بينما يشتعل الشرق الأوسط بقضية تهجير الفلسطينيين التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبدو الأوضاع وكأن هناك من يسكب الزيت على النار. فقد عادت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل إلى الواجهة مجددًا بعد عقودٍ من بقائها في الظل. ووسط هذه التطورات المتلاحقة والمخططات الأمريكية المرفوضة، جاءت زيارة رونالد لاودر، رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، إلى القاهرة ولقاؤه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، لتثار تساؤلات عديدة حول جدواها، خاصة في هذا التوقيت الحرج، وما تحمله من دلالات وتداعيات.
قال الدكتور محمد عثمان، خبير العلاقات الدولية، إن زيارة رئيس الكونغرس اليهودي جاءت في وقت حرج، حيث وصل الصراع في غزة إلى نقطة فاصلة تهدد القضية الفلسطينية، خصوصًا بعد طرح إدارة ترامب مقترح تسوية يتضمن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم. هذه الرؤية وجدت ترحيبًا لدى الجانب الإسرائيلي بطبيعة الحال، بينما تمسكت مصر بموقفها التاريخي الرافض للتهجير، وهو الموقف الذي تبنته الدول العربية والفصائل الفلسطينية المختلفة. وقد لقي هذا الرفض دعمًا دوليًا من الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، إضافة إلى الصين، وروسيا، وحتى أستراليا.
وأضاف عثمان في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن هذا الموقف أدى إلى تصاعد حدة التوتر بين مصر من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، على نحو غير مسبوق. وفي ظل هذا التوتر الشديد الذي يهدد استقرار المنطقة، جاءت هذه الزيارة ضمن تحركات تهدف إلى احتواء الأزمة وإعادة الأمور إلى مسار أكثر عقلانية في التعامل مع أزمة غزة.
وعن نتائج الزيارة، أوضح عثمان أن أبرزها كان تفهم الكونغرس اليهودي العالمي للموقف المصري، وتأييده الصريح لخطة إعادة إعمار قطاع غزة، التي ترتكز على إزالة آثار العدوان وإعادة بناء البنية التحتية، دون المساس بالسكان أو تهجيرهم، مع عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. كما أشار لاودر، خلال لقائه بالسيسي، إلى أن تحقيق السلام في المنطقة لن يكون ممكنًا إلا عبر حل الدولتين، وهو ما يتماشى تمامًا مع الموقف المصري والعربي، ومع قرارات الشرعية الدولية.
وأشار عثمان إلى أن القمة العربية المرتقبة من المتوقع أن تخرج بموقف واضح يرفض مخططات التهجير، ويدعم الرؤية المصرية لإعادة إعمار غزة دون ترحيل سكانها، مع التمسك بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 كسبيل وحيد لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وأضاف أن تأييد الكونغرس اليهودي لهذا التوجه، بفضل ثقله ونفوذه لدى يهود العالم، قد يعزز فرص التجاوب الدولي مع مخرجات القمة.
وأكد عثمان أن هذه الزيارة تعكس الدور المركزي لمصر في الشرق الأوسط، باعتبارها قوة إقليمية كبيرة قادرة على دفع أجندة السلام والاستقرار، كما أنها تؤكد حجم الدعم الذي تقدمه القاهرة للقضية الفلسطينية منذ نكبة 1948. واعتبر أن الزيارة بمثابة تذكير للولايات المتحدة بأهمية مصر كدولة مؤثرة ذات وضعية خاصة في المنطقة، ما يجعل من الضروري استثمار علاقاتها الاستراتيجية مع القاهرة لدعم الاستقرار الإقليمي، بدلًا من تجاهل دورها، وهو ما قد يضر بأمن إسرائيل ومصالح واشنطن في المنطقة.
من جانبه، قال الدكتور حامد فارس، الخبير السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، إن زيارة رئيس الكونغرس اليهودي تعكس محورية الدور المصري في قضايا الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية، التي تعد أولوية بالنسبة للقاهرة على المستويين العربي والإقليمي، في ظل تصاعد التوترات في قطاع غزة.
وأضاف فارس أن لاودر ربما جاء إلى مصر في محاولة لتهدئة الأجواء بين القاهرة وتل أبيب، التي شهدت توترات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة. فقد أكدت مصر، على لسان رئيسها ووزير خارجيتها، أن أي تهديد لأمن سيناء يعد خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف. وبالفعل، عززت القوات المسلحة المصرية انتشارها في سيناء، تأهبًا لأي تطورات محتملة، وهو ما أثار استياء إسرائيل، التي رد إعلامها بانتقادات متكررة لموقف مصر من الأزمة.
وأشار فارس إلى أن الزيارة سلطت الضوء على أهمية الدور المصري كوسيط بين حماس وإسرائيل في ظل تعقيدات المشهد الحالي. وقد أكد رئيس الكونغرس اليهودي، خلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، التزامه بدعم الموقف المصري وتقديره لدور القاهرة في التوسط بين الأطراف المتنازعة.
وأضاف فارس أن تصريحات لاودر بشأن تطلعه إلى الخطة المصرية المنتظر تقديمها في القمة العربية، تعكس اهتمامًا دوليًا متزايدًا بالمقترح المصري حول مستقبل غزة وإعادة إعمارها، وهو ما يمنح دفعة قوية للدور المصري في إدارة الملف الفلسطيني.
كما أكد أن هذا الطرح يحظى بدعم عدد من الدول العربية التي تتبنى الرؤية المصرية، في ظل ظرف حساس وحاسم لمستقبل فلسطين والمنطقة بأكملها.
من جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن تأييد رئيس الكونغرس اليهودي العالمي للمقترح المصري بشأن غزة، وتأكيده على أهمية الحل السلمي للقضية الفلسطينية، يعكس مدى تأثير الموقف المصري والدبلوماسية المصرية في تقديم رؤية عادلة تدعم فرص الاستقرار إقليميًا ودوليًا. وأوضح أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية للوصول إلى حل دائم وشامل، يضمن تنفيذ حل الدولتين، وهو المبدأ الذي تبنته الدول العربية، وفي مقدمتها مصر.
وأضاف فهمي في حديثه لمنصة “MENA“، أن هذه الزيارة تمثل رسالة واضحة برفض مصر القاطع لفكرة تهجير الفلسطينيين، وهو ما تفهمه رئيس الكونغرس اليهودي باعتباره مطلبًا عادلًا. وأشار إلى أن النظرة الإسرائيلية لهذه الزيارة اختلفت عن أي دولة أخرى، حيث رأت تل أبيب أن زيارة رئيس الكونغرس اليهودي إلى مصر ستعزز الموقف المصري الرافض لمخططات التهجير، خاصة في هذا التوقيت الحرج، الذي أعقب طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة التهجير، وإصراره على تحويل قطاع غزة إلى ما سماه “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو المخطط الذي رفضته مصر بشكل قاطع، ووصفته بأنه ظلمٌ لا يمكن للقاهرة أن تشارك فيه.
وأشار فهمي إلى الدور البارز الذي لعبته الدبلوماسية المصرية خلال الفترة الماضية، حيث نجحت في دفع عدة دول إلى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، الذي عانى من ويلات الحروب لعقود طويلة. وأضاف أن أحداث 7 أكتوبر كانت بمثابة تذكير للعالم بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الذين لا يملكون سوى قضية عادلة يسعون إلى اعتراف العالم بها، دون أن يكون لهم أي مطالب سوى العيش بسلام، بعيدًا عن مخططات التهجير القسري، التي ترفضها مصر تحت أي ظرف.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن كلمة مصر تظل قوية ومؤثرة، حيث تعمل القاهرة بهدوء وبحكمة دبلوماسية، مستندة إلى تاريخ طويل من دعم القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن مصر بدأت بالفعل عمليات إعمار غزة، بعدما أدخلت المعدات الثقيلة إلى القطاع، في خطوة تمثل إجبارًا للمجتمع الدولي على المساهمة في إعادة الإعمار، والتراجع عن أي مخططات قد تؤدي إلى تشريد الفلسطينيين، وهو الأمر الذي يقوض فرص السلام في المنطقة.
اقرأ أيضًا:
الدول العربية تدرك جديّة ترامب بشأن غزة
ممرات إسرائيلية تهدد التجارة المصرية.. ما القصة؟
جهود مصرية مكثفة لاحتواء التصعيد وعدم اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة