شهدت مدينة العريش، الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، والتي تتمتع بموقع جغرافي بالغ الأهمية جعل منها حلقة وصل إنسانية واقتصادية بين مصر وقطاع غزة، أول زيارة على مستوى رفيع للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع.
مر موكب السيسي وماكرون بعد وصولهما عبر مطار العريش، وسط حشود حملتهم حافلات من مختلف محافظات الجمهورية، ليتجمعوا منذ صباح الثلاثاء قرب محيط مطار العريش الدولي، في منطقة صحراوية على الطريق الدولي “العريش – الحسنة”، جنوب عاصمة شمال سيناء، بالتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
أثبت المحتشدون من أبناء ومشايخ ورموز قبائل سيناء حضورهم، إذ توافدوا منذ ساعات الصباح الأولى مرتدين الزي الوطني السيناوي، واصطفوا على جانبي الطريق بصحبة أبناء المحافظات الذين عبروا القناة في ظروف استثنائية عبر أنفاق “تحيا مصر” بمدينة الإسماعيلية، لتأييد قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي وتأكيد رفض مخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. ورفع المشاركون لافتات كُتب عليها “لا للتهجير”، كما رفعوا صور الرئيس السيسي، إلى جانب علمَي مصر وفلسطين.
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته لمدينة العريش، إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ودعم إيصال المساعدات بشكل كامل، معلنًا تأييده للخطة العربية لإعمار غزة. كما أكد رفضه للتهجير القسري للسكان أو أي عملية ضم، سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة، مشددًا على ضرورة إبعاد “حماس” عن الحكم. ووصل ماكرون إلى العريش كمحطة أخيرة في زيارة رسمية إلى مصر استمرت 48 ساعة، تمحورت حول الحرب على غزة، إلى جانب ترفيع العلاقات المصرية الفرنسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
حظيت زيارة ماكرون والمظاهرات الرافضة للتهجير بتغطية إعلامية واسعة من القنوات والمواقع الصحفية شبه الرسمية. كما شارك عدد من الأحزاب المحسوبة على الدولة، من بينها حزب “مستقبل وطن”، و”حماة وطن”، و”المؤتمر”، في حشد المتظاهرين في العريش ورفح عبر أتوبيسات انطلقت من مختلف المحافظات، بحسب صفحات المشاركين في هذه التحركات على فيسبوك، وذلك “لإظهار التأييد للموقف الرئاسي الرسمي الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة”، خلال زيارة السيسي وماكرون لشمال سيناء.
وزار الرئيسان العريش، بعد يومٍ من قمة ثلاثية جمعتهما مع ملك الأردن في القاهرة، استهدفت دعم الخطة العربية في مواجهة خطة التهجير المقترحة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشهدت القمة اتصالًا هاتفيًا جمع القادة الثلاثة بترامب.
وبحسب المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، ناقش القادة خلال المكالمة سبل الوقف العاجل لإطلاق النار، واستئناف دخول المساعدات، وإطلاق سراح الرهائن، وتهيئة مناخ سياسي جاد لإنهاء معاناة الفلسطينيين وتنفيذ حل الدولتين، كما اتفقوا على البقاء على اتصال وثيق.
أطلقت الزيارة رسائل مصرية – فرنسية من العريش، أهمها مطالبة الرئيسين السيسي وماكرون بالعودة إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي موقف مصر الراسخ، قيادة وشعبًا، في دعم الأشقاء الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن مصر تبذل جهودًا حثيثة ومساعي دبلوماسية مكثفة بهدف التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.
كما دعا السيسي إلى العمل على إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة إلى أهالي القطاع، حفاظًا على أرواح الأبرياء، وحماية الشعب الفلسطيني الشقيق من تداعيات العدوان. ووجّه الرئيس الشكر للجانب الفرنسي على الدعم الذي يقدمه في تقديم الرعاية الطبية اللازمة للجرحى الفلسطينيين.
ووفقًا للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، فإن الزيارة تأتي لتأكيد تضامن فرنسا مع الجهود المصرية الكبيرة في استقبال ورعاية المصابين من أبناء الشعب الفلسطيني جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.
وشملت الزيارة تفقد الرئيسين السيسي وماكرون لمستشفى العريش ولقاءهما عددًا من الجرحى الفلسطينيين، لا سيما من النساء والأطفال، وكذلك زيارة مركز الخدمات اللوجستية التابع للهلال الأحمر المصري المخصص لتجميع المساعدات الإنسانية المقدمة من مصر والدول الأخرى الموجهة إلى قطاع غزة.
وأوضح متحدث الرئاسة أن وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، استعرض أمام الرئيسين خلال زيارتهما لمستشفى العريش العام الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتوفير الرعاية الصحية والعلاج اللازم للمصابين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة.
وأشار إلى أن مصر استقبلت نحو 107 آلاف فلسطيني، أُجريت لهم الفحوصات الطبية اللازمة، وتم تطعيم 27 ألف طفل فلسطيني.
وأضاف أن المستشفيات المصرية استقبلت أكثر من 8 آلاف مصاب فلسطيني يعانون من جروح متفرقة، برفقة 16 ألف مرافق، وتم إجراء أكثر من 5160 عملية جراحية. واستقبلت 300 مستشفى في 26 محافظة مصرية المصابين والمرضى الفلسطينيين، بينما يتواجد حاليًا مصابون في 176 مستشفى موزعة على 24 محافظة، مع توفير الإقامة والإعاشة لجميع المرافقين.
وفيما يتعلق بجهود الإسعاف، فقد تم تخصيص 150 سيارة إسعاف بمحافظة شمال سيناء لاستقبال الحالات القادمة عبر المعبر من الهلال الأحمر الفلسطيني، ثم توزيعهم على المستشفيات المصرية بمشاركة 750 مسعفًا وسائقًا.
وقال وزير الصحة إن إجمالي تكلفة الخدمات الطبية التي قدمتها مصر بلغت نحو 578 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى مليار دولار، خاصة مع تحمّل الدولة نفقات الإعاشة والاستضافة والإقامة، مع الأخذ في الاعتبار أن حجم المساعدات العينية التي تلقتها مصر من الدول لا يتجاوز 10% من إجمالي التكلفة.
حرص السيسي وماكرون على لقاء المرضى والجرحى في مستشفى العريش، على بعد 50 كيلومترًا من معبر رفح، وزارا عدة أجنحة من بينها غرفة ألعاب للأطفال، وحمل الرئيس السيسي ورودًا بيضاء للمرضى الذين يتلقون العلاج بالمستشفى القريب من قطاع غزة.
وأكد الرئيس الفرنسي أن قطاع غزة، الذي يعيش فيه مليونا شخص “محاصر”، لا يمكن الحديث عنه كمجرد “مشروع عقاري”.
وأضاف: “لا يمكننا محو التاريخ والجغرافيا. لو كان الأمر ببساطة مشروعًا عقاريًا أو استحواذًا على أراضٍ… لما اندلعت الحرب من الأساس”.
واعتبر ماكرون أن استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة هو “أولوية الأولويات”. وقال من مدينة العريش: “الوضع اليوم في غزة لا يمكن التساهل معه، وهو لم يكن يومًا بهذا السوء”.
وأضاف: “نطالب أولًا باستئناف دخول المساعدات في أسرع وقت ممكن”.
أكد اللواء الدكتور خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، لمنصة “MENA“، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة العريش تمثل حدثًا تاريخيًا ذا دلالات سياسية واقتصادية كبيرة، وأثارت فرحة واسعة بين أبناء المحافظة.
وأضاف مجاور أن أهالي شمال سيناء شعروا بسعادة بالغة بوجود الرئيس السيسي على أرض المحافظة، حيث لم يسبق أن زارها أي رئيس أوروبي في التاريخ الحديث، باستثناء الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير، ورئيس دولة الإمارات.
وأشار إلى أن الزيارة لاقت تفاعلًا شعبيًا كبيرًا، مضيفًا: “لم ينم أحد في المحافظة من شدة الفرح، وتلقيت عشرات الاتصالات من المواطنين الراغبين في المشاركة في أعمال التزيين والترحيب بالرئيسين، في مشهد يعكس حب وتقدير أهالي سيناء لقيادتهم السياسية”.
وأوضح المحافظ أن ماكرون تجول داخل مستشفى العريش العام، حيث التقى المصابين الفلسطينيين، وحرص على مصافحة الأطقم الطبية والتمريض، واستمع إلى شرح مفصل حول الحالات الموجودة بالمستشفى، مشيرًا إلى أن ماكرون بدا متأثرًا بشهادات المرضى الذين تحدثوا عن معاناتهم منذ اندلاع الحرب حتى وصولهم إلى الأراضي المصرية.
أضاف المحافظ أن المرضى الفلسطينيين نقلوا لماكرون مشاعرهم الصادقة تجاه الاستقبال الحافل الذي تلقوه على المعبر، والرعاية الطبية والإنسانية التي وفّرتها لهم الدولة المصرية منذ لحظة دخولهم، مؤكدين أن الدعم الذي تلقوه خفف كثيرًا من آلامهم ومعاناتهم.
حرص المشايخ، برفقتهم أعداد من الشباب الوجهاء من مختلف المناطق، على الحضور من قراهم وتجمعاتهم البعيدة إلى مدينة العريش للمشاركة. وأكد المشاركون من وسط سيناء أن مشاركتهم جاءت تعبيرًا عن انتمائهم العميق لتراب الوطن، وتأكيدًا على وحدة الصف الوطني خلف القيادة السياسية المصرية، ورفضًا قاطعًا لأي محاولات لتهجير الأشقاء الفلسطينيين أو البحث عن بدائل لأرض غزة، وعلى رأسها سيناء.
وقال الشيخ سلامة الأحمر، أحد مشايخ قبائل الترابين في وسط سيناء: “قطعنا المسافات من عمق الصحراء إلى العريش لنقول كلمتنا أمام العالم: إن سيناء ستظل مصرية، ولن تكون بديلًا عن غزة، وإننا مع القيادة السياسية في موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “وجودنا اليوم رسالة لكل من يظن أن سيناء يمكن أن تكون أرضًا بديلة. فنحن هنا حماة الأرض، ولن نسمح بذلك مهما كانت التحديات”.
من جانبه، قال الشيخ محمد سلامة جهامة: “أبناء وسط سيناء اعتادوا أن يكونوا في الصفوف الأولى عند المواقف الوطنية، واليوم جئنا لنساند رئيسنا ونرحب بالضيف الفرنسي، ولنعلن أمام الجميع أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء مرفوض دينيًا ووطنيًا وقوميًا”. وأشار إلى أن الوعي الوطني لأبناء سيناء أقوى من كل الشائعات والمخططات، وأنهم يقفون صفًا واحدًا مع كل المصريين في دعم الدولة ورفض أي مساس بالسيادة الوطنية.
فيما أوضح علي الجعيل، من قيادات المجتمع التعليمية في وسط سيناء، أن المشاركة الواسعة من مختلف فئات المجتمع السيناوي، وعلى رأسهم المعلمون والمثقفون، تعكس عمق الانتماء والوعي، مضيفًا: “نحن كمربين للأجيال نؤمن أن واجبنا لا يقتصر على التعليم داخل الفصول، بل يمتد إلى حماية الوعي الوطني لدى أبنائنا. جئنا اليوم لنعلّم أبناءنا درسًا حيًا في الوطنية، مفاده أن فلسطين قضيتنا، وسيناء ليست بديلًا لها، وأن القيادة السياسية تمثل صوت الشعب الرافض للتفريط في أرضه أو التهاون في قضاياه”.
وقد توافد أبناء القبائل في وسط سيناء منذ ساعات الفجر الأولى، حاملين الأعلام المصرية والفلسطينية، ومرددين الهتافات المنددة بالعدوان الإسرائيلي والمؤيدة للحق الفلسطيني، ومن أبرز تلك الهتافات: “من وسط سينا جايين.. نقول لا للتهجير”، و”سينا مش للبيع.. وغزة ما تتهجر”.
ورغم نجاح زيارة السيسي وماكرون في تحويل أنظار العالم إلى مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء المصرية، التي باتت رمزًا للمواقف الإنسانية والتضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في خطوة تعكس أهمية وقيمة الدور الحيوي الذي تؤديه هذه المدينة الساحلية في زمن الأزمات، إلا أن الزيارة حفلت بالعديد من المشاهد والمواقف التي أثارت غضب المحتشدين القادمين من مختلف المحافظات المصرية.
وصلت أتوبيسات المحتشدين إلى العريش في الصباح الباكر، عبر نفق الإسماعيلية، الذي لا يُسمح في الظروف العادية بدخول شمال سيناء من خلاله إلا لحاملي بطاقة رقم قومي من المحافظة، أو حاملي كارنيه موظف أو طالب فيها. كما وصلت الأتوبيسات عبر الطريق الأوسط، الذي كان مغلقًا منذ يوم الاثنين السابق للزيارة، ومنع الأمن الموظفين والمدرسين العاملين في وسط سيناء من استخدامه للخروج من العريش.
في محيط المطار، حُددت منطقة للاحتشاد محاطة بكردون أمني، أُفرغت فيها الأتوبيسات من حشود المشاركين، الذين حملوا صور الرئيس ولافتات تأييد ورفض للتهجير، وتعالت الهتافات التي بدأت في نقاط التجمع في المحافظات، ونقلتها وسائل الإعلام المصرية، مثل “القاهرة الإخبارية” و”إكسترا نيوز”، المسموح لها فقط بالتواجد في شمال سيناء لتغطية ما يخص الحرب في قطاع غزة.
وبعد ساعات، وتحت تأثير الحرارة الشديدة وغياب المحلات التجارية في منطقة المطار، أصيب العشرات من المحتشدين بحالات إغماء. ووفقًا لمصدر في “الهلال الأحمر”، رفض ذكر اسمه لدواعٍ مهنية، قال لمنصة “MENA“: “فرق الجمعية حملت الكثيرين ونقلتهم إلى سيارات الإسعاف التي كانت تقف على مسافة من الحشد خارج الكردون المخصص للتظاهر. الناس ما استحملتش حر شديد ومفيش مياه”، نافيًا وجود وفيات رغم تردد أنباء عن وفاة ثلاث سيدات مسنات من المحافظات، تأثرن بضربة شمس وتم نقلهن إلى محافظاتهن.
وقال أحد سكان العريش ممن شاركوا في المظاهرة لمنصة “MENA“: “أفراد الأمن منعوا نقل حالات الإغماء إلى سيارات الإسعاف حين علموا بوصول الرئيسين المصري والفرنسي إلى المطار، خوفًا من احتمالية خروج الموكب في أي لحظة من داخله. الناس كانت شايلة المصابين وبتترجى في الأمن ينقلوهم للإسعاف، لكن قوبل الطلب بالرفض لحد ما الموكب عدى”.
قبل الزيارة، تفاجأ عدد من المصابين الفلسطينيين، ممن سبق إخراجهم من مستشفى العريش العام قبل استكمال علاجهم، والمقيمين بعمارات مخصصة لإقامتهم في حي السبيل جنوب العريش، بوصول حافلات من محافظة شمال سيناء لنقلهم إلى المستشفى. وتم وضعهم في غرف أُعدت خصيصًا بأثاث وأسِرّة حديثة ومفروشات جديدة، كما تم تجهيز صالة ألعاب للأطفال الفلسطينيين داخل المستشفى.
هذا الاهتمام المفاجئ بالمصابين والمرضى الفلسطينيين وتفريغ طابق كامل من مستشفى العريش أثار استياء المرضى المصريين الذين تم نقلهم من غرفهم قبل زيارة السيسي وماكرون، وأعربوا عن شعورهم بالإهمال.
وقالت إحدى المواطنات التي كانت تستكمل علاجها في المستشفى: “فيه تمييز كبير جدًا في المعاملة. المرضى الفلسطينيين بيقدموا لهم كل حاجة، بينما إحنا مهملين تمامًا. منعوا عنا اللبس الخاص بالمستشفى والبطاطين، أمال بتروح فين الحاجات دي؟ ده اللي داخل ياخد جلسة أكسجين بيقولوا له: هات بطانيتك وملابسك معاك”.
واشتكى أحد المواطنين القادمين من محافظة الإسماعيلية للمشاركة في استقبال السيسي وماكرون من معاناة الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة عدة ساعات دون توفير مظلات واقية أو مياه للشرب. وقال لمنصة “MENA“: “الناس كانت تعبانة ومحتاجة أبسط حاجة، ومحدش حس بيهم. لا زجاجة مياه واحدة، ولا خدمة لوجستية بسيطة قدموها للناس اللي كانت واقفة بالساعات، والجو كان شديد الحرارة. وكان من الطبيعي إنهم يوفروا أبسط سبل الراحة، لكن للأسف كان فيه تجاهل وغياب تام سواء من المحافظة أو اتحاد القبائل والعائلات المصرية أو الأحزاب”.
وسبق زيارة السيسي وماكرون فرض إجراءات أمنية مشددة، تضمنت إغلاق معظم الشوارع الرئيسية، ما ساهم في تقطيع أوصال المدينة، وأعاق حركة المواطنين وأثار استياءهم، خاصة مع صعوبة الوصول إلى الأسواق ووسط المدينة. اضطر السكان إلى السير لمسافات طويلة تحت الشمس للوصول إلى الخدمات، ما منعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
ورغم ذلك، من بين أبرز إيجابيات الزيارة تسليط الضوء على ميناء ومطار العريش، اللذين يُعدّان شرياني الحياة الوحيدين اللذين يستقبلان قوافل الإغاثة والمساعدات الطبية إلى غزة بحرًا وجوًّا، محمّلين بالمواد الإغاثية، والمستلزمات الطبية، والمستشفيات الميدانية والعائمة.
وتُنقل المساعدات من ميناء ومطار العريش على متن شاحنات عبر الطرق المؤمّنة إلى معبر رفح البري، لتصل إلى الفلسطينيين في غزة، وذلك بتنسيق تشارك فيه مؤسسات الدولة المصرية بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري ومنظمات دولية.
كما تُعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى مدينة العريش خطوة سياسية وإنسانية بارزة، تأتي تأكيدًا على دعم فرنسا للجهود المصرية في توفير الإغاثة لقطاع غزة، وتقديرًا للدور الريادي الذي تلعبه مصر في إدارة الأزمة وتيسير وصول المساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحاصر.
وتعكس الزيارة أيضًا رسالة دعم وتقدير للمجتمع المحلي، الذي أظهر تماسكًا وتعاونًا مع مؤسسات الدولة في تسهيل مرور المساعدات، وتقديم الخدمات اللوجستية، فضلًا عن المشاعر الأخوية التي يحملها المصريون تجاه غزة وشعبها.
ولم يقتصر دور مدينة العريش على استقبال المساعدات، بل تحوّلت إلى منصة إنسانية دولية، مع وصول مستشفيات ميدانية عائمة مثل السفينة الفرنسية “ديكسمود”، والإيطالية “فولكانو”، والإماراتية التي أبحرت من ميناء خليفة، حيث استقبلت هذه السفن الجرحى والمصابين الفلسطينيين، وقدمت لهم الرعاية الطبية المتقدمة، بفضل تجهيزات شملت غرف عمليات، ووحدات عناية مركزة، وأطقمًا طبية عالية الكفاءة.
وتأتي هذه الزيارة في وقت يتعزز فيه دور العريش على المستويين الإقليمي والدولي، ليس فقط كميناء إنساني، بل كمدينة تنبض بالحياة والتاريخ والكرامة. وقد ظلّت العريش صامدة في وجه التحديات، متشبثة بدورها الوطني والإنساني.
اقرأ أيضًا:
مخططات التهجير.. كيف ترسم إسرائيل مستقبلًا سيئًا لغزة؟
تحدي التهجير.. إلغاء زيارة السيسي للبيت الأبيض
عمرو حمزاوي: الشعب الأمريكي يرفض التهجير والأوروبيون في “حيص بيص”.. وهذا خيار مصر | حوار
قطر جيت.. حيلة إسرائيلية لخلط أوراق الحل في غزة