ترجمات

الدول العربية تدرك جديّة ترامب بشأن غزة

مصر تتحرك بسرعة لإيجاد بديل لخطة ترامب خشيةً من تداعيات تهدد استقرار الشرق الأوسط.

 

ذكرت صحيفة The Wall Street Journal  في تقرير لها أن مصر بدأت حملة دبلوماسية نشطة لحشد التأييد لمبادرة عربية تهدف إلى إعادة إعمار قطاع غزة بتمويل عربي، متجاوزة اعتبارات سياسية سابقة في محاولة لإحباط خطة ترامب التي قوبلت برفض واسع في العالم العربي.

 

أظهرت التحركات المصرية كيف أدى اقتراح الرئيس ترامب غير المتوقع بشأن سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتحويلها إلى وجهة دولية، مع نقل السكان الفلسطينيين إلى خارجها، إلى تغيير مواقف اللاعبين الرئيسيين في المنطقة تجاه الصراع المستمر منذ 16 شهرًا بين إسرائيل وحماس.

 

قلق عربي من تداعيات تهجير الفلسطينيين

 

الدول العربية التي كانت تأمل في استخدام قدراتها المالية لدعم إقامة دولة فلسطينية تواجه الآن تحديًا أكبر، وهو منع نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة قد يهدد استقرار الدول المجاورة التي قد تُجبر على استقبالهم.

 

إذا لم تنجح مصر في طرح بديل مقبول، فقد تواجه مخاطر كبيرة، خاصة أن ترامب لمّح أكثر من مرة إلى إمكانية نقل سكان غزة إلى الأراضي المصرية، رغم رفض القاهرة القاطع لذلك، وعندما سئل يوم الثلاثاء عن مصير الفلسطينيين، أجاب: “أعتقد أن لدينا قطعة أرض في مصر.”

 

 

مصر تضع خطة لإبقاء الفلسطينيين في غزة

 

وأشارت The Wall Street Journal وفقًا لمصادر مطلعة، تتضمن الخطة المصرية إبقاء الفلسطينيين في أماكنهم داخل غزة، وتشكيل لجنة إدارية من التكنوقراط لإدارة شؤون القطاع، بمشاركة قوات أمن فلسطينية مدربة من قبل دول عربية، وتسعى مصر الآن لجمع تمويلات من مصادر عربية حكومية وخاصة، وتخطط لعقد مؤتمر للمانحين لضمان الالتزامات المالية، ومن المقرر أن تستغرق خطة إعادة إعمار غزة ما يصل إلى خمس سنوات، على أن تُنفذ على مراحل، تبدأ بإعادة الخدمات الأساسية وتوفير المأوى للسكان.

 

بهذه الخطوة، تحاول مصر تقديم بديل واقعي لخطة ترامب، مع الحفاظ على استقرار المنطقة وتفادي التداعيات الكارثية لتهجير الفلسطينيين من غزة.

 

أفكار قديمة… وأسئلة بلا إجابات

 

تشبه هذه الخطة أفكارًا أخرى طُرحت خلال الحرب، لكنها لا تزال تترك العديد من الأسئلة دون إجابات واضحة:

 

كيف سيتم إقصاء حماس من السلطة أو منعها من أن تكون عامل تعطيل؟ من سينضم تحديدًا إلى قوات الأمن، وهل سيتمتعون بالكفاءة الكافية للتعامل مع أي مسلحين متبقين؟ هل سيكون هناك ما يكفي من المال لمشروع إعادة الإعمار الذي سيستغرق سنوات، ومن سيوفر هذا التمويل؟ هل سيستمر وقف إطلاق النار بما يكفي لضمان نجاح العملية؟

 

وقف إطلاق النار… مفتاح التمويل الخليجي

 

وذكرت The Wall Street Journal أن وقف إطلاق النار أمرًا بالغ الأهمية للحصول على الأموال من دول الخليج، التي لا ترغب في أن تُهدر أموالها في حال اندلاع قتال جديد، كما تطالب هذه الدول بضمانات واضحة بعدم قدرة حماس أو السلطة الفلسطينية على إساءة استخدام أموال إعادة الإعمار، وفقًا لما ذكره أشخاص مطلعون على الأمر.

 

تسعى مصر أيضًا إلى فصل قضية إقامة دولة فلسطينية عن جهود إعادة إعمار غزة ووضعها على مسار سياسي مختلف، بحسب ما قاله المطلعون على المناقشات.

 

 

تغيير في الموقف العربي تجاه إعادة إعمار غزة

 

على الرغم من استمرار مصر في التأكيد على ضرورة وضع خارطة طريق تؤدي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية، إلا أن رغبتها في المضي قدمًا في ترتيبات إدارة وإعادة إعمار غزة تمثل تحولًا كبيرًا في موقف الدول العربية. فقد أكدت هذه الدول مرارًا العام الماضي أنها لن تمول إعادة الإعمار في غزة دون التزام واضح بإقامة وطن فلسطيني.

 

كانت الحجة الأساسية للدول العربية هي أن عدم وجود التزام بإقامة دولة فلسطينية سيبقي الصراع دون حل، مما يعني تكرار موجات الدمار في المستقبل.

 

قال ه. أ. هيليير، خبير الأمن في معهد الخدمات الملكية المتحدة:
“بالنسبة للعالم العربي، إدراك أن ترامب يعني ما يقوله بخصوص غزة يعني ضرورة البحث عن بديل للمضي قدمًا.”

 

وأكد هيليير أن قضية الدولة الفلسطينية “لن تُطرح جانبًا، لكنها لن تكون شرطًا مسبقًا لبدء إعادة الإعمار.”

 

هذا التغير في الموقف يعكس واقعية سياسية جديدة في العالم العربي، مدفوعة بإدراك أن خطة ترامب جادة وأن التأخير في إعادة إعمار غزة قد يؤدي إلى مزيد من التوترات وعدم الاستقرار.

 

قبول محدود لأسباب إنسانية وتجنب التهجير الجماعي

 

وأشارت The Wall Street Journal أن الدول العربية تحاول تخفيف الضغط عليها لاستقبال الفلسطينيين النازحين من غزة من خلال زيادة قبول الحالات الإنسانية. قال الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، الذي التقى بالرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء، إن بلاده ستستقبل 2000 طفل مريض من غزة، كما استقبلت مصر المرضى والمصابين، وتُجرى مناقشات أوسع في المنطقة لتوسيع نطاق القبول ليشمل الفلسطينيين الذين يرغبون في استكمال دراستهم.

 

ووجه ترامب دعوة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة البيت الأبيض، لكن السيسي يشعر بالقلق من التداعيات السياسية لهذا اللقاء، ولم يتم تحديد موعد للزيارة بعد، وفقًا لمسؤولين مصريين. ولم ترد مصر فورًا على طلب التعليق على الأمر.

 

وقد أعلنت مصر يوم الأحد أنها ستستضيف قمة عربية في 27 فبراير لمناقشة “التطورات الجديدة والخطيرة في القضية الفلسطينية”، وتهدف هذه القمة إلى تنسيق موقف عربي موحد تجاه الأزمة المتصاعدة في غزة.

 

 

فرصة للدول العربية لطرح مبادراتها الخاصة

 

قال ديفيد شينكر، الذي شغل منصب كبير مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط خلال الفترة الأولى من رئاسة ترامب:
“هناك فرصة للدول العربية لتقديم مقترحاتها الخاصة.”

 

وأضاف أن السؤال الأساسي الآن بالنسبة لـ عبد الله الثاني، والسيسي، والإمارات، والسعودية، وجميع الدول المهتمة هو: “التوصل إلى موقف منسق بشأن ما سيفعلونه في غزة.”

 

يشكك العديد من خبراء الشرق الأوسط في جدوى خطة ترامب، وذلك بسبب مخاوف الفلسطينيين من النفي الدائم، كما أعرب بعضهم عن قلقهم من الناحية القانونية، متسائلين عما إذا كانت الخطة قد تُعتبر تطهيرًا عرقيًا بموجب القانون الدولي.

 

تحاول الدول العربية إيجاد توازن دقيق بين تقديم مساعدات إنسانية محدودة لتخفيف الضغوط الدولية، وبين رفض أي تهجير جماعي قد يهدد استقرار المنطقة، كما تسعى إلى توحيد موقفها للتعامل مع سياسة ترامب المثيرة للجدل بشأن غزة.

 

ترحيب إسرائيلي وتحفظات من عائلات الأسرى

 

رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخطة دونالد ترامب ووصفها بأنها “تفكير جديد”، في الوقت نفسه، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي تعليمات للجيش بوضع خطط طوارئ لنقل الفلسطينيين، لكن عائلات الرهائن المحتجزين في غزة تشعر بالقلق من أن هذه الخطة قد تعقد جهود الإفراج عن أحبائهم في مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية.

 

بساطة الخطة… حل معقد لمشكلة شائكة

 

وقالت The Wall Street Journal، من وجهة نظر ترامب، فإن خطته تتميز بـ البساطة، وفقًا لبعض مؤيديها، فهي لا تهدف فقط إلى تسهيل إعادة إعمار غزة، بل تلمّح أيضًا إلى حل للسؤال الصعب بشأن كيفية إخراج حماس من القطاع، إذ سيكون الجميع مطالبين بمغادرة المنطقة.

 

ويرى بعض المدافعين عن الخطة داخل إدارة ترامب أن هناك فائدة غير مباشرة، وهي أنها قد تدفع الدول العربية للمساهمة في حل التحديات الأمنية والمالية المتعلقة بإعادة إعمار غزة.

 

روبيو: على العرب تقديم بديل إذا رفضوا خطة ترامب

 

قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مقابلة إذاعية يوم الاثنين إن خطة ترامب هي مثال على “التفكير خارج الصندوق”. وأضاف أن “على الدول العربية التي ترفض الخطة أن تقدم حلاً بديلاً”.

 

وفي حديثه لـ SiriusXM Patriot، قال روبيو: “الحقيقة الصادمة هي أن الشرق الأوسط كان لفترة طويلة منطقة تُكثر فيها الدول من الكلام دون أفعال.”

 

وعلى الرغم من تزايد الانتقادات، يتمسك ترامب بموقفه. وقال خلال اجتماعه مع الملك عبد الله يوم الثلاثاء:
“سنأخذها، سنحتفظ بها، وسنعتز بها.”

 

تثير خطة ترامب جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت ستحقق تغييرًا في المعادلة السياسية في الشرق الأوسط أو أنها مجازفة خطيرة قد تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين وتعقيد مفاوضات وقف إطلاق النار. وبينما تراها إسرائيل “تفكيرًا جديدًا”، تراها أطراف أخرى تهديدًا للاستقرار الإقليمي.

 

فنادق ومساكن للزوار من جميع أنحاء الشرق الأوسط

 

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة أخرى فكرته بأن غزة ستتحول إلى وجهة سياحية ساحلية، تتضمن فنادق ومساكن تستقبل الزوار من مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

 

وجد الملك عبد الله الثاني نفسه في موقف محرج بين ضغوط ترامب ومواقف الدول العربية.وأعلن أن الأردن ومصر وحكومات عربية أخرى سترد على خطة ترامب من خلال طرح خطتها الخاصة لمستقبل غزة في وقت لاحق من هذا الشهر.

 

وقال الملك عبد الله:
“دعونا ننتظر حتى يقدم المصريون أفكارهم.”

 

تأتي تصريحات ترامب في وقت تسعى فيه الدول العربية إلى صياغة رؤية موحدة لمستقبل غزة بعد الحرب، في مواجهة خطة ترامب المثيرة للجدل التي تتضمن تحويل القطاع إلى وجهة سياحية دولية.

 

اقرأ أيضًا:

 

ترامب يزعم أن مصر “منفتحة” على استقبال الفلسطينيين من غزة.. والقاهرة تنفي ذلك

 

العالم العربي وإدارة ترامب له في ولايته الثانية

 

إسرائيل “تستفز مصر” من جديد في الحرب على غزة

 

ممرات إسرائيلية تهدد التجارة المصرية.. ما القصة؟

 

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية