كشفت المحكمة الإسرائيلية عن تورط اثنين من الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فضيحة فساد جديدة تُعرف إعلاميًا باسم “قطر جيت”، تتعلق بمحاولات لتشويه الدور المصري في الوساطة بين تل أبيب وحماس، مقابل الحصول على رشاوى من أطراف مرتبطة بقطر.
ووجهت المحكمة اتهامات لكل من جوناثان أوريخ، مساعد نتنياهو، وإيلي فيلدشتاين، المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع، بالتورط في حملة إعلامية منظمة هدفت إلى تلميع صورة قطر في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، مقابل تشويه صورة الوساطة المصرية.
ووفقًا لتحقيقات السلطات الإسرائيلية، فقد تعاون المتهمان مع جاي فوتليك، أحد رجال الضغط في الولايات المتحدة المعروفين بدعمه للدوحة. وتبين أن أموالًا دُفعت لأوريخ وفيلدشتاين مقابل الترويج لروايات تخدم قطر إعلاميًا على حساب الدور المصري.
وتهدف هذه الأموال إلى تحسين صورة الدوحة في الإعلام الإسرائيلي خلال مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، مع تقليل دور مصر كوسيط رئيسي في تلك المفاوضات، ما أثار جدلا واسعا رغم نفي قطر بشدة هذه الاتهامات، معتبرةً إياها “ادعاءات كاذبة” تهدف إلى تقويض جهود الوساطة وتقويض العلاقات بين الدول الشقيقة.
قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن إسرائيل وجّهت سلسلة من الاتهامات إلى مصر، من بينها امتلاكها جيشًا قويًا، وزعمها بأن القاهرة تنتهك اتفاقية السلام عبر إنشاء قواعد عسكرية في شبه جزيرة سيناء. وأكد أن هذه الاتهامات تعكس حالة من الغضب الإسرائيلي تجاه الموقف المصري، خاصة بسبب رفض القاهرة القاطع لعمليات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.
ونفى السفير رخا أحمد في حديثه مع منصة “MENA” وجود أي دور قطري في تشويه صورة مصر خلال العملية التفاوضية الجارية بين إسرائيل وحركة حماس، مشددًا على أن التنسيق بين الجانبين المصري والقطري قائم ومتواصل. وأشار في هذا السياق إلى أن وزير الخارجية المصري كان قد أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره القطري قبل أربعة أيام فقط، ما يدحض بشكل قاطع الشائعات المتداولة في هذا الشأن.
ورأى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن توقيت تسريب هذه الشائعات ليس بريئًا، بل يأتي بهدف توجيه الأنظار نحو مسارات بعينها تخدم مصالح إسرائيل، متسائلًا: “هل القطريون يدفعون للمسؤولين الإسرائيليين أم للصحفيين؟ بالتأكيد يدفعون للصحفيين لكتابة المقالات وترويج هذه الأكاذيب”.
وأكد رخا أحمد أن التصريحات الإسرائيلية بحق مصر مرفوضة تمامًا، وتتناقض مع الواقع، مشيرًا إلى أن القاهرة سبق أن ردت على مثل هذه الاتهامات في مناسبات سابقة، وفي أحيان أخرى آثرت تجاهلها، نظرًا لأن الطرف الذي ينتهك اتفاقية السلام فعليًا هو إسرائيل، وليس مصر.
وأوضح أن كلاً من مصر وقطر تبذلان جهودًا مكثفة في الملف الفلسطيني، كلٌّ بحسب موقعه وعلاقاته، فالقاهرة تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة أمن قومي لا تقبل المساومة، بينما ترتبط قطر بعلاقات مباشرة مع حركة حماس والجهاد الإسلامي، كما تربطها في الوقت ذاته علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل، إلى جانب استثماراتها وعلاقاتها الأخوية مع مصر. متسائلًا: “لماذا ستسعى قطر لتشويه مصر إذن؟”
وشدد السفير رخا على أن العلاقات المصرية القطرية لن تتأثر بمثل هذه الشائعات، مؤكدًا أن المفاوضات ستُستأنف عاجلًا أم آجلًا، وأن الدولتين الشقيقتين، مصر وقطر، ستواصلان العمل المشترك من أجل وقف إطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تمهيدًا للانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن وزارة الخارجية القطرية كانت قد أصدرت بيانًا رسميًا تنفي فيه بشكل قاطع المزاعم المتداولة بشأن الإساءة إلى مصر أو عرقلة جهودها التفاوضية. ولفت إلى أن إسرائيل تحاول صرف الأنظار عن الوضع في غزة من خلال تصعيد عسكري متعمد في جبهات أخرى، سواء عبر قصف جنوب لبنان أو تنفيذ اعتداءات على الأراضي السورية، ضمن استراتيجية تستند إلى ما يُعرف بـ”الحرب الهجينة” التي تمزج بين الضغوط الإعلامية والنفسية والسياسية والعسكرية.
وفي خطوة لاحقة، قررت المحكمة الإسرائيلية الإبقاء على احتجاز المتهمَين ليومين فقط، رغم طلب الشرطة تمديد المدة لتسعة أيام، في إطار ما وصف بأنه تحقيق متواصل بشأن أنشطة دعائية سرية يُشتبه أنها نُفذت لصالح قطر.
القاضي مناحيم مزراحي، الذي ينظر في القضية، وجه انتقادات حادة لجهات إنفاذ القانون بسبب تسريبات مستمرة تنتهك أوامر حظر النشر التي فرضتها المحكمة. ومع ذلك، تم لاحقًا رفع الحظر عن مجمل القضية بطلب من محامي الدفاع أميت حداد، الذي اعتبر الاتهامات “عبثية”.
وتشير الإفادات القضائية إلى أن شركة ضغط أمريكية تُدعى “الدائرة الثالثة”، يمتلكها جاي فوتليك، تواصلت مع فيلدشتاين بهدف دعم صورة قطر في ملف الأسرى والمفاوضات مع حماس. كما أظهرت التحقيقات أن أوريخ لعب دور الوسيط بين الشركة وفيلدشتاين، الذي تلقى الأموال عبر رجل أعمال إسرائيلي مقيم في الخليج يدعى جيل بيرجر.
قال محمد ربيع الديهي، الباحث في الشأن التركي والشرق أوسطي، إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تشويه صورة مصر بشكلٍ أو بآخر، معتبرًا أن ما تقوم به إسرائيل في هذا الإطار هو محاولة لتشتيت الرأي العام العربي عن جوهر القضية الفلسطينية، وذلك من خلال استهداف دور الدولة المصرية في عملية الوساطة. وأوضح أن إسرائيل تحاول كذلك تشتيت الداخل الإسرائيلي بعيدًا عن قضية الأسرى والمحتجزين لدى حركة حماس، خاصة في ظل فشلها في تحريرهم حتى الآن.
وأضاف الديهي في حديثه لمنصة “MENA” أن الجهود المصرية لا تتوقف عند هذا الحد، بل جرى مناقشة هذه المسألة اليوم خلال القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وملك الأردن عبد الله الثاني، مؤكدًا أن الوساطة القطرية في عملية التفاوض لن تتأثر بمثل هذه الشائعات. وأشار إلى أن الهدف الرئيسي لقطر يتمثل في التعاون مع الدولة المصرية والولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار.
وتابع الديهي أن القيادة القطرية تدرك تمامًا أهمية ومحورية الدور المصري في عملية الوساطة، كما تعي جيدًا حجم الدعم المصري للقضية الفلسطينية، خاصة وأن مصر تعتبر القضية الفلسطينية “قضية القضايا”. وشدد على أن أي جهود أو مواقف قد تؤثر حاليًا على وجهة النظر المصرية القطرية سيتم تجاوزها في هذه المرحلة، من أجل تحقيق وقفٍ فوري لإطلاق النار، وتهيئة الأجواء لإعادة الحياة في قطاع غزة، ودعم مسارات إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن الجانب القطري قد نفى هذه الادعاءات جملة وتفصيلًا، مؤكدًا أن الهدف من ترويجها هو زعزعة العلاقات وشق الصف العربي. وشدد على أن القيادة القطرية تدرك بوضوح محورية الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، سواء من خلال جهود السلام أو دعم الاستقرار أو إعادة الإعمار. ولفت إلى أن الشائعات غالبًا ما يكون لها تأثير على مختلف الدول، وليس على قطر وحدها، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة امتلاك بيانات وأرقام دقيقة قبل الحديث عن أي تأثير سلبي محتمل على الدور القطري جراء هذه الادعاءات.
وكانت قناة “كان” الإسرائيلية قد بثت مؤخرًا تسجيلًا صوتيًا لبيرجر، يؤكد فيه تحويل الأموال من فوتليك إلى فيلدشتاين، عندما كان يشغل منصب المتحدث باسم نتنياهو.
وتكشف تفاصيل “قطر جيت” عن اتهامات بالرشوة والاحتيال واستغلال النفوذ، حيث يُشتبه بأن الحملة كانت تهدف لتغيير مواقف الرأي العام والسياسيين في إسرائيل لصالح قطر، خاصة قبيل انطلاق كأس العالم 2022 في الدوحة. وتشمل التهم الموجهة للمتهمين: الرشوة، والتعاون مع جهات أجنبية، والإخلال بالثقة، وتبييض الأموال، إضافة إلى مخالفات ضريبية.
وبحسب ما ورد في التحقيقات، فإن فيلدشتاين تلقى مبالغ مالية من جيل بيرجر، الذي عمل وسيطًا لنقل أموال من جماعات ضغط قطرية، بينما كان فيلدشتاين ناشطًا ضمن الفريق الإعلامي القريب من نتنياهو. من جهتهم، أقر محاموه بتلقي الأموال، لكنهم نفوا أي علاقة لها بقطر، مؤكدين أنها جاءت في إطار “خدمات استراتيجية”.
وتتوسع القضية لتشمل جوانب سياسية وأمنية، حيث تُظهر المعلومات المتوفرة أن المتهمين ربما سعوا للتأثير على صناع القرار داخل الحكومة الإسرائيلية مقابل تلقيهم أموالًا، وهو ما قد يُعرضهم في حال الإدانة لعقوبات مشددة، تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا، خاصة في حال ثبوت نية التجسس أو تسريب معلومات حساسة.
اقرأ أيضًا:
مخططات التهجير.. كيف ترسم إسرائيل مستقبلًا سيئًا لغزة؟
إلغاء زيارة نتنياهو المحتملة إلى القاهرة.. وسياسيون: دور على اللغز
ما وراء حل نتنياهو لمجلس الحرب الإسرائيلية؟
الدول العربية تدرك جديّة ترامب بشأن غزة