سياسة

تقارب مصري أفريقي.. هل تتخذ مصر خطوات حاسمة ضد توغل أثيوبيا في البحر الأحمر؟

تقارب مصري أفريقي ملحوظ، ازداد مؤخرًا نظرًا لأبعاد جيواستراتيجية لمصر في القرن الأفريقي، وتحديدًا بعد تعثر مفاوضات سد النهضة والوصول إلى طريق مسدود بها، فأخذت مصر على عاتقها توطيد العلاقات مع الصومال ورفعت مستوى التعاون معها إلى “شراكة استراتيجية”، ثم وطدت علاقتها بإريتريا وظهر ذلك جليًا في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس المخابرات العامة آنذاك اللواء عباس كامل، فما وراء هذا التقارب المصري الإفريقي على الجانبين الصومال والإيريتري؟.

 

قبل أيامٍ، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح، بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج وحسن رشاد رئيس المخابرات العامة، حيث بحث الجانبان مستجدات القرن الأفريقي وسبل تحقيق الاستقرار والمضي قدمًا في التنسيق الثلاثي الذي يضم مصر وإريتريا والصومال.

 

شراكة شاملة.. ما الذي تريده مصر؟

 

وحول التقارب المصري الأفريقي، قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن العلاقات المصرية الإريترية تُشكّل قيمة مضافة للعلاقات المصرية في منطقة القرن الأفريقي في ظل رغبات متزايدة لنقل العلاقات فيما بينهم إلى مستوي الشراكة الشاملة سياسيا واقتصادية وأمنيا، على غرار ما حدث في العلاقات المصرية الصومالية، والذي عزّز من الرؤية الموحدة للملفات المشتركة بين البلدين.

 

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في تصريحات خاصة، أن هذا هو السبب الرئيسي في تحرك البلدين – مصر وإريتريا – لزيادة الزيارات المتبادلة بين البلدين، والتى كان آخرها زيارة وزير خارجية إريتريا لمصر في مارس الماضي، ومن قبلها زيارة وزير الخارجية المصري إلى إريتريا في فبراير الماضي، وهو ما يعكس أهمية توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين.

 

تنسيق ثلاثي.. هل يُنذر بخطوات مقبلة؟

 

وتابع الدكتور حامد فارس أن هذه الزيارات تؤكد على عمق الروابط التاريخية بين مصر وإريتريا من جهة وعلاقات البلدين بالصومال من جهة أخرى، والتنسيق بين الدول الثلاث خاصة بعد الاجتماع الذي عقد في القاهرة يناير الماضي والذي شهد توحيد المواقف السياسية ومحاولة توفيق الآلية المشتركة بين الدول الثلاث والتى تؤكد أيضًا وجود إرادة سياسية مشتركة لإيجاد مواقف موحدة وقوية في كثير من القضايا محل الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سبل دعم السلم والأمن في منطقة القرن الأفريقي، وتحديد دعم الصومال في مكافحة التنظيمات الإرهابية.

 

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن هناك أيضا دعم وتنسيق بين إريتريا ومصر للدولة الوطنية في السودان وأمن الملاحة في البحر الأحمر، وأيضًا مشكلة السد الأثيوبي الذي هو محل نقاش دائما بين الدول الثلاث والذي شهد انتهاك صارخ للقوانين الدولية للأنهار العابرة للحدود ، فضلًا عن أهمية هذا التقارب في وقتٍ حرج بالنسبة لملف سد النهضة الأثيوبي والذي يعد أكثر الملفات الشائكة.

 

وأكد “فارس” أن الجانب الإثيوبي يصر على تعنته الواضح في محاولة لاحتكار مياه النيل لها فقط، ومحاولة تسيس قضية المياه وممارسة الضغوط علي الدولة المصرية، وأن التقارب المصري بين إريتريا والصومال سيمثل عامل ضغط كبير علي أثيوبيا خلال الفترة المقبلة للوصول إلى تفاهمات بخصوص السد الإثيوبي وذلك وفقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

 

ترقب مصري وملفات متشابكة

 

أما إسلام فكري مدير المركز العربي للدراسات الأفريقية، قال إن هناك حالة ترقب مستمر من الدولة المصرية من تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال، بجانب التخوف من التواجد الأثيوبي فيها والذي يهدد الأمن القومي المصري، حيث تعد الصومال امتداد للأمن القومي المصري وظهر ذلك جليًا في عدة قضايا، لكن القضية الأهم الآن أمن البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب والتنسيق المشترك بين مصر وإريتريا والصومال فيما يخص أزمة سد النهضة.

 

 

وأضاف مدير المركز العربي للدراسات الأفريقية، أن أكبر التهديدات التي تراقبها الدولة المصرية عن كثب هي المساعي الإثيوبية للحصول على موانئ حربية أو مدنية في الصومال، وكذلك سيطرة حركة الشباب الصومالي علي بعض الأجزاء وفرضت سيطرتها بالكامل على الأراضي الصومالية يمثل خطر إضافي على الملاحة في البحر الأحمر بجانب سيطرة الحوثيين في الجهة المقابلة باليمن، خاصة وأن مصر تعاني بالأساس وتتأثر اقتصاديا بهجمات الحوثيين على البحر الأحمر.

 

تأمين البحر الأحمر.. منع خسائر أخرى

 

وشدد مدير المركز العربي للدراسات الأفريقية على حاجة الدولة الصومالية لدعم عسكري شامل من أسلحة بجانب تدريب قواتها على مواجهة مثل تلك الممارسات المهددة الأمن القومي، والذي قد يصل إلى تعاون عسكري مشترك بقوات مصرية لتأمين الصومال داخليا وخارجيا، وفقًا لمستوى التعاون بين مصر والصومال والذي ارتقى مؤخرًا لمستوى شراكة استراتيجية غير مسبوقة.

 

وأوضح “فكري” أن التعاون المشترك بين الدولة المصرية مع اريتريا والصومال ليس الهدف منه المكايدة مع إثيوبيا، بل تعزيز الأمن الملاحي في البحر الأحمر خاصة وأن مصر تمتلك طرق كثيرة للضغط على الإدارة الأثيوبية وتحجيم نفوذه داخل منطقة القرن الأفريقي ، مؤكدًا أن هناك فصل تام بين التعاون مع الصومال وإريتريا عن قضية استحواذ إثيوبيا علي مياه النيل عن طريق السد، وأن هناك طرق أخرى تتعامل بها القيادة السياسية في مصر مع ذلك الملف.

 

رسالة غير مباشرة لأثيوبيا

 

وأشار مدير المركز العربي للدراسات الأفريقية أن اللقاء بين مصر وإريتريا قد يكون طريقة لإرسال رسالة مباشرة للجانب الإثيوبي بأن مصر تمتلك القدرات لتضيق النطاق على أثيوبيا في هذه المنطقة والهدف منها زيادة الأدوات المصرية ليس أكثر.

 

وكشف “فكري” أن هناك الآليات والأدوات المختلفة للقيادات المصرية للضغط على الجانب الإثيوبي أبرزها التعاون العسكري مع تنزانيا وكينيا بجانب التعاون مع جنوب السودان، وأن مصر لا تمتلك أطماع السيطرة على القارة كما يحاول الإعلام الأثيوبي دائمًا تصديره، ولكن هناك رغبة ملحة للتواجد في منطقة القرن الأفريقي سواء اقتصاديا أو عسكريا، مؤكدا أن سد جيوليس في تنزانيا والذي سيمثل طريقة أخرى للضغط بجانب توطيد العلاقات الاقتصادية داخل دول القرن الأفريقي.

 

هل تشتعل أزمة الدول المتشاطئة؟

 

فيما قال أحمد جيسود، المحلل السياسي الصومال، إن التقارب بين مصر وإريتريا هدفه الأول ما تُدبر له أثيوبيا من مكائد ضد مصر والصومال والسودان، فمن جهة تحاول إسرائيل بالتعاون مع أثيوبيا العبث بأمن البحر الأحمر، وذلك عبر سيطرة أثيوبية على الموانئ في الصومال وإريتريا، ومن جهة أخرى تراوغ أثيوبيا في ملف سد النهضة المتأزم، لذا كان يجب على مصر أن توطد علاقتها مع إريتريا، في ظل محاولات أثيوبية للهيمنة على البحر الأحمر، رغم أنها دولة غير متشاطئة.

 

وتوقع “جيسود” في تصريحات خاصة، أن يتخذ الثلاث دول الأفريقية موقفًا موحدًا تجاه عدد من القضايا المشتركة بينهم، وذلك لتعزيز أمن البحر الأحمر ومنع استغلال أثيوبيا وتوغلها في دول أخرى، وربما هذا يرتبط بتصريحات وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي في يناير الماضي، والذي قال خلالها إن أن أمن البحر الأحمر قاصر فقط علي الدول المتشاطئة، ومصر لا تقبل بأى تواجد عسكرى به، وستدافع عن ذلك بأي ثمن ومهما كان حجم التحديات.

 

 

 

وأضاف المحلل السياسي الصومال أن تعزيز التعاون بين مصر وأثيوبيا وإريتريا ربما يسفر خلال الأشهر القليلة المقبلة على على تحركات مفاجئة دولية إذا واصلت اثيوبيا رغبتها ومناوراتها للسيطرة على البحر الأحمر، وهو ما سيعرف دوليا بمعركة الدول المتشاطئة مع الدول غير المتشاطئة، وهو أمر مرفوض ومحسوم من الثلاثة دول الأفريقية.

 

اقرأ أيضًا:

 

لسد الطريق على إثيوبيا.. السيسي يستقبل رئيس الصومال للمرة الرابعة

 

البحث عن منفذ بحري.. لماذا تستعد إثيوبيا لحرب مع إريتريا؟

 

معركة “الدول المتشاطئة” تشعل الخلاف مجددًا بين مصر وأثيوبيا.. ما القصة؟

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية