ترجمات

العالم العربي وإدارة ترامب له في ولايته الثانية

السعودية، مصر، الأردن، إيران، والفلسطينيون: كيف ستبدو سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟

 

ذكر تقرير منسوب إلى معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية لن يسلك نفس النهج الذي اتبعه في سياساته تجاه الشرق الأوسط خلال فترته الأولى، هذا التوجه الجديد يعكس تغييرات جوهرية شهدتها المنطقة، أبرزها تراجع نفوذ إيران ومحورها المعروف بـ”محور المقاومة”، بالإضافة إلى استعادة القضية الفلسطينية مركزيتها على الساحة الدولية، وازدياد الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج في إطار التنافس بين القوى العظمى.

 

سياسات ترامب الداعمة لعدد من الأنظمة في المنطقة، إلى جانب علاقاته الوثيقة مع قادة بارزين، قد تفتح الباب أمام تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، غير أن الحرب الأخيرة مع حركة حماس فرضت معادلة جديدة في حسابات القوى الإقليمية، مما أعاد تسليط الضوء على أهمية التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، هذه المسألة ستتطلب اهتمامًا خاصًا من إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، وسط تعقيدات المشهد السياسي الراهن.

 

أي محاولة لاستشراف السياسة الأمريكية تجاه الدول العربية في عهد إدارة ترامب الثانية يجب أن تأخذ في الحسبان التفاوت العميق بين هذه الدول، والاحتمال الكبير بأن تنتهج واشنطن مقاربة مغايرة لما كان عليه الأمر في الفترة الأولى، يتأكد هذا التوجه في ضوء المستجدات التي شهدتها المنطقة بعد الحرب متعددة الجبهات التي تخوضها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023.

 

أشار معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، أن العالم العربي ليس كيانًا موحدًا، بل يتألف من مراكز قوى متباينة، أبرزها مصر والأردن ودول الخليج، ما يجعل من الضروري دراسة هذه القوى لمعرفة كيف ستتطور علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولا يمكن إغفال الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها هذه الدول في حسابات إسرائيل، الأمر الذي يُلقي بظلاله على طبيعة التحالفات الإقليمية والتفاعلات السياسية المقبلة.

 

هذه العوامل تشكل ركائز أساسية لفهم خريطة العلاقات المستقبلية في الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح العربية والأمريكية والإسرائيلية ضمن معادلة سياسية معقدة تفرض إعادة صياغة الأولويات والتحالفات.

 

 

مصر

 

تستقبل مصر بداية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقلق واضح، وهو ما ظهر في التصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية، إلى جانب التحليلات والتعليقات في وسائل الإعلام المحلية. حيث يمكن قراءة الموقف المصري من إدارة ترامب عبر محورين رئيسيين: القضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية مع واشنطن.

 

القضية الفلسطينية

 

تنظر مصر بقلق إلى تأثير الدعم المطلق الذي قدمته إدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل منذ اللحظات الأولى للحرب، ما أدى إلى إطالة أمد الصراع في غزة ثم في لبنان، هذا النزاع خلّف عددًا غير مسبوق من الضحايا المدنيين ودمّر البنية التحتية في القطاع بشكل كارثي، وحمّلت وسائل الإعلام المصرية الولايات المتحدة مسؤولية مشتركة مع إسرائيل عما وصفته بـ”المجزرة” و”الإبادة الجماعية”.

 

كما رأى المحللون أن واشنطن كانت قادرة على كبح التصعيد الإقليمي، لكنها اختارت عدم التدخل بشكل فاعل مع استمرار العمليات العسكرية، ورغم محاولات الإدارة الأمريكية فرض وقف لإطلاق النار، تجاهلت إسرائيل تلك المساعي، ربما على أمل فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية واستغلال عودته إلى السلطة لتحقيق مكاسب سياسية إضافية.

 

على الصعيد الثنائي، تراقب مصر عن كثب توجهات إدارة ترامب تجاه قضايا الأمن الإقليمي والتعاون العسكري والاقتصادي، وسط التصعيد في المنطقة، يبقى السؤال: كيف ستؤثر هذه التطورات على طبيعة العلاقات بين القاهرة وواشنطن، خاصة في ظل المصالح الاستراتيجية المتشابكة بين الطرفين؟

 

 

هل تواجه المنطقة مرحلة جديدة من الهيمنة الإسرائيلية في عهد ترامب؟

 

في ظل حالة من السخط الشعبي والرسمي تجاه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، برزت تحليلات تركز على سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب التي اتسمت بدعم قوي لإسرائيل، تشمل هذه السياسات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، و”صفقة القرن” التي أفضت إلى توقيع اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل ودول عربية.

 

كما أثارت تعيينات ترامب الجديدة، مثل وزير الخارجية والسفير لدى الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للشرق الأوسط، اهتمام الخبراء الذين رأوا فيها إشارة إلى استمرارية نهجه المؤيد لإسرائيل، بل وربما تصعيده، خصوصاً في دعم سياسات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.

 

وفي هذا السياق، حذر عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، وخبراء آخرون من دخول المنطقة مرحلة “هيمنة إسرائيلية” جديدة، حيث ستواصل إسرائيل، وفق تقديراتهم، رفض أي تسوية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، ما يعني استمرار الاحتلال وتفاقم الأوضاع في المنطقة.

 

تصريحات ترامب تثير قلقاً واسعاً

 

أثارت تصريحات أدلى بها ترامب مؤخراً ردود أفعال غاضبة في مصر.

 

التصريح الأول جاء خلال حملته الانتخابية في 16 أغسطس 2024، حيث وصف إسرائيل بأنها “صغيرة” مقارنة بمساحات الأراضي الشاسعة في الشرق الأوسط، مشيراً إلى ضرورة توسعها، أما التصريح الثاني، الذي أثار عاصفة من الانتقادات، فكان تحذيره من أنه إذا لم تُفرج حماس عن الرهائن الإسرائيليين قبل حفل تنصيبه، فإن “الجحيم سينفجر في الشرق الأوسط”.

 

هذه التصريحات اعتُبرت في مصر دليلاً على نية ترامب تصعيد الضغط على حماس وعلى المنطقة بأكملها لصالح إسرائيل، وعلق محللون بأن هذا التهديد الصريح وغير المسبوق يعكس استعداد ترامب لاتخاذ إجراءات قاسية وغير متوقعة، وأكدوا أن المنطقة قد تكون على أعتاب مرحلة تدفع فيها ثمناً باهظاً لصالح المصالح الإسرائيلية، التي ستظل على رأس أولويات أي إدارة جمهورية في الولايات المتحدة.

 

العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة، بين الاستقرار والتوترات

 

ظلت العلاقات المصرية الأمريكية مستقرة لسنوات طويلة، مع غياب ملحوظ لأي خلافات علنية بارزة، إلا أن التوترات عادت إلى الواجهة في سبتمبر 2023، عندما فرضت إدارة الرئيس جو بايدن شروطًا على جزء من المساعدات السنوية المقدمة لمصر، حيث ربطت 320 مليون دولار من إجمالي 1.3 مليار دولار بتحسين سجل حقوق الإنسان، بما يشمل الإفراج عن السجناء السياسيين.

 

ومع ذلك، استمر التنسيق الدبلوماسي المكثف بين البلدين، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارات متكررة إلى القاهرة للتشاور حول المواقف المشتركة، خصوصًا في ظل الحرب الدائرة في غزة.

 

في المقابل، شهدت ولاية ترامب الأولى تعزيزًا كبيرًا للعلاقات بين واشنطن والقاهرة بفضل العلاقة القوية التي جمعت الرئيس ترامب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وأدى هذا التقارب إلى تخفيف المخاوف المتعلقة بالاحتياجات العسكرية المصرية، كما قُدمت المساعدات الأمريكية دون شروط علنية تتعلق بحقوق الإنسان، مع بقاء هذه القضايا ضمن محادثات مغلقة، في الوقت ذاته، نصح المسؤولون الأمريكيون القاهرة بتجنب الاصطدام المباشر مع منتقديها في الكونغرس والإدارة الأمريكية.

 

إحدى أبرز صور الدعم الأمريكي لمصر في عهد ترامب كانت عبر قرض كبير من صندوق النقد الدولي، الذي ساهم في تعزيز استقرار الاقتصاد المصري. ومع توقع عودة ترامب إلى السلطة، تشير التقديرات إلى استمرار هذا الدعم من خلال برامج صندوق النقد، إلى جانب مساندة الموقف المصري في قضية سد النهضة الإثيوبي، وهو موقف سبق أن أعلنه ترامب بشكل صريح خلال ولايته الأولى.

 

توقعات مصر من ولاية ترامب الثانية

 

وأوضح تقرير معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، تتحدد توقعات مصر من إدارة ترامب الثانية استنادًا إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها خلفيته كرجل أعمال يبرع في عقد الصفقات، وموقفه الإيجابي عمومًا تجاه مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى سياساته المؤيدة لإسرائيل خلال ولايته الأولى، وتصريحاته الأخيرة حول القضية الفلسطينية.

 

تُشكل هذه العوامل أساس رؤية مصرية تتسم بالتفاؤل الحذر، إذ تُعرب القاهرة عن أملها في تحسين بعض السياسات مقارنة بفترة إدارة بايدن، لا سيما في ما يتعلق بالجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة. ومع ذلك، ترافق هذه التوقعات مخاوف من احتمال أن يحافظ ترامب على نهج مشابه لولايته السابقة، الأمر الذي قد يستدعي استعدادًا دبلوماسيًا مصريًا للتعامل مع تحديات المرحلة المقبلة.

 

 

الأردن

 

لطالما تمتع الأردن بتحالف استراتيجي قوي مع الولايات المتحدة مدعوم بتوافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، التزم الأردن الحياد، وسارع الملك عبد الله الثاني إلى تهنئة دونالد ترامب بفوزه، معربًا عن أمله في تعزيز التعاون لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

 

لكن خلف هذه التهاني الدبلوماسية، تتزايد المخاوف في الأوساط السياسية الأردنية من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يرى العديد من المراقبين أن هذه الإدارة قد تكون أقل دعمًا للمملكة مقارنة بإدارة بايدن، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو في سياق السياسة الإقليمية الأوسع.

 

تباين في التعامل مع الأردن

 

خلال ولاية ترامب الأولى، استمرت المساعدات الأمريكية للأردن كالمعتاد، مع استقرار عام في العلاقات بين البلدين، لكن دون وجود تواصل شخصي عميق بين القيادتين، بقي الأردن على هامش أولويات ترامب في الشرق الأوسط.

 

وأشار معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، في المقابل، شهدت العلاقات تحسنًا خلال فترة بايدن، حيث تم في سبتمبر 2022 توقيع مذكرة تفاهم مطورة بين واشنطن وعمان للفترة من 2023 إلى 2029. هذه الاتفاقية ضمنت للأردن ما لا يقل عن 1.45 مليار دولار سنويًا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، بزيادة 13.7% مقارنة بالاتفاق السابق، ومن المتوقع أن تصل المساعدات لعام 2025 إلى 2.1 مليار دولار.

 

لكن هذه المساعدات أصبحت الآن قيد المراجعة لمدة 90 يومًا بموجب قرار أصدره ترامب فور توليه الرئاسة، بينما استثنى من هذه المراجعة المساعدات الموجهة إلى كل من مصر وإسرائيل، والتي استمرت دون انقطاع.

 

 

تحديات وفرص في التعامل مع إدارة ترامب

 

الأردن يشعر بالقلق من أن إدارة ترامب قد تستمر في منح الأولوية لدول الخليج الغنية، مثل الإمارات والسعودية، اللتين يعتبرهما ترامب شريكين اقتصاديين رئيسيين، خصوصًا في مجال تجارة الأسلحة، في المقابل، يُنظر إلى الأردن باعتباره أقل أهمية في الحسابات الاقتصادية الأمريكية بسبب محدودية موارده.

 

ورغم هذه المخاوف، يدرك الأردن أن هناك فرصة للاستفادة من نهج ترامب في العلاقات الثنائية، حيث تُعرف إدارته بعدم تركيزها على قضايا حقوق الإنسان والحريات المدنية، ومع أن إدارة بايدن لم تدخل في صدامات كبيرة مع عمان حول هذه الملفات، إلا أن التعامل مع إدارة ترامب قد يمنح الأردن مساحة أكبر لتجنب الضغوط في هذا المجال.

 

ونوه معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، يتصدر القلق الأردني من عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سياساته الإقليمية المتوقعة، فخلال ولايته الأولى، تبنى ترامب خطوات اعتبرها الأردن منحازة بشكل صارخ لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، من بينها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف تمويل وكالة “الأونروا”، إضافة إلى ترويج “صفقة القرن”، التي فسّرها بعض المسؤولين في إسرائيل على أنها موافقة أمريكية ضمنية لضم أراضٍ في الضفة الغربية.

 

بالنسبة للأردن، الذي يشكل الفلسطينيون جزءًا كبيرًا من نسيجه السكاني، مثلت هذه السياسات تهديدًا مباشرًا لأمنه القومي واستقراره الداخلي. المخاوف تتزايد من أن تشهد ولاية ترامب الثانية سياسات أكثر تشددًا، لا سيما مع وجود حكومة إسرائيلية يمينية متشددة، وشخصيات نافذة في إدارة ترامب معروفة بتأييدها القوي لمواقف إسرائيل في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.

 

تهديد الأمن القومي الأردني

 

السيناريو الذي يثير أكبر قدر من القلق في عمان هو احتمال أن تتبنى إدارة ترامب خطة جديدة بروح “صفقة القرن”، بالتنسيق مع حكومة إسرائيل، المخاطر الملموسة من هذا السيناريو تشمل ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، وتشجيع هجرة الفلسطينيين من الضفة أو غزة إلى الأردن، وهي فكرة سبق أن طرحها ترامب.

 

كذلك، يخشى الأردن أن يتم المساس بوضعه الخاص في الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ما يمثل تقويضًا لحل الدولتين وتعزيزًا لفكرة “الوطن البديل”، حيث يُحل النزاع الفلسطيني على حساب السيادة الأردنية.

 

يرى محللون سياسيون مقربون من الديوان الملكي أن أي تحرك في هذا الاتجاه سيكون بمثابة تجاوز خط أحمر، بل قد يُعتبر إعلان حرب على المملكة، ويؤكد هؤلاء أن الأردن سيواجه بحزم أي محاولات للمساس بأمنه القومي وهويته الوطنية، مشددين على أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي والحقوق التاريخية للمملكة في القدس سيبقى أولوية لا تقبل التنازل.

 

الأردن ومخاطر سياسة ترامب تجاه إيران

 

أشار تقرير معهد دراسات الأمن القومي (INSS)،أن الأردن يواجه احتمال تصعيد إقليمي مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بسياساته تجاه إيران، التي يُتوقع أن تكون أكثر صرامة ومواجهة من تلك التي انتهجتها إدارة بايدن، هذا النهج قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات في المنطقة، ما ينعكس بشكل مباشر على استقرار المملكة وأمنها. فمنذ 7 أكتوبر 2023، تعرض الأردن لأنشطة تخريبية من قبل إيران ووكلائها، بما في ذلك اختراقات في أجوائه وأراضيه، إضافة إلى تعطيل الملاحة البحرية من قبل الحوثيين، ما أثر على حركة التجارة في ميناء العقبة، المنفذ البحري الوحيد للأردن.

 

ومع ذلك، يرى الأردن في السياسة العدائية لترامب تجاه إيران فرصة لتعزيز الردع الإقليمي، عبر إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص خطر مشروع “الهلال الشيعي”. كما قد تسهم هذه السياسة في الحد من محاولات إيران التخريبية، التي تصاعدت بشكل ملحوظ على حدوده خلال السنوات الأخيرة.

 

استراتيجية أردنية متعددة المسارات

 

في مواجهة هذه التطورات، من المتوقع أن يتحرك الأردن على مسارين رئيسيين:

تعزيز دوره الاستراتيجي في السياسة الأمريكية:

سيعمل الأردن على إثبات أهميته كحليف استراتيجي في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، متماشياً مع أولويات إدارة ترامب، وتشمل هذه الجهود:

 

دعم استقرار سوريا بعد انتهاء الصراع والمشاركة في إعادة إعمارها، وتكثيف الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات عبر حدوده مع سوريا وإسرائيل، ودعم الجهود الرامية للحد من نفوذ إيران في المنطقة ووضع حد لتحركات وكلائها، والحفاظ على الهدوء في الأماكن المقدسة في القدس، منعًا لأي تصعيد أو اضطرابات، وتطوير مشاريع البنية التحتية الإقليمية، بما في ذلك شبكات الغاز والنقل والتجارة لربط موانئ البحر المتوسط بدول الخليج، والمساهمة في جهود التطبيع العربي-الإسرائيلي، مع الحفاظ على التوازن بين متطلبات السياسة الخارجية وموقف الرأي العام المحلي.

 

ويسعى الأردن إلى بناء تحالف دولي يشمل مصر، السعودية، والاتحاد الأوروبي، بهدف الضغط على إدارة ترامب لطرح صيغة أكثر عدلاً لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويأمل الأردن في تعزيز فرص تحقيق حل الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ويجنب المملكة مخاطر أي ترتيبات قد تتم على حساب استقرارها وهويتها الوطنية.

 

يرى الأردن أن الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر أكدت أن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها، وأن استقرار المنطقة وأمن المملكة يعتمد بشكل جوهري على التوصل إلى حل عادل وشامل، كما يعتبر الأردن أن التطبيع بين إسرائيل والسعودية يمثل آخر ورقة ضغط بيد الدول العربية لدفع إسرائيل نحو تقديم التنازلات الضرورية لتحقيق تسوية دائمة.

 

ومع ذلك، فإن أي اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي لا يتضمن أفقًا سياسيًا واضحًا للفلسطينيين قد يثير مجددًا الحديث عن سيناريو “الوطن البديل”، وهو احتمال يرفضه الأردن بشكل قاطع، بناءً على ذلك، تعوّل عمّان على الدور المؤثر للسعودية في واشنطن، وتسعى إلى بناء موقف عربي موحد تحت قيادة الرياض.

 

تعزيز الموقع الاستراتيجي للأردن

 

يدرك الأردن أن تعزيز قيمته الاستراتيجية لدى إدارة ترامب وإقناعها بدعم حل سياسي للقضية الفلسطينية سيكون مفتاحًا لتحقيق توازن بين أولوياته المتعددة: الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي الوقت نفسه إدارة الضغوط الداخلية المتعلقة بالرأي العام.

 

من جانبها، تستطيع إسرائيل تعزيز هذا التوجه عبر تشجيع إدارة ترامب على الاعتراف بالدور المحوري للأردن في المنطقة، اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه من شأنه تعزيز استقرار المملكة والمنطقة، فضلاً عن تحسين العلاقات الثنائية المتوترة بين عمان والقدس.

 

 

دول الخليج

 

وأشار التقرير إلى أن دول الخليج تنظر بشكل عام إلى إعادة انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة على أنها خطوة إيجابية، رغم وجود فروقات في التوجهات الاستراتيجية بين هذه الدول، على سبيل المثال، خلال فترة ترامب الأولى، لم تكن هناك روابط شخصية واضحة بين إدارته وقيادة قطر، بخلاف العلاقات الوثيقة التي بناها ترامب وفريقه – لا سيما صهره جاريد كوشنر – مع قادة السعودية والإمارات، هذه العلاقات لعبت دورًا جوهريًا في توقيع اتفاقيات أبراهام (Abraham Accords)، بعد فترة من التوتر مع إدارة أوباما.

 

على الرغم من تحسن العلاقات السعودية والإماراتية مع إدارة بايدن خلال نهاية ولايته، ترى دول الخليج في عودة ترامب فرصة لتعزيز التعاون وتحقيق مصالحها في واشنطن، وباستثناء عدم رد الإدارة الأمريكية على الهجوم الذي شنته إيران ووكلاؤها على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، تُعد ولاية ترامب الثانية أكثر تفضيلًا في الأوساط الخليجية.

 

روابط شخصية قوية مع قادة الخليج

 

يتمتع ترامب وأعضاء فريقه بعلاقات شخصية وثيقة مع القادة الرئيسيين في المنطقة، مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، خلال حملته الانتخابية، وصف ترامب بن سلمان بأنه “صديق”، واستمر في الحفاظ على علاقة قوية معه حتى في ظل إدارة بايدن.

 

كما تفيد تقارير بوجود تعاملات اقتصادية كبيرة بين ترامب وعائلته وبعض دول الخليج، حيث كان أول اتصال رسمي له بعد عودته إلى البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي.

 

موقف متساهل تجاه قضايا حقوق الإنسان

 

على غرار سياسته مع مصر، لم يمارس ترامب خلال ولايته الأولى أي ضغوط كبيرة على دول الخليج بخصوص قضايا حقوق الإنسان أو الحريات السياسية، في المقابل، تبنت إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا، حيث انتقدت السعودية بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي وهددت بفرض عقوبات، كما وجه بايدن انتقادات لسياسة السعودية في الحرب على اليمن.

 

 

نهج أكثر صرامة تجاه إيران

 

تتوقع دول الخليج أن يتخذ ترامب موقفًا أكثر عدائية تجاه إيران مقارنة بإدارة بايدن، من خلال تكثيف الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية لإضعاف النظام الإيراني، هذا الموقف يتماشى مع الاستهداف الإسرائيلي المستمر لإيران ووكلائها في المنطقة، ما أضعف تأثيرها الإقليمي خلال العام الماضي.

 

القضية الفلسطينية تتصدر الأجندة الإقليمية

 

أصبحت القضية الفلسطينية من أبرز الملفات الإقليمية بعد الحرب في غزة، حيث تعكس مواقف دول الخليج أهمية هذه القضية للرأي العام المحلي، لذلك، تأمل هذه الدول في أن يدفع ترامب نحو إطلاق عملية دبلوماسية إقليمية تشمل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، إلى جانب تحقيق تقدم في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

 

وتستند هذه التوقعات إلى الثقة في قدرة ترامب على التأثير على صانعي القرار في إسرائيل، خاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفي تصريحات علنية قبل الانتخابات الأمريكية، أعرب مسؤولون كبار في السعودية والإمارات عن رغبتهم في رؤية تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. بالنسبة للسعودية، يُعد هذا شرطًا رئيسيًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بينما تعتبر الإمارات ذلك ضروريًا لمشاركتها في جهود إعادة إعمار غزة واستقرارها بعد الحرب.

 

وقعات إيجابية مع عودة ترامب ومصالح مشتركة في الأفق

 

ترى دول الخليج عمومًا إعادة انتخاب دونالد ترامب تطورًا إيجابيًا، رغم وجود تباينات في المصالح الاستراتيجية بين هذه الدول. على سبيل المثال، لم تكن هناك علاقات شخصية وثيقة بين إدارة ترامب وقيادة قطر خلال ولايته الأولى، بخلاف العلاقات القوية التي طورها ترامب وفريقه – لا سيما صهره جاريد كوشنر – مع قادة السعودية والإمارات، والتي ساهمت في توقيع اتفاقيات أبراهام (Abraham Accords). هذه العلاقات جاءت بعد فترة من التوتر مع إدارة أوباما.

 

وعلى الرغم من أن العلاقات السعودية والإماراتية شهدت تحسنًا مع إدارة بايدن قرب نهاية ولايته، ترى دول الخليج أن إدارة ترامب الثانية قد توفر فرصًا أكبر لتعزيز التعاون مع واشنطن، خاصة في ما يتعلق بمصالحها الحيوية. باستثناء عدم رد الولايات المتحدة على الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، تفضل دول الخليج سياسات ترامب على سياسات بايدن.

 

آمال بتغيرات إقليمية وإضعاف النفوذ الإيراني

 

ترحب دول الخليج، أكثر من أي منطقة أخرى في العالم العربي، بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لما قد يحمله ذلك من فرص لتغييرات إقليمية في صالحها، وأبرزها إضعاف النفوذ الإيراني. هناك وضوح أكبر في سياسة ترامب المتوقعة تجاه إيران مقارنة بمساعيه لتحقيق تسوية إقليمية شاملة تشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، ومع تصاعد أهمية القضية الفلسطينية، خاصة بعد عام ونصف من الصراع الإقليمي، تضاءلت الخلافات في المواقف بين الدول الخليجية المعتدلة وكل من مصر والأردن.

 

من المتوقع أن تدخل العلاقات الأمريكية–السعودية في مرحلة من “شهر العسل” السياسي، نظرًا للمكانة التي يوليها ترامب للمملكة، ودورها المحوري في التأثير الإقليمي، وأمن الطاقة، وصفقات الأسلحة.

 

بالنسبة لترامب، الذي يعتمد في سياساته على مبدأ الصفقات والمصالح المباشرة، تُعد السعودية شريكًا طبيعيًا أكثر انسجامًا مع رؤيته مقارنة بإسرائيل، ومع ذلك، لا يخلو هذا التعاون من تحديات، خصوصًا فيما يتعلق بمطلب السعودية للحصول على معاهدة دفاعية قوية، وهو أمر لا يتماشى مع رؤية ترامب لتقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

 

خاتمة

 

وفي النهاية أوضح معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، أن تجمع الدول العربية على أن القضية الفلسطينية يجب أن تحظى بأهمية أكبر مما تضمنته خطة السلام التي قدمها ترامب خلال ولايته الأولى، أو حتى مما تم طرحه من قبل بعض الدول قبل 7 أكتوبر 2023. إذا استمرت إسرائيل في رفضها لرؤية إقليمية أوسع ولم تحرز تقدمًا في تسوية سياسية مع الفلسطينيين، فإنها تخاطر بعزل نفسها سياسيًا. وقد تفوّت بذلك فرصة تاريخية لتحقيق السلام مع دول أخرى، على رأسها السعودية.

 

علاوة على ذلك، قد يتسبب هذا التعنت الإسرائيلي في توتر العلاقات مع دول مثل مصر والأردن والدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام. كما أن رفض إسرائيل إظهار مرونة في الملف الفلسطيني قد يؤدي إلى تصاعد التوتر بينها وبين إدارة ترامب، التي قد تجد نفسها في تناغم أكبر مع مواقف الدول العربية بهذا الشأن.

 

ملاحظة: الآراء الواردة في تقارير معهد دراسات الأمن القومي (INSS) تعبّر عن وجهات نظر كتّابها فقط.

 

المصدر: 

https://www.inss.org.il/publication/trump-middle-east/

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية