ترجمات

الخطة العربية لغزة.. قضايا شائكة تنتظر الحل

في خضمِّ الجمود المستمر بين إسرائيل وحركة “حماس” حول الملفات الجوهرية، يبدو مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب غامضاً، دون أي بصيص أمل في تسوية سياسية قريبة، فبينما تتصاعد التصريحات من الجانبين، تترك الخطة العربية المُقترحة أسئلة حرجة دون إجابات، مما يُعمّق من حالة الترقب التي تحيط بمصير القطاع المحاصر. هل تنجح الجهود الإقليمية في كسر الحلقة المفرغة، أم ستظل غزة رهينة الصراعات العالقة؟ الساحة السياسية تنتظر فكَّ طلاسم هذه المعادلة الصعبة.

 

ترامب يطرح “حلم ريفيرا” على أنقاض غزة.. والزعماء العرب يُقدّمون بديلهم

 

قال تقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز عندما أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصريحًا مثيرًا الشهر الماضي، داعيًا إلى نقل مليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وتحويلها إلى واجهة ساحلية سياحية تحت اسم «ريفيرا»، اصطدمت الفكرة بموجة رفض عربية عارمة، سارع الزعماء العرب إلى رفض الفكرة على الفور، وبدؤوا في تسويق مشروع طموح خاصٍّ بهم، في محاولة لاحتواء التداعيات السياسية والإنسانية لفكرة يُنظر إليها على أنها «استنساخ للنكبة»، فبين أحلام التطوير السياحي وواقع اللاجئين، تطفو تساؤلات عن مصير القطاع الذي يئن تحت وطأة الحروب، فهل تُكتب الحياة لـ«غزة ريفيرا» أم تظل حبيسة الصراعات؟ المشهد ينتظر فصلًا جديدًا من معركة الرؤى المتصارعة.

 

اجتمعت العواصم العربية في قمة استثنائية بالقاهرة يوم الثلاثاء، مُعلنةً رؤيةً جريئة لمستقبل غزة تهدف إلى كسر الحلقة المفرغة للصراع.

 

تتمركز الخطة على ثلاث ركائز: إعادة إعمار القطاع المُدمر مع ضمان بقاء سكانه الفلسطينيين دون تهجير، وتهميش دور حركة “حماس” المسلحة التي تسيطر على غزة، وتشكيل لجنة إدارية مؤقتة من الكفاءات التقنية لإدارة شؤون القطاع خلال مرحلة انتقالية، قبل تسليمه إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

 

والأكثر طموحًا في المبادرة العربية هو حلم توحيد شطري الوطن الفلسطيني (غزة والضفة) في دولة واحدة، وهو الهدف الذي ظل يُشكل حجر الزاوية في المشروع الوطني الفلسطيني لعقود، وعلامة أملٍ لملايين العرب. لكن بين وثيقة القمة وتعقيدات الأرض، تبرز أسئلة مصيرية: هل تُجدد الخطة العربية فرصةً لسلامٍ مُغيّب، أم تتحول إلى فصلٍ جديد من سيناريو الأزمات المُتكررة؟ المشهد ينتظر إجاباتٍ من واقعٍ تغذيه النيران.

 

وذكرت نيويورك تايمز أن مع استمرار الجمود بين إسرائيل وحماس بشأن القضايا المحورية، تظل الرؤية لمستقبل غزة بعد الحرب غامضة، خاصة أن الخطة المطروحة لم تجب على العديد من الأسئلة الجوهرية.

 

إحدى النقاط الرئيسية غير المحسومة هي مسألة نزع سلاح حماس، فبينما تصرّ كل من إسرائيل وإدارة ترامب على أن تفكيك الجناح العسكري للحركة أمر غير قابل للتفاوض بسبب التهديد الذي يشكله على إسرائيل، ترى حماس أن ذلك يمثل خطًا أحمر لا يمكنها القبول به.

 

أقصى ما أشار إليه البيان الذي وقّعته الدول العربية مساء الثلاثاء هو إشارة غير مباشرة إلى ضرورة أن تكون إدارة الأمن في غزة بيد “قوة مسلحة واحدة وسلطة شرعية واحدة”، كما أكد البيان على ضرورة أن تتولى السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا إدارة كل من غزة والضفة الغربية في المستقبل، ما يعني ضمنيًا أن المسؤولية الأمنية ستقع على عاتق السلطة الفلسطينية، وليس حماس.

 

الدولة الفلسطينية حلمٌ يواجه “جدار إسرائيلي”

 

وأشارت نيويورك تايمز أنه رغم إجماع الدول العربية على ضرورة تجريد حركة “حماس” من أسلحتها، لا تزال المخاوف الأمنية تُلوّح في الأفق. فمصر، المُضيفة للقمة الطارئة والجار الجنوبي لقطاع غزة، تُعبر عن قلقٍ استراتيجي من وجود ترسانة الحركة العسكرية على حدودها، وهو القلق الذي تتشاركه معها دول عربية أخرى.

 

لكن يظل السؤال العالق: كيف سيُفرض نزع السلاح؟ فالمشهد يفتقر إلى خريطة تنفيذية واضحة، أو حتى جهة دولية قادرة على إجبار الحركة – التي رحبت ببيان القمة من دون أن تُبدي أي نية للتخلي عن سلاحها – على الانصياع.

 

أما العقدة الأكثر إيلامًا فتكمن في الملف الفلسطيني نفسه، فدعوات القمة العربية لإقامة دولة فلسطينية موحدة (غزة والضفة) تبدو – رغم شعاراتها الكبرى – أقرب إلى «أمنيات معلقة» منها إلى استراتيجية عملية، خاصة مع استعداد إسرائيل المسبق لتصدّي أي خطوة في هذا الاتجاه. هل تُكتب الولادة الجديدة للدولة الفلسطينية على طاولة المفاوضات، أم ستُدفن مرة أخرى تحت ركام الرفض الإسرائيلي؟ المعادلة تُعيد إنتاج نفسها، بين حلمٍ عربيٍ قديم وحائط صهيونيٍ صلب.

 

إسرائيل تعزز موقفها الرافض للدولة الفلسطينية وسط تماهي أمريكي متزايد

 

تعارض حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، إلى جانب جزء كبير من شعبها، منح الفلسطينيين دولة مستقلة. ورغم أن الولايات المتحدة لم تتراجع رسميًا عن دعمها التقليدي لحل الدولتين، إلا أن إدارة ترامب تبدو متوافقة مع إسرائيل في العديد من القضايا، ما يثير تساؤلات حول مدى التزامها بقيام دولة فلسطينية.

 

من جهتهم، يحذر القادة العرب من أن تحويل فكرة ترامب بشأن “ريفييرا غزة” إلى واقع يعني القضاء تمامًا على أي فرصة لقيام دولة فلسطينية. ومع ذلك، تبنّت إسرائيل هذا الطرح بحماس، حيث قالت وزارة خارجيتها عبر منصة “إكس” مساء الثلاثاء إن رؤية ترامب تمثل “فرصة لسكان غزة لاتخاذ قراراتهم بحرية وإرادتهم المستقلة، وينبغي تشجيع ذلك!”

 

أما فيما يخص إعادة إعمار غزة، فإن المخطط العربي الذي تم الكشف عنه الثلاثاء يعد الأكثر وضوحًا في هذا الجانب، إذ يشير إلى أن عملية إعادة البناء قد تستمر حتى عام 2030، بتكلفة تصل إلى 53 مليار دولار، كما يدعو المخطط إلى عقد مؤتمر دولي الشهر المقبل لحشد التمويل والاستثمارات اللازمة، لكن يبقى السؤال المطروح: من سيتحمل هذه التكلفة؟

 

 

قمة القاهرة تُكشف انقسامات الواجهة العربية

 

تُوجَّه الأنظار دائمًا إلى الخزانات المالية الخليجية لتمويل إعمار المناطق العربية المنكوبة، لكن ملف غزة يطرح معادلةً أكثر تعقيدًا، فبينما اقترح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مشاركة أوروبية في عملية إعادة الإعمار، وأكد أنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبي في كلمته بالقمة أن الاتحاد الأوروبي “مستعد لدعم غزة بشكل ملموس”، ترفع دول خليجية – على رأسها السعودية والإمارات – سيف التشكيك: لماذا تُضخ مليارات الدولارات في إعمارٍ قد تطحنه الحروب مرة أخرى؟

 

المفارقة الأكثر لفتًا تجلّت في غياب معظم القادة الخليجيين عن قمة القاهرة الطارئة، حيث اقتصر الحضور على رئيسَي البحرين وقطر فقط. غيابٌ يُضعف الجبهة العربية الموحدة التي كانت مصر تأمل في تقديمها، ويثير تساؤلاتٍ عن مدى التزام الدول المانحة التقليدية بالخطة العربية. هل تتحول فاتورة إعمار غزة إلى ورقة ضغط سياسي في أيدي الخليج، أم أن شبح الدمار المتكرر حوّل القطاع إلى «استثمار فاشل» في حسابات النخب؟ المشهد ينتفض بتناقضاته، بين خطاب التضامن العربي وواقع الحسابات الباردة.

 

المصدر:

 

https://www.nytimes.com/2025/03/05/world/middleeast/gaza-arab-leaders-plan.html

 

اقرأ أيضًا:

 

الدول العربية تدرك جديّة ترامب بشأن غزة

 

صور الأقمار الصناعية تُظهر حجم الدمار الهائل في رفح

 

تصاعد التوترات بين مصر وإسرائيل.. ماذا بعد التصريحات؟

 

إسرائيل “تستفز مصر” من جديد في الحرب على غزة

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية