تستكمل منصة “MENA” ثاني أجزاء حوارها مع البرلماني محمود الإمام، متحدثًا عن الحريات وأوضاع مصر المحلية والاقليمية والدولية.
ويمكن مطالعة الجزء الأول من الحوار من هنا
يجيب البرلماني محمود الإمام في الجزء الثاني من الحوار عن بعض الاسئلة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاستثمارات.
عملية بيع الأصول كانت واحدة من الأدوات التي ساعدت مصر على تجاوز أزماتها الاقتصادية الأخيرة، حيث وفرت سيولة دولارية ضرورية لسداد الالتزامات الدولية، خاصة المتعلقة بالديون. بعض الصفقات، مثل صفقة رأس الحكمة، لم تكن مجرد صفقة اقتصادية، بل كان لها بعد سياسي واضح، حيث ساهمت الإمارات بشكل مباشر في تقليل ديونها المستحقة على مصر، مما يعكس شراكة استراتيجية بين البلدين.
لكن إلى جانب الجانب السياسي، هناك أيضًا مصالح اقتصادية مباشرة للدول الخليجية، فقد استفادت من هذه الصفقات بالحصول على أصول استراتيجية بأسعار معقولة، خاصة في قطاعات تحقق عوائد قوية وتدر عملة صعبة، مثل الأسمدة (كيما، سيدي كرير)، والألمنيوم (مصر للألمنيوم)، والموانئ والمشروعات البحرية. هذه الاستثمارات لم تكن مجرد دعم لمصر، بل أيضًا فرص استثمارية مربحة للإمارات والسعودية.
أما عن سبب تركّز هذه الاستثمارات في السعودية والإمارات تحديدًا، فذلك يعود إلى أنهما أكثر الدول العربية دعمًا لمصر خلال السنوات الماضية، فضلًا عن تمتعهما بفوائض مالية كبيرة تؤهلهما للقيام بهذه الاستحواذات. لكن في الوقت نفسه، هناك مخاوف من أن يؤدي هذا التركّز إلى احتكار بعض القطاعات الحيوية، مثل الأسمدة أو الدفع الإلكتروني، وهو ما قد يشكل تحديًا مستقبليًا إذا زادت سيطرة هذه الدول على مفاصل اقتصادية حيوية داخل مصر.
نحن أمام ما يُعرف بـ”اقتصاد المضطر”، حيث تضطر الدولة أحيانًا إلى اتخاذ قرارات قد لا تكون مثالية اقتصاديًا، لكنها ضرورية للخروج من الأزمات. الحكومة المصرية تعمل حاليًا على تنويع مصادر الاستثمارات، من خلال التفاوض مع عدة دول لجدولة الديون وتمديد آجال سدادها لفترات تتراوح بين 5 و10 سنوات، وهو ما يمنح الاقتصاد فرصة للانتعاش. إذا نجحت هذه الاستراتيجية، فقد نتمكن خلال العامين المقبلين من تجاوز “عنق الزجاجة” والوصول إلى مرحلة من الاستدامة المالية، حيث يصبح سداد الديون ممكنًا دون الحاجة إلى اللجوء إلى صفقات اضطرارية.
للأسف، نحن نخرج من أزمة لنقع في أخرى، كان هناك بريق أمل العام الماضي بأن 2024 سيكون أفضل من الأعوام السابقة، خاصة مع تراجع حدة أزمة أوكرانيا والدخول في مفاوضات حول غزة، لكن التطورات السياسية المفاجئة، مثل تهديدات دونالد ترامب والحديث عن عقوبات قد تؤثر على مؤسسات مالية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أدت إلى حالة من القلق وعدم اليقين، هذه التهديدات جعلت الأسواق أكثر حذرًا، وهو ما انعكس على ارتفاع سعر الدولار مجددًا، مما يشير إلى تراجع في ثقة السوق وانتظار لما سيحدث سياسيًا واقتصاديًا.
إذا تمكنّا من احتواء هذه التوترات والوصول إلى حلول سياسية مستقرة، فقد يعود التفاؤل إلى الأسواق مجددًا خلال العام الجاري، لكن إذا استمر الوضع الجيوسياسي المتأزم، فمن المتوقع أن نواجه مزيدًا من التحديات الاقتصادية، خلال السنوات الخمس الماضية، كان الاقتصاد المصري يتأثر بشكل مباشر بالأحداث الجيوسياسية، بدءًا من الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة قناة السويس التي كلفت مصر 7 مليارات دولار، وأزمة غزة، بالإضافة إلى التوترات في ليبيا والسودان، هذه العوامل، إلى جانب الأخطاء الداخلية في إدارة بعض الملفات الاقتصادية، فاقمت الأزمات بشكل متسارع.
مع التعديلات الأخيرة في الحكومة، كان هناك تفاؤل بانخفاض معدلات التضخم وانخفاض أسعار الفائدة، مما كان سيسمح للدولة بالاقتراض بتكلفة أقل، لكن تصريحات ترامب وقراراته الاقتصادية العدوانية، إلى جانب فرض رسوم جديدة، أثارت مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وهو ما سيؤثر على مصر بشكل كبير، ارتفاع معدلات الفائدة عالميًا يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، وهو ما يزيد الضغط على الاقتصاد المصري.
أما بخصوص تعويم الجنيه، فإن الوضع سيعتمد على كيفية إدارة الدولة للسيولة الدولارية وسياستها النقدية خلال العام الجاري، إذا استمرت الضغوط على الاحتياطي النقدي، فقد يكون هناك تحريك جديد لسعر الصرف، لكن القرار النهائي سيتوقف على مدى قدرة الحكومة على جذب استثمارات أجنبية وتوفير مصادر تمويل بديلة.
الصناديق الخاصة كانت دائمًا محل اهتمام الحكومات السابقة والحالية لأسباب متعددة، أولًا، لأنها تتيح فرض رسوم على المواطنين بشكل غير مباشر، خارج نطاق الموازنة العامة للدولة، مما يوفر مصدر تمويل إضافي لا يخضع للقيود الصارمة للموازنة الرسمية، ثانيًا، كانت تستخدم كوسيلة لاستيعاب العمالة، وهو ما أدى في بعض الأحيان إلى تعيينات قائمة على المحسوبية والواسطة، ثالثًا، بقيت هذه الصناديق خارج نطاق الرقابة البرلمانية المباشرة، حيث يركز مجلس النواب عادة على الموازنة العامة للدولة وميزانيات الهيئات الاقتصادية، رغم خضوعها للجهاز المركزي للمحاسبات.
على مدار السنوات الثلاث الماضية، سعينا إلى دمج الموازنات المختلفة لضمان شفافية مالية أكبر، وقد نجحنا جزئيًا في ذلك، تم إصدار قانون يدمج الموازنة العامة للدولة مع موازنات الهيئات الاقتصادية فيما يُعرف بـ “الموازنة الحكومية المجمعة”، وهو ما أقرّته الدولة استنادًا إلى توصيات مجلس الشيوخ والنواب وكذلك الحوار الوطني.
لكن حتى الآن، لم ننجح في إدماج الصناديق الخاصة ضمن هذه الموازنة المجمعة، مما يجعل من الصعب تحديد حجم أصولها وإدارتها بشكل متكامل، الحل الأمثل هو التزام الحكومة بدمج هذه الصناديق تحت مظلة الموازنة العامة للدولة، بحيث يتم تصنيف الصناديق ذات الأهمية الاستراتيجية بشكل مستقل، بينما يتم دمج الصناديق غير الضرورية في الموازنة العامة، مما يضمن الشفافية وإعادة توجيه الموارد بشكل أكثر عدالة وكفاءة.
الهيئات الاقتصادية في مصر تحتاج إلى إعادة تقييم شاملة لضمان أنها تؤدي دورها وفقًا لمفهومها الحقيقي، خلال مناقشة قانون المالية العامة، طالبنا في مجلس الشيوخ، ثم مجلس النواب، وأخيرًا في الحوار الوطني، بضرورة دمج الموازنات المختلفة لضمان وضوح الأداء المالي لهذه الهيئات.
حاليًا، لدينا 55 هيئة اقتصادية، لكن الحقيقة أن العديد منها لا يمكن تصنيفه كهيئة اقتصادية بالمعنى الدقيق، لأن المعيار الأساسي لأي هيئة اقتصادية هو أن تكون لديها إيرادات تغطي نفقاتها على الأقل، بل وتحقق أرباحًا، لكن عند مراجعة الموازنة العامة للدولة، وجدنا أن كثيرًا من هذه الهيئات لا تحقق أي أرباح أو حتى إيرادات كافية، مما يعني أنها أقرب إلى الهيئات الخدمية وليست اقتصادية.
استجابةً لمطالبنا، أصدر رئيس الوزراء قرارًا بمراجعة وتصنيف هذه الهيئات، بحيث يتم نقل الهيئات غير الربحية إلى فئة الهيئات الخدمية، مثلما يحدث مع قطاعات الصحة والتعليم التي تمولها الدولة، في حين يتم إعادة هيكلة الهيئات التي يمكن أن تحقق أداءً اقتصاديًا أفضل، الهدف النهائي هو أن تظل فقط الهيئات التي تستوفي معايير الهيئات الاقتصادية، مما يضمن كفاءة الأداء، وزيادة الشفافية، وتحقيق أفضل استغلال للموارد المالية للدولة.
تأسيس حزب الجبهة الوطنية والذي أثار العديد من التساؤلات حول أهدافه الحقيقية ودوره في المشهد السياسي المصري، خاصة مع انضمام عدد كبير من القيادات السياسية والتنفيذية السابقة والحالية إليه، ومن حيث المبدأ، لا توجد مشكلة في تأسيس أحزاب جديدة، بل إننا دائمًا ندعو إلى توسيع المجال الحزبي لتعزيز التعددية السياسية.
لكن ما يثير التساؤل هو أن الحزب لم يعلن عن توجه سياسي واضح أو هوية أيديولوجية محددة، كما أن قادته أكدوا أنهم ليسوا حزب موالاة ولا معارضة، ولا يسعون للوصول إلى السلطة، وهو ما يتناقض مع المفاهيم السياسية الأساسية، حيث يُفترض أن أي حزب سياسي يسعى إما لدعم السلطة الحالية أو لمعارضتها، مع العمل على تقديم بدائل وبرامج سياسية تسهم في تشكيل مستقبل الدولة.
وجود شخصيات من خلفيات سياسية مختلفة، بين محافظين ويساريين، زاد من الغموض حول هوية الحزب واتجاهه الأيديولوجي، وهذا يبرز إحدى المشكلات الرئيسية في العمل الحزبي المصري، حيث تُؤسس أحزاب دون وضوح في التوجه أو الهدف، مما يجعل من الصعب على المواطنين تحديد موقفهم منها أو الانضمام إليها بناءً على قناعات سياسية راسخة.
خلال الفترة القادمة، سيكون على حزب الجبهة الوطنية أن يحدد بوضوح برنامجه السياسي، ويشرح رؤيته وأهدافه، حتى يتمكن من كسب ثقة المواطنين والتفاعل بجدية داخل الساحة السياسية.
الحوار الوطني في مصر كان خطوة إيجابية وحراكًا سياسيًا مهمًا استجابةً لدعوة الرئيس، واستبشرنا به خيرًا عند انطلاقه، خاصةً أنه وفر منصة للنقاش حول العديد من القضايا الوطنية، ومع ذلك، وبعد مرور نحو عامين، لم نشهد تطبيقًا ملموسًا لنتائجه إلا في بعض القطاعات، ثم بدأ يتراجع زخمه بشكل واضح.
في الفترة الأخيرة، أصبح الحوار الوطني أقرب إلى اجتماعات دورية لمجلس الأمناء دون تفاعل حقيقي من القوى المجتمعية والسياسية، حيث نسمع عن اجتماعات لمجلس الأمناء كل فترة، ثم تختفي الأخبار مجددًا، مما جعل الحوار يفقد تأثيره التدريجي في المشهد السياسي.
كما أن دور مجلس الأمناء توسع بشكل غير متوقع، فبينما كان دوره الأساسي وفق اللائحة هو تلقي نقاشات اللجان المختلفة وفرزها ورفعها إلى الرئاسة، يبدو أنه أصبح هو المتحكم الرئيسي في الحوار، مما أضعف مشاركة الأطياف المختلفة للمجتمع وأبعده عن الهدف الأساسي.
إذا استمر الوضع الحالي دون إعادة هيكلة لطريقة إدارة الحوار، فقد يفقد قيمته الحقيقية كأداة للإصلاح السياسي، الحل الأمثل هو إعادة تفعيل اللجان الفرعية بمشاركة أوسع من القوى السياسية والمجتمعية، وإعادة مجلس الأمناء إلى دوره الأساسي كجهة تنظيمية وليست طرفًا رئيسيًا في صناعة التوصيات، بغير ذلك، سيظل الحوار الوطني مجرد فكرة دون تطبيق حقيقي على أرض الواقع.
الحركة المدنية تواجه تحديات رئيسية بسبب طبيعة تكوينها، فهي تتعامل مع نفسها وكأنها كيان سياسي موحد، في حين أنها تضم أحزابًا من توجهات مختلفة، مثل القومية، واليسارية، واليمينية، والوسطية، من الطبيعي أن يحدث تباين في وجهات النظر داخل أي تحالف، لكن المشكلة الأساسية هي الجمود في المواقف، حيث تتعامل الحركة المدنية.
اقرأ أيضًا:
هشام قاسم: لا أعامل الحوار الوطني بجدية.. وكاميلا هاريس الأقرب للفوز بالانتخابات الأمريكية
عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا
السفير رخا لمنصة MENA: الموقف العربي حاسم أمام التهجير.. ومصر في المقدمة