، أن الزيارة قد تعكس محاولة إثيوبيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، خصوصًا مع تصاعد التوترات مع مصر بسبب سد النهضة، مما يجعل تعزيز العلاقة مع الصومال خطوة استراتيجية بالنسبة لأديس أبابا.

 

كيف ستؤثر الزيارة على مصر؟

 

وعن تأثير الزيارة على مصر، قال الشريف إن ذلك يعتمد على تفسير القاهرة لهذا التقارب. إذا اعتبرته مصر تهديدًا لمصالحها الإقليمية، فقد يؤدي ذلك إلى توتر العلاقات. أما إذا رأت فيه فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي، فقد يكون التأثير أقل حدة.

 

وأشار الشريف إلى أن اجتماعات وزراء الدفاع تأتي في وقت حساس، ما يعكس ضرورة التنسيق الأمني في ظل التوترات بين إثيوبيا ومصر. وأوضح أن هذه الاجتماعات قد تمثل منصة لتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الأمنية والاستراتيجية في المنطقة. وأضاف أن التقارب الإثيوبي الصومالي قد يكون محاولة لإفساد العلاقة بين مصر والصومال، وهو أمر يعتمد على النوايا السياسية لكل من أديس أبابا ومقديشو.

 

وأكد الشريف أنه إذا كانت لدى إثيوبيا رغبة قوية لتعزيز نفوذها في الصومال على حساب مصر، فإن هذا السيناريو قد يكون محتملًا. ومع ذلك، ينبغي مراعاة الديناميات المعقدة للعلاقات الإقليمية والاعتبارات الأمنية التي تؤثر في اتجاه هذه العلاقات.

 

 

استثمار تركي في القرن الإفريقي

 

من جانبه، قال حسام الدين محمود، رئيس مركز إفريقيا للتخطيط الاستراتيجي والباحث في العلاقات الدولية، إن زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى الصومال تأتي استكمالًا لما تم الاتفاق عليه في أنقرة. وأوضح أن هذا الاتفاق ذو طابع سياسي واقتصادي، ويعكس استثمارًا تركيًا في منطقة القرن الإفريقي، لا سيما في السياسات الاقتصادية المتعلقة بالبحر الأحمر.

 

وأشار محمود في تصريح خاص لمنصة “MENA“، إلى أن أنقرة كانت حريصة على التقارب بين الصومال وإثيوبيا لتحقيق مصالحها في القرن الإفريقي. ووصف موقف الصومال بالضعيف في ظل المناوشات الحدودية التي تواجهها، مما يجعلها أكثر تأثرًا بهذا التقارب الذي يخدم الأهداف الإثيوبية والتركية.

 

 

وأضاف محمود أن إثيوبيا تسعى من خلال هذه الزيارة إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في تأمين ميناء بحري مطل على البحر الأحمر، لاستخدامات استراتيجية تتجاوز الجانب التجاري. وبيَّن أن هذا التقارب جاء على خلفية أزمة “صوماليلاند”، مما يعكس نوايا إثيوبيا في تعزيز وجودها الإقليمي.

 

وأكد محمود أن هذا التقارب الإثيوبي الصومالي لن يؤثر سلبًا بشكل مباشر على العلاقات بين مصر والصومال، مشيرًا إلى أن موقف تركيا يقوم على المصالح، بينما تسعى مصر إلى الحفاظ على وحدة الصومال وضمان استقرار منطقة القرن الإفريقي المطلة على البحر الأحمر.

 

وأوضح أن التحركات الإثيوبية لها تأثير سلبي على المصالح الحيوية لمصر في البحر الأحمر، لكنها لا تقدر على تعكير صفو العلاقات بين مصر والصومال. وشدد محمود على أن مصر لن تسمح بأي عبث يؤثر على أمن الصومال أو استقرار إفريقيا، مشيرًا إلى أن دورها الحيوي يمنحها مكانة مؤثرة في المنطقة.

 

وأضاف محمود أن إثيوبيا تحاول تصدير صورة سلبية عن مصر، وهو أمر واضح منذ مفاوضات سد النهضة.

وأكد أن التقارب الإثيوبي الصومالي يهدف إلى زعزعة العلاقات مع مصر، إلا أن المصالح المشتركة بين مصر والصومال أقوى من أن تسمح لأديس أبابا بتعكير هذه العلاقات.

 

 

تبعات إعلان أنقرة

 

قال أحمد جيسود، الباحث الصومالي في العلاقات الدولية، إن التقارب الإثيوبي الصومالي جاء بعد توقيع “إعلان أنقرة” لإنهاء التوتر بين البلدين، والذي تم توقيعه في العاصمة التركية أنقرة بوساطة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

 

وأوضح في تصريح لمنصة “MENA“، أن إثيوبيا التزمت بمبدأ احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه وفقًا لهذا الاتفاق.

وأضاف جيسود أن وزير الخارجية الصومالي، السفير أحمد معلم فقي، أكد أن الحكومة الصومالية هي الجهة الوحيدة المخولة بإبرام اتفاقيات قانونية مع الدول، خاصة فيما يتعلق بالمنافذ البحرية على البحر الأحمر، والتي ستكون مخصصة لأغراض تجارية.

 

شكوك مصرية

 

وأشار الباحث الصومالي في العلاقات الدولية إلى أن الاجتماعات بين وزيري الدفاع الصومالي والإثيوبي قد تثير شكوكًا لدى مصر وإريتريا، في ظل التوتر الإقليمي القائم. وأوضح أن القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الإريترية في أكتوبر من العام الماضي شهدت اتفاقًا بين الأطراف الثلاثة (مصر، إريتريا، والصومال) على تعزيز العلاقات بينهم في مختلف المجالات، بهدف مواجهة الأطماع الإثيوبية في المنطقة.

 

ومع ذلك، أشار جيسود إلى أن تغير موقف الرئيس الصومالي في الوقت الراهن يثير تساؤلات ومخاوف حول ما قد يكون جرى خلف الكواليس، وما إذا كان هذا التحول يشير إلى توافقات جديدة قد تؤثر على الموازين الإقليمية.

 

اقرأ أيضًا:

 

قبل دخولها حيّز التنفيذ.. لماذا تعارض مصر اتفاقية عنتيبي؟

 

ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟

 

مصر والصومال.. إعادة ترتيب المشهد الإفريقي بعد سنوات من الجمود واستفحال الخطر الإثيوبي

 

معركة “الدول المتشاطئة” تشعل الخلاف مجددًا بين مصر وأثيوبيا.. ما القصة؟

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية